د.جاسم حسين

الأمل كبير في إبرام اتفاقية للتجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي
وماليزيا, وذلك في أعقاب التوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون التجاري
والاستثماري والفني. وكان الطرفان قد وقعا في أبو ظبي نهاية كانون الثاني
(يناير) الماضي على الاتفاقية الإطارية بحضور رئيس وزراء ماليزيا نجيب
رزاق.
من جملة الأمور، سيسعى الجانبان من خلال الاتفاقية لتعزيز الاستثمار
والتجارة عبر خطوات تشمل القضاء على المعوقات الجمركية مثل التعريفات وغير
الجمركية مثل الإجراءات الإدارية. تعتبر قضية إزالة المعوقات غير الجمركية
ضرورية لأنها تهتم بمسألة البيروقراطية, الأمر الذي يخدم مصالح مستثمري
القطاع الخاص بين الجانبين. كما تشمل الخطوات اللافتة تشكيل لجنة مشتركة
من المختصين والخبراء بهدف متابعة تنفيذ الاتفاقية ومعالجة العقبات.

التجارة البينية

من شأن الاتفاقية تعزيز مستويات التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون
وماليزيا, التي هي جديرة أصلا في الوقت الحاضر, فحسب أفضل الإحصاءات
المتوافرة، تبلغ القيمة المالية للتجارة البينية بين دول مجلس التعاون
وماليزيا نحو 30 مليار دولار. تشمل السلع الماليزية المصدرة لدول مجلس
التعاون الآلات والأجهزة والأثاث فضلا عن المجوهرات والزيوت النباتية. في
المقابل، تتركز الصادرات الخليجية على النفط الخام والمشتقات النفطية مثل
البتروكيماويات.
لا غرابة في أن يتمتع الجانب الماليزي بفائض محدود في المجموع قدره 1.5
مليار دولار نظير تصديره سلعا معمرة لدول مجلس التعاون، وهي المنطقة التي
لديها قدرة شرائية متميزة. فحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2010، يبلغ
متوسط دخل الفرد في قطر قرابة 80 ألف دولار أي في المرتبة الثانية عالميا
بعد إمارة ليختنشتاين.
ترغب ماليزيا في الاستفادة القصوى من الفرص الاستثمارية المتنامية في
دول مجلس التعاون الخليجي, خصوصا قطر. الجدير ذكره، أن هناك شركات ماليزية
ترتبط بمشاريع لإنشاء مطار الدوحة الدولي الجديد. وليس من المستبعد حصول
مؤسسات ماليزية على عقود لإقامة منشآت ترتبط باستضافة قطر فعاليات كأس
العالم 2022.

اتفاقيات تجارية مختلفة

حقيقة القول، يقتضي الصواب إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع ماليزيا كما
هو الحال مع جارتها سنغافورة. وكانت دول المجلس قد أبرمت اتفاقية للتجارة
مع سنغافورة في نهاية عام 2008 وهي الأولى من نوعها للمنظومة الخليجية
بصورة مجتمعة. وأسهمت بعض الحقائق الجوهرية في إبرام هذه الاتفاقية، منها
توفير دول المجلس التعاون نحو 40 في المائة من الواردات النفطية
لسنغافورة. كما تعد موانئ سنغافورة مصدرا حيويا للنفط الخليجي الموجه إلى
جنوب شرق آسيا. تحتل الاقتصادات الخليجية المرتبة السابعة من حيث الأهمية
النسبية للتجارة الخارجية لسنغافورة.
وشكلت هذه الاتفاقية فاتحة خير لإبرام اتفاقيات متعددة أخرى في فترة
زمنية, ففي منتصف 2009 وقعت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية للتجارة،
بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية، المعروفة
اختصارا باسم "إيفتا". تضم رابطة إيفتا كلا من سويسرا، النرويج، وآيسلندا،
وإمارة ليختنشتاين. تهدف الاتفاقية مع رابطة إيفتا إلى تحرير التبادل
التجاري وتكامل الأسواق وتغطي تجارة السلع والخدمات والمنافسة وحماية حقوق
الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية وآليات لتسوية المنازعات.
وفي نيسان (أبريل) من عام 2010، وقعت دول مجلس التعاون الخليجي مذكرة
تفاهم مع منظمة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا المعروفة اختصارا باسم
"كوميسا". خلافا لمجلس التعاون الخليجي, الذي يقتصر عدد أعضائها على ست
دول, هي: السعودية, الإمارات, الكويت, قطر, عمان, والبحرين، تضم منظمة
"كوميسا" 19 دولة تقع في شرق وجنوب إفريقيا تشمل كينيا، أوغندا، وزامبيا.
بيد أنه هناك معضلة التوصل لاتفاقية للتجارة الاتفاقية التجارة الحرة
مع الاتحاد الأوروبي. وكانت المحادثات بين الطرفين بشأن إنشاء منطقة الحرة
في عام، 1988 لكنها فشلت في إحراز تقدم يذكر بسبب إصرار الجانب الأوروبي
على الإتيان بأمور جديدة بين الحين والآخر، قبل الموافقة على التوقيع على
إنشاء منطقة للتجارة الحرة. فقد أدخل الأوروبيون في بعض الفترات متغيرات
جديدة مثل عدم إساءة استخدام البيئة وضرورة منح الأقليات الموجودة في دول
الخليج حقوقهم, وبالتأكيد كانت هناك المسائل العادية مثل حقوق الإنسان
والإصلاح السياسي.

شكرا السوق المشتركة الخليجية

شكل تدشين مشروع السوق الخليجية المشتركة بداية 2008 فرصة للدول الست،
قوة تفاوضية عند التحاور مع الأطراف الأخرى لغرض إبرام اتفاقيات للتجارة
الحرة. المطلوب، تعزيز هذا المشروع الاستراتيجي, الذي يقدم دول مجلس
التعاون كوحدة اقتصادية متكاملة في عصر التكتلات الاقتصادية كما هو الحال
مع الاتحاد الأوروبي, الذي يضم 27 دولة حتى الآن. مؤكدا تقتضي مصلحة دول
مجلس التعاون الخليجي عدم الابتعاد عن الركب العالمي.
بل يسهم مشروع السوق الخليجية المشتركة في تعزيز جاذبية المنظومة
الخليجية بالنسبة لمختلف الأطراف الدولية. على سبيل المثال، تأمل
نيوزيلندا إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي, كما
تبين من جولة وزير التجارة النيوزيلندي تيم جروسر لدول المنطقة في عام
2010.