التكنولوجيا.. تفترش الأرصفة
في الأسواق الشعبية التي تنتشر بدول العالم الثالث لا تحتاج التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها أجهزة الكمبيوتر إلى معارض كبرى لتسويق منتجاتها وعرض تقنياتها أو إلى شركات تنظم عملية البيع والشراء.. فهناك ووسط سوق القلعة بالقاهرة الفاطمية تفترش التكنولوجيا الأرصفة دون تنظيم أو دعاية مثلها مثل كل السلع والمنتجات الأخرى.
بدأت رحلتي في هذه السوق الشعبية لأشاهد ما لم أكن أتوقعه عندما رأيت كافة مكونات وأجزاء أجهزة الكمبيوتر تفترش الأرض في عشوائية، ولأسمع عن تجارة "الـيوزد" (Used) أي تجارة المكونات المستعملة، وهذه الكلمة تسمعها من كل تاجر أو بائع "للتكنولوجيا" وقد لا يعي أكثرهم ما معنى هذه الكلمة! والغريب تزاحم المشترين حول هذه التجارة وانشغال كل منهم بالبحث عما ينقصه.
وعلى بُعد أمتار من بداية السوق وجدت "محمود بكار" -أحد الباعة- يفترش أمامه جميع مكونات الكمبيوتر مثل الأقراص الصلبة Hard disk ولوحات المفاتيح Keyboard بل وأجهزة الكمبيوتر المحمول Notebook...
يقول "بكار": هذه المكونات منها السليم ومنها ما به بعض العيوب وقد لا تصلح للعمل، ومع ذلك هناك من يُقبل عليها ليستخدمها كقطع غيار بديلة لما يمتلكه، وبالطبع يختلف سعر القطعة وفقًا لحالتها، فمثلاً نبيع القرص الصلب بمبلغ 15 جنيها مصريا (2.4 دولار)، وبالخارج قد يكون سعره 300 جنيه (50 دولارا).
وبعد هذه الكلمات أجد أحد الأشخاص يقترب من بكار وهو يحمل طابعة لبيعها، وبالفعل تم البيع أمامي بـ50 جنيها (8 دولارات)، سألته عن سبب بيعها فقال: "اشتريت هذه الطابعة من هذه السوق منذ 3 أشهر وهي تعمل بكفاءة، وقد جئت إلى السوق لأنهم هنا لا يتقيدون بماركات معينة، واليوم جئت لكي أبيعها وذلك لأن أسعار أحبار الطباعة مرهقة، ولكنني للأسف بعتها بنصف المبلغ الذي اشتريتها به"!!
وقبل أن أترك المكان بادرني "بكار" بقوله: "لدي جهاز كمبيوتر محمول بمبلغ 500 جنيه (81.8 دولارا) حالته ممتازة هل أقوم بحجزه لك ليخدمك في عملك الصحفي؟!!".
تلال من الشاشات
بين أرجاء السوق ينتشر العديد من باعة شاشات الكمبيوتر يعرضونها بطريقة أقرب إلى طريقة عرض الفاكهة، فتشاهد تلالاً من الشاشات تتراص فوق بعضها في عشوائية.. التقيت "الشيخ آدم" وهو أكبر تاجر "يوزد" في السوق، أمامه وجدت أكواما من شاشات الكمبيوتر المستعملة، يقول: "هذه التجارة عليها إقبال كبير خاصة من جانب أصحاب مراكز الصيانة والطلاب ومهندسي الكمبيوتر، وكل منهم يكون له غرض ما يبحث عنه. أما عن أسعار الشاشات فهي تختلف حسب حالة الشاشة جديدة أو قديمة وكذلك وفقا لنوعها ومقاسها، فنبيع مثلاً الشاشة الرقمية Digital بمبلغ 160 جنيها (26.2 دولارا) وهناك شاشات بمبلغ 70 أو 80 جنيها.
وعن مصدر تلك المكونات المستعملة يقول "جاد الرب إبراهيم" أحد الباعة بالسوق: نقوم بشراء هذه المكونات من الزبائن الذين يأتون إلى السوق ويرغبون في بيع ممتلكاتهم القديمة ثم نقوم ببيعها مرة أخرى، أما المصدر الأكبر للحصول على هذه المكونات فيكون من خلال المزادات التي تقام لبيع مثل هذه الأشياء فهناك تجار متخصصون في "اليوزد".
