ساعة من يومك لغد
من
الطبيعة نستقي الكثير من الدروس الحياتية، ولأن الإنسان جزء من هذه
الطبيعة فهو أيضًا يخضع لقوانينها، ومن قوانين الطبيعة التغير المستمر وعدم
الثبات على وتيرة واحدة، لكن هذا لا يعني التقلب والعشوائية، وإنما يعني
التغير من حال إلى حال في سلسلة مدروسة كما لو أن كل عنصر يدور في هذه
السلسة ينهي حلقة ليدخل في الأخرى ويبدأ من جديد، فالليل لا يستمر وكذلك
النهار، والليل يتبعه نهار وكذلك النهار يتبعه ليل، والصيف لا يستمر وهكذا
بقية الفصول، هناك ترتيب تسير عليه، وهناك دورة لكل شيء، وحتى الحياة لها
دورة أيضًا، وفي جسم الإنسان دورات عديدة، وفي حياته الاجتماعية والنفسية
كذلك، وحلقة الترفيه والترويح عن النفس من بين الحلقات التي يمر بها
الإنسان باستمرار، وتخطيها المتعَمَّد له بالقفز قد يعرضه للأخطار النفسية
المتراكمة.
إن قدرة الإنسان على العطاء والعمل والاتقان مرهونة بكفاءته
وخبرته من ناحية، وتأهيله النفسي وقدراته ومعنوياته من ناحية أخرى، لا
يكفي أن تكون ملمًا بعلم ما أو متقنًا لحرفة ما حتى تتم عملك على أفضل ما
يكون، إن الأشخاص المرهقون والذين يعانون من مشكلات نفسية حتى لو لم تكن
كبيرة قد تواجههم صعوبة العمل باتقان، وبالطبع لن يشعروا بمتعة هذا العمل
وسيكون نوعًا من العقاب الذي تفرضه عليهم الحياة بطبيعتها، قد يكون العلاج
سهلاً وفي متناول الجميع، لكن هناك من يرفض تعاطيه، وهناك من يسيء
تعاطيه، كما أن الإفراط فيه يعني تعريض الحياة بجملتها لأخطار التسيب
والإهمال.
إن حصول الفرد على ما يكفيه من الترفيه بشكل مستمر وقد يكون
بشكل يومي ضروري جدًا، وهناك اشكالية حول طبيعة ها الترفيه ومدته،
فالترفيه لا يعني أن تستقطع من يومك ساعات طويلة أربع أو خمس ساعات، يكفي
أن تمنح نفسك ولو ساعة واحدة لتحصل على الترويح المطلوب، لكن عليك أن تذكر
أن ساعة الترويح ضرورية في يومك وعليك أن تحسب حسابها لا أن تتنازل عنها
بسهولة في خضم الحياة، ومهما كان حجم المسؤوليات الإجتماعية الملقاه على
عاتقك فعليك أن تتمسك وبشدة على الحصول على هذه الساعة، هذا لا يعني أنك
شخص أناني؛ وإنما يعني أنك تدرك قيمة هذه الساعة في يوم غد، لأن الضغط
النفسي والعمل المستمر حتمًا سيولد لديك الشعور بالإرهاق والملل، وعندها
لن تكون بحاجة لساعة واحدة للترويح، بل قد تحتاج لخطة طويلة الأمد نوعًا
ما لتستعيد حيويتك ونشاطك، كما أنك ستكون معرضًا لخطر الانتكاس مع التعرض
للمواقف والظروف الضاغطة في تلك الفترة.
