فرحة تحرير الأسرى: انفعالية وسائل الإعلام
بقلم : أشرف العجرمي

فرحة تحرير الأسرى: انفعالية وسائل الإعلام 250X1581281299236451

وصول الأسرى الفلسطينيين الذين تم تحريرهم كجزء من صفقة التبادل مع الأسير الإسرائيلي بوساطة ورعاية مصرية، خلق صورة إنسانية يصعب أن يشاهدها أي شخص دون أن يتأثر ربما إلى مستوى ذرف الدموع. وهذه الصورة تفوق أي وصف، فلا شيء يمكنه أن يماثل فرحة الأسير المحرر بحريته وبرؤية ذويه وعائلته وأبناء شعبه، ولا شيء يشبه فرح أم بابنها أو زوجة بزوجها العائد بعد غياب طويل، أو أخت بأخيها الذي عانق الحرية. نعم فهذه مشاعر إنسانية تتجاوز حدود الكلمات. ومع هذه الصورة الرائعة تتوقف الألسنة عن طرح الأسئلة حول الصفقة. الآن يريد الناس أن يعيشوا الفرحة بحرية الأسرى المحررين.
وفي يوم استقبال الأسرى، تبدو وسائل الإعلام غير محايدة، بل انفعالية إلى أقصى الحدود، كلها تتحدث عن السعادة بالحرية التي كانت مفقودة، كلها تتجند لدعم هذه الخطوة ومباركتها على خلاف ما يميز وسائل الإعلام بأنها تبحث عن الثغرات والنواقص، وتنقض على السياسيين بالنقد والأسئلة اللاذعة. وكأنها شاءت أن تضع موضوعيتها وحيادها النسبيين جانباً لتكون مساهمة بشكل كبير في رسم صورة عاطفية إنسانية تختلط فيها الضحكات والابتسامات بدموع الفرح، حيث سعد الأسرى بتحررهم وسعدت بهم عائلاتهم وأصدقاؤهم وأبناء شعبهم. وهذه لحظة جميلة نسامح فيها وسائل الإعلام على انفعالاتها وعلى خلعها ثوب الجدية والمسؤولية النقدية.
هذا ليس حال وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية التي تحتفي بالأسرى المحررين فقط، بل هو حال وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تجندت بالكامل للمشاركة في تغطية تحرر الأسير جلعاد شاليت، وحرصت على أن تؤكد دعمها الكامل للحكومة الإسرائيلية، والإشادة بقرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك، الذي وصف بالشجاع والحكيم والإنساني. وعلى خلاف عادتها وما هو معروف عنها بالجبروت والقسوة في أحيان كثيرة على المستوى السياسي، كانت هادئة ليّنة متسامحة، تشارك عائلة جلعاد شاليت وأصدقاءه وجمهوراً إسرائيلياً كبيراً فرحتهم بعودته إلى بيته.
الكثيرون في إسرائيل يقرّون بأن دور وسائل الإعلام في التعاطي مع قضية شاليت كان حاسماً في خلق أجواء التأييد الشعبي للصفقة، بل وشكل وسيلة ضغط مهمة على صنّاع القرار لكي يتخذوا موقفاً واضحاً بالذهاب نحو إتمام الصفقة. وهذا الدور كان سابقاً لموقف القيادة الإسرائيلية، بالتعاطف مع ذوي جلعاد شاليت، وتغطية نشاطاتهم الاحتجاجية وخيمة الاعتصام التي أقامها الطاقم المشرف على حملة الإفراج عن شاليت.
ولا شك أن العدد من السياسيين في إسرائيل يعترفون بدور الإعلام المتعاطف مع شاليت، وهو ما سهّل على نتنياهو اتخاذ القرار بعقد الصفقة وخروجها إلى حيّز التنفيذ، حتى لو أنها كانت نتيجة لعوامل عديدة، منها ليونة موقف 'حماس' تجاه بعض الشروط والمطالب والوساطة المصرية الفاعلة. فلو وقفت وسائل الإعلام في إسرائيل موقفاً سلبياً تجاه عقد صفقة التبادل لما حظيت بتأييد ما بين 70-80% من الجمهور الإسرائيلي.
وإذا كان الفلسطينيون يعتبرون الإفراج عن الأسرى خطوة إيجابية لا تشوبها شائبة، فليس هناك أي تحفظ على خروج أي أسير أو معتقل فلسطيني، ولا ينظر لما يمكن أن تسفر عنه من نتائج أو تفتح من أبواب على الاحتمالات السياسية المختلفة. فالإسرائيليون على العكس من ذلك دائماً، يعتبرون متحفظين بخصوص أية صفقة تبادل بادعاء المخاطر الأمنية المترتبة عليها. وبعضهم يسوق إحصائيات تتحدث عن نسب كبيرة من الأسرى المحررين الذين عادوا للكفاح واعتقل بعضهم أو استشهد. وبطبيعة الحال، هناك مبالغة كبيرة بالأرقام والنسب التي يتم نشرها بين فينة وأخرى للتسويق والترويج للمخاطرة التي تقوم عليها إسرائيل بتحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين. مع أن المنطق يقول إنه لو أراد أي تنظيم أو فصيل فلسطيني أن ينفذ أي عمل مسلح، فهو لن ينتظر تحرير الأسرى التابعين له. فالعمل المسلح يحتاج أولاً إلى إرادة وقرار والباقي مرتبط بتوفر الظروف والإمكانات، وهي ليست قليلة إذا تحدثنا مثلاً عن فصائل مقاومة تمتلك الكثير من الطاقات والإمكانيات والوسائل.
المشكلة الأساسية في التعليق الإسرائيلي على الصفقة وهذا يتم في ثنايا الإعراب عن الدعم والتأييد الجارفين، هي في أنهم ينسون سبب كل المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتي تعرض إسرائيل أيضاً للخطر وهو الاحتلال. فهم يتحدثون عن مجرمين فلسطينيين وإرهابيين، وأحياناً يطلقون أوصافاً تُخجل حتى الوقحين من الناس. ولا يفكرون في الاحتلال البغيض الجاثم على صدور الفلسطينيين والذي يمثل الإرهاب الأكبر ومنبع كل العنف في المنطقة أو على الأقل فهو سبب رئيس له.
بعض الإسرائيليين يستهجنون احتفاء الشعب الفلسطيني بأسراه ومناضليه، وكيف تستوعب عقولهم تجاوز ما فعله هؤلاء الأسرى مما يسمونه جرائم إرهابية ضد المواطنين الأبرياء في إسرائيل؟ وكأن الفلسطينيين اختاروا أن يظلموا جيرانهم الذين يجلسون خلف الحدود ولا يفعلون سوى رمي الورود والرياحين على جيرانهم الفلسطينيين. وينسى هؤلاء جرائم الاحتلال وإرهابه ضد المدنيين وضد الأرض، وضد حتى أشجار الزيتون المعمرة التي تمثل معلماً إنسانياً وقيمة بحد ذاتها. فلو خرجت إسرائيل من أرضنا وغادرها المستوطنون، وأقمنا دولتنا المستقلة كاملة السيادة على حدود 1967، فمن المؤكد أن الإسرائيليين لن يعودوا للحديث عن العنف والإرهاب الفلسطيني المزعوم.