لا قانون.. لا نظام
مصادفة وأثناء تجولي بالسوق توقفت أمام أحد الباعة وكان يتحدث مع شخص أمامه يتفقان على بعض المكونات التي تنقص البائع والتي يطلبها من هذا الشخص، اقتربت من الأخير فعرف نفسه باسم "عبد الله كمبيوتر"، وقال: "أنا أحد التجار المتجولين في مجال اليوزد أقوم بالبيع والشراء من التجار وأجلب لهم ما يحتاجونه من مكونات قد يطلبها منهم رواد السوق..."، ويضيف: "هذه التجارة تجد رواجا لأننا نعيش عصر التكنولوجيا، وهذه التجارة ليس لها قانون وليس هناك ما ينظمها؛ فهناك مكونات سليمة وأخرى لا تعمل، بل إن السليمة لا تتعدى 1% من المكونات المستعملة، ورغم ذلك فإن لها روادها وزبائنها".
لا وجه للمقارنة
تفترش الأرصفة أيضا بعض المكونات الأخرى لأجهزة الكمبيوتر، فأمام أحد التجار ويدعى "فكري طه" وجدت كل ما يلزم جهاز الكمبيوتر وأيضا وجدت العديد من رواد السوق يقلبون فيما يعرض.. اقتربت منه لأسأله عن سعر هذه المكونات فقال: نتفوق هنا في السوق بالأسعار الرخيصة؛ فلوحة المفاتيح على سبيل المثال نبيعها بـ20 جنيها (3.2 دولارات)، وفأرة الكمبيوتر Mouse بـ5 جنيهات (0.8 دولار)، ومشغل أقراص الليزر فقط بـ15 جنيها، و"فـلتر" الشاشة Filter بـ8 جنيهات، وكارت الشاشة Vega card بـ10 جنيهات، وبالطبع هذه الأسعار تجذب رواد السوق لأنه لا وجه للمقارنة بينها وبين أسعار السوق الخارجية.
ومن بين المزاحمين من رواد السوق الباحثين عن أغراضهم الكمبيوترية يقول "أحمد سيد": أحرص دائما على المجيء إلى السوق خاصة أنني مهندس كمبيوتر؛ وما يدفعني إلى ذلك هو الأسعار الزهيدة التي لا تقارن بالأسعار التي تعرضها الشركات المتخصصة خارج السوق؛ فهذه الشركات لا يهمها سوى المكسب ولو على حساب الجودة، ويكفي أنني اشتريت اليوم قرصا صلبا Hard disk بمبلغ 10 جنيهات فقط (1.6 دولار)، كما عرض عليّ أحد الباعة لوحة مفاتيح Key board مستهلكة بمبلغ جنيهين فقط (0.3 دولار)!!!
أسطوانات وأشياء أخرى
في هذه السوق الشعبية أيضا نجد من يبيع أسطوانات الليزرCDs ، فهناك باعة متخصصون في أسطوانات الأفلام العربية أو الأجنبية، ولا يتعدى سعر الأسطوانة الواحدة في كل الأحوال 5 جنيهات، وهناك من يبيع أسطوانات المباريات الرياضية أو الألعاب الترفيهية، أما الأسطوانات القديمة فلا يتعدى سعرها جنيها واحدا.
يقول "وائل رمضان"، صاحب أحد محلات ألعاب البلاي ستاشين play station: "اشتريت اليوم من السوق أسطوانتين للألعاب ودائما أبحث عن مثل هذه الأسطوانات التي تفيدني في عملي ولا أجدها سوى هنا في هذه السوق، وإذا تواجدت خارج السوق تكون أسعارها مرتفعة، فثمن هاتين الأسطوانتين معا بالسوق حوالي 10 جنيهات، وهذا هو ثمن الأسطوانة الواحدة بالخارج".
أما المجلات والصحف الإلكترونية والتكنولوجية التي ظهرت وانتعشت مبيعاتها في السنوات الأخيرة فلها هي الأخرى نصيب من الرصيف الشعبي، فبجانب أجزاء ومكونات الكمبيوتر تجد هذه الصحف تباع هي الأخرى بأسعار قليلة وذلك حتى تكتمل أركان تجارة "اليوزد".
وبخلاف مكونات الكمبيوتر تمتد مظاهر التكنولوجيا في العالم الثالث إلى الأجهزة الإلكترونية الأخرى، ففي السوق الشعبية وفوق أرصفتها نجد من يبيع أجهزة التحكم عن بعد remote control، والتلفزيونات القديمة والهواتف وأجهزة الجوال وملحقاتها.
بعد أن تجولت في هذه السوق وتفقدت مظاهر تجارة التكنولوجيا "اليوزد" -كما يسميها أصحابها- أستطيع أن أجزم بأن "تكنولوجيا الأرصفة" التي تفترش أسواق العالم الثالث قد استطاعت أن تنافس أسواق التكنولوجيا الحديثة المنمقة، حيث استطاع أصحاب الـused ومعهم رواد هذه الأسواق سواء أغنياء أو بسطاء أن يحولوا التكنولوجيا "العصرية" إلى تكنولوجيا "شعبية" في متناول مواطن الدول النامية
في الأسواق الشعبية التي تنتشر بدول العالم الثالث لا تحتاج التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها أجهزة الكمبيوتر إلى معارض كبرى لتسويق منتجاتها وعرض تقنياتها أو إلى شركات تنظم عملية البيع والشراء.. فهناك ووسط سوق القلعة بالقاهرة الفاطمية تفترش التكنولوجيا الأرصفة دون تنظيم أو دعاية مثلها مثل كل السلع والمنتجات الأخرى.
