منتديات الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائردخول

منتديات الجزائر


description ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟ Empty ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟

more_horiz
إن دراسة أصول الفقه دون مقاصد الشريعة لا تكفي لتنزيل الأحكام الشرعية على الواقع ، و قد يقول القائل:
ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟

إن
أصول الفقه علم يهتم بكيفية استنباط الأحكام الشرعية؛ أي القواعد العامة
في الاستنباط، مثل قولهم "الأمر للوجوب" و"النهي للتحريم"، فعلم أصول الفقه
يعتني بالخطاب الشرعي أما علم مقاصد الشريعة فيعتني بالحكم الشرعي : "حكمة
الشارع في تكليف المكلف به".
فإن كان علم أصول الفقه يهتم بالبحث في
كيفية استخراج القواعد اللازمة لاستنباط الحكم الشرعي، فمقاصد الشريعة تهتم
بجملة الأحكام الشرعية وتعليلها؛ أي ما المقصود منها، وُنعبّر عن ذلك
بقولنا أن:
علم الأصول يدرس مقاصد الخطاب، وعلم مقاصد الشريعة يدرس مقاصد الأحكام.


فعلم مقاصد الشريعة يبدأ عند انتهاء علم الأصول لكنه مُتمّم له عند تنزيله على الواقع في المسائل الفقهية.

مما
سبق يتضح الاختلاف بين العلة في القياس و العلة في المقاصد؛ فالعلة في
القياس هي المناط الذي ربط به الحكم، أما التعليل في المقاصد فهو الحكمة
التي من أجلها وضع الحكم.
فلو نظرنا إلى شرب الخمر نجد العلة التي ربط
بها التحريم هي الإسكار؛ فكل مُسكر خمر، أما الحكمة من التحريم فهي حفظ
العقل، و هنا تظهر أهمية مقاصد الشريعة؛ فأحكام الشريعة إنما وُضعت
لمقاصدَ، لذلك كان لابد من مراعاتها عند تنزيل الحكم الشرعي، فإن كان علم
الأصول يُطبَّق ويُستنبَط من آحاد المسائل، فعلم المقاصد يُستنبَط من مجموع
الأحكام، لذلك كان علم المقاصد لا يُتقنه إلا من أحاط بأحكام الشريعة.


قال
الإمام الشاطبى رحمه الله في كتابه الاعتصام بعد ذكره مناظرة بين ناصر
السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله وأحمد بن أبى دؤاد المعتزلى فى بدعة
القول بخلق القرآن: "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد ، وهو
الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض ؛ فإن مأخذ الأدلة عند
الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت
من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامها المرتب على خاصها ، ومطلقها
المحمول على مقيدها ، ومجملها المفسر ببينها . . . . إلى ما سوى ذلك من
مناحيها ، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام ؛ فذلك الذي نظمت به
حين استنبطت .
وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي ، فكما أن
الإنسان لا يكون إنسانا ( حتى ) يستنطق فلا ينطق ؛ لا باليد وحدها ، ولا
بالرجل وحدها ، ولا بالرأس وحده ، ولا باللسان وحده ، بل بجملته التي سمي
بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا
بجملتها ، لا من دليل منها أي دليل كان ، وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك
الدليل ؛ فإنما هو توهمي لا حقيقي ؛ كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا
حقيقة ؛ من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان ؛ لأنه محال .
فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة".اهــ الاعتصام الشاطبي (صفحة 312)

مراعاة
المقاصد عند تنزيل القواعد الأصولية في المسائل الفقهية لابد منها، وإلا
لجاء الحكم على نقيض ما يريده الشرع و لِتبْيان ذلك نضرب مثلا تطبيقيا:

مسجد
صغير في أحد المدن الإسلامية ضاق على المصلين يوم الجمعة، ففتح الإمام
مكانا للنساء !!! الأصل أن الجمعة واجبة على الرجال لا على النساء، فإن كان
المسجد يضيق بالرجال فالأصل تقديم الواجب المفروض على الرجال قبل المندوب
للنساء، لأن صلاة الجمعة ليست واجبة عليهن ، هذا الذي تقتضيه القواعد
الأصولية تقديم الواجب على المندوب.

