منتديات الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائردخول

منتديات الجزائر


descriptionالمذاهب الأدبية الغربية و أثرها في الأدب العربي Emptyالمذاهب الأدبية الغربية و أثرها في الأدب العربي

more_horiz
المذاهب الأدبية الغربية و أثرها في الأدب العربي



نقصد بالمذاهب الأدبية من الناحية النظرية المذاهب التي وضع أصولها الشعراء والكتّاب أو النقّاد وبيّنوا الأصول النظرية التي تقوم عليها …. وذلك لأنّ الحقيقة التاريخية هي أنّ المذاهب الأدبية حالات نفسية عامّة ولّدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في العصور المختلفة, فجاء الشعراء والكتّاب و النقاد فوضعوا للتعبير عن هذه الحالات النفسية أصولا وقواعد يتكون من مجموعها المذهب . أو ثاروا على هذه القواعد والأصول لكي يتحرّروا منها وبذلك خلقوا مذهبا جديدا “. فما هي أهم هذه المذاهب ؟ وما هي آثارها المباشرة على الأدب العربي ؟

المذهـب الكلاسيكـي Le Classicisme
1- تعريف المذهب
أ- لغــة:المذهب مصدر للفعل ذهب , فنقول: ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا, في المسألة إلى كذا؛ أي رأى فيها ذلك الرأي ؛ ونقول تمذهب فلان بالمذهب :اتبعه . والمذهب جمعه مذاهب وهو المعتقد و الطريقة والأصل,مثل مذاهب الإسلام الأربعة:المذهب الحنفي و الشافعي و الحنبلي والمالكي , لذا نقول: ذهب في الدين منها : رأى فيها رأيا.
ب- إصطلاحا:هي تلك الاتجاهات والمسارات الفنية والنفسية العامة التي تسببت في وجودها حوادث تاريخية وظروف حياتية عامة في العصور السالفة ،واتفق الأدباء والنقاد فوضعوا أصولا وقواعد للتعبير عن هذه الحالات النفسية ،فالمذاهب تيارات فكرية وفنية واجتماعية تعاونت الآداب العالمية على انتشارها وعكس كل مذهب روح العصر الذي نشأ فيه .
2- تعريف المذهب الكلاسيكي “الاتباعي“
أ- لغــة: كلمة- كلاسيكية- من حيث الأصل اللغوي مأخوذة من كلمة classis التي كانت تدل على معنى وحدة الأسطول ، ثم استعملت بمعنى وحدة دراسية أو فصل دراسي ، ثم أصبحت تطلق على مذهب أدبي محدد الصفات والخصائص وقيل :”إنها من اللفظة اللاتينية((classicus))” وتطلق على الطبقة العليا في المجتمع حيث كان المجتمع في أوربا ينقسم إلى 6 طبقات أعلاها طبقة الكلاسيك .
ب- اصطلاحا:هو مذهب أدبي يتمسك بالأصول القديمة الموروثة عن الأدب اليوناني القديم ، ويحرص على المحافظة على الأصول اللغوية السليمة في رتابة وعناية بالغتين باعتماد نظرية المحاكاة .
3- نشأة الكلاسيكية
ليس غريبا أن تكون الكلاسيكية الأسرع ظهورا وانكشافا من المذاهب الأخرى ،وسبب ذلك ميل الخلف على السجية إلى السلف. وارتباطهم بما ألفوا عليه آباءهم .فنشأت الكلاسيكية في أوربا بعد حركة البعث العلمي renaissance التي ظهرت خلال القرن 15م، بعد سقوط القسطنطينية سنة1453 على يد الأتراك تحت قيادة – محمد الفاتح – إذ رحل أدباء وعلماء القسطنطينية (بيزنطة) وهم يحملون معهم المخطوطات اللاتينية القديمة إلى إيطاليا ثم سرعان ما انتشر هذا المذهب بفرنسا .
وقد ظهرت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها الأدب الأوربي في القرنين 17م و 18م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على الإبداع الأدبي.
4- تطور الكلاسيكية وخصائصها
تعتمد الكلاسيكية على النزعة العقلية التي قادها” ديكارت ” في الفلسفة و”بوالو” في النقد ، ذلك أن العقل هو الذي يقود القلب والخيال ويكبح جماحهما .
إن الكلاسيكية تستجيب لحاجات الطبقة الأرستقراطية وتعبر عن الحالات النفسية التي كانت سائدة في القرن 15م .وهي تقديس إبداع القدامى خاصة ما أبدعه اليونان واللاتين ، وتمثل جماعة البيلياد la pleiadesالتي يتزعمها رونسار(1524-1585م) بمساعدة دي بيليه (1522-1560م) وترى هذه الجماعة أنه يجب على الأدباء الناشئين أن يتمرسوا بشعر قدماء اليونان واللاتين من أجل بلوغ الإبداع الحقيقي . يلتزم الكلاسيكيون بمحاكاة القدامى في إطار من الاهتمام المطلق والصارم بأصولهم وقواعدهم ،وعلى هذا نجدهم يقتبسون موضوعاتهم من التاريخ القديم ، فانتشر بذلك الشعر المسرحي واختفت النزعة الذاتية .
لقد وضع الأديب الفرنسي – بوالو – أسس الكلاسيكية في كتابه “فن الشعر ” سنة 1648م وبذلك يكون قد أعلن عن نضج الكلاسيكية .
يحرص الكلاسيكيون على تناول الجانب الباطني في الإنسان ؛ أي يغوصون في دواخل النفس الإنسانية ، من ذلك حين يتناول – موليير – (1622-1673) في مسرحيته ” البخيل ” ظاهرة البخل فإنه يحاول من خلالها الكشف عن أعماق نفسية البخيل .
إن الكلاسيكية وإن كانت تقدس العقل فإنها لا تسمح بوجود العواطف الإنسانية إلا تحت قيادة العقل فهي تحرص كل الحرص على جودة الصياغة اللغوية والفصاحة في التعبير لأن هذا الأدب عرف بأنه أدب الصنعة .ومن أهم خصائص الكلاسيكية الغربية:
- الاعتماد على القديم من شعر القدماء كالرومان والإغريق في الحرص على تقليدهم .
- تعظيم العقل : فهم يرون أن الأديب يعتمد على العقل الواعي المتزن والمتميز بالاعتدال في التفكير لذا وجب عليه الابتعاد عن العواطف الذاتية .
- الحرص على جودة الصياغة اللغوية وفصاحة التعبير .
- تقيّد أعمالهم وإنتاجهم الأدبي بقانون الوحدات الثلاث لاعتقادهم أن المسرحية إذا تعددت مواضيعها وامتدت أحداثها عبر الزمن الطويل وتنوعت أماكنها تصدع بناؤها وتفككت عناصرها .
5- أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي
إن تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدود؛ حيث اقتصر على الشعر المسرحي ؛ وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسي الكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء -أحمد شوقي – من مصر والأديب – مارون النقاش- من لبنان . وتتمثل في الأعمال العربية الأدبية الكلاسيكية في بعض الترجمات التي قام بها مارون النقاش الذي ترجم أعمالا للأديب الفرنسي – موليير – كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا- سليم النقاش – بترجمة مسرحية (هوراس) التي ألفها صاحبها –كورناي– سنة 1640 وقد ظهر هذا التأثير البسيط بصفة جلية في مسرحيات -أحمد شوقي – الذي كان قد اتصل بالأدب الفرنسي الكلاسيكي واحتك بمسرحه عند ذهابه إلى فرنسا للدراسة . ونلمح هذا التأثير في عنصر الصراع بين الحب والواجب في مسرحية (مصرع كليوباترا) إذ جعل الأديب كليوباترا ملكة مصر (67 ق.م- 30 ق.م ) تغار على وطنها ولا يهمها أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنية في سبيل مملكتها وهي مع ذلك مهتمة بجمالها حية أو ميتة ، متمسكة بعلاقتها بأنطيوس القائد الروماني الذي خاصم قومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتها نتيتاس نوعا آخر من الصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون أمازيس .
وإذا كانت مسرحيات شوقي محاولة رائدة في الشعر العربي فقد تبعتها بعد ذلك محاولات أخرى ناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثل مسرحية “مصر الجديدة “لـفرج أنطون كما ظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكية في الأدب العربي بقي محدودا ولم تلق رواجا كبيرا لأسباب أهمها :
- اعتماد المذهب الكلاسيكي الغربي على الأدب الموضوعي بينما نجد الأدب العربي عموما أدبا عاما .
- إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني القديم أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ، وحين اتصل بعض أدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثير محدودا.
- عدم بقاء الكلاسيكية وتعميرها طويلا في أوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب العربي والآداب الأوروبية في مرحلة الطفولة . فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب أدبي هجره أهله.

