بحث
حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
كثر الكلام عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي . وصار الكلام أشبه
ما يكون بالحولية التي تقرأ في كل موسم وتنشر في كل عام حتى
ملّ الناس سماع مثل هذا الكلام ، ولكن خوفاً من أن يكون ذلك
كتمان للعلم نقدم هذه المشاركة في هذا الموضوع المشتقة من عدة
مصادر وكان المصدر الرئيسي كتاب حول المولد النبوي الشريف
للسيد محمد علوي مالكي نفعنا الله به ورضي عنه ..
نشأة الاحتفال بمولد النبي صلى الله
عليه وسلم :
ذكر ابن تيميه عن محمد بن سيرين قال : " ثبت أن الأنصار قبل
قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا : لو نظرنا
يوماً فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا
.. فقالوا : يوم السبت ، ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم
، قالوا : فيوم الأحد ، قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم ،
قالوا : فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة ،
فاجتمعوا في بيت أبي أمامة بن زرارة رضي الله عنه فذبحت لهم
شاة فكفتهم " ..
قال القاضي : وحيث أن خروج آدم
في يوم الجمعة من الجنة سبب لوجود الذرية الذين منهم
الأنبياء والأولياء وسبب للخلافة في
الأرض وإنزال الكتب وقيام الساعة سبب تعجيل جزاء الأخيار
وإظهار شرفهم فزعم أن وقوع هذه القضايا فيه لا يدل على فضله في
حيز المنع قال القاضي: وقد عظم اللّه هذا اليوم
ففرض على عباده أن يجتمعوا فيه ويعظموا فيه خالقهم
بالطاعة لكن لم يبينه لهم بل أمرهم
بأن يستخرجوه بأفكارهم وواجب على كل قبيل اتباع ما أدى إليه
اجتهاده صوابا ًأو خطأ كما في
المسائل الاجتهادية فقالت اليهود هو يوم السبت لأنه يوم فراغ
وقطع عمل فإن اللّه فرغ من السماء والأرض فيه فينبغي انقطاعنا
عن العمل فيه والتعبد وزعمت النصارى
أنه الأحد لأنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والتعبد ووفق اللّه
هذه الأمة للإصابة فعينوه الجمعة
لأن اللّه خلق الإنسان للعبادة وكان خلقه يومه
افالعبادة فيه أولى لأنه تعالى أوجد في سائر الأيام ما
ينفع الإنسان وفي الجمعة أوجد نفس
الإنسان والشكر على نعمة الوجود وروى ابن أبي حاتم عن السدي
أنه تعالى فرض الجمعة على اليهود
فقالوا يا موسى إن اللّه لم يخلق يوم السبت شيئاً فاجعله لنا
فجعل عليهم وذكر الأبي أن في بعض الآثار أن موسى عين
لهم الجمعة وأخبرهم بفضله فناظروه
بأن السبت أفضل فأوحى إليه دعهم وما اختاروا.
ولمن يقول أن أول من احتفل هو
الفاطميون وهم عبيديون زنادقة روافض أحفاد عبد الله بن سبأ
اليهودي ولا يمكن أن يفعلوا ذلك محبة في رسول الله صلى الله
عليه وسلم بل لغرض خفي ؟؟ إن القطع بأن هؤلاء هم أول من
احتفلوا تجاهل عجيب للخلاف الثابت في ذلك .
فينبغي عدم التعويل على هذا لأن أهل التاريخ ذكروا غيرهم ..
ومنهم الحافظ ابن كثير الذي قالوا عنه أنه ذكر في البداية
والنهاية أن الدولة الفاطمية هم أول من أحدث المولد النبوي ..
إلى آخر القصة المعروفة ، ولكن ذلك خطأ وليس له أي سند من
الصحة فالرأي الحقيقي لابن كثير في عمل الموالد النبوية ونشأته
ما نصه : ( .. الملك المظفر أبو سعيد كوكبري ، أحد الأجواد
والسادات الكبراء والملوك الأمجاد له آثار حسنة وكان يعمل
المولد النبوي الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً
؛ وكان مع ذلك شهماً شجاعاً فاتكاً ( أي بالأعداء ) عاقلاً
عادلاً ، رحمه الله وأحسن مثواه وقد صنف الشيخ أبو الخطاب بن
دحية له مجلداً في مولد البشير النذير، فأجازه على ذلك
بألف دينار، وقد طالت مدت هفي الملك
في زمان الدولة الصلاحية، وقد كان محاصراً عكا وإلى هذه السنة
محمود السيرة والسريرة، قال السبط:
حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في
ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي. وعشرة آلاف دجاجة،
ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن
حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء
والصوفية...الخ" اهـ.
(البداية والنهاية لابن كثير - سنة 630هـ - ج12 ص287.
قال السخاوي: لمي
فعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعد،
ثم لا زال أهل الإسلام من سائر
الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه
بأنواع الصدقات،ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من
بركاته كل فضل عميم.
قال ابن الجوزي: من خواصه
أنه أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.
ونذكر مسائل هامة قبل ذكر أدلة جواز
الاحتفال بالمولد النبوي ..
الأولى : أننا نقول بجواز
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والاجتماع لسماع سيرته والصلاة
والسلام عليه وسماع المدائح التي تقال في حقه ، واطعام الطعام
، وادخال السرور على قلوب الأمة ..
الثانية : لأن ذكره صلى الله
عليه وسلم والتعلق به يجب أن يكون في كل حين ، ويجب أن تمتلأ
به النفوس .
نعم إن في شهر ولادته يكون الداعي أقوى لاقبال الناس واجتماعهم وشعورهم
الفياض بارتباط الزمان بعضه ببعض ، فيتذكرون بالحاضر الماضي
وينتقلون من الشاهد إلى الغائب ..
الثالثة : أن هذه الاجتماعات هي
وسيلة كبرى للدعوة إلى الله ، وهي فرصة ذهبية ويجب على الدعاة
والعلماء أن يذكّروا الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم بأخلاقه
وآدابه وأحواله وسيرته ومعاملته وعبادته ، وأن ينصحوهم
ويرشدوهم إلى الخير والفلاح ويحذروهم من البلاء والبدع والشر
والفتن ، وليس المقصود من هذه الاجتماعات مجرد الاجتماعات
والمظاهر، بل إن هذه وسيلة شريفة إلى غاية شريفة ، ومن لم
يستفد شيئاً لدينه فهو محروم من خيرات المولد الشريف.
أدلة جواز الاحتفال بمولد النبي صلى
الله عليه وسلم
الأول : أنه تعبير عن الفرح
والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر ولقد
استدل الحافظ ابن حجر بما جاء في البخاري 9/146-3184، فتح
الباري ج: 9 ص: 145
وذكر السهيلي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : لما
مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال ما لقيت
بعدكم راحة الا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين قال وذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وكانت ثويبة بشرت
أبا لهب بمولده فاعتقها .
ويقول في ذلك الحافظ شمس الدين محمد
الدمشقي :
إذا كان هذا الكافـــــر جـــاء ذمه
بتبـت يداه في الجحيم مخلــدا
أتى أنه في يوم الاثنيـــن دائمــــاً
يخفف عنه للســرور بأحمــدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره
بأحمد مسرورا ومات موحدا
الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم
كان يعظم يوم مولده ، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى
عليه ، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود ، إذ سعد به كل موجود
، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في حديث أبي قتادة
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين ؟
فقال : (( فيه ولدت ، وفيه أُنزل عليَّ )) . رواه الامام مسلم
في الصحيح في كتاب الصيام ..
الثالث :أن الفرح به صلى الله
عليه وسلم مطلوب بأمر من القرآن من قوله تعالى : () قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )) (يونس:58) فالله تعالى
أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم رحمة
قال الله تعالى : () وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ )) (الانبياء:107) ..
الرابع :أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي
مضت وانقضت ، فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لنذكرها
، وتعظيم يومها ، لأجلها ولأنه ظرف لها .
وقد أصل صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة بنفسه كما صرح البخاري
ومسلم والترمذي وغيرهم في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم :"
لما وصل إلى المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن
ذلك فقيل له : أنهم يصومون لأن الله نجى نبيهم وأغرق عدوهم فهم
يصومونه شكراً لله على هذه النعمة فقال صلى الله عليه وسلم :
نحن أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " وقد كان الحافظ ابن
حجر أول من استدل على هذا الحديث في جواز المولد النبوي ولا
يمكن لأي مسلم كائناً من كان أن يقدح في عقيدة الحافظ ابن حجر
..