لكن لنذهب الآن لنفس المسألة في
أحد المدن الفرنسية فلو طبقنا القاعدة على ظاهرها دون النظر إلى مقاصد
الشريعة لأوجبنا ضررا من دون أن ندري؛ فالمرأة المسلمة في المدن الفرنسية
تحتاج لتوعية، و للحفاظ على دينها، وغير المسجد لامكان لها لتعلم دينها،
فلو منعنا النساء من المسجد الضيق -مع العلم أن المساجد بعيدة، ليست كمثل
المدن الإسلامية: فلا يمكنها الذهاب إلى غيره- لفصلنا المرأة عن دينها من
حيث لا نشعر، والذي تقتضيه مقاصد الشريعة أن للرجال أن يتقاسموا المكان
الضيق، فمن لم يستطع السجود على الأرض يسجد على ظهر أخيه، لكن المرأة لا
يمكن منعها من المسجد، لأنه المكان الوحيد الذي تتعلم فيه و من ورائها جيل
من الأطفال، فلو حرمناها من بعض نور الإسلام نكون قد حرمنا جيلا بأكمله.

لتنزيل
القواعد الأصولية لابد من النظر إلى المقاصد الشرعية، وذلك لا يعني إبطال
النصوص ولا التساهل لكن الأمور تُقَدّر بمقدارها ، قال سفيان الثوري رحمه
الله ( إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التَّشدد فيحسنه كلُّ أحد)
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/784) و الله الموفق إلى الصواب.



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
د. فهد الجهني


سألني
أحدُ طلابي في الدراسات العليا أن أكتبَ حول (فائدةِ علمِ أصولِ الفقه)
فسألتُه: ولِـمَ؟ فقال: إن بعضاً ممن ينتسبُ إلى العلم الشرعي يثُيرُ بين
الحين والآخر دعوى: إنّ علم أصول الفقه علمٌ لا فائدة منه، وأنّ علم الفقه
يُغني عنه، وإن اشتغال طالب العلم بالفقه هو الأولى!
قلتُ: عجباً!! كيف يغني الفرعُ عن الأصل؟ وما أُتـي هذا القائلُ إلاّ من جهلهِ؛ ومن لم يعرف قيمةَ شيءٍ فكيف يُـقدِّرهُ حق قدره؟!
من
أجلِ ذلك قال علماءُ الأصولِ قديماً: يجبُ على كلِّ طالبِ علمٍ أن يعلمَ
ما الغرضُ منه؟ وما هو؟ ومن أيــن؟ وفيم؟ وكيف يستطيعُ تحصيله؟
فالأول:
فائدتُه، والثاني: حقيقتُه ومبادئُه، والثالث: مادتهُ التي يُستمدُ منها،
والرابعُ: موضوعهُ ومباحثه، والخامسُ: وسائلُ تعلّمه.
فإنك أخي طالب
العلم إذا حصّلتَ وتنبهت لهذه المقدمات العلمية؛ عندها ـ وفقك الله ـ نسمعُ
منك ونعي عنك: هل لهذا العلمِ أو ذاك فائدة وأثر أم لا؟
أما إطلاق الدعوى بدون دليل فهو الحديث الذي لا فائدةَ فيه! والبيّنةُ على من ادّعى.
أما دعوى أن “علمَ أصول الفقه” له عظيمُ الفائدةِ والأثر فهي أظهر من أن تتوقف على مقالٍ مختصر أو دفاعٍ عابر!
ولكن نزولاً عند رغبةِ من سأل، وتذكيراً لمن لا يعرف عن هذا العلم إلاّ اسمهُ، ولم يقف إلاّ على رسمه أقول ـ وبالله أستعين ـ:
إن
علمَ أصولِ الفقه من إبداعات العقليةِ المسلمةِ المنوّرة بنورِ الوحي التي
وفقها الله للقيام بواجب بيانِ الشريعة واستخراج أصولهِا ونَظْمِ
وقواعدِها.
ولولا الحاجة الماسة للتأليف في هذا الباب من أبــواب العلم
ما اجتهدَ علماء السلف الكبار في التأليف فيه، حتى جاء مُقدَّمُهم وكبيرٌ
من كبرائهم وهو الإمامُ القرشي المطلبي محمّدُ بنُ إدريس الشافعي -رحمه
الله- المتوفى سنة 204هـ فألّفَ كتابه العظيم “الرســالة”، وسببُ تأليفه ـ
في ظني ـ أنّ الإمامَ الشافعيَّ وبحسبِ تكوينه العلمي المتميز من جهة تمكنه
من اللغة العربية حتى صار حجةً فيها، وعلمه بالحديث وإمامته في الفقه، ومن
جهةِ: تتلمذه على أصحاب المدرستين (الحديث والرأي) وسبرهِ لأغوار هذين
المنهجين؛ وقفَ ـ وبتوفيق الله له ـ على أسباب الخلاف بين الفريقين،
واقتنعَ بحاجةِ الأمةِ والعلماء لرسم وتقعيد منهجٍ علمي يبين قواعد
الاستنباط وآلية فَهم النصوص، ويضبط طُرقَ الاجتهاد، ويُساهم قدر الإمكان
في تقليل هُوةَ الخلاف بين الفقهاء من أصحابِ المدارس المختلفة؛ فندبَ
نفسهَ لآداء واجب البيان.
.
.
لذلك نجدُ أن إماماً كبيراً من
أئمةِ الحديثِ، وهو الإمامُ الحافظُ عبدُ الرحمن بن مهدي -رحمه الله-، -وهو
منْ هو مكانه في علم الحديث- يرسلُ للإمام الشافعي كتاباً يطلبُ فيه منه
-رحمهما الله- “أن يضعَ له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبولَ الأخبار
فيه، وحجةَ الإجماع، وبيانَ الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضعَ له