المذهـب الرومانسـي Le Romantisme

نص استهلالي: قال الدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : “…يمكن القول أنها قد كانت في جوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من تلك الآداب ” .
1- تعريف الرومانسية
أ – لغــة :الرومانسية من حيث الجذر اللغوي مشتقة من كلمة “رومانيوس” وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن “رومانس” لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية مطلقة .
ب- اصطلاحا:هي ثورة على المذهب الكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيه إغراقه في الصنعة ومبالغته في تعظيم العقل وإمعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم. فالرومانسية تفتح المجال واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساس المنطلق والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2- نشأتها
نشأت الرومانسية في فرنسا في أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس فلسفي هي الفلسفة العاطفية التي مثلها – جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي الذي توفي سنة 1778 وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي عبرت عنها الرومانسية مصورة حالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما اتسع نطاق الرومانسية من خلال بعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور هيغو “1806 – 1895″ إلا أن وليام شكسبير “1564-1616″ يعد بحق واضع القاعدة الأولى للرومانسية الغربية في مسرحه الشهير في إنجلترا وتميزت أعماله بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن رواد هذا المذهب أيضا الشاعران الإنجليزيان واردزوارث”1770-1850″ وكلوريدج “1772-1834″ اللذان نظما وأصدرا ديوانهما “المواويل الغنائية” وقد جعلا الإنسان بهمومه واهتماماته محورا لشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيين آخرين نالوا شهرة واسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليم بلاك “1757-1827″ وجامس طومسون “1700-1742″ .

