الجار,, وما له من حقوق
الإسلام
دين الترابط والتآلف، ودين يدعو الى المحبة بين أبنائه، والتكاتف في
المجتمع,, صلة ومودة، وتهادٍ ومحبة, وفي القرآن الكريم تأتي آيات كريمات
توصي المسلمين فيما بينهم، بحقوق كثيرة، مطلوب من المخاطبين بالتشريع في
هذا الكتاب العظيم، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، على اختلاف
مستوياتهم، رجالاً ونساء، أن يهتموا بها، وأن يولوها كل اهتمامهم، حيث تبدأ
بحق الله سبحانه، وحقّه سبحانه على عباده، أن يعبدوه على الوجه الذي
يرضيه، لأن هذه المهمة التي خلق البشر من أجلها، ومثلهم الجن، وألا يشركوا
بالله شيئاً، بأي نوع من أنواع العبادات كبرت أو صغرت.
ثم يتبع الله جلّت قدرته، هذا الأمر بالحث على الحقوق الأخرى: للوالدين،
وذي القربى، واليتامى والمساكين والجار القريب والجار البعيد، وابن السبيل
وما ملكت اليمين، كما يوصي بالنساء والأيامى، والفقراء والمعوزين وغيرهم.
إنه دين يدعو للترابط، ويهتم بتوثيق الصّلة بين أبنائه, في نظرة شمولية,
حتى تسود المحبة بينهم، وتنمية هذه المحبة بالهدايا، وبذل المعروف، يقول
صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابّوا).
مما يبرهن على أن المجتمع الإسلامي، في حسن تعامله بعضهم مع بعض، وفي أدب
الأخذ والعطاء، تدعو الناس تعاليم هذا الدين، إلى الإحسان فيما بينهم
بالكلام، وفي العمل بما يزيل الجفوة من النفوس، ليشعروا بأنهم إخوة ينصح
الفاهم من دونه، ويحترم الصغير الكبير، ويتأدب معه، ويعطف القادر على
المحتاج والمسكين، بما تجود به يده, وبما يزيل عنه بؤسه, ليواسيه في محنته،
ويشاركه في ماله بحسب قدرته: زكاة أو صدقة.
وأضعف ذلك كلمة طيبة، أو يدفع عنه شرّه أو أذية أولاده,, القول الماثور
يؤصل هذا المفهوم (لا يحقرّن أحكم من المعروف شيئاً، ولو أن يلقى أخاه بوجه
طلق).
من تلك الآيات الكريمات التي تهذّب الطباع، وتوجه الفرد في المجتمع
الإسلامي لحسن التعامل مع الآخرين، وخاصّة مع الجار، وتروّض نفوسهم على
الخلق الحسن، في التعامل والعشرة، وبذل المعروف، ورعاية كافة الحقوق، يقول
تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين احساناً، وبذي
القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب
بالجنب وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم، إن الله لا يحب من كان مختالاً
فخوراً) (النساء 36).
وفي تحديد الجار وما له من حق على جاره, فإن ابن كثير بعدما تحدث عن الحقوق
التي أمر الله بها في هذه الآية، قال على قوله تعالى: (والجار ذي القربى
والجار الجنب) قال علي بن ابي طلحة، عن ابن عباس: والجار ذي القربى: يعني
الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقال أبو
اسحاق: عن نوف البكالي في (الجار ذي القربى): يعني الجار المسلم، والجار
الجنب، يعني اليهودي والنصراني، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وقال جابر
الجعفي عن الشعبي، عن علي وابن مسعود: والجار ذي القربى يعني المرأة، وقال
مجاهد في قوله: والجار الجنب: يعني الرفيق في السفر,.
وكل هذه الأقوال توصي بالجار مع اختلاف المقاصد بالجار والمراد به، وقد
وردت أحاديث عديدة تشدّد الوصاية بالجار، لمكانة هذا الجار وما له من حقوق
يجب أن يهتمّ بها، حيث ظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يوصيه
جبريل عليه السلام بالجار، أنه سيورّثه، ويجعله كأنه فرد من أبناء الأسرة,.
