يفسر برهان غليون المضمون الرئيس للعولمة (بأنها المجتمعات البشرية التي كانت تعيش كل واحدة في تاريخيتها الخاصة، وحسب تراثها الخاص ووتيرة تطورها ونموها المستقلة نسبياً، على الرغم من ارتباطها بالتاريخ العالمي، ولذا أصبحت تعيش في تاريخية واحدة وليس في تاريخ واحد، فهي تشارك في نمط إنتاج واحد يتحقق على مستوى الكرة الأرضية وهي تتلقى التأثيرات المادية والمعنوية ذاتها سواء أتعلق ذلك بالثقافة وما تبثه من وسائل الإعلام الدولية أو بالبيئة وما يصيبها من تلوث، أو بالأزمات الاقتصادية، أو بالأوبئة الصحية، أو بالمسائل الاجتماعية والأخلاقية مثل الجريمة وتهريب المخدرات وغيرها، أي خضوع البشرية لتاريخية واحدة) وبالسؤال الأصعب والذي يحدد حركة المستقبل هل العولمة ضرورة تاريخية؟ وهل الانخراط فيها شرط للتقدم والازدهار؟ وما هو خطر الانقطاع عنها؟ وهل الدخول في العولمة وتقنياتها وحقولها وميادينها أمر حتمي ومفروض على كل مجتمع يريد أن يبقى في دائرة المجتمعات التاريخية؟ وهل دخلنا في مرحلة الاندماج العالمي الأعمق مع العولمة دون أن ندرك أننا في أحضانها وداخل تفاصيلها من خلال منظوماتها الثلاث الرئيسة والتي حددها برهان غليون بالمنظومة المالية فقد أصبحنا نعيش في إطار سوق واحدة لرأس المال، وبورصة عالمية واحدة، على الرغم من تعدد مراكز نشاطها، والثانية المنظومة الإعلامية والاتصالية فمن الممكن اليوم لجميع سكان الأرض القادرين على دفع الثمن الارتباط من خلال الصحن الهوائي بالقنوات المتلفزة ذاتها الموجودة في كل العالم والتي تتوجه في بثها لجمهور عالمي أو معولم أكثر فأكثر لا لجمهور محلي، والثالثة هي المنظومة المعلوماتية التي تجسدها بشكل واضح شبكة معلومات إنترنت، فهي شبكة واحدة يشارك فيها الأفراد وينفذون ما تنطوي عليه من معلومات وعروض بصرف النظر عن الحدود السياسية والخصوصيات الثقافية. إذاً هناك ميل لا راد له إلى توحيد الوعي، وتوحيد القيم، وتوحيد طرائق السلوك، وأنماط الإنتاج والاستهلاك أي قيام مجتمع إنساني واحد. وهذه كارثة تاريخية للمجتمعات البشرية لم يتوقف عندها برهان غليون كثيراً حين تقود إلى الخضوع الأعمى والاستلاب واضمحلال الهوية وكسر إرادة الشعوب التي تسعى جاهدة للانعتاق من الهيمنة الاستعمارية باعترافه هو أن العولمة في إطار ثورة المعلومات تؤدي إلى الإفقار الموسع لجمهور متزايد في القارات المختلفة. وتقود حتماً إلى نشر البطالة والاضطراب بل والخراب في العديد من البلاد والمجتمعات. وأنشأت بالمقابل محيطاً واسعاً من البؤس المادي والثقافي والنفسي، وتعميم الفقر والتهميش الجماعي، وانعدام الاختيار وانسداد آفاق المستقبل. والسؤال المحير هو: هل العولمة ميل أو سيل لا راد له . كما يؤكد برهان؟