3- تطور الرومانسية وخصائصها
لقد شهدت الرومانسية تطورا كبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات بارزة في الأدب الرومانسي. وقد شهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب “آلام الشاب وارذر” وقد صدر سنة 1774م وترجم بعد ذلك إلى الإنجليزية والفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل الرواية “وارذر” بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسية بفرنسا فإنها جاءت متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانية حيث ظهر تأثيرها خاصة في حروب نابليون بونابرت “1769-1821″ واحتلاله بجيشه لعدة دول أوروبية كإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلى بلدهم فرنسا وهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح سنة 1830 بعد سفر كل من –لامارتين- “1790-1869″ والأديب فيكتور هيجو -اللذان أعتبرا من أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد أخذ هذان الأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادءه وحملاها إلى فرنسا قادمين بها في رحلاتهما من ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو (البؤساء – وهرناني -وعمال البحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة ” يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات المأخوذة من عصور غربية عنا “. وقد اهتمت الرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذا جاءت تعبيرا عن هذا المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعت الرومانسية بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .

4- أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية :
- بروز الذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي .
- اتخاذ الطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية .
- تسعى الرومانسية إلى التعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية إلى حد الإسراف .
- التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد طمحت إلى عالم تسوده مبادئ العدل والمساواة ، معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء والمحرومين ، وقد نادت الرومانسية بتحطيم القيود والقواعد المفروضة على الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة .
5- أثر الرومانسية في الأدب العربي
أشرنا أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدب العربي الحديث . إلا أننا نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربي وقد ظهرت بوادر هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبي ماضي) وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم الأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كما نلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله ” الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية – الإبداعية – الإبتداعية …”

أ- عوامل ظهور الرومانسية في الأدب العربي :
- تأثيرات الغرب : بدأ الاتصال بالثقافة الغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م فأخذت البعثات العلمية تقصد أوروبا لتغترف من الحضارة الجديدة وعادت تحمل هذا التأثير من المثقفين العرب فتأثر معظم الشعراء بنظرائهم في الغرب وفي مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذي كان على اتصال تراسلي مع –لامارتين- .
- معاناة الجيل العربي ما بين الحربين : يعزو بعض النقاد أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيل العربي أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيود ومصادرة الأفكار الحرة وممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلى دنيا الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل .
- الرغبة في التجديد : لقد ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيود القديمة التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية في الأدب العربي :
ظهرت الرومانسية في الأدب العربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها الأدباء في إنتاج فني وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما : الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد و إبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922″ميخائيل نعيمة” وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها :
1- مدرسة الديوان أو” مدرسة التجديد الذهني ” : دعا إليها- العقاد والمازني – ومن شعرائها عبد الرحمان شكري وقد حملت لواء التجديد والثورة على الأدب المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية وقد نهجت في كتابها “الديوان” المنهج ذاته الذي نهجته” مجموعة الكنز الذهبي”وشعارها هو بيت “عبد الرحمن شكري”في قصيدته “ضوء الفجر” :
ألا يــــا طـــائـر الفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان .
وقد قامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتين هما :
• سعة ثقافة أصحابها : فقد عكفت هذه المدرسة على التراث العربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليل والدراسة
• الإطلاع الواسع على الأدب الغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب الأوروبية الغربية وخاصة الأدب الإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام . وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعض الخصائص الفنية نجملها فيما يأتي :
* كان أدبهم إنسانيا يحمل رسالة سامية ، ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم .
* البعد عن الصنعة والتكلف حتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيس الذاتية .
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة على خلاف النظام القديم.
* الصدق الفني في التجربة الشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما في نفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2- الرابطــــة القلميــة : تمثل شعراء المهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباء المهجر . تتميز هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنها لا تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو رب الشعر والموسيقى عند اليونان ) : هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا إليها أحمد زكي المعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي وبوفاته في شهر أكتوبر من نفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم إليها علي محمود طه توفي سنة 1949 والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934 وكذلك الأديب إبراهيم ناجي ومحمود حسن اسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلة فنية حملتها لسان حالها دعتها مجلة “أبولو” برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي موسيه، وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراء الأوروبيين المجددين . وهذا الشاعر أحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه في سوريا :

بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنا في الهم شرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدة العضوية ، الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
4- جماعات أدبية أخرى :
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليم الخوري .
• عصبة العشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشال معلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .

المذهـب الـواقعـي Le Réalisme
نص استهلالي : ورد في كتاب الأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ما يلي : ” إن الواقعية ليست الأخذ عن واقع الحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة الفوتوغرافية كما أنها ليست معالجة لمشاكل المجتمع ومحاولة حلها أو التوجه نحو هذا الحل ، كما أنها ليست ضد أدب الخيال أو الأبراج العاجية ، وإنما هي فلسفة في فهم الحياة والأحياء وتفسيرهما أو هي وجهة نظر خاصة ترى الحياة من خلال منظار أسود ” ويرون : ” أن الشجاعة والاستهانة بالموت لو نقبنا عن حقيقتها لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها ، والكرم في حقيقته أثرة تأخذ مظهر المباهاة ، والمجد والخلود تكالب على الحياة وإيهام للنفس بدوامها أو استمرارها . وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها قيما خيرة ، فهي ليست واقع الحياة الحقيقية وإنما الواقع هو الأثرة وما ينبعث عنها من شرور وقسوة ووحشية ” .
1- تعريف الواقعية
تمثل الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة ، فهي ترى أن الحياة كلها شر ووبال وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كان ماكرا ومخادعا .
2- نشأتها
نشأ هذا المذهب في الثلث الثاني من القرن 19م تحت تأثير الحركة العلمية والفلسفية ونتيجة رد فعل للإفراط العاطفي الذي اتسمت به الرومانسية ؛ فقد ازدهرا معا وتجاورا . وقد عمد الواقعيون إلى تشخيص الآفات الاجتماعية وتصوير معاناة الطبقة الدنيا وبالغوا في ذلك حتى اتسم أدبهم بطابع تشاؤمي ومسحة سوداء .

يعدّ بالزاك Balzac « 1850-1799 »الرائد الأول للواقعية في فرنسا وقد خلف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي وهي تشمل نحو 150 قصة أطلق عليها اسم الكوميديا البشرية وتمثل قطاعات مختلفة من الحياة ، كما نجد عدة أدباء آخرين من فرنسا في مجال الواقعية مثل غوستاف فلوبار”1821-1880 ” وهو صاحب الأعمال الأدبية المتميّزة مثل السيدة بوفاري Bovary Madame وقصة أخرى عنوانها Salammbo وغيرهما من الأعمال الأدبية القيمة .
3- تطور الواقعية وأشهر أعلامها
أشرنا إلى نشأة الواقعية في فرنسا وريادة بالزاك في هذا المجال ، أما في إنجلترا فإننا نجد ريشار شيريدان”1751-1816 ” وكذلك تشالز ديكينز “1822-1870″ الذي قدم وصفا صادقا وعميقا للمجتمع الإنجليزي في رواياته التي تركت آثارا جلية في الواقعية الإنجليزية مثل (صحائف بكويك و دافيد كوبرفيلد) وكذلك (دمنى وولده) .
4- خصائص الواقعية
يرى النقاد أن الواقعية تنقسم من حيث خصائصها الفنية إلى ثلاثة اتجاهات :
*الواقعية الانتقادية : تقف موقفا انتقاديا إزاء أوضاع المجتمع فظهر هذا المذهب جليا أكثر في الأدب الفرنسي عند بالزاك وستيندال وكذلك تجلى في الأدب الروسي عند دوستويفيسكي و تولستوي “1828-1910″ صاحب القصة المشهورة (حرب وسلم) وإلى جانب هؤلاء الأدباء ذاع صيت الأديب الأمريكي هيمينغواي “1898-1960″ ومن رواياته ” الشيخ والبحر ” و ” لمن تقرع الطبول ” .
* الواقعية الطبيعية : لقد عملت على توثيق صلة الأدب بالحياة لتصوير الواقع الاجتماعي بمختلف أشكاله مع الاستعانة بالعلوم التجريبية العصرية وعلى هذا اعتقد الفرنسي ايميل زولا “1840-1902″ أن الأديب يطبق مكتشفات (داروين) صاحب نظرية “أصل الأنواع ” و(كلود بيرنارد) صاحب نظرية “الأثر الحاسم للبيئة” وبذلك نفى هذا الاعتقاد على الإنسان حرية الإرادة والاختيار، واعتبر أن أفكاره وأحاسيسه وسلوكه نتاج الجانب العضوي والمادي فيه .
* الواقعية الاشتراكية : هي واقعية جديدة طغت عليها النظرة الماركسية إلى الفن الأدبي ، وترى أن الأدب يجب أن يخدم هذه النظرة ويعبر عن الطبقة العاملة ، بالدفاع عن حقوقها ومصالحها .

