في ذكرى المولد النبوي الشريف "بقلم سماحة الشيخ نزار رحمه الله".

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أجمل مولود بمكة قد أتى وعلى جميع إخونه من النبيين والمرسلين وبعد...

يحتفل
المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بمولد سيد المرسلين وخاتم النبيين،
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله هدى ورحمة للناس، ليخرجهم
من الظلمات إلى النور ومن الجهل والكفر إلى العلم والإسلام، فأشرقت الأرض
بنور هديه الوهّاج، وانقشعت بهذا النور ظلمات القرون الهمجية المتوغلة في
الجهل، فاستنارت بصائر الذين ءامنوا حتى تمكنوا في أيسر مدة من القيام
بأعمال عظيمة تصب في مصالح البشرية، عجزت عن عشر معشارها الأمم الأخرى
طوال قرون في أقطار الأرض.


وذكرى مولد
النبي صلى الله عليه وسلم مدعاة لاستعراض ما كانت عليه طوائف البشر من
صنوف الزيغ وأنواع الضلال، وما تم ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من
سعادة شاملة لمن تبع دينه الذي هو نور وهاج يهدي إلى كل خير في الدنيا
والآخرة.


فهناك
طوائف في الجاهلية كانوا يئدون بناتهم وهن حيّات لزعمهم أنهن عار عليهم،
ويعبدون الأصنام التي كانوا يصنعون بعضها من التمر، فإذا جاعوا أكلوها؛
ومنهم أمة كانوا يزعمون أنهم يبيعون أرض الجنة شبرًا شبرًا للأغنياء عبر
ما يسمونه بصكوك الغفران، ومنهم طائفة يقولون بالحلول وهم بعيدون عن قضايا
العقول، وشراذم تعبد الأجرام العلوية ويعتقدون أن الإله قاعد على العرش
قعود الملك على سرير الملك- تعالى الله عما يأفكون - إلى غير ذلك من
المهازل والمخازي.


فأرسل الله محمدًا : بدين التوحيد، كما أرسل جميع الأنبياء بالإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فبيّن لهم أن العبادة
لا تصح إلا بعد معرفة المعبود، وأن الله تعالى واحد لا شريك له، ولا شبيه
له، مستغن عن كل ما سواه، ومفتقر إليه كل ما عداه، موجود بلا بداية وباق
لا نهاية لوجوده، لا يسكن السماء ولا يحتاج إلى المكان، وأنه سبحانه خلق
العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته.


فأخذ
العاقلون يدخلون في دين الله أفواجًا، يبذلون في سبيل نشره والذود عنه
أموالهم وأرواحهم، لأنهم عرفوا وتيقنوا واعتقدوا أنه الحق من ربهم.


فبإشراق
نور هدي النبيّ :انجلت تلك الظلمات التي كانت قبل بعثته، حتى تم للمسلمين
ما يعلمه الجميع من المفاخر، وأفاضت هذه الدعوة المباركة، والنهضة
الميمونة على الدنيا ما لم يعهد له مثيل من الخيرات في أيسر مدة.


ومن تأمل ذلك يزداد يقينًا، رغم تشويش المنحرفين، ورغم مسعى بعض المستشرقين أهل الفتنة وأذناب لهم في تشويه هذا الدين.
ومن عظيم ما تلقت الأمة من النبي صلى
الله عليه وسلم العلم بالله وصفاته، والعلم بالأحكام العملية من عبادات
ومعاملات يدور عليها تهذيبهم النفسي، وإقامة العدل بين الناس، والتخلي عن
الرذائل مما يرشد إلى تزكية القلوب وتصفية النفوس والتي هي طريق إلى
الجنة.


وشهر ربيع الأول هو
رمز ذلك اليوم المسعود، الذي ولد فيه خير البرية، رسول الله : فيثابر
المسلمون طوال هذا الشهر المبارك من كل سنة على الاحتفال بذكرى ولادته
ومطلع نور هدايته صلى الله عليه وسلم عرفانًا منهم لما فاض عليهم من أنوار
وبركات.


وقد
أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " ولد النبي صلى
الله عليه وسلم يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجرًا يوم
الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين
".


وقد اتفق جمهور النقلة على أن مولده كان عام الفيل، وأنه كان يوم الاثنين، وأن شهر مولده هو شهر ربيع الأول.

والاحتفال بذكرى مولد الرسول
: يبعث في نفوس المسلمين همة وثّابة تحملهم على صنوف التضحية في سبيل
إعلاء كلمة الإسلام والمحافظة على تعاليمه، وصون داره من كل معتد أثيم
بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما فعله الصحابة من قبل فوصلوا
إلى الدرجات العلى في الدنيا والآخرة؛ كما يثير حماسًا في قلوبهم يشعرهم
بالعزة والكرامة والغيرة على دين الله، بل يجعلهم شعلة وقادة تذود عن حمى
الشريعة المطهّرة، وتحارب من تسول له نفس النيل منها بشر أو تحريفها بغية
الوصول لمصالحه الشخصية، متسترًا برداء المتدينين أو مختفيا وراء شهادات
عالية كالدكتوراه وغيرها.


ونحن نزداد فرحًا كلما رأينا ازدياد الأمة احتفاء بذكرى المولد ونعد ذلك بشير خير لمستقبل المسلمين لأنه يقوي تعلقهم بصاحب الذكرى، على
الرغم من مكابرة المكابرين الذين يحرِّمون ما أحلّ الله ويعتبرون الاحتفال
بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحرِّمه الشرع ويسخط الله، ولبئس
ما يعتقدون.


وفي
ذكرى المولد النبوي الشريف نشدد على التمسك بهذا الدين والعمل بما أمرنا
الله به ونجدد الدعوة لتلاقي الجهود الطيبة لمواجهة المؤامرات والأعاصير
لاسيما أنه أمامنا أحداث تنخلع من ءالامها الأفئدة، فدونك مشكلة فلسطين
والقدس الشريف، الواجب تحريره من براثن اليهودِ.


نسأل الله تعالى أن يزيل هذه الغمة ويفرّج كربنا إنه سميع قريب مجيب الدعوات.