كتاب الرسالة”. مناقب الشافعي(1/330).
.
وهذه الموضوعات التي ذكرها
الإمام عبد الرحمن بن مهدي في رسالتهِ هذه، هي موضوعات أصول الفقه المهمة
والتي رأى ـ هو أيضاً ـ حاجةَ العلماء والناسِ عموماً إلى بيانها وتأصيلها.
.
.
وتأمّل
جيداً في كلام إمامٍ عظيم مثل الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- حين يقول
عن أثرِ ما سطره الإمام الشافعي؛حيث قال: “ما زلنا نلعنُ أهلَ الرأي
ويعلنوننا حتى جاء الشافعيُّ فمزجَ بيننا، يريد أنه تمسكَ بصحيحِ الآثار
واستعملها، ثم أراهم أن من الرأي ما يُحتاج إليه وتنبني أحكام الشرع عليه،
وأنه قياس على أصولها ومنتزع منها، وأراهم كيفيةَ انتزاعها، والتعلقِ
بعللها وتنبيهاتها.
فعلِمَ أصحابُ الحديثِ أن صحيحَ الرأي فرعُ الأصل،
وعلم أصحابُ الرأي أنه لا فرع إلاّ بعد الأصل، وأنه لا غنى عن تقديم السنن
وصحيح الآثار أولاً”.
.
(ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض – ج 1/ ص 22)
فهل
بعد ذلك كلِّه يكونُ من السائغِ أن يتصور طالبُ علمٍ أن يشتغلَ مثل الإمام
الشافعي فيما لا فائدة فيه، وينشرهُ في أوساط المسلمين!!
وقد توافرُ علماءُ المسلمين على التأليف في هذا العلم، وكان منهم فقهاءُ ومُحدِّثون وغيرهم.
فبرزَ
فيه، وكان من أهلِهِ ومن المُعوَّلِ عليهم فيه أمثال: الإمام الفقيه
والأصولي محمد بن محمد الغزالي؛ والإمام الفقيه أبو إسحاق الشيرازي؛ وشهابُ
الدِّين الإمام الـقـرافي الفقيه المالكي المعروف، والفقيه المفسِّر أبو
المظفر السمعاني، والمُحدِّث المُدِّقـق الإمام ابن دقيق العيد؛ وشيخ
الإسلام المُحققِّ الكبير أبو العباس ابنُ تيّميَّةَ؛ وتلميذه الإمام
العلاّمة ابن القيم، والإمامُ المُحققِّ الشاطبي شيخُ المقاصد. كلُّ أولئك
وغيرهم اشتغلوا بهذا العلم، وألّفوا فيه ونشروه وعلّموه؛ وما ذاك إلاّ
لعلمهم ووقوفهم على أهميته وبالغِ أثره.
قال الشيخ الإمام محمد العثيمين
-رحمه الله- في مختصره الأصولي (الأصول من علم الأصول): “فائدتُه:
التَّمَكُّن من حصول قدرة يستطيع بها ـ أي الفقيه ـ استخراج الأحكام
الشرعية من أدلتها على أسس سليمة، وأول من جمعه كفنٍ مستقل الإمام الشافعي
محمد بن إدريس رحمه الله، ثم تابعه العلماء في ذلك، فألفوا فيه التآليف
المتنوعة، ما بين منثور، ومنظوم، ومختصر، ومبسوط حتى صار فنًّا مستقلًّا،
له كيانه، ومميزاته”.
.
.
فمن يقول بتلك الدعوى الغريبة فإنَّ
دعواه تلك يلزمُ منها لوازم باطلة كثيرة منها: اتهامُ هؤلاء الأكابر من
علماء السلف والخلف بأنهم اشتغلوا بما لا فائدة فيه، وأضاعوا وقتهم بما لا
طائل منه، وأدخلوا على المسلمين علوماً لا جدوى منها!
فهل يرضى مسلم، بله طالبُ علم بهذا اللازم الفاسد؟
وقبل
الشروع في بيان شذرات من فوائد هذا العلم وثماره، فإنه من المناسب أن أذكر
تعريف “علم أصول الفقه”؛ فالحكم على الأشياء فرعٌ عن تصوّرها.
.