- إن الواقعية الاشتراكية أفرزتها ظروف تاريخية واجتماعية معارضة للرومانسية والمثالية الطبيعية . إن الواقعية الاشتراكية تعتمد على تحليل الواقع تحليلا دقيقا ثم تقبل ما يوافقها وتطرح ما عدا ذلك . كما تؤمن الواقعية الاشتراكية أن الواقع يمكن تغييره لأن الإنسان مالك لمصيره لذا باستطاعته أن يستعمل هذه الظروف لصالحه في تغيير الواقع ومن ثمّ تغييره لنفسه .
وهذه الفكرة تعتبر من صميم النظرية الاشتراكية فقد قال زعيمها ماركس : ” الإنسان يعمل في الطبيعة الخارجية ويغيرها ، وفي الوقت نفسه يغير طبيعته ويطور الملكات الكامنة فيه … ” .
5- أثر الواقعية الغربية في الأدب العربي الحديث
إن الواقعية الغربية بنظرتها المتشائمة لم تستطع فرض نفسها على الأدب العربي الحديث ، فقد رسم أدبنا نهجا خاصا به استوحاه من الواقع العربي بمشكلاته الاجتماعية وقضاياه السياسية ، وإن كان بعض الأدباء قد تأثروا في بداية الأمر بالواقعيين الغربيين ومن هؤلاء “محمود تيمور” الذي تأثر بالواقعية الفرنسية حيث كانت أعماله القصصية لوحات لأوضاع اجتماعية غلب عليها شيء من التخيل .
أما الواقعية الحقيقية في أدبنا العربي الحديث فقد تجلت عند الدكتور طه حسين في كتابه المعذبون في الأرض وقد عبر عن رفضه لمظاهر الحرمان والفقر مطالبا بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية للفرد . وخير ما أثمرته الواقعية في أدبنا ما كتبه “توفيق الحكيم” في روايته (يوميات نائب في الأرياف) سنة 1937 قدم وصفا دقيقا لحياة الفلاحين في الريف المصري مستعرضا مظاهر الجهل والمرض والحرمان والذل بين أجيال من الإقطاعيين المستبدين وقد ترجمت هذه الرواية إلى أغلب لغات العالم وبذلك بلغ مرتبة سامية في سلم الأدب العالمي .
كما ظهرت الواقعية في أدبنا في أعمال “يوسف إدريس” في روايته(الحرام) التي نالت رواجا واسعا وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة . كما نلمح الواقعية عند الأديب “عبد الرحمان الشرقاوي” في روايته “الأرض” وكذلك الأديب “يحي حقي” في مجموعته القصصية (ماء وطين) أما الواقعية في الأدب الجزائري فقد تجلت في الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية التي تناولت الحياة الجزائرية عامة والريفية بوجه خاص ونجد ذلك في رواية (ابن الفقير) لـ “مولود فرعون” إذ صور فيها نشأته المعذبة ، كما وصف أيضا حياة الفلاحين البائسة ومعاناتهم اليومية ، فالفلاح يقضي في حقل الإقطاعي قرابة ست عشرة ساعة يوميا فهو يخرج من كوخه قبل بزوغ الفجر ولا يعود إليه إلا بعد غروب الشمس ويقول في ذلك : ” يسكنون بيوتا بدائية فقيرة ، تتسلق قمما مرتفعة يعلو كل منها الآخر ، وكأنها عظام عمود فقري هائل لحيوان رهيب من حيوانات مل قبل التاريخ … ” .
كما صور الأديب الجزائري هذه الواقعية المؤلمة بكل صدق وإيمان نظرا لتجاربه في الحياة ومعاناته اليومية ، فهو صورة لهذا المجتمع المتألم من نير عبودية الاستعمار وسياسته الاستيطانية والاستعبادية وهذا ما نجده في رواية “محمد ذيب” (الحريق) الذي عبر قائلا : “لقد استولوا على كل شيء ، إنهم يريدون أن يصبحوا سادة أيضا ، لقد جعلوا من واجبهم الحقد علينا.وهاهم أولاء ينتزعون كل يوم قطعة من لحمنا ، فيبقى مكانها جرح عميق لتسيل من حياتنا … ” .
كما نجد الشعر قد صور واقع الحياة الاجتماعية لهذا الشعب وهذا “محمد الأمين العمودي” يقول :
نفسي تريد العلا والدهر يعكسها بالقهر والزجر إن الدهر ظلاّم
أبكي إذا اشتد إرزام الحوادث بي وللحوادث مثل الرعـد ارزام
إن حل عام جديـد قمـت أسأله قل لي : بماذا أتيت أيها العام؟
إني وإن حط سوء الحظ منزلتي وقد علا شرفـي بالظلم أقوام

كما نجد الأديب “محمد الصالح خبشاش” يعبر عن واقع المرأة الجزائرية المؤلم داعيا إلى تربيتها وتعليمها قائلا :
تركـوك بين عبـاءة وشقـاء مكؤوبـة في الليلـة الليلاء
دفنوك من قبل الممـات وحبذا لو مـت قبـل تفاقـم الأدواء
مسجونـة مزجـورة محرومة محفوفـة بمـلاءة سـوداء
وإلى جانب هذين الشاعرين هناك شعراء آخرون ، لم يقلّ شعرهم أهمية ولا مكانة في وصف الواقع الجزائري المزري نذكر منهم “محمد العيد آل خليفة ، الشيخ إبراهيم أبي اليقضان …”