بدأت رحلتي في هذه السوق الشعبية لأشاهد ما لم أكن أتوقعه عندما رأيت كافة مكونات وأجزاء أجهزة الكمبيوتر تفترش الأرض في عشوائية، ولأسمع عن تجارة "الـيوزد" (Used) أي تجارة المكونات المستعملة، وهذه الكلمة تسمعها من كل تاجر أو بائع "للتكنولوجيا" وقد لا يعي أكثرهم ما معنى هذه الكلمة! والغريب تزاحم المشترين حول هذه التجارة وانشغال كل منهم بالبحث عما ينقصه.
وعلى بُعد أمتار من بداية السوق وجدت "محمود بكار" -أحد الباعة- يفترش أمامه جميع مكونات الكمبيوتر مثل الأقراص الصلبة Hard disk ولوحات المفاتيح Keyboard بل وأجهزة الكمبيوتر المحمول Notebook...
يقول "بكار": هذه المكونات منها السليم ومنها ما به بعض العيوب وقد لا تصلح للعمل، ومع ذلك هناك من يُقبل عليها ليستخدمها كقطع غيار بديلة لما يمتلكه، وبالطبع يختلف سعر القطعة وفقًا لحالتها، فمثلاً نبيع القرص الصلب بمبلغ 15 جنيها مصريا (2.4 دولار)، وبالخارج قد يكون سعره 300 جنيه (50 دولارا).
وبعد هذه الكلمات أجد أحد الأشخاص يقترب من بكار وهو يحمل طابعة لبيعها، وبالفعل تم البيع أمامي بـ50 جنيها (8 دولارات)، سألته عن سبب بيعها فقال: "اشتريت هذه الطابعة من هذه السوق منذ 3 أشهر وهي تعمل بكفاءة، وقد جئت إلى السوق لأنهم هنا لا يتقيدون بماركات معينة، واليوم جئت لكي أبيعها وذلك لأن أسعار أحبار الطباعة مرهقة، ولكنني للأسف بعتها بنصف المبلغ الذي اشتريتها به"!!
وقبل أن أترك المكان بادرني "بكار" بقوله: "لدي جهاز كمبيوتر محمول بمبلغ 500 جنيه (81.8 دولارا) حالته ممتازة هل أقوم بحجزه لك ليخدمك في عملك الصحفي؟!!".
تلال من الشاشات
بين أرجاء السوق ينتشر العديد من باعة شاشات الكمبيوتر يعرضونها بطريقة أقرب إلى طريقة عرض الفاكهة، فتشاهد تلالاً من الشاشات تتراص فوق بعضها في عشوائية.. التقيت "الشيخ آدم" وهو أكبر تاجر "يوزد" في السوق، أمامه وجدت أكواما من شاشات الكمبيوتر المستعملة، يقول: "هذه التجارة عليها إقبال كبير خاصة من جانب أصحاب مراكز الصيانة والطلاب ومهندسي الكمبيوتر، وكل منهم يكون له غرض ما يبحث عنه. أما عن أسعار الشاشات فهي تختلف حسب حالة الشاشة جديدة أو قديمة وكذلك وفقا لنوعها ومقاسها، فنبيع مثلاً الشاشة الرقمية Digital بمبلغ 160 جنيها (26.2 دولارا) وهناك شاشات بمبلغ 70 أو 80 جنيها.
وعن مصدر تلك المكونات المستعملة يقول "جاد الرب إبراهيم" أحد الباعة بالسوق: نقوم بشراء هذه المكونات من الزبائن الذين يأتون إلى السوق ويرغبون في بيع ممتلكاتهم القديمة ثم نقوم ببيعها مرة أخرى، أما المصدر الأكبر للحصول على هذه المكونات فيكون من خلال المزادات التي تقام لبيع مثل هذه الأشياء فهناك تجار متخصصون في "اليوزد".
لا قانون.. لا نظام
مصادفة وأثناء تجولي بالسوق توقفت أمام أحد الباعة وكان يتحدث مع شخص أمامه يتفقان على بعض المكونات التي تنقص البائع والتي يطلبها من هذا الشخص، اقتربت من الأخير فعرف نفسه باسم "عبد الله كمبيوتر"، وقال: "أنا أحد التجار المتجولين في مجال اليوزد أقوم بالبيع والشراء من التجار وأجلب لهم ما يحتاجونه من مكونات قد يطلبها منهم رواد السوق..."، ويضيف: "هذه التجارة تجد رواجا لأننا نعيش عصر التكنولوجيا، وهذه التجارة ليس لها قانون وليس هناك ما ينظمها؛ فهناك مكونات سليمة وأخرى لا تعمل، بل إن السليمة لا تتعدى 1% من المكونات المستعملة، ورغم ذلك فإن لها روادها وزبائنها".
لا وجه للمقارنة
تفترش الأرصفة أيضا بعض المكونات الأخرى لأجهزة الكمبيوتر، فأمام أحد التجار ويدعى "فكري طه" وجدت كل ما يلزم جهاز الكمبيوتر وأيضا وجدت العديد من رواد السوق يقلبون فيما يعرض.. اقتربت منه لأسأله عن سعر هذه المكونات فقال: نتفوق هنا في السوق بالأسعار الرخيصة؛ فلوحة المفاتيح على سبيل المثال نبيعها بـ20 جنيها (3.2 دولارات)، وفأرة الكمبيوتر Mouse بـ5 جنيهات (0.8 دولار)، ومشغل أقراص الليزر فقط بـ15 جنيها، و"فـلتر" الشاشة Filter بـ8 جنيهات، وكارت الشاشة Vega card بـ10 جنيهات، وبالطبع هذه الأسعار تجذب رواد السوق لأنه لا وجه للمقارنة بينها وبين أسعار السوق الخارجية.
ومن بين المزاحمين من رواد السوق الباحثين عن أغراضهم الكمبيوترية يقول "أحمد سيد": أحرص دائما على المجيء إلى السوق خاصة أنني مهندس كمبيوتر؛ وما يدفعني إلى ذلك هو الأسعار الزهيدة التي لا تقارن بالأسعار التي تعرضها الشركات المتخصصة خارج السوق؛ فهذه الشركات لا يهمها سوى المكسب ولو على حساب الجودة، ويكفي أنني اشتريت اليوم قرصا صلبا Hard disk بمبلغ 10 جنيهات فقط (1.6 دولار)، كما عرض عليّ أحد الباعة لوحة مفاتيح Key board مستهلكة بمبلغ جنيهين فقط (0.3 دولار)!!!
أسطوانات وأشياء أخرى
في هذه السوق الشعبية أيضا نجد من يبيع أسطوانات الليزرCDs ، فهناك باعة متخصصون في أسطوانات الأفلام العربية أو الأجنبية، ولا يتعدى سعر الأسطوانة الواحدة في كل الأحوال 5 جنيهات، وهناك من يبيع أسطوانات المباريات الرياضية أو الألعاب الترفيهية، أما الأسطوانات القديمة فلا يتعدى سعرها جنيها واحدا.
يقول "وائل رمضان"، صاحب أحد محلات ألعاب البلاي ستاشين play station: "اشتريت اليوم من السوق أسطوانتين للألعاب ودائما أبحث عن مثل هذه الأسطوانات التي تفيدني في عملي ولا أجدها سوى هنا في هذه السوق، وإذا تواجدت خارج السوق تكون أسعارها مرتفعة، فثمن هاتين الأسطوانتين معا بالسوق حوالي 10 جنيهات، وهذا هو ثمن الأسطوانة الواحدة بالخارج".
أما المجلات والصحف الإلكترونية والتكنولوجية التي ظهرت وانتعشت مبيعاتها في السنوات الأخيرة فلها هي الأخرى نصيب من الرصيف الشعبي، فبجانب أجزاء ومكونات الكمبيوتر تجد هذه الصحف تباع هي الأخرى بأسعار قليلة وذلك حتى تكتمل أركان تجارة "اليوزد".
وبخلاف مكونات الكمبيوتر تمتد مظاهر التكنولوجيا في العالم الثالث إلى الأجهزة الإلكترونية الأخرى، ففي السوق الشعبية وفوق أرصفتها نجد من يبيع أجهزة التحكم عن بعد remote control، والتلفزيونات القديمة والهواتف وأجهزة الجوال وملحقاتها.
بعد أن تجولت في هذه السوق وتفقدت مظاهر تجارة التكنولوجيا "اليوزد" -كما يسميها أصحابها- أستطيع أن أجزم بأن "تكنولوجيا الأرصفة" التي تفترش أسواق العالم الثالث قد استطاعت أن تنافس أسواق التكنولوجيا الحديثة المنمقة، حيث استطاع أصحاب الـused ومعهم رواد هذه الأسواق سواء أغنياء أو بسطاء أن يحولوا التكنولوجيا "العصرية" إلى تكنولوجيا "شعبية" في متناول مواطن الدول النامية