ولأن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي الطريق الأسلم، الذي يرشد
لما فيه الخير والفلاح,, فإننا سنذكر منها ما تيّسر، وبالله المستعان:
الحديث الأول: رواه أحمد بمسنده، من طريق إلى عبدالله بن عمرو بن العاص عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأصحاب عند الله، خيرهم لصاحبه، وخير
الجيران عند الله خيرهم لجاره) ورواه الترمذي ايضا وقال حسن غريب.
الحديث الثاني: رواه الإمام أحمد أيضاً بسنده إلى عباية بن رفاعة عن عمر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشبع الرجل دون جاره), وهذان
الحديثان يدلان على عظم حق الجار على جاره: بإطعامه مثل مايطعم، وبكمال
الخيرية نحوه.
الحديث الثالث: رواه أحمد ايضا بسنده الى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى
ظننت أنه سيورّثه) أخرجاه في الصحيحين أيضا.
الحديث الرابع: ينبىء عن أقبح المعاصي، وأشدّها إثماً، لما في ذلك من إيذاء
للجار، وخيانة لحقّ المجورة، لأن الأصل في الجار، أن يكون أميناً على مال
جاره، محافظاً على عرضه أن ينتهك: حماية ودفاعاً، لكن عندما يأتي الخلل من
الجار نفسه، فإن هذا داء عضال، ومصيبة ما بعدها مصيبة: أذية وخيانة,, فقد
روى الإمام أحمد في مسنده، بسنده الى المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً، وهو يحدّثهم: (ما تقولون
في الزنا؟) قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، وهو حرام إلى يوم القيامة,,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يزني الرجل بعشر نسوة، ايسر من أن
يزني بحليلة جاره), قال: (فما تقولون في السرقة؟) قالوا: حرّمها الله
ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة, قال: (لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت،
أيسر من أن يسرق من جاره),, تفرّد به أحمد وله شاهد في الصحيحين من حديث
ابن مسعود، قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟, قال: (أن تجعل لله نداً وهو
خلقك) قلت: ثم أي؟, قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك)، قلت ثم أي؟
قال: (أن تزاني حليلة جارك), (تفسير ابن كثير: 424 425).
ولمكانة حق الجار، وفضل التواصل معه، فإن علماء المسلمين اهتموا بتفسير
الآيات الكريمات التي أوصت به، والأحاديث النبوية التي أبانت منزلته،
وتوضيح الجار الذي يلزم المسلم الاهتمام به، ورعاية حقه، كما يرى حق أسرته
وأولاده,, ونرى ابن الجوزي رحمه الله يقول في تفسيره، ممّيزاً بين الجار ذي
القربى، والجار الجنب، بأن الجار ذا القربى: فيه قولان: الجار الذي بينك
وبينه قرابة، أو الجار المسلم، فيكون المعنى: ذي القربى منكم المسلم.
والجار الجنب، قال أبو عليّ: المعني والجار ذي الجنب, فحذف المضاف، وفي
الجار ذي الجنب: ثلاثة أقوال: أنه القريب، الذي بينك وبينه قرابة، القول
الثاني: أنه جارك عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك, والثالث أنه اليهودي
والنصراني.
ويرى ابن جرير الطبري في تفسيره: أنه الغريب البعيد، مسلماً كان أو مشركاً،
يهودياً كان أو نصرانيا، وقال: إن الجنب في كلام العرب البعيد (زاد المسير
2: 79 80), أما البغويّ فيرى في (الجار ذي الجنب): أنه ذو القرابة، وفي
(الجار الجنب) أنه البعيد، الذي ليس بينك وبينه قرابة، واستدل على هذا
بحديث أخرجه البخاري في الأدب: باب حق الجوار، في قرب الأبواب، عن عائشة
رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيها أهدي؟ قال صلى
الله عليه وسلم: (إلى أقربهما منك باباً).
وبحديث أخرجه مسلم في البرّ والصلة: باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء،
عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وإذا طبخت مرقة فأكثر
ماءها، واغرف لجيرانك منها (تفسير البغوي 2: 211), والمعنى إذا طبخت لحماً
من باب إطلاق السبب على المسبب,, وما ذلك إلا أن للجار حقاً على جاره، في
المشاركة بالسراء والضراء، وفي إطعامه مما يأتي عندك، ولو بمرقة مما تطبخ،
لكي تشعره بمكانته واهتمامك به وعدم إيذائه، أو الإساءة اليه، والمحافظة
على أهله وأولاده، في حال غيابه,, وتقديم الخدمات لهم، ورعاية شئونهم إذا
احتاجوا لذلك، وكف الأذى عنهم من أطفالك أو بهائمك أو سيارته وغير ذلك,,
وعدم تعدي الكبير على صغيرهم، أو غمطهم حقاً لهم، حيث قرن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سلامة الإيمان، بإبعاد الأذى عن الجار، حيث قال صلى الله
عليه وسلم ضمن حديث صحيح: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ
جاره),, وقد أوصى أحدهم أولاده وأهل بيته بجيرانه فقال: جارك القريب، منزله
من منزل أبيك، هو أقرب الناس إليك بعد أقاربك، فواجب عليك محبّته واحترامه
وحسن معاملته، والتودد إليه، كلما سنحت لك الفرصة، وزيارة مريضه، ومواساته
في سرائه وضرائه، والقيام بخدمته ما استطعت، ومعاونته عند الضرورة، وحبّ
الخير له، وغضّ البصر عن محارمه، ولا تحدّق النظر في نوافذ منزله، ولا
تسيئه في ماله، وعرضه، فبذلك تكون عفيفاً شريفاً حسن الخلق، مستقيم الأدب.
يتبع.......
الإسلام
دين الترابط والتآلف، ودين يدعو الى المحبة بين أبنائه، والتكاتف في
المجتمع,, صلة ومودة، وتهادٍ ومحبة, وفي القرآن الكريم تأتي آيات كريمات
توصي المسلمين فيما بينهم، بحقوق كثيرة، مطلوب من المخاطبين بالتشريع في
هذا الكتاب العظيم، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، على اختلاف
مستوياتهم، رجالاً ونساء، أن يهتموا بها، وأن يولوها كل اهتمامهم، حيث تبدأ
بحق الله سبحانه، وحقّه سبحانه على عباده، أن يعبدوه على الوجه الذي
يرضيه، لأن هذه المهمة التي خلق البشر من أجلها، ومثلهم الجن، وألا يشركوا
بالله شيئاً، بأي نوع من أنواع العبادات كبرت أو صغرت.
ثم يتبع الله جلّت قدرته، هذا الأمر بالحث على الحقوق الأخرى: للوالدين،
وذي القربى، واليتامى والمساكين والجار القريب والجار البعيد، وابن السبيل
وما ملكت اليمين، كما يوصي بالنساء والأيامى، والفقراء والمعوزين وغيرهم.
إنه دين يدعو للترابط، ويهتم بتوثيق الصّلة بين أبنائه, في نظرة شمولية,
حتى تسود المحبة بينهم، وتنمية هذه المحبة بالهدايا، وبذل المعروف، يقول
صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابّوا).
مما يبرهن على أن المجتمع الإسلامي، في حسن تعامله بعضهم مع بعض، وفي أدب
الأخذ والعطاء، تدعو الناس تعاليم هذا الدين، إلى الإحسان فيما بينهم
بالكلام، وفي العمل بما يزيل الجفوة من النفوس، ليشعروا بأنهم إخوة ينصح
الفاهم من دونه، ويحترم الصغير الكبير، ويتأدب معه، ويعطف القادر على
المحتاج والمسكين، بما تجود به يده, وبما يزيل عنه بؤسه, ليواسيه في محنته،
ويشاركه في ماله بحسب قدرته: زكاة أو صدقة.
وأضعف ذلك كلمة طيبة، أو يدفع عنه شرّه أو أذية أولاده,, القول الماثور
يؤصل هذا المفهوم (لا يحقرّن أحكم من المعروف شيئاً، ولو أن يلقى أخاه بوجه
طلق).
من تلك الآيات الكريمات التي تهذّب الطباع، وتوجه الفرد في المجتمع
الإسلامي لحسن التعامل مع الآخرين، وخاصّة مع الجار، وتروّض نفوسهم على
الخلق الحسن، في التعامل والعشرة، وبذل المعروف، ورعاية كافة الحقوق، يقول
تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين احساناً، وبذي
القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب
بالجنب وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم، إن الله لا يحب من كان مختالاً
فخوراً) (النساء 36).
وفي تحديد الجار وما له من حق على جاره, فإن ابن كثير بعدما تحدث عن الحقوق
التي أمر الله بها في هذه الآية، قال على قوله تعالى: (والجار ذي القربى
والجار الجنب) قال علي بن ابي طلحة، عن ابن عباس: والجار ذي القربى: يعني
الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقال أبو
اسحاق: عن نوف البكالي في (الجار ذي القربى): يعني الجار المسلم، والجار
الجنب، يعني اليهودي والنصراني، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وقال جابر
الجعفي عن الشعبي، عن علي وابن مسعود: والجار ذي القربى يعني المرأة، وقال
مجاهد في قوله: والجار الجنب: يعني الرفيق في السفر,.
وكل هذه الأقوال توصي بالجار مع اختلاف المقاصد بالجار والمراد به، وقد
وردت أحاديث عديدة تشدّد الوصاية بالجار، لمكانة هذا الجار وما له من حقوق
يجب أن يهتمّ بها، حيث ظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يوصيه
جبريل عليه السلام بالجار، أنه سيورّثه، ويجعله كأنه فرد من أبناء الأسرة,.
ولأن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي الطريق الأسلم، الذي يرشد
لما فيه الخير والفلاح,, فإننا سنذكر منها ما تيّسر، وبالله المستعان:
الحديث الأول: رواه أحمد بمسنده، من طريق إلى عبدالله بن عمرو بن العاص عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأصحاب عند الله، خيرهم لصاحبه، وخير
الجيران عند الله خيرهم لجاره) ورواه الترمذي ايضا وقال حسن غريب.
الحديث الثاني: رواه الإمام أحمد أيضاً بسنده إلى عباية بن رفاعة عن عمر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشبع الرجل دون جاره), وهذان
الحديثان يدلان على عظم حق الجار على جاره: بإطعامه مثل مايطعم، وبكمال
الخيرية نحوه.
الحديث الثالث: رواه أحمد ايضا بسنده الى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى
ظننت أنه سيورّثه) أخرجاه في الصحيحين أيضا.
الحديث الرابع: ينبىء عن أقبح المعاصي، وأشدّها إثماً، لما في ذلك من إيذاء
للجار، وخيانة لحقّ المجورة، لأن الأصل في الجار، أن يكون أميناً على مال
جاره، محافظاً على عرضه أن ينتهك: حماية ودفاعاً، لكن عندما يأتي الخلل من
الجار نفسه، فإن هذا داء عضال، ومصيبة ما بعدها مصيبة: أذية وخيانة,, فقد
روى الإمام أحمد في مسنده، بسنده الى المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً، وهو يحدّثهم: (ما تقولون
في الزنا؟) قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، وهو حرام إلى يوم القيامة,,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يزني الرجل بعشر نسوة، ايسر من أن
يزني بحليلة جاره), قال: (فما تقولون في السرقة؟) قالوا: حرّمها الله
ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة, قال: (لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت،
أيسر من أن يسرق من جاره),, تفرّد به أحمد وله شاهد في الصحيحين من حديث
ابن مسعود، قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟, قال: (أن تجعل لله نداً وهو
خلقك) قلت: ثم أي؟, قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك)، قلت ثم أي؟
قال: (أن تزاني حليلة جارك), (تفسير ابن كثير: 424 425).
ولمكانة حق الجار، وفضل التواصل معه، فإن علماء المسلمين اهتموا بتفسير
الآيات الكريمات التي أوصت به، والأحاديث النبوية التي أبانت منزلته،
وتوضيح الجار الذي يلزم المسلم الاهتمام به، ورعاية حقه، كما يرى حق أسرته
وأولاده,, ونرى ابن الجوزي رحمه الله يقول في تفسيره، ممّيزاً بين الجار ذي
القربى، والجار الجنب، بأن الجار ذا القربى: فيه قولان: الجار الذي بينك
وبينه قرابة، أو الجار المسلم، فيكون المعنى: ذي القربى منكم المسلم.
والجار الجنب، قال أبو عليّ: المعني والجار ذي الجنب, فحذف المضاف، وفي
الجار ذي الجنب: ثلاثة أقوال: أنه القريب، الذي بينك وبينه قرابة، القول
الثاني: أنه جارك عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك, والثالث أنه اليهودي
والنصراني.
ويرى ابن جرير الطبري في تفسيره: أنه الغريب البعيد، مسلماً كان أو مشركاً،
يهودياً كان أو نصرانيا، وقال: إن الجنب في كلام العرب البعيد (زاد المسير
2: 79 80), أما البغويّ فيرى في (الجار ذي الجنب): أنه ذو القرابة، وفي
(الجار الجنب) أنه البعيد، الذي ليس بينك وبينه قرابة، واستدل على هذا
بحديث أخرجه البخاري في الأدب: باب حق الجوار، في قرب الأبواب، عن عائشة
رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيها أهدي؟ قال صلى
الله عليه وسلم: (إلى أقربهما منك باباً).
وبحديث أخرجه مسلم في البرّ والصلة: باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء،
عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وإذا طبخت مرقة فأكثر
ماءها، واغرف لجيرانك منها (تفسير البغوي 2: 211), والمعنى إذا طبخت لحماً
من باب إطلاق السبب على المسبب,, وما ذلك إلا أن للجار حقاً على جاره، في
المشاركة بالسراء والضراء، وفي إطعامه مما يأتي عندك، ولو بمرقة مما تطبخ،
لكي تشعره بمكانته واهتمامك به وعدم إيذائه، أو الإساءة اليه، والمحافظة
على أهله وأولاده، في حال غيابه,, وتقديم الخدمات لهم، ورعاية شئونهم إذا
احتاجوا لذلك، وكف الأذى عنهم من أطفالك أو بهائمك أو سيارته وغير ذلك,,
وعدم تعدي الكبير على صغيرهم، أو غمطهم حقاً لهم، حيث قرن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سلامة الإيمان، بإبعاد الأذى عن الجار، حيث قال صلى الله
عليه وسلم ضمن حديث صحيح: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ
جاره),, وقد أوصى أحدهم أولاده وأهل بيته بجيرانه فقال: جارك القريب، منزله
من منزل أبيك، هو أقرب الناس إليك بعد أقاربك، فواجب عليك محبّته واحترامه
وحسن معاملته، والتودد إليه، كلما سنحت لك الفرصة، وزيارة مريضه، ومواساته
في سرائه وضرائه، والقيام بخدمته ما استطعت، ومعاونته عند الضرورة، وحبّ
الخير له، وغضّ البصر عن محارمه، ولا تحدّق النظر في نوافذ منزله، ولا
تسيئه في ماله، وعرضه، فبذلك تكون عفيفاً شريفاً حسن الخلق، مستقيم الأدب.
يتبع.......