وإن أنت سلمت بحاجتك لهذه
الساعة فعليك أن تبحث عن وسيلة ترويح مناسبة، المشكلة أن الكثير جدًا يغلب
عليهم هذا الانطباع: الترويح يعني الضحك وبالتالي فالحل هو مشاهدة فيلم
كوميدي أو الجلوس مع الأصدقاء لتبادل النوادر والأحاديث الفكاهية، ومع أن
هذا أو ذاك قد يسليك لبعض الوقت فإن الترويح الحقيقي يعني شيء أكثر عمقًا
من هذا، إن مطالعة كتاب ما لأجل المتعة والفائدة الغير مباشرة يعتبر نوعًا
من الترويح الإيجابي بحق، أنت تشغل ساعة من ساعات وقتك الثمين بما يخفف
عنك ضغوط الحياة من جهة، ويمدك بالإفادة من جهة أخرى، ومع ذلك فنوعية
الكتاب المطلوب هنا ذات درجة كبيرة من الأهمية، فكتب الترويح تعطيك
الفائدة ولا تحتاج إلى تركيز شديد كما هو الحال عند قراءة الكتب السياسية
مثلاً، لا تعجب أن تكون الروياات القيمة نوعًا من أنواع الترويح المفيد،
لأن المؤلفات الروائية الكبيرة هي أكثر من مجرد سرد لأحداث رواية فقط،
وإنما غالبًا ما تحمل بين جنباتها الكثير من الإشارات والعبارات الفلسفية
التي ستقودك للتفكير والتأمل، وبعضها يعالج موضوعات ذات جانب تاريخي مما
ينعش ذاكرتك التاريخية وهكذا، أضف إلى هذا زيادة حصيلتك اللغوية تلك
الحصيلة التي تظل بحاجة لإضافة وصقل على مدى الحياة.
بعض الأفلام
السينمائية تعتبر وسيلة من وسائل الترويح عن النفس، ورغم أن المُشاهد يدرك
جيدًا أن ما يراه على الشاشة ليس حقيقيًا؛ إلا أن تجاهل هذه الحقيقة هو
ما سيجعلك تفيد حقًا من مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك، إن معايشة أشخاص لا
تعرفهم بعض المواقف يجعلك تتحرر قليلًا من أفكارك وضغوط حياتك، وسيساعدك
أيضًا على التعايش فيما بعد مع من حولك، قد يكشف لك جوانب خفية في أشخاص
مقربين منك قد تجاهلت أنت ظروفهم يومًا ما، هذا نوع من أنواع انعاش النفس
وعلاجها، ومعايشة المواقف التمثيلية حتى لو لم تكن سعيدة وذرف الدموع
أحيانًا يكون ذو فائدة كبيرة، لأنه سيحرر مشاعرك في لحظات، وسيشعرك بعدها
بالراحة، وأنت لن تصل لهذه المرحلة من المعايشة إلا لو نحيت جانبًا
اقتناعك بأن هذا الفيلم غير واقعي وأنه يحاول جذبك إليه ، لأنك في هذه
الحالة ستتمنع عنه بطريقة غير مباشرة وبالتالي ستفقد المتعة والفائدة
النفسية أيضًا.
لكن ثمة أمر بالغ الأهمية لابد أن تضعه في حسابك، لا
تفوت الفرصة لتتعلم شيءً مما تقرأ أو تشاهد، اقرأ بعمق قدر المستطاع، افد
من أي معلومة ترد ولو في سياق القصة مثلاً، إن كنت تقرأ عن أحداث تدور في
بلد آخر فاعرف عادات هذا الشعب من خلال تصرف أفراده في الرواية، إن كنت
تشاهد فيلمًا فتمتع بجوانبه الإخراجية: زاوية التصوير هنا، تعبيرات الوجه
في تلك اللقطة وهكذا، فتراكم كل هذا يحقق لك الترويح المطلوب وتجديد
النشاط.
وأخيرًا لا تنسى أن تحترم حاجة الآخرين للترويح، ولا تنسى أن
الترويح الحقيقي لا يخالف الأخلاق والدين، الترويح الحقيقي يبني ولا يهدم،
الترويح الحقيقي يجعلك أكثر نشاطًا وفاعلية ولا يسلمك للكسل والإهمال في
العمل.
نسمه السيد ممدوح
22 مايو 2011