ومن التعاريف المشهورةِ قولهم إن أصول الفقه هو: “معرفةُ دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد“.
ومن
تأمّل في التعريف ظهرَ له وبكلِّ وضوحٍ غرضُ هذا العلم وثمرته، ولكن ما
بالك بِمَنْ لو سألتَهُ عن التعريفِ لم يعرفْ! فكيف بفهمهِ وسبرِ أغواره؟!
.

فموضوعاتُ
هذا العلم الرئيسة: معرفة مصادر التشريع، ثم معرفة كيفية الاستفادة منها
“قواعد الاستنباط”، ومعرفة حال المستفيد (وهو المُجتهِد؛ والمُجتَهد فيه
ومتى يجوز الاجتهاد ومتى لا يجوز، وشروط المجتهد وضوابط الاجتهاد).
.
.
واليك ـ رعاك الله ـ شذراتٌ من فوائد هذا العلم تُنبئك عن فضلهِ وأثرهِ وثمرتِه؛ ومنها:
1ـ أن هذا العلم العزيز هو المعني بقواعد تفسير النصوص وفهمها الفهم الصحيح السليم.
فبدون
هذا القواعد كيف يستطيع الفقيه وغيره فهمَ النصوص؟ والنصوص ـ كما يعلم أهل
العلم ـ ليست على درجةٍ واحدةٍ من الأسلوب والوضوح بالنسبة للناظر
والمجتهد، ففيها: العامُ والخاص، والمطلقُ والمقيَّد، وفيها النصُ والظاهر،
ومنها المحكم والمتشابه، وهناك نصوصٌ قطعية الثبوت والدلالة وأخرى ظنية
الثبوت والدلالة، ولكلٍّ طريقةٌ في التعامل والتحليل.
يقول الإمام
القرافي في مقدمة كتابه العظيم “الفروق”: “. . فإن الشريعةَ المحمدية -زاد
اللهُ تعالى منارها شرفاً- اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان أحدهما:
المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلاّ قواعد الأحكام الناشئة
عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو:
الأمر للوجوب والنهي للتحريم. . وما خرجَ عن هذا النمــط إلاّ كون القياس
حجة، وخبر الواحد، وصفات المجتهدين. .”.
وهذه القواعدُ وسيلةٌ لفهمِ
كتابِ الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولولا هذه القواعد العلمية
لأصبحت نصوصُ الشرع عُرضةً لكلّ جاهلٍ أو متعالم أو مغرض أن يُفسِّرها كيف
يشاء وبحسب ما يُمليه عليه هـواه!
ومن أمثلة ذلك: كيف نستطيع فهم محل
الأمر في كتاب الله، دون معرفة الصيغ التي تفيدُ الأمر، وهي صيغٌ مختلفةٌ
لا تقتصرُ على صيغة “افعل” فقط، فمثلاً: قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) فهو من حيث الصيغة “خبر”
وليس “طلباً”، ولكن الحكم المستنبط من هذا النص هو: وجوب العدة على
المطلقة؛ فهو أمرٌ خرج مخرج الخبر.
ومن صيغ الأمر التي نصّ عليها
الأصوليون: المضارع المجزوم بلام الأمر: مثل قوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ). [الحج:29].
اسم فعل الأمر: مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ).
المصدر النائب عن فعل الأمر: مثل قوله تعالى: (فَضَرْبَ الرِّقَابِ).
كل
هذه الصيغ صيغ أمر، ولولا بيان الأصوليين لها لوقع الخلطُ والجهل في مثل
هذه النصوص، فتأمَل. ومنه قوله تعالى في سورة الحشر: (لِلْفُقَرَاء
الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ).
استعمل
الأصوليون لاستخراج ما في هذا الجزء من الآية من أحكام طريقين: عبارة النص
وإشارته؛ فقالوا: النصُ يدلُ بعبارته على استحقاق الفقراء من المهاجرين من
الفيء؛لأن الآية سيقت لبيان هذا الحكم، ويدل بإشارته على زوال ملكهم عما
خلفوه في مكة لاستيلاء الكفار عليه؛ لأن القرآن سّماهم فقراء! قال الإمام
السرخسي الأصولي الحنفي: “والفقير من لا يملك، لا من بعدت يده عن المال. .
وهذا حكم ثابتٌ بصيغة الكلام من غير زيادةٍ ولا نقصان؛ فعرفنا أنه ثابتٌ
بإشارة النص”.
والأمثلة أكثر من أن تُحصى؛ فلتُراجع في مظانها في كتب
الأصول (ومن المراجع الجيدة المعاصرة كتاب “تفسير النصوص ” لمحمد أديب
الصالح).
.
.
2ـ يُقدِّمُ الأصولي منهجاً علمياً دقيقاً يُبيِّنُ
فيه منهجَ الاستنباط وكيفية الاجتهاد، ومن خلالها يستطيع الفقيه معرفة حكم
الشرع في النوازل والمستجدات المعاصرة، وإن المطلع على الفتاوى المتعلقة
بمسائل حادثة كمسائل المعاملات المالية أو الطبية ونحوها سيرى كيف يكون
المفزع -بعد توفيق الله- إلى القواعد الأصولية التي تُردُّ إليها هذه
الفروع الجديدة من عموم نصٍ أو قياس أو استحسان بشروطه، أو مصلحة مرسلة
ونحو ذلك. وأنّ أي فقيه مؤهل للنظر في مثل هذه المسائل لا يستطيع أن يبحث
المسألة قبل الانطلاق من قاعدة أصولية صحيحة أو أكثر يبني عليها مسألته.
.
.

من فوائد هذا العلم: الاعتناء بمقاصد الشريعة تحريراً واستنباطاً وفهماً
وحمايةً وتنزيلاً على الواقع، ومعرفة مقاصد الشريعة وبيانها من أهم وأعظم
وسائل حفظ الدين. فإذاً عرف العالم -والعامي كذلك- أن الشريعةَ جاءت لتحفظ
على الناس الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض والمال).
فهذه
الأمور الكلية تُعـدُّ ـ إن جاز التعبير ـ خطاً أحمر وسقفاً أدنى لا يجوز
تعديه أو التعرض له بنقصٍ أو تلاعب، وهذه الكليات الخمس الضرورية هي ـ كما
عبّرَ شيخ المقاصد الشاطبي -رحمه الله ـ هي: “أُسسُ العمران المرعيةُ في كل
مِلِّة، والتي لولاها لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة، ولفاتت النجاة في
الآخرة”.
كذلك فإن معرفة مقاصد الشرع ركنٌ ركين من أركان الاجتهاد
وشرطٌ من شروطه المعتبرة؛ وهو قدْرٌ عظيم ومهيعٌ واسع لا يتأهل له إلاّ من
كان ريّانَ من أصولِ الشريعةِ ومواردها!
.
.
4- بيان وضبط قواعد الحوار والجدل والمناظرة، وذلك بالرجوع إلى الأدلة الصحيحة المعتبرة.

