إنه أول مسجد بني
بولاية المسيلة، منارة علمية ودينية وحتى جهادية، في مسيرة استمرت 10 قرون
ولا تزال تعطي وتجود بكل ما تحتاجه الروح البشرية من زاد روحي، وهذه هي قصة
بنائه قبل حوالي 10 قرون.

المسجد العتيق ببوسعادة.. 10 قرون من العطاء الروحي والفكري
الكاتب: رياض شتوح
يعود
الفضل في بناء المسجد العتيق بعد الله إلى الولي الصالح سيدي ثامر الذي
قدم إلى بوسعادة، وتحديدا إلى الولي الصالح سيدي سليمان في حدود سنة 795
هجري الموافق لـ1394 ميلادي، وقدم مع مولاه ميمون، فتلقاهم سيدي سليمان
بالترحاب والكرم وأدخلهما الزاوية التي كان قد بناها فوجدا فيها سيدي دهيم
وجمعا من التلاميذ الذين رحبوا بهم أيضا، وبعد مضي بضعة أيام سأل الولي
الصالح سيدي سليمان سيدي ثامر عن سبب قدومه إلى هذه الديار، فقص عليه سيدي
ثامر رؤيا كان قد رآها، فأشار عليه بالمقام عنده فقبل، فاعتنى سيدي سليمان
بسيدي ثامر ورباه وعلمه، ولما كثر أتباع الشيخ وتلامذته اقترح عليه سيدي
ثامر بناء مسجد بقوله "إننا في حاجة إلى مسجد يجمعنا في الصلوات الخمس
ونقيم فيه صلاة الجمعة"، فوافق الجميع على اقتراحه واستشاروا الشيخ سيدي
سليمان فأذن لهم بذلك، فخرج سيدي ثامر وسيدي دهيم برفقة بعض الطلبة يسألون
موضعا لبناء المسجد فساقهم القدر إلى المكان الذي بني عليه المسجد اليوم،
واتخذ سيدي ثامر لنفسه منزلا إزاء المسجد على أنقاض قصر "بفادة" الذي بناه
الرومان مركزا حربيا وهدمه الوندال خلال غزوهم الإمبراطورية الرومانية،
فسمي الحي والمسجد باسمه، مسجد"القصر" وحي "القصر"، ثم شرع الجميع في بناء
مسجدهم على نفقة سيدي ثامر، وتولى مهمة البناء سيدي دهيم الذي كان يجيد
صنعة البناء، وبعد الانتهاء من بناء المسجد أقام سيدي ثامر احتفالا لتدشين
المسجد حضره جمع من الأولياء يقودهم سيدي سليمان وسيدي دهيم وسيدي عطية بن
بلقاسم وسيدي محمد الأبيض المعروف بالطير الأبيض، بالإضافة إلى أعيان
القبائل التي نزلت ببوسعادة في ذلك الوقت، ولما انتظم الحفل قام سيدي
سليمان ودعا لسيدي ثامر بالبركة وقال له "جعل الله عمارة هذا البلد على يدك
وبارك الله في أرزاق أولادك وجعل فيهم الدين إلى يوم الدين"، ثم قام بعده
سيدي سليمان وقال "إننا أسسنا هذه البلدة على العدل والحق فمن ظلم فيها
دمره الله ولو كان من أولادي".

وكان المسجد منارة جهادية، نظرا
لوجود قبور ثلاثة مجاهدين من أبطال المقاومة الشعبية. ويشكل المسجد اليوم
منارة علمية وسياحية ممتازة، وهو مقصد كل زائر لبوسعادة، وتم تصنيفه كمسجد
وطني من قبل وزارة الشؤون الدينية. وأهم ما يميز المسجد هو هندسته
المعمارية الإسلامية الخالصة ومداخله وممراته الحجرية، وبعض العادات على
غرار عادة "الختمة"، أي ختم القرآن الكريم. ومن مميزاته أيضا حمامتا
المسجد، ونعني بهما التوأم الحسن والحسين اللذين لا يبارحان المسجد إلا في
الليل.