.راشد عبدالرحمن العسيري
.
رمضان ... أيام مضت ، صفحات طُويت ، حسنات قُيدت ، صحائف رُفعت ، وها قد
حان وقت الرحيل .
ما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد كنا في شوق للقائه ، نتحرى رؤية هلاله ،
ونتلقى التهاني بمقدمه ، وها نحن في آخر ساعاته ، نتهيأ لوداعه ، وهذه سنة
الله في خلقه ، أيام تنقضي ، وأعوام تنتهي ، إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها وهو خير الوارثين .
فمن المقبول منا فنهنئه ، و من المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً
لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك .
كان حال الصالحين عند وداع رمضان في خوف ودعاء ، خوف من رد العمل ، ودعاء
بالقبول من ذي الجود والكرم ، يقول المولى عز وجل : (( وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) أي يعملون الأعمال الصالحة
وقلوبهم خائفة ألا تقبل منهم .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : (( وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) ، قَالَتْ عَائِشَةُ :
أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : (( لا يَا
بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ
وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ
الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )) .
وكان سلف هذه الأمة عند خروج رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم
رمضان ، خوفاً من رده .
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : " كونوا لقبول العمل أشد
اهتماماًَ منكم بالعمل " ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : (( إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )) ".
ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في ذلك : "السلف الصالح يجتهدون في إتمام
العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ، و يخافون من رده ، و
هؤلاء الذين قال الله عنهم : (( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ )) ".
وقال ابن دينار : "الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل" .
و قال عبد العزيز بن أبي رواد : " أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا
فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا ؟ ".
فهذا حال سلفنا في وداع هذا الشهر ، ولنتفكر عند رحيله سرعة مرور الأيام ،
وانقضاء الأعوام ، ودنو الآجال ، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين ،
وعظة للمتعظين .
روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : "يا ليت
شعري من هذا المقبول فنهنيه ، و من هذا المحروم فنعزيه ".
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول عند رحيل الشهر : "من هذا المقبول
منا فنهنيه ، و من هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا لك ، أيها
المردود جبر الله مصيبتك " .
وقد ذكر العلماء علامات لقبول العمل من أبرزها إتباع الحسنة بالحسنة ،
والثبات على الطاعات بعد رمضان ، فرب رمضان هو رب سائر شهور العام .
سُئل بشر الحافي - رحمه الله - عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه ،
فإذا انسلخ رمضان تركوا ، قال : " بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان
".
ومن أعظم ما يتبع به شهر رمضان صيام الست من شوال ، يقول المصطفى صلى الله
عليه وسلم : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوّالٍ .
كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ )) .
فالحمد لله أن بلغنا رمضان ، ونحمده تعالى على نعمة التمام ، ونسأله تعالى
أن يحسن لنا الختام .
اللهم تقبل منا رمضان ، وأعده علينا سنين عديدة وأزمنة مديدة ، ونحن في صحة
وعافية وحياة رغيدة .
و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، وكل عام وأنتم بخير .
[/size].
الرحمن الرحيم[/size]
الرحمن الرحيم[/size]
.
رمضان ... أيام مضت ، صفحات طُويت ، حسنات قُيدت ، صحائف رُفعت ، وها قد
حان وقت الرحيل .
ما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد كنا في شوق للقائه ، نتحرى رؤية هلاله ،
ونتلقى التهاني بمقدمه ، وها نحن في آخر ساعاته ، نتهيأ لوداعه ، وهذه سنة
الله في خلقه ، أيام تنقضي ، وأعوام تنتهي ، إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها وهو خير الوارثين .
فمن المقبول منا فنهنئه ، و من المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً
لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك .
كان حال الصالحين عند وداع رمضان في خوف ودعاء ، خوف من رد العمل ، ودعاء
بالقبول من ذي الجود والكرم ، يقول المولى عز وجل : (( وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) أي يعملون الأعمال الصالحة
وقلوبهم خائفة ألا تقبل منهم .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : (( وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) ، قَالَتْ عَائِشَةُ :
أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : (( لا يَا
بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ
وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ
الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )) .
وكان سلف هذه الأمة عند خروج رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم
رمضان ، خوفاً من رده .
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : " كونوا لقبول العمل أشد
اهتماماًَ منكم بالعمل " ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : (( إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )) ".
ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في ذلك : "السلف الصالح يجتهدون في إتمام
العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ، و يخافون من رده ، و
هؤلاء الذين قال الله عنهم : (( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ )) ".
وقال ابن دينار : "الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل" .
و قال عبد العزيز بن أبي رواد : " أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا
فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا ؟ ".
فهذا حال سلفنا في وداع هذا الشهر ، ولنتفكر عند رحيله سرعة مرور الأيام ،
وانقضاء الأعوام ، ودنو الآجال ، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين ،
وعظة للمتعظين .
روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : "يا ليت
شعري من هذا المقبول فنهنيه ، و من هذا المحروم فنعزيه ".
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول عند رحيل الشهر : "من هذا المقبول
منا فنهنيه ، و من هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا لك ، أيها
المردود جبر الله مصيبتك " .
وقد ذكر العلماء علامات لقبول العمل من أبرزها إتباع الحسنة بالحسنة ،
والثبات على الطاعات بعد رمضان ، فرب رمضان هو رب سائر شهور العام .
سُئل بشر الحافي - رحمه الله - عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه ،
فإذا انسلخ رمضان تركوا ، قال : " بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان
".
ومن أعظم ما يتبع به شهر رمضان صيام الست من شوال ، يقول المصطفى صلى الله
عليه وسلم : ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوّالٍ .
كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ )) .
فالحمد لله أن بلغنا رمضان ، ونحمده تعالى على نعمة التمام ، ونسأله تعالى
أن يحسن لنا الختام .
اللهم تقبل منا رمضان ، وأعده علينا سنين عديدة وأزمنة مديدة ، ونحن في صحة
وعافية وحياة رغيدة .
و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، وكل عام وأنتم بخير .