عرفت
الجزائر والشمال الافريقي ككل بروز أبطال أمازيغ صمدوا في وجه
الامبراطورية الرومانية وألحقوا بها هزائم نكراء في وقت كان العالم يرتجف
خوفا من جبروتها وقوتها الرهيبة.
خاضوا معارك وبطولات بقيت راسخة الا يومنا هدا ولن ينساهم التاريخ أبدا أبرز هؤلاء الأبطال : تاكفاريناس - ماسينيسا - يوغرطة



1- تاكفاريناس


يعد تاكفاريناس Tacfarinasمن
أهم أبطال المقاومة الأمازيغية قديما، وقد أظهر شجاعة بيرة في مواجهة
المحتل الروماني، و قد لقنه درسا لاينسى في البطولة والمقاومة الشرسة،
وهومازال محفورا في ذاكرة تاريخ الإمبراطورية الرومانية . كما أخرت مقاومته
الشعبيةاحتلال تامازغا من قبل المتوحش الروماني لمدة طويلة تربو على عقد
من الزمن. ولم يتمكن العدو من احتلال بعض أجزاء أفريقيا الشمالية إلا بعد
مقتل تاكفاريناس في ساحة الحرب. إذا من هو تاكفاريناس؟ وماهي دواعي مقاومته
وأسبابها الذاتية والموضوعية؟ وماهي أهم المراحل التاريخية التي عرفتها
مقاومته للإمبراطورية الرومانية في إفريقيا الشمالية؟ وما هي آثار هذه
المقاومة و نتائجها؟

1-من هو تاكفاريناس؟

تاكفاريناس من أهم قواد نوميديا ( الجزائر) الأمازيغية، نشأ في أسرة نبيلة ذات نفوذ كبير، وينتمي لقبيلة موسالامس( Musalams)، وۥجنّد
مساعدا في الجيش الروماني في سن السادسة عشرة برتبة مساعد ، واكتسب أثناء
العمل تجربة عسكرية كبيرة؛ لكنه سيفر منالجندية بعد أن رأى ظلم الرومان
الذي كان يمارس ضد الأمازيغيين وتلمس غيانهم واستبدادهم المطلق. فعين من
قبل أتباعه ومحبيه قائدا لقبائل" المزاملة" سنة 17م، فشكل منها جيشا نظاميا
من المشاة والفرسان على الطريقة الرومانية في تنظيم الجيوش. وفقد عمه
وأخاه وابنه في الحروب التي خاضها ضد الجيش الروماني في شمال أفريقيا، وقد
دامت ثورته سبع سنوات ثم انهزم قتيلا في في منطقة سور الغزلان بالجزائر .
وتعلم تاكفاريناس الكثير من خطط الجيش الروماني وطرائقه الاستراتيجية في
توجيه الحروب و المعارك، كما اطلع على أسلحته وما يملكه من عدة
ماديةوبشرية، وما يتسم به هذا الجيش من نقط الضعف التي يمكن استغلالها في
توجيه الضربات القاضية إليه أثناء اشتداد المواجهات والمعارك الحامية
الوطيس.

2-أسباب مقاومة تاكفاريناس:

إذا كان موقف الأمازيغيين من الفينيقيين والقرطاجيين إيجابيا، فإن موقف
الأمازيغيين من الرومان كان سلبيا إلى حد كبير؛ لأنالحكومة الرومانية كانت
تسعى إلى التوسع والاستيطانواستغلال ثروات شعوبالآخرين عن طريق التهديد
وإشعال الفتن والحروب كما فعلت مع الدولة القرطاجنية في تونس في إطار ما
يسمى بالحروب البونيقية.

وإذا
كان القرطاجنيون قد اهتموا بالتجارة والصيد، فإن الرومان بالعكس كانوا
يركزونكثيرا على الفلاحة ؛ مما دفعهم للبحث عن الأراضي الخصبة الصالحة
للزراعة. وهذا ما أدى بالحكومة الرومانية للتفكير في استعمار شمال أفريقيا
قصد
نهب خيراتها والاستيلاء على أراضيها التي أصبحت فيما بعد جنانا للملاكين
الكبار وإقطاعات لرجال العسكر وفراديس خصبة للساهرين على الكنيسة
الكاثوليكية، في حين أصبح الأمازيغيون عبيدا أرقاء وخداما رعاعا وأجراء
مستلبين
في أراضيهم مقابل فضلات من الطعام لاتقي جوع بطونهم التي كان ينهشها الفقر
والسغب. ومن ثم، « طبقت روما سياسة اقتصادية جشعة طوال احتلالها، تلخصت في
جعل ولاياتها تخدم اقتصادياتها وتلبي حاجياتها من الغذاء والتسلية
لفقرائها... والتجارة المربحة لتجارها والضرائب لدولتها... والإبقاء على
النزر اليسير لسد متطلبات عيش الأمازيغ الخاضعين...".

ويعني
هذا أن سياسة الرومان في أفريقيا الشماليةكانت تعتمد علىالتوسع
والغزووإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلها الداخلية وتصديرها إلى الخارج مع
البحث عن الموارد والأسواق لتحريك دواليب اقتصادها المعطل وإيجاد مصادر
التمويل
والتموين لقواتها العسكرية الحاشدة عددا وعدة. ومن ثم، لم " يكتف الرومان
باحتلال أجود الأراضي الفلاحية الأمازيغية فحسب، بل قام الإمبراطور
الروماني أغسطس بتشجيع استيطان عدد مهم من سكان إيطاليا في شمال إفريقيا،
خصوصا منهم الجنود وقادة الجيش المسرّحون أو المتقاعدونورجال الأعمال
والتجار مما كان له دوره في تغيير التوازن
والتوافق السكاني، الذي كان
سائدا في السابق بين ساكنة المنطقة، بل كلما تم استقدام أعداد منهم من
إيطاليا، إلا ويكون على حساب الأراضي الفلاحية والرعوية للأهالي الأمازيغ.
ويظهر هذا في نسبة العمران والتمدين الروماني
الذي بدأ في سواحل البحر
المتوسط خصوصا بعد فترة الإمبراطور أغسطس. أما المناطق الداخلية فلم تبق
بمعزل عن هذه التطورات خصوصا أن الرومان كانوا يضمون الأراضي الأمازيغية
باستمرار نحو الداخل، إما بهدف الحصول على أراضي جديدة للقادمين الجدد ، أو
الحصول على أماكن بناء الحصون والقلاع لحماية أراضي المعمرين.".

ومن
الأسباب الأخرىالتي أدت إلى اندلاع ثورة تاكفاريناس الانتقام للملك
الأمازيغي الأول يوغرطة الذي وحد الأمازيغيين وأعدهم لمواجهة العدو
الروماني الغاشم، بيد أن الجيش الروماني نكل به تنكيلا شديدا ليكون عبرة
للآخرين، بله عن الثأر من الجيش الروماني نظرا لما قام به من اعتداء صارخ
على القبائل الموسولامية التي وقفت كثيرا في وجه الغزو الروماني، ناهيك عن
التفاوت الطبقي والاجتماعي في المجتمع الأمازيغي الذي خلقه الاحتلال
الروماني، وتردي أحوال الفقراء والمعدمين وهذا ما سيؤدي بهم فيما بعد إلى
ثورة جماعية تسمى بالدوارين؛ لأنهم كانوا يحومون ويدورون حول مستودعات
الحبوب لسرقتها. و لا ننسى رجال الكنيسة الأمازيغيين الذين ساهموا في إشعال
عدة فتن وثورات ضد المحتل الروماني خاصة الدوناتيين نسبة إلى رجل الدين
الأمازيغي المسيحي دوناتوس الذين كانوا يطالبون إخوانهم الأمازيغيين بعدم
الانتظام في الجندية الرومانية وطرد كبار الملاك من أراضيهم وأصحاب النفوذ
من المسيحيين الكاثوليك من بلادهم.

3-تطور مقاومة تاكفاريناس ضد الاحتلال الروماني:

لقد بينا سابقا أن تاكفاريناس لم يرض بالتدخل الإيطالي و لم يقبل كذلك
بالظلم الروماني وبنزعته التوسعية الجائرة التي استهدفت إخضاع الأمازيغيين
وإذلالهم ونهب ثرواتهم والاستيلاء على خيراتهم وممتلكاتهم عنوة وغصبا .
كما لم يرض بتلك السياسة العنصرية التي التجأ إليها الرومان لطرد الأمازيغيين خارجخط الليمس (
Limes) وهو خط دفاعي يفصل الثلث الشمالي المحتل عن الجنوب الصحراوي غير النافع. وقد ۥشيّد
هذا الخط الفاصل بعد القرن الثاني الميلادي بعد أن تمت للرومان السيطرة
الكاملة على أراضي أفريقيا الشمالية. ويتركب خط الليمس من جدران فخمة شاهقة
وخنادق وحفر وحدود محروسة وقلاع محمية من قبل الحرس العسكري، ويمكن تشبيهه
بالجدار المحصن ضد الهجومالأمازيغي المحتمل. وكان هذا الخط الفاصل يتكون
من الفوساطوم الذي يتألف من أسوار تحفها خنادق من الخارج، ومن حصون
للمراقبة غير بعيدة عن الفوساطوم، وطرق المواصلات الداخلية والخارجية التي
تتصل بالفوساطوم قصد إمداد الحاميات بالمؤن والأسلحة. ويعني هذا أن خط
الليمس كان يقوم بثلاثة أدوار أساسية: دور دفاعي يتمثل في حماية
الحكومة الرومانية في إفريقيا الشمالية والحفاظ على مصالحها وكينونتها
الاستعمارية من خلال التحصين بالقلاع واستعمال الأسوار العالية المتينة
الشاهقة، ودور اقتصادي يكمن في إغناء التبادل التجاري مع القبائل الأمازيغية التي توجد في المنطقة الجنوبية لخط الليمس، ودور ترابي
إذ كان الليمس يفصل بين منطقتين : منطقة شمالية رومانية ومنطقة جنوبية
أمازيغية. ولا يعبر هذا الخط الواقي إلا عن سياسة الخوف والحذر وترقب
الهجوم الأمازيغي المحتمل في كل آن و لحظة.
هذا، ولقد امتدت مقاومة تاكفاريناس شرقا وغربا لتوحيد الأمازيغيين قصد
الاستعداد
لمواجهة الجيش الروماني المحتل.وكانت الضربات العسكرية التي يقوم بها
تاكفاريناس تتجه صوب القاعدة الرومانية الوسطى مع استخدام أسلوب المناورة
والتشتت للتجمع والتمركز مرة أخرى ، والتسلح بحرية الحركة و
استخدام
تقنية المناورة واللجوء إلى الانسحاب والمباغتة والهجوم المفاجئ وحرب
العصابات المنظمة لمحاصرة الجيش الروماني وضربه في قواعده المحصنة.
وهذه
الطريقةفي المقاومة لم يألفها الجيش الروماني الذي كان لايشارك إلا في
الحروب والمعارك النظامية وينتصر فيها بكل سهولة نظرا لقوة عتاده المادي
وعدته البشرية والعسكرية . ويبدأ امتداد تاكفاريناس من طرابلس الحالية غربا
حتى المحيط الأطلسي شرقا والامتداد في مناطق الصحراء الكبرى جنوبا.

وكل
من يستقرى تاريخ مقاومة تاكفاريناس لابد أن يعتمد على كتابات المؤرخ
اللاتيني تاكيتوس الذي كان قريبا من تلك الأحداث، ولكنه لم يكن موضوعيا في
حولياته التاريخية وأحكامه على الأمازيغيين، وكان ينحاز إلى الإمبراطورية
الرومانية
وكان يعتبر تاكفاريناس ثائرا إرهابيا جشعا يريد أن يحقق أطماعه ومآربه
الشخصية على حساب الآخرين وحساب أصدقائه القواد مثل: القائد الشجاع مازيبا.
ويعني هذا حسب المؤرخ اللاتيني الروماني تاكيتوس أن الحكومة
الرومانية لم تأت إلى أفريقيا الشمالية إلا لتزرع الخير وتنقذ الجائعين و
ۥ
تحضّر
البدويين والرحل الرعاع وتزرع السلام والمحبة بين الأمازيغيين، بينما -
والحق يقال- لم تقصد الجيوش الرومانية ربوع تامازغا بجيشها الجرار وأسلحتها
الفتاكة سوى لاحتلالها والاستيطان بها والاستيلاء على أراضيها ونهب
ثرواتها والتنكيل بأهاليها. ويقول تاكيتوس في حق تاكفاريناس:" اندلعت الحرب
في إفريقية في نفس السنة (17م)، وكان على رأس الثوار قائد نوميدي يسمى
تاكفاريناس، كان قد انتظم بصفة مساعد في الجيوش الرومانية ثم فر منها. وفي
أول أمره جمع حوله بعض العصابات من قطاع الطريق والمشردين وقادهم إلى
النهب، ثم جعل منهم مشاة ففرسانا نظاميين وسرعان ما تحول من رأس عصابة لصوص
إلى قائد حربي للمزالمة، وكانوا قوما شجعانا يجوبون الفلوات المتاخمة
لإفريقية. وحمل المزالمة السلاح وجروا معهم جيرانهم الموريين الذين كان
يقودهم مازيبا. واقتسم القائدان الجيش، فاستبقى تاكفاريناس خيرة الجند، أي
جميع من كانوا مسلحين على غرار الرومان ليدربهم على النظام ويعودهم على
الامتثال، أما مازيبا فكان عليه أن يعمل السيف ويشعل النار ويذعر الذعر
بواسطة العصابات".

ويستعمل تاكيتوس (تاسيت Tacite) أسلوبا ذكيا في توجيه الطعنات إلى تاكفاريناس عندما اعتبره رجل عصابة يفر
من
الجندية و يتحول إلى قائد عسكري خائن أناني يستحوذ على خيرة الجند، بينما
لا يترك لصديقه مازيبا سوىعصابة من الإرهابيين تنشر الذعر في نفوس الأبرياء
من الروم!!!

ونحن سنقلب القراءة لتتجه عكس مسار قراءة تاكيتوس لنثبت بأن تاكفاريناس كان رجلا شجاعا ومواطنا أمازيغيا
غيورا
على بلده، لم يرض بالضيم الإيطالي والذل الروماني ، فوحد القبائل
الأمازيغية سواء أكانت في الشرق أم في الغرب أم في الجنوب، أي إنه استعان
بكل القبائل المناوئة للمحتل الروماني حتى بالقبائل الصحراوية التي كانت
ترفض هذا العدو المغتصب وتناهضه.

وتعتمد
مقاومة تاكفاريناس على نوعين من القوات العسكرية : قوة عسكرية منظمة على
الطريقة الرومانية التي تتكون من المشاة والفرسان، وقوة غير منظمة تتخذشكل
عصابات مباغتة مشروعة في أهدافها ونواياها توجه ضربات خاطفة موجعة للجيش
الروماني وتزرع في صفوفه الرعب والهلع والخوف، وفي دياره الدمار والخراب
وخاصة في موسم الحصاد أثناء جني المحصول ، وبذلك كان يوجه الضربات السديدة
إلى الاقتصاد الروماني بحرق المحصول أو السيطرة عليه أو منع الأمازيغيين من
بيعه للحكومة الرومانية التي احتلت الأمازيغيين لمدة خمسة قرون. وبالتالي،
فهذه" الحرب أضرت بالمصالح الاقتصادية لروما. فكانت جميع المعارك تقع في
أواخر الربيع وفصل الصيف، ومن بين أسباب ذلك إغارة تاكفاريناس على المدن
وقت الانتهاء من حصاد الحبوب للسيطرة على المحصول من جهة وللحيلولة دون بيع
كل غلة الحبوب لروما. كما كان تاكفاريناس يشتري الحبوب من التجار
الرومانيين للحيلولة دون وصولها إلى العاصمة الإمبراطورية".