المذهـب الرمـزي LeSymbolisme

نص استهلالي : يقول جورج صيدح : “إن الرمز هو غير اللغز فاللغز لا يفهم ولا يوحي ، أما الرمز فأنت تفهم إيماءته أضعاف ما تفهم من كلمته … والإغراق في الإيهام يسد منافذ الجو ، ويخلق أمام القارئ فراغا لا يستحث الفكر ولا يوقظ الشعور”
ويقول الدكتور حامد حقي داود : ” … هذا الرمز والغموض هو ما أشار إليه النقاد العرب القدامى كقول بن سنان الخفّاش : أفخر الشعر ما غمض عنك فلم يعطك إلا بعض ما طلب منه ” .
1- تعريف الرمزية
أ- لغـة : يعود أصل الكلمة إلى عصور قديمة لا يعرف مداها التاريخي ولكنها موحدة المعنى لدى الشعوب القديمة فهي عند اليونانيين تدل على قطعة الفخار أو الخزف تقدم إلى الزائر الغريب علامة على حسن الضيافة .
وعند العرب شرح المعجم اللغوي لسان العرب لابن منظور الرمز بحركات تقوم بها العينان والشفتان لتؤدي معنى خفيا لا يؤدى تأديته باللفظ الصريح .
ب- اصطلاحا : المدرسة الرمزية حركة أدبية ظهرت في النصف الأخير من القرن 19م اعتمدت الرمز لغة والموسيقى إيقاعا والجمال غاية ومحورا .
والرمز هنا معناه الإيحاء أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها في دلالتها الوضعية ، بحيث تتولد المشاعر عن طريق الآثار النفسية لا عن طريق التسمية والتصريح .
2- نشأتها
ظهرت الرمزية في النصف الثاني من القرن 19م وقد اعتمدت في أصولها الفلسفية على “مثالية أفلاطون” ومنظّرو الرمزية يشيرون إلى أن هذه الحركة تأثرت في نشأتها بالحركة الدينية والأسطورية التي قامت في تلك الحقبة ، كما لا يخلو الأدب الرمزي من تأثيرات ومقدمات فلسفية رصدت دوافعه ومن الفلاسفة الذين كتبوا ومهدوا للرمزية كانط المؤثر المباشر، وهربرت سبنسر الإنجليزي مؤسس الفلسفة التطورية .
وإذا ما استندنا إلى مثالية أفلاطون فإن الرمزية تنكر الأشياء الخارجية المحسوسة ، ونراها في الحقيقة رمزا للحقائق المثالية البعيدة عن عالمنا المحسوس .
3- تطور الرمزية وأشهر أعلامها
من حيث الإطار الإعلامي الفعلي فإن نشأة الرمزية في الأدب الغربي الحديث يعود إلى سنة 1886م عندما أصدر “مورياس” رسالة أدبية تتضمن تعريفا مفصلا بهذه المدرسة واعتبرت هذه الرسالة بمثابة أول منشور للرمزية وقد صدر هذا البيان في الملحق الإداري لجريدة “الفيغارو” الفرنسية حيث قدم تعريفا بالمذهب الجديد وحدد ممثليه ورواده وهم شارل بودلار “1821-1867″ وهو شاعر وكاتب فرنسي ولد عاش بباريس من مؤلفاته “زهور الشرles fleurs du mal /” وله مجموعة شعرية تعبيرية وترجم قصص لـ”ادغار آلامبو” ، ويعد بودلار الرائد الأول للرمزية في فرنسا و “ملارميه” المنظر الحقيقي الذي وهب الشعر معنى الغموض والأسرار الخارقة التي لا توصف أما الثالث فهو “فرلين” لأنه كسر قواعد الشعر المألوفة إلى نوع جديد هو الشعر الحر .
بعد ذلك بأسابيع ظهرت مجلة الرمزي lesymboliste في أربع أعداد وقد أوضحت كثيرا من قواعد الرمزية ورسخت اتجاهاتها . ومن أبرز رواد الرمزية خارج فرنسا ويليام بلاك ، ويليام بيتلرياتس من ايرلندا وريزماريار يلكه وإلكسندر بلوك من روسيا أيضا وتوماس ستريس إليوت من أمريكا إلا أنه يحمل الجنسية الإنجليزية خاصة في مجموعته الشعرية المسماة “الأرض الخراب the wasteland ” .
يرى الرمزيون أن اللغة لا قيمة لها في ألفاظها إلا ما تثيره هذه الألفاظ من الصور الذهنية التي تلقيناها من الخارج وعلى هذا الأساس تصبح اللغة وسيلة للإيحاء ، كما يرى الرمزيون أن الأدب يسعى إلى نشر الصورة الفنية ونقل خيال الكاتب إلى القارئ كما اهتم أصحاب المذهب الرمزي بالإيقاع الموسيقي في شعرهم ويرون أن الموسيقى وحدها هي التي توقظ في السامع أو القارئ مشاعره العاطفية التي تهز نفسه .
4- خصائص الرمزية
من أهم خصائص المذهب الرمزي نذكر ما يأتي :
* انتفاء الواقع والتحري عن الروح في قلبه : فالرمزية اعتبرت الواقع الهادي زائفا في الدلالة على الحقيقة وإنه قناع يسترها، ذلك أن الشاعر إذا ما رنا إلى البحر فإنه لا يذكر زرقته وموجه الهادر وإنما يتخذ البحر مادة للتأمل ، إنه يرنو إلى ميتافيزيقية البحر من حيث غاياته وغاية الإنسان والوجود فيتحول الإنسان البحر والبحر الإنسان كما يقول بودلار :
أيها الإنسان الحرّ
ستحبّ البحر
البحر مرآة
* الغموض : يشكل الغموض العمود الفقري للأدب الرمزي والمقصود بالغموض ما يخيّم على القطعة الأدبية فتصبح مقتصرة على ذوي الاحساسات الفنية المرهفة ، فالرمزيون يكتفون بالإشارة إلى الحالة النفسية الغامضة بوسائل رمزية .
* الإيحاء : إذا كانت الكلاسيكية تنقل المعاني عن طريق العقل والرومانسية عن طريق الانفعال “العاطفة” فإن الرمزيين قد اهتموا بنوع آخر من هذه المشاركة الوجدانية ما بين الكاتب والقارئ تقوم على نقل حالات نفسية من الكاتب إلى القارئ وهو الإيحاء ومن هذه الكلمات الموحية : “الضوء الخافت- التموج- الألوان الهاربة-الأنغام- الغروب-الرحيل … ” كما أنهم يقربون بين الصفات المتباعدة (السكون المقمر-الضوء الباكي-الشمس المرة المذاق-القمر الشرس) . كما اهتموا بالألوان من ذلك أن “رامبو” قد جعل لكل لون معنى :
اللون الأحمر يرمز إلى الحركة والحياة الصاخبة والقتال والثورة والغضب والأعاصير .
اللون الأخضر يرمز إلى السكون والطبيعة والانطلاق وفكرة المستحيل والخلاص من عالم المادة .
اللون الأزرق يرمز إلى العالم الذي لا يعرف الحدود وفيه انطلاق إلى ما وراء المادة الكونية .
اللون الأصفر لون المرض والشعور بالحزن والضيق والتبرم بالحياة .
اللون الأبيض يمثل الطهر المثالي وهدوء السكينة ويرمز إلى الفراغ والجمود .
اللون البنفسجي لون الرؤى الصوفية .
* النغمة الموسيقية : الرمزية في نظر “فاليري” هي :” نية عدد من عائلات الشعراء في أن ينهلوا من الموسيقى” فالموسيقى لا تقرر أفكارا بل تعبر تعبيرا نغميا عما يشعر به الفرد ، وتنتقل هذه المشاعر من المؤلف والعازف إلى المستمع وهذا “بودلار” في ديوانه (أزهار الشر) يكتب مقطوعة صغيرة عنوانها الموسيقى صور فيها الأثر العميق الذي تحدثه الموسيقى :
تأخذني الموسيقى غالبا مثل بحر
نحو نجمتي الشاحبة
تحت سقف ضبابي أو أثير واسع
أرفع الشراع
صدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان
كالشراع
ويقول “فرلين ” في الموسيقى في قصيدته الفن الشعري : عليك بالموسيقى قبل كل شيء قم بالموسيقى أولا وأخيرا
وليكن شعرك مجنحا
حتى لا يحسّ أنه منطلق من الروح عابرا نحو سماوات أخرى