ضبط وتحديد مصادر التلقي المعتبرة وكذلك منهج الاستدلال؛ ولم يضلّ من ضلّ
من أهل الأهواء والبدع إلاّ من جهةِ حدوث خلل في هذا الأمر المهم، ومن هنا
تحدّث الأصوليون بعمق وعلم عن علاقة العقل بالنقل؛ وبيان خطر تحكيم العقل
في أمورٍ ومسائل لا تُؤخذ ولا تُعرف إلاّ بالدليل النقلي.
.
.
وأختمُ
هذه الشذرات المُختصرة ـ مضطراً خشيةَ الإطالة ـ بأمرٍ وثمرةٍ مهمةٍ
للغاية وهي “السادسة”: أنَّ حاجةَ الأمةِ اليوم لهذا العلمِ حاجةٌ متأكدةٌ
ومتزايدة؛ لأن هذا العلم بقواعده المنضبطة والناتجة عن استقراء دقيق
ومستوعب لأدلة الشرع وموارده يؤسسُ منهجيةً علميةً تضبطُ الفكرَ المسلم في
قضايا متعددة ومهمة في فَهم النصوص الفهم الصحيح، وفي الاجتهاد في النوازل،
وفي سلامة التصورات، ومعرفة ما يستقيم مع الشرع من الأفكار والمبادئ
والأطروحات الفكرية المُتجدِّدة، أو ما أستطيع تسميته بالنوازل الفكرية،
وما لا يستقيم مع مقاصد الشرع ومبادئه.
.
.

وهذا أمرٌ غايةٌ
في الأهمية؛ لأن النوازلَ الفكرية والآراء المتعلقة بالدين والمجتمع
والسياسة والاقتصاد ونحو ذلك كثيرةٌ ومتلاحقة، ومنها الظاهر البيِّنُ صحتُه
أو فساده، ومنها المتشابه الذي يحتاج لعرضٍ دقيق على قواعد الشرع ومقاصده.
وبهذه المنهجية نخدم الدين، ونحمي الفكر، ونردُّ مالا يستقيم مع الشرع،
ونقبلُ ما لا يتعارض مع مقاصده وقواعده؛ فلا نحجرُ واسعاً، ولا نُوسِّعُ
مالا يجوز التوسّع فيه!
وكثيرٌ من الكاتبين اليوم في الفكر الإسلامي
–بزعمهم- ولكن بأدواتٍ غريبةٍ عليه، خارجة عن هدي الشريعة وأصولها، وبدعوى
التجديد والتنوير يستعملون قواعد أصول الفقه كالمصلحة والقياس والعرف، أو
يتكئون على ذلك العنوان البرّاق “مقاصد الشريعة” دون فَهم ذلك كلِّه على
مراد العلماء المحققين من أهل هذا الفن! فيشغبون على عامة الناس، بل وحتى
خاصة المثقفين، بل وبعض طلبة العلم، ومن دون معرفة أصول هذا الفن كيف نميز
الخبيث من الطيب والصحيح من السقيم؟
.
.
أخي طالبَ الفقه ودارسه،
إذالم تكن لديك ثقافة أصولية جيدة هي نتاج اجتهاد وجد ورغبة في التحصيل،
فلن تفقهَ ولن تستوعبَ كثيراً من أقوال الفقهاء واجتهاداتهم وترجيحاتهم؛
لأنها قد بُنيت على قواعد علم أصول الفقه، سواء صرّحوا بها أم لا، عندها
ستُفوِّتُ على نفسِك علم أحكام الفقه بأدلتها ومداركها، ويصعب عليك البناء
والتخريج والتفريع والقياس أو يتعذر.
وبقي مسألةٌ أخرى مهمة هي موضع
إشكال وعدم وضوح عند كثيرين من طلبة العلم، وحتى من بعض المتخصصين، وهي
“علاقة هذا العلم بالمنطق والفسلفة ومدى تأثرهِ بهما”، وللحديث عن هذا
الأمر موضعٌ ووقتٌ آخر، إذا يسّرَ الله وأعان.
انتهى .

description ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟ Emptyرد: ما الفرق بين أصول الفقه و مقاصد الشريعة ؟

more_horiz
بارك الله فيك على الموضوع
cherry
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد