[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]المُجاهد أحمد بناي المدعو "سي جمال":
...هذه
شهادة مُجاهد، إلتحق بجيش التحرير ولمّا يتجاوز السابعة عشرة من العمر،
كان ذلك أواخر سنة 1956، عايش أصعب فترات الثورة، أنجز عمليات، وساعد
العديد من الشبّان المتحمسين للنضال على الإلتحاق بصفوف الجبهة...هو ثاني
إثنين فجّرا أحداث الحادي عشر من ديسمبر 1960.. هو ضابط الولاية الرابعة
أحمد بناي، المدعو سي جمال، المولود في 12 فيفري 1939، والذي سيُصدر
مذكراته قريبا، ولكن قبل هذا خصّنا بهذا الحوار الحصري، والذي لم يتحدث
فيه عمّا عاشه فحسب، ولكن أزاح الغموض على بعض الأحداث، وأعاد الإعتبار
لشهداء، ودافع عنهم، وعن ذاكرتهم، خاصّة من بعض الدخلاء، يصفهم، والذين
يريدون تزوير التاريخ من أجل مصالح ضيقة، فكانت لنا معه هذه الوقفة
الجميلة.


"اخبار الأسبوع": سيدي، أنتم ضابط في جيش التحرير، ثاني
إثنين فجّرا أحداث الحادي عشر من ديسمبر، بحسب الرواية المعروفة للتاريخ،
ولكن قبل ذلك نعلم أنكم إلتحقتم بالثورة، وبصفوف الثوّار مبكرا، فكيف كان
ذلك؟

سي جمال: أجل، لقد حملت السلاح في سنّ السابعة عشرة سنة.

ما الذي دفعكم لذلك؟
الإضطهاد
المُمارس علينا، نحن كنا نسكُن ببلدية سحاولة، وتحديدا ببابا علي، وكنت
صغيرا أدرس في المسجد، حيث قرأت القرآن، ثمّ إنتقلت إلى المدرسة الفرنسية،
نلت شهادة الإبتدائي، ولكن لم يتركوني أواصل الدّراسة.


حسنا، كيف إتّصلتم بجيش التحرير؟
كنت
أعمل مع "سي مراد" كان مسؤول ناحية الساحل، وكان يُكلّفني ببعض المهام
منها توزيع "التراكت" وكنت أحاول إقناعه بأن يصلني بالمُجاهدين، ولكنه كان
يقول لي دائما أنني لا أزال صغيرا، ثمّ قرّرت أن أخطو أولى الخطوات لوحدي،
أخذت قطارا إلى بليدة، ثم إلى البرواقية...


هل أخبرت أحدا بالأمر؟

لم أفعل، إتجهت إلى البرواقية، ثمّ إلى بوسكن، ودخلت إلى السوق، فإلتقيت
شيخا يبيع دجاجتين صغيرتين، وتشاء الصُدف أن يكون شيخا أعرفه، إسمه بن
شتيح، كان يعمل عند جدي، سألني عن سبب قدومي، قلت له أن لي رسالة عليّ أن
أوصلها للمُجاهدين، وأنّ عليه أن يوصلني إليهم.


من أين حصلت على تلك الرسالة؟
لا،
لم تكن تلك إلاّ خطّة للإتصال بالمُجاهدين. قال لي ذلك الشيخ أنه سيُوصلني
إلى مسؤول الدشرة سي الخلادي، ولكن بعد أن ينتهي العمل في السوق، إنتظرت
الليل، وعند المغرب كان علينا أن نتّجه إلى ملجئهم، ففعلنا، ثمّ وفي
الحادية عشرة ليلا جاء مُجاهدين إثنين، مُحافظ سياسي، ومُساعده، وهما رابح
طوطاح، وأحمد قارة.


وكان عليكم حينها أن تقولوا الحقيقة، بما أنّكم لم تكونوا تحملوا رسالة ولاشي؟
أجل،
كان عليّ أن أُصارحهما. في البداية قاما بإخراجي وتفتيشي، فقلت أنني لا
أملك رسالة، وأنّ هذا كله مُجرد حيلة لكي أتّصل بهم، ولكني حدثتهم عن
مجاهدي الساحل، ومتيجة الذين كنت أعرفهم، من السي عبد الرحمن، وسي مولود،
وسي علي البشير، وسي مراد، وهم مسؤولو الساحل ومتيجة...


حسنا، وبالنسبة للمحافظ السياسي ومُساعده، ألم يشكا في أمركم عندما علما أنكم لا تحملون رسالة؟

بلى ، شكّا في البداية في أنني قد أكون جاسوسا لهؤلاء المصاليين. ثمّ
ناديا الشيخ وسألاه أن كان يُؤكدّ أنني لست جاسوسا أو خائنا مبعوثا من طرف
ما، بل هدداه أن كنت كذلك أن يُحرقوه هو وأولاده، فأكدّ لهما أنني لا
يمُكن أن أفعل شيئا مُشابها،

فهو يعرف عائلتي كلها. فأخبراني أنّهما
سيصلانني بمركز القيادة للمنطقة، فبدأنا في السير على الساعة الثانية
صباحا، وصلنا الى دشرة"الكرابيب" بناحية صبّاح قرب البرواقية، حيث إلتقينا
فيها بحكيم، مسؤول سياسي لقسم، فتّشني كثيرا، وبحث في أوراقي، وكانت بينها
صورة لخالي عثمان، الذي كان في ذلك الوقت في فرنسا، وتحديدا في "غرونوبل"
سألني عنه، فأجبت أنه خالي، فقال أنه درس في ساحة أوّل ماي، حاليا، ففرحت
بذلك، وهو بدوره إطمئن إليّ أكثر، وبقيت معهم مدّة قصيرة، ثمّ أعطاني حكيم
رسالة وبعثني، رفقة إتّصال(هكذا كان يُدعى دليل المجاهدين) وإسمه ربيع،
بعثني إلى الرائد سي عبد الرحمن، المُلقب بكوموندو عبد الرحمن، كان على
رأس قسم مُكوّن من 25 جندي، كان لديهم سلاح قليل، مُكون أساسا من بنادق
صيد، قرأ الرسالة التي كانت معي، فبقيت معهم، أعطوني البندقية وأمروني بأن
أحرس يوميا، بقيت في ذلك القسم لأيّام، ثم أعادوني إلى حكيم عبر إتّصال
دائما، فقال لي حكيم أن الكوموندو عبد الرحمن جوادي لم يُوافق على بقائي
بينهم، لأنه عليّ أن أنشط في الولاية الرابعة التي أتيت منها، وألاّ أبقى
في الولاية السادسة، خاصّة وأنني لم أكن بعد مُطاردا. فذهبت الى بوسكن،
وإستقلت الحافلة ومررت بالبويرة، وعدت.


هل أرسلكم للإتصال بأشخاص مُعينين؟
لا،
لم يكونوا يعرفون النظام في الولاية الرابعة، فهم من الولاية السادسة،
وعندما عدت كان والدي قد حررّ شهادة عن إختفائي لدى مصالح الدرك، فقلت له
أن يعود ويسحبها، ويُحرر أخرى كما لو كنت قد هربت إلى وهران، ففعل.


هل أعلمتهم أسرتكم بأنكم تعملون مع الثوّار؟
كانوا
يعلمون، ولكن لم أتحدث عن التفاصيل، كلّ شيء كان سرا. فصرت أعمل في
الساحل، ومتيجة، وبدأت النضال في الإتّصالات، وجمع الإشتراكات، وحدث أن
قُبض على بعض المُناضلين الذين كانوا يعملون معي، فأقرّوا بإسمي. فجاءت
الشرطة، وألقت علينا القبض على الساعة الرابعة صباحا، أنا وكُلّ الشُبّان
الذين يسكنون بالمنطقة، أخذونا جميعا إلى ثكنة عسكرية في بابا علي، وبدؤوا
في تعذيبنا، وكان أخي الأكبر معي، إعتقلوه هو الآخر، رغم أنه لم يكن مع
النظام. ولكنّ أبي كان، يُسيّر مزرعة لأحد المُعمرين، وهو الكاتب العام
للحكومة الفرنسية في كلّ الجزائر، عندما تمّ إعتقالنا إتّصل به أبي،
وحدّثه عمّا فعله العساكر بنا، وفي نفس الوقت كنت أنا أنتظر دوري لكي يتمّ
تعذيبي، إلى أن حضر إبن ذلك المُعمر، وإسمه جون، لإطلاق سراحنا، ومباشرة
بعدها هربت ولم أعد، فقد كنت أعرف أن أحد هؤلاء المُناضلين سيُقرّ، بل قال
أحد الذين كانوا يدفعون الإشتراكات لي أنني أنا المسؤول، وحُوكمت غيابيا
بعشرين سنة. إلتحقت بجبل الشريعة، أصبحت مسؤول مُخابرات، ثمّ رئيس قسم،
ثمّ من القسم صرت مسؤولا عن الساحل كلّه.


الساحل وقتها كان منطقة موت، فكيف حتى قبلتم العمل فيه؟
لم
أقبل، بل إخترت... المُجاهدون لم يكونوا يُعيّنون مُناضلي الساحل، ولكن
يكون ذلك تطوّعا، لأنّ الذي يلتحق به يستشهد لا محالة، وصرت مسؤولا عن
القسم الأوّل، والذي يمتدّ من خرايسية حتى بئر خادم، وحيدرة إلى عين
البنيان. ثمّ إنه كان لديّ عائلة في كلّ مناطق الساحل تقريبا، وهو الأمر
الذي ساعدني على التخفي، ومراوغة العدو.


حسنا إلى متى بقيتم تعملون في الساحل؟
من
ماي 1958 حتى جانفي 1960، ثمّ إنتقلت إلى موزايا، كانت تلك الناحية
الثالثة، وصرت مسؤولا هناك، بقيت فيها سبعة أشهر، ثمّ إتّصل بي العقيد
بونعامة، بعدما أسّّسوا المنطقة السادسة، وهي العاصمة، والسّاحل، وقسم من
متيجة، وإتّجهنا إليها، كنا خمسة وعشرين ظابطا، كلنا من أبناء المنطقة، من
بيننا سعيد بوراوي، والرائد بوسماحة، أنا بقيت مع روشاي بوعلام، المدعو
السي الزوبير، دخلنا إلى العاصمة مع بعض، وكانت مُهمتنا إعادة تنظيمها،
وكان هو في بلكور في أغلب الأحيان، بحي"لامارتين" ثم كانت هناك أحدث
الحادي عشرة من ديسمبر، وكان سي الزوبير هو مسؤول المنطقة، وكنت معه، أي
كنا لوحدنا، وحدث أن جاء دوغول إلى عين تموشنت حاملا مشروع الجزائر
جزائرية، وتمّ إخراج الجماهير إلى الشوراع في مظاهرات حاشدة لتحيّته، ولم
يكن الغرض من مشروعه إلاّ خلق قوّة ثالثة، لكنّ الأقدام السوداء التي كانت
هنا في العاصمة لم تستغ هذه المُبادرة، وأرادت أن تخلق مُظاهرات مُضّادة،
وكانوا يقطنون في أحياء:ديزلي، وميشلي، وكان هناك ضابط فرنسي من "لاصاص"
في بلكور كان يُحبّ دوغول، ويكره الأقدام السوداء، ولكي يُضّادهم أعطى
لبعض الشبان علما فرنسيا، وطلب منهم أن يخرجوا إلى الشوارع ويصرخوا تحيا
الجزائر، جزائرية ويحيا دوغول، بعض الشبّان البعيدين كلّ البعد عن
السياسة، فعلوا ذلك، وإتّجهوا ليُحرقوا مركز بلكور التجاري، أمّا السي
زبير فكان مُختبأ عند رجل من جيجل يُدعى السي مختار، رحمه الله، في حي لا
مارتين، أمر بعض الشبّان أن يمنعوا الآخرين عن الحرق، وأعطاهم الأموال لكي
يشتروا قماشا أخضرا، وأحمرا، وأبيضا، وأن يطلبوا من النساء أن يخطن
الأعلام طيلة الليل، للخروج في مظاهرات في صباح اليوم الموالي، كانت تلك
ليلة الحادي عشرة من ديسمبر...


أي كانت المبادرة للسي الزوبير؟
أجل، هو المُبادر.


من موّل المظاهرات؟
لم
يموّلها أحد، موّلناها نحن:السي الزوبير، وأنا، كان لدينا بعض الأموال،
لقد قلت لك كيف حدث الأمر، أعطى السي الزوبير بعض الأموال للشبّان، وطلب
منهم أن يخيطوا أعلاما طيلة الليل. وزّعنا الشبّان من بلكور، من الذين
كانوا يعملون معنا، كانوا مناضلين صغارا، وزعناهم على أحياء مثل لامونتان،
وحي محي الدين، والقصبة، وصالومبيه، وغيرها، وأنا بنفسي إتجهت إلى بئر
خادم، ففجّرنا المظاهرات بتلك الطريقة.


كيف استشهد السي الزوبير؟
بقينا
أنا والسي الزوبير، والسي المختار في شارع "لامارتين" حتى الحادي عشرة من
شهر جانفي، 1961 كنت قد قلت للسي الزوبير أن عليه أن يُغيّر مكانه، خاصّة
وأنّ هناك حركى يُمكن أن يُقرّوا بمكانه، قال لي أن أتّجه إلى القبّة،
وأرأس النظام هناك، خرجت على الساعة الثانية عشرة جاء بوشيشة مراد، المدعو
مرزاق الحفاف، ليرافقني، أفطرنا في بيته، وشغّلت زوجته المذياع فكان هناك
خبر عن إشتباك وقع بين مجاهدين، وعساكر... وإستشهد السي الزوبير، وكان معه
شخص يسمى خليفة محمد، المدعو بوحنجورة.


صحيح أنكم كنتم إذا ما
إلتحقتم بالثورة تستعدون لكلّ شيء، وحتى الموت، ولكن ماذا عن رفقاء النضال
عندما يستشهدون، هل كان ذلك يُؤثر فيكم؟

أجل، بالطبع، ولقد تأثرت
كثيرا بإستشهاد السي الزوبير، ولو أنني إعتدت، وتعلمت أن أخفي أحاسيسي، لا
بدّ أن تكون صلبا، وأن لا يراك الآخرون في لحظة ضعف، خاصّة أن كنت مسؤولا.
لكني مع ذلك تأثرت في داخلي، كان خالي قد إستشهد في 25 نوفمبر، ثمّ بعدها
بأشهر إستشهد السي الزوبير، هذا الأخير بقيت أعمل معه منذ سنة 1957.


ومن خلفه؟
خلف
السي الزوبير مُجاهد يدعى لخضاري مختار، ويدعى السي مختار بونواظر، وهو
رئيس منطقة، وأنا بقيت على رأس العاصمة، وبعد مختار جاء أورضان محمد
المدعو السي خير الدين، والذي لا يزال على قيد الحياة، كان مسؤول المنطقة
السادسة، ولكن وقعت عملية جوسسة، حيث إخترق صفوفنا مُلازم عربي يُدعى
أوموسى رابح، كان من بين الثلاثة مائة رجل الذين أرسلتهم فرنسا إلى مدغشقر
لكي يتدرّبوا على فنون القتال، وفنون الجوسسة كذلك، وأتت بهم لكي توزعهم
على مناطق الوطن المُختلفة، وتسرّب إلينا، هؤلاء الجواسيس من المكتب
الثاني الفرنسي بالعاصمة، وهو من كشف نظامنا كله، أو كاد، كان ذلك في
أكتوبر، وكانت المفاوضات قد بدأت.


وبتلك الطريقة تمّ القبض عليكم؟
كان
ذلك في الرابع من أكتوبر من سنة 1961، كمنوا لي في غاليلي، أو شارع بوقرة
حاليا، وعندما ألقي عليّ القبض عنونت الصحافة في اليوم الموالي، وعلى
الصفحة الأولى:"القبض على القاتل الرهيب لجبهة التحرير بالقصبة" ذهبوا بي
بداية إلى ثكنة علي خوجة، أورليون سابقا، للإستجواب، وبعدها نقلونا إلى
فيلا جاييس، التابعة حينها لحيدرة، تمّ تعذيبنا فيها، كان معي فورة محمد،
المدعو عبد السلام من القليعة، وكذلك سي خير الدين، وضعنا في السجن. ثمّ
وفي 24 فيفري 1962 على الخامسة صباحا وضعوا على رؤوسنا الأقنعة، وأخذوي
أنا وعبد السلام ووضعونا في شاحنة، نقلونا إلى المطار، ونقلونا في طائرة
عسكرية إلى ورقلة، فتم سجننا في البرج الأحمر، ثمّ مرّ شهر مارس، ووقف
إطلاق النار، ثم أفريل تمّ إطلاق سراحنا.


تُحضّرون، سيدي، لكتاب سيصدر بعد أشهر، ما هو العنوان الذي وضعتموه، وما الذي يُمكن أن تقولونه عنه؟
لم
أضع العنوان بعد، وحتى موعد صُدوره لم يُحدد بعد، كلّ ما يُمكن أن أقوله
أنني أحكي فيه عمّا وقع لي، وما عشته أثناء حرب التحرير، وسأُرفقه
بالصُّور، وقُصاصات الجرائد كذلك
.