آداب تلاوة القرآن الكريم
يجب على القارئ الإخلاص ومراعاة الأدب مع القرآن ، فينبغي أن يستحضر نفسه
أنه يناجي الله تعالى ويقرأ على حال من يرى الله تعالى فإنه إن لم يكن
يراه فإن الله تعالى يراه .
وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره والاختيار في السواك
أن يكون بعود من أراك ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة
والأسنان وغير ذلك ، ويستاك عرضا مبتدئاً بالجانب الأيمن من فمه وينوي به
الإتيان بالسنة قال بعض العلماء يقول عند الإستياك اللهم بارك لي فيه يا
أرحم الراحمين .
قال الماوردي من أصحاب الشافعي ويستحب أن يستاك في ظاهر الأسنان وباطنها
ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمراراً رفيقاً ،
قالوا وينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة قال
يبسه لينه بالماء ولا بأس باستعمال سواك .
وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن ، ويستحب أن
يقرأ القرآن وهو على طهارة فإن قرأ محدثاً جاز بإجماع المسلمين والأحاديث
فيه كثيرة معروفة ، قال إمام الحرمين ولا يقال أرتكب مكروهاً بل هو تارك
للأفضل ، فإن لم يجد الماء تيمم والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه وافق
حكمها حكم المحدث وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء
كان آية أو أقل منها ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به
ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز
التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وغير ذلك من الأذكار للجنب والحائض قال أصحابنا وكذا إن قالا لإنسان خذ
الكتاب بقوة وقصدا به غير القرآن فهو جائز وكذا ما أشبهه ويجوز لهما أن
يقولا عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون إذا لم يقصدا القرآن قال
أصحابنا الخراسانيون ويجوز أن يقولا عند ركوب الدابة سبحان الذي سخر لنا
هذا وما كنا له مقرنين وعند الدعاء ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار إذا لم يقصدا القرآن قال إمام الحرمين فإذا قال
الجنب بسم الله والحمد لله فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد
شيئا لم يأثم ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة .
وإذا لم يجد الجنب ماء تيمم ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما فإن أحدث
حرمت عليه الصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم
على المحدث كما لو اغتسل ثم أحدث وهذا مما يسأل عنه ويستغرب فيقال جنب
يمنع من الصلاة ولا يمنع من قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة
كيف صورته فهذا صورته ثم الأقرب لا فرق مما ذكرناه بين تيمم الجنب في
الحضر والسفر وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمم في الحضر استباح الصلاة
ولا يقرأ بعدها ولا يجلس في المسجد والصحيح جواز ذلك كما قدمناه ولو تيمم
ثم صلى وقرأ ثم رأى ماء يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما
يحرم على الجنب حتى يغتسل ، ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو
لفريضة أخرى أو لغير ذلك فإنه لا يحرم عليه القراءة على المذهب الصحيح
المختار وفيه وجه لبعض أصحاب الشافعي أنه لا يجوز والمعروف الأول أما إذا
لم يجد الجنب ماء ولا تراباً فإنه لا يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله ويحرم
عليه القراءة خارج الصلاة ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة
الكتاب وهل يحرم عليه قراءة الفاتحة فيه وجهان الصحيح المختار أنه لا يحرم
بل يجب فإن الصلاة لا تصح إلا بها وكلما جازت الصلاة لضرورة مع الجنابة
يجوز القراءة والثاني لا يجوز بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي
لا يحفظ شيئاً من القرآن لأن هذا عاجز شرعاً فصار كالعاجز حساً ، والصواب
الأول .
ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار ولهذا استحب جماعة من العلماء
القراءة في المسجد لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة ومحصلاً لفضيلة أخرى
وهي الاعتكاف فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه
أو أقل بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف وهذا الأدب ينبغي أن
يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه وأما
القراءة في الحمام فقد اختلف السلف في كراهيتها فقال أصحابنا لا يكره
ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف عن إبراهيم
النخعي ومالك وهو قول عطاء وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب
رضي الله عنه رواه عنه ابن أبي داود وحكى ابن المنذر عن جماعة من التابعين
منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب
ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم
أجمعين قال الشعبي تكره القراءة في ثلاثة مواضع في الحمامات والحشوش وبيوت
الرحى وهي تدور، وعن أبي ميسرة قال لا يذكر الله إلا في مكان طيب ، وأما
القراءة في الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها فإن
التهى عنها كرهت كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة
من الخلط .
ويستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقبل القبلة ويجلس متخشعاً بسكينة ووقار
مطرقاً رأسه ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه
فهذا هو الأكمل ولو قرأ قائماً أو مضطجعاً أو في فراشه أو على غير ذلك من
الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول ، قال الله عز وجل ﴿ إن في خلق
السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين
يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ﴾
وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية
يقرأ القرآن ورأسه في حجري .
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
هكذا قال الجمهور من العلماء وقال بعض العلماء يتعوذ بعد القراءة لقوله
تعالى ﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ وتقدير الآية
عند الجمهور إذا أردت القراءة فاستعذ ثم يراد التعوذ كما ذكرناه وكان
جماعة من السلف يقولون أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ولا
بأس بهذا ولكن الاختيار هو الأول ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب وهو مستحب
لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها ، وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم
الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة سوى براءة فإن أكثر العلماء قالوا إنها
آية حيث تكتب في المصحف وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة فإذا قرأها كان
متيقناً قراءة الختمة أو السورة فإذا أخل بالبسملة كان تاركاً لبعض القرآن
عند الأكثرين فإذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل كالأسباع والأجراء
التي عليها أوقاف وأرزاق كان الاعتناء بالبسملة أكثر لتيقن قراءة الختمة
فإنه إذا تركها لم يستحق شيئا من الوقف عند من يقول البسملة آية من أول
السورة وهذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها .
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة ، والدلائل
عليه أكثر من أن تحصر وأشهر وأظهر من أن تذكر فهو المقصود المطلوب وبه
تنشرح الصدور وتستنير القلوب قال الله عز وجل ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾
وقال الله تعالى ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ﴾ والأحاديث فيه
كثيرة وأقاويل السلف فيه ، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة
يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة ومات
جماعات حال القراءة ، وعن بهز بن حكيم أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل
رضي الله عنه أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ فإذا نقر في الناقور فذلك
يومئذ يوم عسير خر ميتاً ، قال بهز وكنت فيمن حمله ، وقال السيد الجليل ذو
المواهب والمعارف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه دواء القلب خمسة
أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر
ومجالسة الصالحين .
والبكاء عند قراءة القرآن هو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين قال الله تعالى ﴿ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ﴾ .
وينبغي أن يرتل قراءته وقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على استحباب
الترتيل قال الله تعالى ﴿ ورتل القرآن ترتيلا ﴾ وثبت عن أم سلمة رضي الله
عنها أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفاً
حرفاً - رواه أبو داود والنسائي والترمذي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله ، وعن مجاهد أنه سئل
عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما
وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء فقال الذي قرأ البقرة وحدها أفضل ،
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع ويسمى الهذرمة الخ ، وعن عبدالله بن مسعود
أن رجلاً قال له إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال عبدالله بن مسعود
هكذا هكذا الشعر إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع
القلب فرسخ فيه نفع رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته .
قال العلماء والترتيل مستحب للتدبر ولغيره قالوا يستحب الترتيل للعجمي
الذي لا يفهم معناه لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في
القلب .
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله وإذا مر بآية عذاب أن
يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب أو يقول اللهم إني أسألك العافية أو
أسألك المعافاة من أو نحو ذلك وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال
سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جلت عظمة ربنا ، فقد صح عن حذيفة بن
اليمان رضي الله عنهما قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة
فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى
فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ
ترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ
رواه مسلم في صحيحه .
ويستحب هذا السؤال والاستعاذة والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو
خارجاً منها قالوا ويستحب ذلك في صلاة الإمام والمنفرد والمأموم لأنه دعاء
فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة وهذا الذي ذكرناه من استحباب السؤال
والاستعاذة هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماهير العلماء رحمهم الله ،
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ولا يستحب ذلك بل يكره في الصلاة والصواب
قول الجماهير لما قدمناه .
ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض
الغافلين القارئين مجتمعين فمن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال
القراءة إلا كلاماً يضطر إليه وليمتثل قول الله تعالى ﴿ وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ وليترك العبث باليد وغيرها فإنه يناجي
ربه سبحانه وتعالى فلا يعبث بين يديه ، ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدد
الذهن وأقبح من هذا كله النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره
فإن النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام سواء كان بشهوة أو بغيرها
سواء أمن الفتنة أو لم يأمنها هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء
وقد نص على تحريمه الإمام الشافعي ومن لا يحصى من العلماء ودليله قوله
تعالى ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ﴾ ولأنه في معنى المرأة بل ربما كان
بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء ويتمكن من أسباب الريبة فيه
ويتسهل من طرق الشر في حقه ما لا يتسهل في حق المرأة فكان تحريمه أولى
وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصى وقد سموهم الأنتان لكونهم
مستقذرين شرعاً وأما النظر إليه في حال البيع والشراء والأخذ والإعطاء
والتطبب والتعليم ونحوها من مواضع الحاجة فجائز للضرورة لكن يقتصر الناظر
على قدر الحاجة ولا يديم النظر من غير ضرورة وكذا المعلم إنما يباح له
النظر الذي يحتاج إليه والله أعلم ، وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا
شيئاً من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان باليد
لمن قدر وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان وإلا فلينكر بقلبه
والله أعلم .
ولا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها سواء كان
في الصلاة أم في غيرها فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا
ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر وقال أبو حنيفة يجوز ذلك وتصح
به الصلاة وقال أبو يوسف ومحمد يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية ولا يجوز لمن
يحسنها .
وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها ولا يجوز بغير السبع ولا
بالروايات الشاذة المنقولة عن القرآء السبعة ولو قرأ بالشواذ في الصلاة
بطلت صلاته إن كان عالماً وإن كان جاهلاً لم تبطل ولم تحسب له تلك القراءة
، وإجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ وأنه لا يصلى خلف من
يقرأ بها .
وإذا ابتدأ بقراءة أحد القرآء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام
الكلام مرتبطاً ، فإذا أنقضى إرتباطه فله أن يقرأ بقراءة أحد من السبعة
والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس .
قال العلماء الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة
ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها حتى
قال بعض أصحابنا إذا قرأ في الركعة الأولى سورة قل أعوذ برب الناس يقرأ في
الثانية بعد الفاتحة من البقرة قال بعض أصحابنا ويستحب إذا قرأ سورة أن
يقرأ بعدها التي تليها ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة
فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم
الجمعة يقرأ في الأولى سورة السجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان وصلاة
العيد في الأولى قاف وفي الثانية اقتربت الساعة وركعتين سنة الفجر في
الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد وركعات الوتر في
الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة
قل هو الله أحد والمعوذتين ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو
خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز ، وقد كره جماعة مخالفة
ترتيب المصحف وروى ابن أبي داود عن الحسن أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا
على تأليفه في المصحف وبإسناده الصحيح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
أنه قيل له إن فلاناً يقرأ القرآن منكوساً فقالذلك منكوس القلب ، وأما
قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعاً متأكداً فإنه يذهب بعض ضروب
الإعجاز ويزيل حكمة ترتيب الآيات ، وقد روى ابن أبي داود عن إبراهيم
النخعي الإمام التابعي الجليل والإمام مالك بن أنس أنهما كرها ذلك وأن
مالكاً كان يعيبه ويقول هذا عظيم ، وأما من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس
هذا من هذا الباب فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة مع ما فيه من
عليهم والله أعلم .
وقراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب لأن النظر في
المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر هكذا قاله القاضي حسين وأبو
حامد الغزالي وجماعات من السلف ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من
الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم
ينظروا في المصحف ، وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من
السلف ولم أر فيه خلافاً ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار
القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن
ظهر القلب ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على
خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولاً حسناً والظاهر أن كلام
السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل .
يجب على القارئ الإخلاص ومراعاة الأدب مع القرآن ، فينبغي أن يستحضر نفسه
أنه يناجي الله تعالى ويقرأ على حال من يرى الله تعالى فإنه إن لم يكن
يراه فإن الله تعالى يراه .
وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره والاختيار في السواك
أن يكون بعود من أراك ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة
والأسنان وغير ذلك ، ويستاك عرضا مبتدئاً بالجانب الأيمن من فمه وينوي به
الإتيان بالسنة قال بعض العلماء يقول عند الإستياك اللهم بارك لي فيه يا
أرحم الراحمين .
قال الماوردي من أصحاب الشافعي ويستحب أن يستاك في ظاهر الأسنان وباطنها
ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمراراً رفيقاً ،
قالوا وينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة قال
يبسه لينه بالماء ولا بأس باستعمال سواك .
وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن ، ويستحب أن
يقرأ القرآن وهو على طهارة فإن قرأ محدثاً جاز بإجماع المسلمين والأحاديث
فيه كثيرة معروفة ، قال إمام الحرمين ولا يقال أرتكب مكروهاً بل هو تارك
للأفضل ، فإن لم يجد الماء تيمم والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه وافق
حكمها حكم المحدث وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء
كان آية أو أقل منها ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به
ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز
التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وغير ذلك من الأذكار للجنب والحائض قال أصحابنا وكذا إن قالا لإنسان خذ
الكتاب بقوة وقصدا به غير القرآن فهو جائز وكذا ما أشبهه ويجوز لهما أن
يقولا عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون إذا لم يقصدا القرآن قال
أصحابنا الخراسانيون ويجوز أن يقولا عند ركوب الدابة سبحان الذي سخر لنا
هذا وما كنا له مقرنين وعند الدعاء ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار إذا لم يقصدا القرآن قال إمام الحرمين فإذا قال
الجنب بسم الله والحمد لله فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد
شيئا لم يأثم ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة .
وإذا لم يجد الجنب ماء تيمم ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما فإن أحدث
حرمت عليه الصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم
على المحدث كما لو اغتسل ثم أحدث وهذا مما يسأل عنه ويستغرب فيقال جنب
يمنع من الصلاة ولا يمنع من قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة
كيف صورته فهذا صورته ثم الأقرب لا فرق مما ذكرناه بين تيمم الجنب في
الحضر والسفر وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمم في الحضر استباح الصلاة
ولا يقرأ بعدها ولا يجلس في المسجد والصحيح جواز ذلك كما قدمناه ولو تيمم
ثم صلى وقرأ ثم رأى ماء يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما
يحرم على الجنب حتى يغتسل ، ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو
لفريضة أخرى أو لغير ذلك فإنه لا يحرم عليه القراءة على المذهب الصحيح
المختار وفيه وجه لبعض أصحاب الشافعي أنه لا يجوز والمعروف الأول أما إذا
لم يجد الجنب ماء ولا تراباً فإنه لا يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله ويحرم
عليه القراءة خارج الصلاة ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة
الكتاب وهل يحرم عليه قراءة الفاتحة فيه وجهان الصحيح المختار أنه لا يحرم
بل يجب فإن الصلاة لا تصح إلا بها وكلما جازت الصلاة لضرورة مع الجنابة
يجوز القراءة والثاني لا يجوز بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي
لا يحفظ شيئاً من القرآن لأن هذا عاجز شرعاً فصار كالعاجز حساً ، والصواب
الأول .
ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار ولهذا استحب جماعة من العلماء
القراءة في المسجد لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة ومحصلاً لفضيلة أخرى
وهي الاعتكاف فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه
أو أقل بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف وهذا الأدب ينبغي أن
يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه وأما
القراءة في الحمام فقد اختلف السلف في كراهيتها فقال أصحابنا لا يكره
ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف عن إبراهيم
النخعي ومالك وهو قول عطاء وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب
رضي الله عنه رواه عنه ابن أبي داود وحكى ابن المنذر عن جماعة من التابعين
منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب
ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم
أجمعين قال الشعبي تكره القراءة في ثلاثة مواضع في الحمامات والحشوش وبيوت
الرحى وهي تدور، وعن أبي ميسرة قال لا يذكر الله إلا في مكان طيب ، وأما
القراءة في الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها فإن
التهى عنها كرهت كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة
من الخلط .
ويستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقبل القبلة ويجلس متخشعاً بسكينة ووقار
مطرقاً رأسه ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه
فهذا هو الأكمل ولو قرأ قائماً أو مضطجعاً أو في فراشه أو على غير ذلك من
الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول ، قال الله عز وجل ﴿ إن في خلق
السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين
يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ﴾
وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية
يقرأ القرآن ورأسه في حجري .
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
هكذا قال الجمهور من العلماء وقال بعض العلماء يتعوذ بعد القراءة لقوله
تعالى ﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ وتقدير الآية
عند الجمهور إذا أردت القراءة فاستعذ ثم يراد التعوذ كما ذكرناه وكان
جماعة من السلف يقولون أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ولا
بأس بهذا ولكن الاختيار هو الأول ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب وهو مستحب
لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها ، وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم
الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة سوى براءة فإن أكثر العلماء قالوا إنها
آية حيث تكتب في المصحف وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة فإذا قرأها كان
متيقناً قراءة الختمة أو السورة فإذا أخل بالبسملة كان تاركاً لبعض القرآن
عند الأكثرين فإذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل كالأسباع والأجراء
التي عليها أوقاف وأرزاق كان الاعتناء بالبسملة أكثر لتيقن قراءة الختمة
فإنه إذا تركها لم يستحق شيئا من الوقف عند من يقول البسملة آية من أول
السورة وهذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها .
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة ، والدلائل
عليه أكثر من أن تحصر وأشهر وأظهر من أن تذكر فهو المقصود المطلوب وبه
تنشرح الصدور وتستنير القلوب قال الله عز وجل ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾
وقال الله تعالى ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ﴾ والأحاديث فيه
كثيرة وأقاويل السلف فيه ، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة
يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة ومات
جماعات حال القراءة ، وعن بهز بن حكيم أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل
رضي الله عنه أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ فإذا نقر في الناقور فذلك
يومئذ يوم عسير خر ميتاً ، قال بهز وكنت فيمن حمله ، وقال السيد الجليل ذو
المواهب والمعارف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه دواء القلب خمسة
أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر
ومجالسة الصالحين .
والبكاء عند قراءة القرآن هو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين قال الله تعالى ﴿ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ﴾ .
وينبغي أن يرتل قراءته وقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على استحباب
الترتيل قال الله تعالى ﴿ ورتل القرآن ترتيلا ﴾ وثبت عن أم سلمة رضي الله
عنها أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفاً
حرفاً - رواه أبو داود والنسائي والترمذي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله ، وعن مجاهد أنه سئل
عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما
وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء فقال الذي قرأ البقرة وحدها أفضل ،
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع ويسمى الهذرمة الخ ، وعن عبدالله بن مسعود
أن رجلاً قال له إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال عبدالله بن مسعود
هكذا هكذا الشعر إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع
القلب فرسخ فيه نفع رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته .
قال العلماء والترتيل مستحب للتدبر ولغيره قالوا يستحب الترتيل للعجمي
الذي لا يفهم معناه لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في
القلب .
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله وإذا مر بآية عذاب أن
يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب أو يقول اللهم إني أسألك العافية أو
أسألك المعافاة من أو نحو ذلك وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال
سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جلت عظمة ربنا ، فقد صح عن حذيفة بن
اليمان رضي الله عنهما قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة
فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى
فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ
ترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ
رواه مسلم في صحيحه .
ويستحب هذا السؤال والاستعاذة والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو
خارجاً منها قالوا ويستحب ذلك في صلاة الإمام والمنفرد والمأموم لأنه دعاء
فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة وهذا الذي ذكرناه من استحباب السؤال
والاستعاذة هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماهير العلماء رحمهم الله ،
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ولا يستحب ذلك بل يكره في الصلاة والصواب
قول الجماهير لما قدمناه .
ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض
الغافلين القارئين مجتمعين فمن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال
القراءة إلا كلاماً يضطر إليه وليمتثل قول الله تعالى ﴿ وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ وليترك العبث باليد وغيرها فإنه يناجي
ربه سبحانه وتعالى فلا يعبث بين يديه ، ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدد
الذهن وأقبح من هذا كله النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره
فإن النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام سواء كان بشهوة أو بغيرها
سواء أمن الفتنة أو لم يأمنها هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء
وقد نص على تحريمه الإمام الشافعي ومن لا يحصى من العلماء ودليله قوله
تعالى ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ﴾ ولأنه في معنى المرأة بل ربما كان
بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء ويتمكن من أسباب الريبة فيه
ويتسهل من طرق الشر في حقه ما لا يتسهل في حق المرأة فكان تحريمه أولى
وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصى وقد سموهم الأنتان لكونهم
مستقذرين شرعاً وأما النظر إليه في حال البيع والشراء والأخذ والإعطاء
والتطبب والتعليم ونحوها من مواضع الحاجة فجائز للضرورة لكن يقتصر الناظر
على قدر الحاجة ولا يديم النظر من غير ضرورة وكذا المعلم إنما يباح له
النظر الذي يحتاج إليه والله أعلم ، وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا
شيئاً من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان باليد
لمن قدر وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان وإلا فلينكر بقلبه
والله أعلم .
ولا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها سواء كان
في الصلاة أم في غيرها فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا
ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر وقال أبو حنيفة يجوز ذلك وتصح
به الصلاة وقال أبو يوسف ومحمد يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية ولا يجوز لمن
يحسنها .
وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها ولا يجوز بغير السبع ولا
بالروايات الشاذة المنقولة عن القرآء السبعة ولو قرأ بالشواذ في الصلاة
بطلت صلاته إن كان عالماً وإن كان جاهلاً لم تبطل ولم تحسب له تلك القراءة
، وإجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ وأنه لا يصلى خلف من
يقرأ بها .
وإذا ابتدأ بقراءة أحد القرآء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام
الكلام مرتبطاً ، فإذا أنقضى إرتباطه فله أن يقرأ بقراءة أحد من السبعة
والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس .
قال العلماء الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة
ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها حتى
قال بعض أصحابنا إذا قرأ في الركعة الأولى سورة قل أعوذ برب الناس يقرأ في
الثانية بعد الفاتحة من البقرة قال بعض أصحابنا ويستحب إذا قرأ سورة أن
يقرأ بعدها التي تليها ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة
فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم
الجمعة يقرأ في الأولى سورة السجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان وصلاة
العيد في الأولى قاف وفي الثانية اقتربت الساعة وركعتين سنة الفجر في
الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد وركعات الوتر في
الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة
قل هو الله أحد والمعوذتين ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو
خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز ، وقد كره جماعة مخالفة
ترتيب المصحف وروى ابن أبي داود عن الحسن أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا
على تأليفه في المصحف وبإسناده الصحيح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
أنه قيل له إن فلاناً يقرأ القرآن منكوساً فقالذلك منكوس القلب ، وأما
قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعاً متأكداً فإنه يذهب بعض ضروب
الإعجاز ويزيل حكمة ترتيب الآيات ، وقد روى ابن أبي داود عن إبراهيم
النخعي الإمام التابعي الجليل والإمام مالك بن أنس أنهما كرها ذلك وأن
مالكاً كان يعيبه ويقول هذا عظيم ، وأما من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس
هذا من هذا الباب فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة مع ما فيه من
عليهم والله أعلم .
وقراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب لأن النظر في
المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر هكذا قاله القاضي حسين وأبو
حامد الغزالي وجماعات من السلف ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من
الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم
ينظروا في المصحف ، وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من
السلف ولم أر فيه خلافاً ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار
القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن
ظهر القلب ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على
خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولاً حسناً والظاهر أن كلام
السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل .