صنع في فلسطين

إياد جميل دويكات
لا تكاد تمر على أي متجر في فلسطين، إلا وتجد على رفوف العرض بديلا فلسطينيا يتربع بين المنتوجات الأخرى المستوردة منها "والنشاز" مما ينتجه الجوار السيء. كأن المنتوج الفلسطيني وأنت تمر به سينطق ويقول لك ها أنا موجود رغم ما يعانيه الفلسطينيون من صعوبات وتضييق، لا يتوسل إليك إنتاج بلدك لشرائه بل يفرض عليك واجبك أن تعطيه الأفضلية على غيره وأن لا تسمح بأي حال من الأحوال بمقارنته مع منتوجات جيران السوء مغتصبي أرضك ومالك ومائك وهوائك. ربما تقارنه مع أي مستورد من أي بقاع الأرض، لكن ليس مع ما يلقيه عدوك لك من فوق الجدار أو من بواباته الحديدية التي لا تفتح أبوابها إلا باتجاهك. الشعور الصحيح الذي ينبغي أن ينتابك وأنت تنظر إلى هذا المنتوج ضمن بانوراما المنتوجات الأخرى، هو نفس شعور المغترب وهو يلاقي إبن بلده في الغربة. لا أريد أن أنظر بالشعارات، فمثل هذه الممارسة قابلة للتطبيق ولها تأثيرها البالغ ولها قابليتها العالية لتعليمها للأجيال القادمة وهذا هو الأهم.

في كل نقاش نخوضه ونحن ندعو لتدعيم إنتاج بلدنا، نصطدم بجدار فولاذي داخل عقول البعض فتراهم يتغزلون بإنتاج جوار السوء ويعزون له كل صفات النوعية بطريقة عمياء. الأصعب أنهم في نفس الوقت ينسبون الفشل والغش وتدني النوعية إلى كل ما هو وطني في قائمة مشترياتهم، وما يدمي القلب أن الكثيرين يطلقون هذه الصفات حتى بدون خبرة شخصية مع المنتوج. لا أبالغ إذا قلت إنه لمن العار أن تحتل سلع عدونا تفكيرنا قبل أسواقنا تماما كما يحتل عدونا أرضنا وجميع مقدراتنا. لا أريد أن أتحدث بسلبية عن محامي منتجات عدونا، بل سأستثمر هذه المساحة للإشادة بما حققناه من تقدم في توفير بدائل فلسطينية في الكثير من سلات مشترياتنا، وكذلك ما حققناه من تقدم في تحسين نوعية المنتوجات وتوفيرها بأسعار منافسة ومناسبة. قبل عقدين من الزمن مثلا، كانت منتجات الألبان التي تباع في الأسواق تأتي من مصدرين، إما من المزارع البيتية الفلسطينية المحدودة الإنتاج كما أو من مصانع الإحتلال. لو دخلت أي متجر هذه الأيام لوجدت ثلاثة بدائل فلسطينية على الأقل وبجودة وسعر ينافسان ما يقدمه عدونا من مخاليط الحليب المبستر بالسيليكون المسرطن، لا أدعي ذلك بدون علم، ولكن أذكر من لا تسعفه الذاكرة بحادثة سحب جميع منتوجات أحد مصانع العدو من السوق بسبب تسرب مادة السيليكون المسرطنة إلى المنتج باعتراف إدارة المصنع.

لا أستغرب حين أرى بأم عيني وكالات التنمية العاملة في فلسطين تشترط استخدام منتجات بلادها عند تقديم مساعداتها للفلسطينيين وغيرهم في دول العالم الثالث. لو نظرت إلى كل ما تنفقه أي من هذه الوكالات على مشتريات من بلادها لوجدته لا يشكل شيئا يذكر في عجلة اقتصادهم، ولكن هذا له دوافع مبدئية مبنية على قاعدة الثقة بالمنتج الوطني وتفضيله على أي منتج آخر بصرف النظر عن الجودة والسعر. بعض وكالات التنمية تعطي الأولوية الثانية للمنتج المحلي في حال عدم توفر منتجات بلدها في السوق، فالأمريكان مثلا يقولون في حال عدم توفر الأمريكي في السوق الفلسطينية، فالمحلي الفلسطيني هو البديل الأول! أليس من الأجدر بنا أن ننظر إلى منتجاتنا بشيء من الاحترام والثقة بعد أن نرى مثل هذا التصرف من قبل وكالة تنمية دولية؟

إن عبارة "صنع في فلسطين" برأيي المتواضع تعادل في قيمتها جميع معايير الجودة ومواصفات الإنتاج، ولمن لا يدرك قيمة هذه العبارة مقابل ما تستنزفه مخلفات مصانع العدو من أموالنا نقول أن هذه المقارنة هي جزء من صراع مع عدو لا يدخر وسعا في تدميرنا. إن اختيارك للمنتوج هو اختيار لمن يقف خلفه، وأنا قررت أن أختار عبارة "صنع في فلسطين" كمواصفة أولى ووحيدة لجميع مشترياتي. هكذا نقبل بما تطعمنا إياه بلدنا كما قبلنا أن نشرب الحليب النيء من ضرع الشاة، ونأكل الخضار مباشرة من الأرض ونتناول قطع الحلوايات ساخنة من داخل "حلة الطبخ"، ونشرب الماء من الينابيع قبل أن نعرف كيف يتم تصنيع وتغليف جميع هذه المنتجات.