الخامس : أن الاحتفال بالمولد لم
يكن في عهده صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ولكنها حسنة لا
ندرجها تحت الأدلة الشرعية والقواعد الكلية ، فهي بدعة باعتبار
هيئتها الاجتماعية ، لا باعتبار أفرادها لوجود أفرادها في
العهد النبوي ..
السادس : أن المولد الشريف يبعث
على الصلاة والسلام بقوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))
(الأحزاب:56)
وما كان يبعث على المطلوب شرعاً فهو مطلوب شرعاً ، فكم للصلاة
عليه من فوائد نبوية وامدادات محمدية ومنها :
1-امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
2-موافقته سبحانه وتعالى في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
وإن اختلفتالصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال وصلاة الله تعالى
عليه ثناء وتشريف .
3-موافقة ملائكته فيها فقد قال صلى الله عليه وسلم:" من صلى
عليّ في كتابلم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك
الكتاب"
4-حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة .
5-أنه يرفع له عشر درجات ويكتب له عشر حسنات ويمحى عنه عشر
سيئات .
6-ويرجى إجابة دعائه .
7-أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال
الوسيلة له أوأفرادها.
8-أنها سبب لغفران الذنوب وكفاية الله العبد ما أهمه .
9-أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ،
قال صلى الله عليه وسلم : " إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة
"
10-أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة وهي سبب لقضاء الحوائج .
11- أنها زكاة للمصلي وطهارة له .
12- أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته .
13- أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة .
14- أنها سبب لرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على
المصلي والمسلم عليه .
15- أنها سبب لطيب المجلس وأن لا يعود حسرة على أهله يوم
القيامة.
16- أنها سبب لتذكرة العبد ما نسيه ونفي الفقر وتنفي عن العبد
اسم البخل .
17- نجاته من الدعاء عليه برغم الأنف إذا تركها عند ذكره صلى
الله عليه وسلم .
18- أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها.
19- أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله
ويحمد ويثنى عليه فيه ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم .
20- أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على
رسوله .
21- أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط .
22- أنه يخرج بها العبد عن الجفاء .
23- أنها سبب لإبقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلي
عليه بين أهل السماء والأرض .
24- أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه.
25- أنها سبب لنيل رحمة الله له .
26- أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها
وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان التي لا يتم الإيمان إلا
بها .
27- أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لمحبته للعبد.
28- أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه .
29- أنها سب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره
عنده .
30- أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه .
31- أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أداء لأقل القليل من
حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا .
32-أنها متضمنة لذكر الله وشكره ومعرفة انعامه على عبيده
بإرساله .
السابع : أن المولد الشريف ،
يشمل على ذكر مولده الشريف ومعجزاته وسيرته والتعريف به ،
أولسنا مأمورين بمعرفته ومطالبين بالاقتداء به . والتأسي
بأعماله والإيمان بمعجزاته والتصديق بآياته وكتب المولد تؤدي
هذا المعنى تمامًا .
الثامن : التعرض لمكافأته بأداء
بعض ما يجب له علينا ببيان أوصافه الكاملة وأخلاقه الفاضلة ،
وقد كان الشعراء يفدون إليه صلى الله عليه وسلم بالقصائد ويرضى
عملهم ، ويجزيهم على ذلك بالطيبات والصلاة ، فإذا كان يرضى عمن
مدحه شعراً ، فكيف لا يرضى عمن جمع شمائله الشريفة ، ففي ذلك
التقرب له عليه السلام ، باستجلاب محبته ورضاه ، وقد ذكر
الحافظ ابن سيد الناس في كتابه منح المدح مائة وبضع وسبعين من
الصحابة مدحوا ورثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيات غاية
في الروعة ومنها ماهو مشهور ... كهذا البيت :
وإن الرسول لنور يستضاء بــه ... مهند
من سيوف الله مسلول
روى الطبراني بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم عندما قفل من تبوك - يعني وهو عائد من تبوك - قال له عمه
العباس : يارسول الله أأذن لى أن امتدحك فقال له رسول الله : "
قل لا يفضض الله فاك ياعم " فلم تسقط أسنانه حتى مات فأنشد ..
من قبلها طبت في الظـــلال
وفي مستودع حيث يأفك الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت
ولا نطفه ولا مضغـــــه ولا علـق
نطفــــــه تركب السفينــــة
وقد الجم نســر وأهله الغـــرق
حتى احتوى بيتك المهيمــن
من جلدت علــيّ دونها النطــــق
وأنت لمـــا ولدت أشرقــــت
الأرض وضاءت بنــورك الأفــق
فنحن في ذلك النــور وذلك
الضياء سبل الرشـــاد نختـــرق
[1706] وروى الشافعي أن عمر بن الخطاب في عهده دخل المسجد فوجد
حسان بن ثابت ينشد الشعر في مدح الرسول .. فقال : حسان أشعر في
مسجد رسول الله ؟ فقال : لقد أنشدته عند من هو خير منك ياعمر
.. ثم التفت إلى أبو هريرة وقال : أما سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : اللهم أيده بروح القدس .. فقال: نعم ،
فقال:فاتخذوا لحسان منبر في المسجد ينشد الشعر في مدح رسول
الله " هذا دليل على أن الصحابه مدحوا رسول الله بعد وفاته ،
واعتراض سيدنا عمر على الشعر لم يكن اعتراضاً على مدح رسول
الله أو على الشعر إنما كان اعتراضاً على المكان الذي يُنشد
فيه ، ألا وهو المسجد .. والله أعلم .
[2\192] من الطبقات الكبرى للزهري عن بكر بن عبد الله قال :
قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : (( حياتي خير لكم تحدثون
ويحدث لكم فإذا أنا مت كانت وفاتي خيراً لكم تعرض علي أعمالكم
فإذا رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت شراً استغفرت الله لكم ))
..
التاسع : أن معرفة شمائله
ومعجزاته وارهاصاته تستدعي كمال الإيمان به عليه الصلاة
والسلام وزيادة المحبة ، إذ الإنسان مطبوع على حب الجميل ،
خَلقَاً وخُلُقاً ، علماً وعملاً ، حالاً واعتقاداً ولا أجمل
ولا أكمل ولا أفضل من أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم ،
وزيادة المحبة وكمال الإيمان مطلوبان شرعاً فما كان يستدعيهما
مطلوب كذلك .
العاشر : أن تعظيمه صلى الله
عليه وسلم مشروع ، والفرح بيوم ميلاده الشريف بإظهار السرور
ووضع الولائم والاجتماع للذكر وإكرام الفقراء من أظهر مظاهر
التعظيم والابتهاج والفرح والشكر لله ، بما هدانا لدينه القويم
، وما من به علينا من بعثه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ..
الحادي عشر :يُؤخذ من قوله صلى
الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة ، وعد مزاياه ، وفيه خلق آدم
تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء
عليهم السلام فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين والمرسلين
.
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه بل يكون له خصوصاً
ولنوعه عموماً مهما تكرر كما هو الحال في يوم الجمعة ، شكراً
للنعمة وإظهاراً لمزية النبوة وكما يُؤخذ تعظيم المكان الذي
ولد فيه نبي من أمر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه
وسلم بصلاة ركعتين ببيت لحم ثم قال له : أتدري أين صليت ؟ قال
: لا ، قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى وفيه اتباع لما جاء
في القرآن من ذكر قصص ميلاد عدد من الأنبياء عليهم السلام ،
كقصة مولد سيدنا موسى ويحيي وعيسى ومريم عليهم الصلاة والسلام
جميعاً .... وهل يتأتى أن يذكر مولد هؤلاء الأنبياء وغيرهم ولا
نذكر نحن مولد أفضل الأنبياء عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
؟؟؟ وليس في هذا تشبه باليهود والنصارى كما يقول بعض المعارضين
.... !!!!
الثاني عشر : أن المولد أمر
يستحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد ، وجرى به العمل في
كل صقع فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود
الموقوف : (( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ومارآه
المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح )) أخرجه أحمد
الثالث عشر :أن المولد اجتماع
ذكروصدقه ومدح وتعظيم للجناب النبوي فهو سنة ، وهذه أمور
مطلوبة شرعاً وممدوحة ، وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها
.
أن الله تعالى قال : (( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ
أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ )) (هود: من
الآية120)
يظهر منه أن الحكمة في قص أنباء الرسل عليهم السلام تثبيت
فؤاده الشريف بذلك ولا شك أننا اليوم نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا
بأنبائه وأخباره أشد من احتياجاته هو صلى الله عليه وسلم .
الرابع عشر: ليس كل مالم يفعله
السلف ولم يكن في الصدر الأول ، فهو بدعة منكرة سيئة يحرم
فعلها ويجب الإنكار عليها بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة
الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب أو على محرم فهو محرم ،
وللوسائل حكم المقاصد ،
وقد قسم العلماء البدعة إلى خمسة
أقسام:
واجبة : كالرد على أهل الزيغ ، وتعلم النحو.
ومندوبة : كإحداث الربط والمدارس
، والأذان على المنابر وصنع إحسان لم يعهد في الصدر الأول.
ومكروه : كزخرفة المساجد ،
وتزويق المصاحف .
ومباحة : كاستعمال المنخل ،
والتوسع في المأكل والمشرب .
ومحرمة :وهي ما أحدث لمخالفة
السنة ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتو على مصلحة شرعية .
الخامس عشر: أما الحديثان
التاليان للمصطفى صلى الله عليه وسلم : " كل محدثه بدعة وكل
بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " ، " من أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو رد "
وقد فـُسرت من البعض أن كل الأولى لفظ عموم .. عموم في الدين
والدنيا والثانيه خاصه في الدين!
ولكن ليست كل بدعة محرمة ولو كان كذلك لحرم جمع أبو بكر وعمر
وزيد رضي الله عنهم القرآن وكتبه في المصاحف خوفاً على ضياعه
بموت الصحابة القراء رضي الله عنهم ؟! ، ولحرم جمع عمر رضي
الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح مع قوله : "
نعمت البدعة هذه " ؟! ، وحرم التصنيف في جميع العلوم النافعة
؟! ، ولوجب علينا حرب الكفار بالسهام والأقواس مع حربهم لنا
بالرصاص والمدافع والدبابات ؟! ، وبناء الجامعات وتسميتها بهذا
الإسم وتسمية الندوات والمحاضرات بهذا الإسم فإنه لم يذكر أن
رسول الله أو أحداً من الصحابة سمى بهذا الإسم ، وزيادة الآذان
الأول يوم الجمعة ؟! ، وزيادة سيدنا عبد الله بن عمر البسملة
في أول التشهد ؟! ..
وقال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني
شارح صحيح البخاري :
" وكل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بدعة ، لكن منها ما
يكون حسناً ومنها مايكون خلاف ذلك " أ . هـ
وقال الشافعي : " البدعة بدعتان
: بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود ، وما
خالف السنة فهو مذموم . أ . هـ
وقال أيضاً : " ما أحدث وخالف
كتاباً أو سنة أو اجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة وما أحدث
من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود ". أ . هـ
فمن ثم قيد العلماء رضي الله عنهم حديث كل بدعة ضلالة بالبدعة
السيئة ، ويصرح بهذا القيد ما وقع من أكابر الصحابة والتابعين
من المحدثات التي لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم . ونحن
اليوم قد أحدثنا مسائل كثيرة لم يفعلها السلف وذلك كجمع الناس
على إمام واحد في آخر الليل لأداء صلاة التهجد بعد صلاة
التراويح ، وكختم القرآن فيها ، وكقراءة دعاء ختم القرآن
وإطالته وكنداء المنادي بقوله صلاة القيام أثابكم الله ، فكل
هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ، فهل
يكون له بدعة ؟؟ أو يكون محرماً فعله ؟؟ !! ..
السادس عشر : وفي حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم : (( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها
وأجر من عمل بها ومن سنة في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر
من عمل بها )) ..
إذا كان معنى الحديث كما هو متعارف أن من سن في الإسلام سنة
حسنة أي أحيا سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم إذن فعلى
هذا الأساس نُكمل شرح الحديث - على أنه ليس من المعقول أنه
تشرح حديثاً على قاعدة ثم تغييرالقاعدة لشرح باقي هذا الحديث -
فمن سن سنة سيئة أي أحيا سنة سيئة لرسول الله !! هل رسول الله
له سنة سيئة حتى نحييها ؟؟!! ، حاشاه عن ذلك .
إذن فليس هذا هو الشرح الصحيح وإنما لو قلنا أن من أحدث أو سن
سنة حسنة في الدين بعموم اللفظ فله أجرها وأجر من عمل بها
وبالتالي من سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها
إلى يوم القيامة وإن المولد النبوي من السنن الحسنة كما ذُكر
آنفاً .. والله أعلم .
يتبع ....