* تراسل الحواس : فاللمس والشم والسمع والبصر وسائل تعبير متداخلة ومتبادلة فبعضها ينوب عن بعضها الآخر في التأثير النفسي كوصف أحد الرمزيين للون السماء بقوله : “وكأن لون السماء في نعومة اللؤلؤ” وكقصيدة بودلار الشهيرة مراسلات التي يقول فيها :
ثمة عطور ندية كجسد الأطفال
عذبة كآلة موسيقية
خضراء كالمروج
وهكذا شاهد الشاعر لون الاخضرار في العطر وسمع نغم المزمار ولامسه في جسد الأطفال .
* الرمزية أدب الصفوة : فهم لا يحفلون بسواد الشعب ويتوجهون إلى الصفوة بحيث يغدو فهم الأدب الرمزي مقصورا على الذين تمكنوا من بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس الجماعي الذي شرحه كل من “يونغ” و”أدلر” وعلم التحليل النفسي الذي اكتشفه وعرفه العالم النمساوي “فرويد” .
* الإيمان بالصنعة دون الإلهام : وفي ذلك يقول فاليري : “إذا آمن الشاعر بالوحي قتل الإبداع ” .
* اللجوء إلى الأساطير : وذلك عندما يصرفون موضوعات إنسانية لها علاقة مباشرة بالفلسفة أو الأخلاق .
وعليه انقسمت الرمزية إلى ثلاثة اتجاهات نجملها فيما يأتي :
- الرمزية اللغوية : وعملها نقل الصورة اللغوية من نفس إلى أخرى ، ويرى أصحاب هذا الاتجاه وعلى رأسهم “شارل بودلار” أن معطيات الحواس متداخلة أي أن كافة الحواس تستطيع أن تولّد وقعا نفسيا واحدا ، وأن جزء منها ينوب عن الآخر في التأثير النفسي ، ويتضح هذا في وصف أحد الكتاب سماء مغطاة بالسحب البيضاء حيث يقول : “وكأن لون السماء في نعومة اللؤلؤ” .
- الرمزية الغيبية : وتهتم بطريقة إدراك العالم الخارجي وبالوجود الذهني الذي ينحصر فيه ويترأس هذا الاتجاه الفرنسي “ستيفان مالارميه ” .
- الرمزية الباطنية : وهي تسعى إلى اكتشاف العقل الباطن وعالم اللاوعي ” اللاشعور”

