ربي إنــي مُسـرف |
.عبدالله بن محمد بادابود[/size] |
. الرحمن الرحيم مدخل : هذه صورة تتحدث عن حال رجل أسرف في المعاصي رغم فقره وحاجته ، طرق كل الأبواب واستخدم كل الوسائل من دهاءٍ ومكر وزيف وخداع ، طرق أبواب البشر ذليلاً ضعيفاً . لن أطيل في التقديم فالمقال يحكي الحال فلا تستعجلوا السؤال . الدنيا فتنة عظيمة , نتقلب فيها بين فتن في وضح النهار المشرق وفي سكون الليل الهادئ , فيصبح نهار قاتم ومظلم , وليل مخيف وكئيب . الدنيا دار مزجت بالكثير من المتضادات والمفارقات . نحن في هذه الدنيا ضيوف وزائرين , سوف نرحل ! متى الرحيل لا ندري ! محمد رجل ضعيف ومسكين , لا مال , لاجاه , لا زوجة , لا ولد . محمد رجل معدم , رث الثياب والمنظر , ينام في العراء على ضوء القمر . محمد رجل للمعاصي فاعل , وعن العمل عاطل, وعن الطاعة متكاسل . محمد بالذكاء المفرط تميز , وبالدهاء العالي تفرد . استخدم هذا الذكاء والدهاء في الشر , وفي كسب المال الحرام , الذي كان مقتاً عليه وعار , فكان حاله من فقر لفقر ومن حاجة لحاجة وفي نقص بلا زيادة . طرق أبواب المقتدرين فطرد في كل وقت حين , وطرق باب الأغنياء فلم يستفد سوى العناء , وطرق باب الأصدقاء فكانت حياته شقاء في شقاء . في إحدى الليالي ، كان محمد كعادته يجوب شوارع المدينة في ظلمة الليل وسكونه , عله يجد لقمة أو شربة , لقمة من طعام زائد عن الحاجة ؛ ليسد بها جوعه أو شربة حتى ولو من ماء حار ! فالحاجة لم يكن له فيها قرار . وعندما العقل حار , وفي تقلبات الأيام طار , كان هناك إعصار . لم يكن إعصار في المدينة , كيف ذلك وكان الناس في سكينة . بل كان إعصار فكري وعقلي . إعصار في هذه الأمصار . الأمصار التي كانت في داخل هذا الرجل ، الذي طالما لقب بالثرثار . جلس ينظر إلى السماء متأملاً بفطنة وذكاء ، من خلق هذا الكون بلا عناء ؟ ومن رزقنا وكان منه العطاء ؟ ومن أحيانا وأوجدنا وأنشأ هذه السماء ؟ من يطعمنا ويسقينا و إذا مرضنا هو يشفينا ؟ من يرزقنا ويكفينا وإذا دعونا يستجيب لنا ؟ من يرحمنا ويرحم أهلنا ومن يسعدنا ويسعد أهلنا ؟ من بيده حياتنا وموتنا وبعد الموت نشورنا ؟ سقطت دمعات حارة . هذه الدمعات كانت بداية البداية وكانت النور الأول . بعد أن صرخ الوجدان ، فكان الحب لله عنوان . ربي .. خالقي .. مولاي . ربي سيدي .. مبتغاي . يا من أكرمتني بعينين ولساناً وشفتان . يا من كنت عليم بحالي فلم تخذلني في كل أحوالي . عصيتك كثيراً ، ليس جهلاً ولا استخفافاً ولكن شهوة ونزوة وضعف نفسي البشرية ، ألم نكن نحن أهل الخطأ والنسيان ؟ جئتك ، تائباً ، منيبا ً ، ضعيفاً ، فقيراً ، ذليلاً . ربي كان في خاطري الكثير من الأماني وطرقت أبواب البشر كلهم ، من صغيرهم لكبيرهم ، ربي لم تتحقق لي أمنية . ربي اتكلت على غيرك و أنت موجود ، فكانت النتيجة الخسران ونقض العهود . ربي كثير هم الذين أغلقوا الباب دون حاجاتي وأغلقوا الباب دون مرادي . ربي كثير هم الضعفاء ولكن ذلي جعلني أنظر إليهم أنهم أقوياء وبعدي عنك كان لي شقاء . ربي أضعت الصلاة ، فلا صيام ولا قيام ولكن سوء خلق وكفران للملك العلام . ربي في القلب حسرة وفي العين دمعه وفي خاطري كسرة . ربي .. ألم تأمرنا بالدعاء ووعدت بالإستجابة ، فحقق لي يا ربي الحاجة . ربي هذه بدايتي وهذه قصتي وأنت عالم بسري وعلانيتي . ربي اغسل الخطايا وتجاوز عن الرزايا ، يا عالم الخفايا . ربي هذا دعائي وهذا رجائي ، فاغفر يا غفور وارحم يا رحيم واستر يا ستّير . وبينما هو في حالة من الذل والخضوع ، سمع صوت يدعوه للرجوع . حي .. لتقول له هيا . حي على الصلاة .. لتقول له هيا إلى الفلاح . طالما سمع هذه العبارة ولكن كان يعرض عنها فكانت الخسارة . ذهب محمد للمسجد ، فتوضأ وكان له مع النور موعد . صلى للمسجد تحية ، فأحس براحة نفسية وكان السكون له هدية . بدأت الصلاة التي هي للدين عماد وللإنسان رشاد . فبدأ الإمام بقراءة الفاتحة التي هي أم الكتاب ثم بعدها كان هذا الخطاب . (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )) . فسُمع صوت بكاء حار ، لمحمد المعروف بسوء الفعل و الأفكار . فتهللت أسارير المصلين ، بتوبة محمد وعودته لطريق المتقين . فأصبح بعد سنين ، الشيخ محمد الحافظ للقران صاحب العلم الدين . وتغيرت الأحوال وأصبحت السعادة شعاره ودثاره . هذا هو النجاح الحقيقي ، عندما يتعرف الإنسان على طريق الخير والصلاح ولا يكفي أن يتعرف فقط عليه , بل عليه أن يسلك هذا الطريق . طريق الاستقامة يا أحباب ، للجنة باب فاعتبروا يا أولي الألباب . طريق الاستقامة يا أحباب ، أن تطيع رب الأرباب وتتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الأصحاب وأن تعمل ليوم الحساب . فسلك محمد الطريق .. رغم ما كان من حاله من ضيق ، فانفرج الهم وزال الكرب وسعدت النفس . هذه قصة وفيها عظه و عبرة . محمد .. الذي كان ذليل وبعد الهداية عز وارتفع ، بتمسكه بهذا الدين ليكون من عباد الله المتقين . قصة كتبتها من وحي أفكاري لثقتي أنها تتكرر في مشاهد أخرى وصور أخرى . والجميل أن الصور مهما كانت قاتمة في البداية ومؤلمة لكن النهاية تكون سعيدة بإذن الله . عندما تكون النهاية مثل نهاية محمد ولكن فليحذر من يتمادى في المعاصي بين جهر وسر . أن يختم الله له بالسوء وأن يتذكر مع تذكره أن الله غفور رحيم أنه شديد العقاب . ربي .. أسرفت في المعاصي ، ليس استهتار بجلالك الكريم فأنت والله عظيم ولكن جهلاً ونسياناً . فالنفس أمارة بالسوء والعقل غطته الشهوة والنزوة . فيا كريم أكرمني بالتوبة واجعلني مفتاح لكل خير مغلاق لكل شر . |