تحول شارع الحبيب بورقيبة أمس إلى ساحة
لممارسة حرية التعبير بكل أنواعها، وكأن الأمر يتعلق بمهرجان شعبي متنوع
الفعاليات، حيث شهد الشارع الذي يتوسط العاصمة التونسية حركة غير عادية منذ
ساعات الصباح الأولى ومكنت جولة سريعة من الوقوف على أنواع عديدة من
الأنشطة التي يبدو أنها أسست لعصر جديد في تونس هو عصر حرية التعبير
بمعناها الحقيقي.
أول ما يلفت الانتباه هو الإقبال التاريخي على المكتبات التي تزينت
بعناوين ظلت ممنوعة لنصف قرن سواء خصوصا تلك الكتب التي تدور حول ما يعرف
بالإسلام السياسي، وقد تحدثت "الشروق" إلى أصحاب تلك المكتبات وسألتهم عن
الحركة الجديدة التي تشهدها مكتباتهم، حيث قالت سلمى جباس مسؤولة مكتبة
الكتاب إننا نقوم حاليا بتسجيل طلبات القراء على مختلف العناوين المعروضة
لكي يتم استيرادها من الخارج خلال الأيام القليلة القادمة، مؤكدة وجود
طلبات كثيرة على كتاب "لا تحزن" للكاتب السعودي عائض القرني التي عرضت نسخة
منه في واجهة المكتبة رفقة عشرات العناوين التي كانت محظورة في عهد الرئيس
الهارب زين العابدين بن علي، من بينها الكتاب الشهير حول زوجة بن علي ليلى
الطرابلسي المعنون "حاكمة قرطاج" .
وهناك
الكثير من الكتب مثل كتاب "إيديولوجيا الإسلام السياسي" و"الحاكمية" لمحمد
أبو القاسم حاج وغيرها من الكتاب التي كانت ممنوعة من التداول في تونس ولو
بشكل سري بسبب الحصار الذي كان يضربه نظام زين العابدين من خلال جيش من
المخبرين.
الشعراء ينصبون خيم هجاء للرئيس الهارب
على
طول شارع بورقيبة الواسع يمكن مشاهدة تجمعات صغيرة من الناس تلتف على
الشعراء الذين أتوا بكل ما كتبوه في السر أثناء حكم زين العابدين، وبدأوا
في تلاوته، وقد شكل ذلك نوعا من التسلية للتونسيين الذين بدأوا يعودون
لحياتهم الطبيعية، وتمحورت القصائد حول هجاء الرئيس الهارب زين العابدين بن
علي والعائلات التي كانت مستفيدة من حكمه، ولم يتخلف الأطفال عن هذا
المشهد حيث تجمعوا في حلقات وأنجزوا رسومات تدور حول موضوع الحرية، وكان من
اللافت أن بعض الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 5 سنوات كن بمرتديات
للخمار وهو مشهد غير مألوف في تونس، وكان بمثابة رد فعل من العائلات
الملتزمة إزاء الحرمان الديني الذي كانوا يعانونه.
أشعار أحمد مطر تصنع الحدث
ووسط
الشارع قام شباب تونسيون بكتابة أشعار أحمد مطر التي تعري السفاحين العرب
في لافتات حيث تجمع حولها المئات لقراءة هذه الأشعار التي كانت ضمن أكبر
المحرمات في عهد زين العبدين، خصوصا تلك الأشعار التي تتحدث عن يوميات
المواطن العربي مع المخبرين.
التونسيون زينوا دبابات الجيش بالورود تعبيرا عن اعتزازهم به
على
عكس العلاقة المتوترة بين المتظاهرين وقوات الأمن خصوصا المكلفة منها
بمكافحة الشغب، فإن العلاقة بين المتظاهرين بوسط العاصمة وتونس تميزت
بالاحترام والدفء منذ نزول الجيش إلى الشوارع ورفضه إطلاق النار على
المتظاهرين، وقد عمد التونسيون أمس إلى تزيين دبابات الجيش المرابضة بشارع
الحبيب بورقيبة بالورود تعبيرا عن امتنانهم واعتزازهم بالدور الذي قام به
الجيش أثناء الأزمة.
وحتى
العلاقة بين المحتجين ورجال الأمن بدأت في التحسن بعد الطريقة الجديدة
التي اعتمدها الأمن التونسي في التعامل مع المظاهرات والمسيرات السلمية حيث
اكتفى بدور المراقب وتخلى عن أسلوب القمع الذي اعتمد خلال الأيام السابقة.
مسيرات على مدار الساعة ضد بقايا نظام بن علي
لم
تتوقف المسيرات المناهضة لبقايا الرئيس الهارب زين العابدين بن علي حيث
ظلت طوال نهار أمس تجوب شارع بورقيبة رافعة شعارات ضد التجمع الدستوري وقد
رفض التونسيون الحركة التي قام بها الوزراء الأعضاء في الحكومة والذين
استقالوا كلهم من التجمع الدستوري، وكان الشعار الرئيسي المرفوع في
المسيرات هو الوفاء للشهداء، حيث اعتبر التونسيون التفاف بعض المحسوبين على
نظام بن علي بمثابة خيانة للشهداء المائة الذين سقطوا منذ بدء الاحتجاجات.
وبعيدا
عن شارع الحبيب بورقيبة كانت هناك العديد من المظاهرات والتجمعات المناهضة
للتجمع الدستوري حيث تجمع عدد كبير من التونسيين أمام مقر التجمع الدستوري
الذي استقال منه الوزراء المشاركون في الحكومة كما تم حل مكتبه السياسي،
وكلها إجراءات لم ترضي المحتجين الذين يطالبون بإقصاء كل رموز نظام زين
العابدين بن علي من الحياة السياسية.
ولم
تنحصر المسيرات والاحتجاجات في العاصمة التونسية بل شهدت المدن الأخرى
حركية مشابهة في إطار عمل منظم تقوم به أحزاب المعارضة التونسية المقصاة من
المشاركة في حكومة محمد الغنوشي، التي تشهد في كل مرة هزة باستقالة أحد
أعضائها وآخرهم الوزير المكلف بالتنمية مما يؤكد أن عمرها سيكون قصيرا
خصوصا في ظل المطالبات باستقالتها وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تشارك فيها كل
أحزاب المعارضة.
الحياة تعود إلى طبيعتها في القصبة والشوارع الرئيسية
بعيدا
عن المسيرات والمظاهرات فقد شهدت تونس عودة شبه كلية للحياة العادية، حيث
فتحت الأسواق والمتاجر وتلاشت مظاهر الندرة في المواد الأساسية كما فتحت
المؤسسات الرسمية عدا المدارس والجامعات، مما يوحي بأن تونس ودعت أجواء
التوتر الذي سادت منذ شهر غير أن ولعل ما ساهم في تجاوز حالة التوتر هي
الإجراءات التي سارعت إليها الحكومة الجديدة بإطلاق سراح المعتقلين
السياسيين، والقبض على 33 من عائلة الرئيس بن علي ومصادرة ما يملكونه من
أشياء ثمينة وعرضها على التلفزيون الرسمي، وكذا التصريحات الصادرة عن
الرئيس المؤقت والتي قال فيها إن هناك قطيعة تامة مع النظام السابق.
غير
أن جزءا كبيرا من التونسيين يرى في هذه الإجراءات محاولة للقفز على ثورتهم
وتحريفها عن وجهتها الحقيقية، لذلك يقولون أن نضالهم مستمر إلى غاية إسقاط
النظام السابق الذي لا زال يسيطر على تونس رغم إسقاط الرأس.
لممارسة حرية التعبير بكل أنواعها، وكأن الأمر يتعلق بمهرجان شعبي متنوع
الفعاليات، حيث شهد الشارع الذي يتوسط العاصمة التونسية حركة غير عادية منذ
ساعات الصباح الأولى ومكنت جولة سريعة من الوقوف على أنواع عديدة من
الأنشطة التي يبدو أنها أسست لعصر جديد في تونس هو عصر حرية التعبير
بمعناها الحقيقي.
أول ما يلفت الانتباه هو الإقبال التاريخي على المكتبات التي تزينت
بعناوين ظلت ممنوعة لنصف قرن سواء خصوصا تلك الكتب التي تدور حول ما يعرف
بالإسلام السياسي، وقد تحدثت "الشروق" إلى أصحاب تلك المكتبات وسألتهم عن
الحركة الجديدة التي تشهدها مكتباتهم، حيث قالت سلمى جباس مسؤولة مكتبة
الكتاب إننا نقوم حاليا بتسجيل طلبات القراء على مختلف العناوين المعروضة
لكي يتم استيرادها من الخارج خلال الأيام القليلة القادمة، مؤكدة وجود
طلبات كثيرة على كتاب "لا تحزن" للكاتب السعودي عائض القرني التي عرضت نسخة
منه في واجهة المكتبة رفقة عشرات العناوين التي كانت محظورة في عهد الرئيس
الهارب زين العابدين بن علي، من بينها الكتاب الشهير حول زوجة بن علي ليلى
الطرابلسي المعنون "حاكمة قرطاج" .
وهناك
الكثير من الكتب مثل كتاب "إيديولوجيا الإسلام السياسي" و"الحاكمية" لمحمد
أبو القاسم حاج وغيرها من الكتاب التي كانت ممنوعة من التداول في تونس ولو
بشكل سري بسبب الحصار الذي كان يضربه نظام زين العابدين من خلال جيش من
المخبرين.
الشعراء ينصبون خيم هجاء للرئيس الهارب
على
طول شارع بورقيبة الواسع يمكن مشاهدة تجمعات صغيرة من الناس تلتف على
الشعراء الذين أتوا بكل ما كتبوه في السر أثناء حكم زين العابدين، وبدأوا
في تلاوته، وقد شكل ذلك نوعا من التسلية للتونسيين الذين بدأوا يعودون
لحياتهم الطبيعية، وتمحورت القصائد حول هجاء الرئيس الهارب زين العابدين بن
علي والعائلات التي كانت مستفيدة من حكمه، ولم يتخلف الأطفال عن هذا
المشهد حيث تجمعوا في حلقات وأنجزوا رسومات تدور حول موضوع الحرية، وكان من
اللافت أن بعض الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 5 سنوات كن بمرتديات
للخمار وهو مشهد غير مألوف في تونس، وكان بمثابة رد فعل من العائلات
الملتزمة إزاء الحرمان الديني الذي كانوا يعانونه.
أشعار أحمد مطر تصنع الحدث
ووسط
الشارع قام شباب تونسيون بكتابة أشعار أحمد مطر التي تعري السفاحين العرب
في لافتات حيث تجمع حولها المئات لقراءة هذه الأشعار التي كانت ضمن أكبر
المحرمات في عهد زين العبدين، خصوصا تلك الأشعار التي تتحدث عن يوميات
المواطن العربي مع المخبرين.
التونسيون زينوا دبابات الجيش بالورود تعبيرا عن اعتزازهم به
على
عكس العلاقة المتوترة بين المتظاهرين وقوات الأمن خصوصا المكلفة منها
بمكافحة الشغب، فإن العلاقة بين المتظاهرين بوسط العاصمة وتونس تميزت
بالاحترام والدفء منذ نزول الجيش إلى الشوارع ورفضه إطلاق النار على
المتظاهرين، وقد عمد التونسيون أمس إلى تزيين دبابات الجيش المرابضة بشارع
الحبيب بورقيبة بالورود تعبيرا عن امتنانهم واعتزازهم بالدور الذي قام به
الجيش أثناء الأزمة.
وحتى
العلاقة بين المحتجين ورجال الأمن بدأت في التحسن بعد الطريقة الجديدة
التي اعتمدها الأمن التونسي في التعامل مع المظاهرات والمسيرات السلمية حيث
اكتفى بدور المراقب وتخلى عن أسلوب القمع الذي اعتمد خلال الأيام السابقة.
مسيرات على مدار الساعة ضد بقايا نظام بن علي
لم
تتوقف المسيرات المناهضة لبقايا الرئيس الهارب زين العابدين بن علي حيث
ظلت طوال نهار أمس تجوب شارع بورقيبة رافعة شعارات ضد التجمع الدستوري وقد
رفض التونسيون الحركة التي قام بها الوزراء الأعضاء في الحكومة والذين
استقالوا كلهم من التجمع الدستوري، وكان الشعار الرئيسي المرفوع في
المسيرات هو الوفاء للشهداء، حيث اعتبر التونسيون التفاف بعض المحسوبين على
نظام بن علي بمثابة خيانة للشهداء المائة الذين سقطوا منذ بدء الاحتجاجات.
وبعيدا
عن شارع الحبيب بورقيبة كانت هناك العديد من المظاهرات والتجمعات المناهضة
للتجمع الدستوري حيث تجمع عدد كبير من التونسيين أمام مقر التجمع الدستوري
الذي استقال منه الوزراء المشاركون في الحكومة كما تم حل مكتبه السياسي،
وكلها إجراءات لم ترضي المحتجين الذين يطالبون بإقصاء كل رموز نظام زين
العابدين بن علي من الحياة السياسية.
ولم
تنحصر المسيرات والاحتجاجات في العاصمة التونسية بل شهدت المدن الأخرى
حركية مشابهة في إطار عمل منظم تقوم به أحزاب المعارضة التونسية المقصاة من
المشاركة في حكومة محمد الغنوشي، التي تشهد في كل مرة هزة باستقالة أحد
أعضائها وآخرهم الوزير المكلف بالتنمية مما يؤكد أن عمرها سيكون قصيرا
خصوصا في ظل المطالبات باستقالتها وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تشارك فيها كل
أحزاب المعارضة.
الحياة تعود إلى طبيعتها في القصبة والشوارع الرئيسية
بعيدا
عن المسيرات والمظاهرات فقد شهدت تونس عودة شبه كلية للحياة العادية، حيث
فتحت الأسواق والمتاجر وتلاشت مظاهر الندرة في المواد الأساسية كما فتحت
المؤسسات الرسمية عدا المدارس والجامعات، مما يوحي بأن تونس ودعت أجواء
التوتر الذي سادت منذ شهر غير أن ولعل ما ساهم في تجاوز حالة التوتر هي
الإجراءات التي سارعت إليها الحكومة الجديدة بإطلاق سراح المعتقلين
السياسيين، والقبض على 33 من عائلة الرئيس بن علي ومصادرة ما يملكونه من
أشياء ثمينة وعرضها على التلفزيون الرسمي، وكذا التصريحات الصادرة عن
الرئيس المؤقت والتي قال فيها إن هناك قطيعة تامة مع النظام السابق.
غير
أن جزءا كبيرا من التونسيين يرى في هذه الإجراءات محاولة للقفز على ثورتهم
وتحريفها عن وجهتها الحقيقية، لذلك يقولون أن نضالهم مستمر إلى غاية إسقاط
النظام السابق الذي لا زال يسيطر على تونس رغم إسقاط الرأس.