كما ذهب البعض إلى تقديم أقسام أخرى للرمزية مثل :
أ‌- الرمزية الشعرية : ويظهر هذا الاتجاه في الشعر الغنائي والشعر التمثيلي حيث تسعى إلى إحداث حالة نفسية خاصة، والأداة الأولى عنده للفعل الشعري هي “الكلمة” لتصبح واقعا ملموسا تلونها حروفها الصوتية وتصنع فيها الحياة حروفها الساكنة ، فالعمل الأول للشاعر عندهم هو إعطاء معنى أكثر صفاء للكلمات .
ب‌- الرمزية الموضوعية : حيث يلجأ الأدباء إلى معالجة المشاكل الإنسانية والأخلاقية بواسطة الخيال وبذلك تكون بعيدة عن مشاكل الواقع الحياتي ، فهي ترمي إلى تجسيد الأفكار لإيضاح الحقائق الفلسفية والأخلاقية .
5- أثر المذهب الرمزي في الأدب العربي الحديث
كان للترجمة التي قام بها عدد من الأدباء ، ولا سيما تلك التي قامت بنشرها مجلات عربية مشهورة مثل : المقتطف والمكشوف والرسالة والأديب … أثر واضح في نقل الآداب الغربية التي أخذت بأساليب المدارس الأدبية .
وقد مهد لهذه الترجمات الإطلاع المباشر على اللغات الأوروبية والأمريكية إثر الهجرات التي قام بها عدد من اللبنانيين والسورية إلى بلاد الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد لقيت الرمزية اهتماما من الشعراء العرب وانتشرت على أوسع نطاق . ولم يكن ظهور الرمزية في أدبنا خاضعا لنفس الظروف التي نشأت في كنفها الرمزية في الأدب الغربي .

ومن مظاهر ذلك الرمزية الجزئية لـ جبران خليل جبران خاصة في قصيدته “المواكب” التي اعتمدت في بعض صورها على تراسل الحواس كما في قوله :
هل تحممـت بعطـر وتنشـفـت بنـور
وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير

وفيه انتقال الحس اللمسي “الاستحمام” مكان الحس الشمي “العطر” والحس البصري “النور” مكان الحس اللمسي “التنشف” والحس الذوقي “الشرب” مكان الحس البصري . وهذا لا يحقق لجبران رمزية كلية .
لقد أجمع الدارسون لرمزية الأدب العربي أن “أديب مظهر” توفي 1928 أول شاعر في العربية أدخل شرارة الرمزية الحقيقية إلى اللغة العربية مع قصيدته المسماة (نشيد السكون) وكان يقدّر له أن يبرز إلا أن الموت عاجله وهو في السادسة والعشرين من عمره كما برز الشاعر اللبناني سعيد عقل “1818-1916″ مؤسس صحيفة (البرق) وقد قتلته الأتراك نتيجة مواقفه السياسية المتشددة ، وهو من أوائل الأدباء العرب نقلا للرمزية الغربية . كما يرى أن الشعر يجب ألا يخبر بل يؤمن ويوحي ويلمّح وأصرّ على الإدراك اللامنطقي والحدسي للعالم ، كما اعتبر أن الشعر موسيقى قبل أن يكون فنا فكريا . ومن الرمزيين أيضا: (يوسف غصّوب ، جورج صيدح ، إيليا أبو ماضي) . وبعد سنة 1950 شاعت في الشعر العربي حركة جديدة تنتمي إلى الرمزية من أبرز أعلامها : من العراق (بدر شاكر السيّاب ، عبد الوهاب البياتي ، سعدي يوسف ، نازك الملائكة ) ومن لبنان (خليل الحاوي ، يوسف الخال ، أدونيس) ومن مصر (صلاح عبد الصبور) .

descriptionالمذاهب الأدبية الغربية و أثرها في الأدب العربي Emptyرد: المذاهب الأدبية الغربية و أثرها في الأدب العربي

more_horiz
مشكووووووووووووووووور بارك الله فيك
جزاااااااااااااااااااااااااااااااااك الله خيرااا وجعلها
في ميزان حسناتك
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد