منتديات الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائردخول

منتديات الجزائر


descriptionالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة Emptyالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة

more_horiz
المدخل الي العقيدة لأهل السنة والجماعة



الــمــقــدمــة



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

في عقيدة أهل السنة والجماعة كتب أعلام العلماء وأساتذة الفكر في كل جيل
مؤلفات ودراسات وشروح قيمة أفادت الدارسين والباحثين وأثرت المكتبة العربية
والإسلامية عموما وخدمت عقيدة التوحيد قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل.

وحين وجدنا أنفسنا مطالبين بالتصدي للحديث حول موضوع عقيدة أهل السنة
والجماعة من خلال الأسئلة التي تطرح عبر بريد القراء أو باب الفتاوى في
مجلة "المنهاج" كانت أمامنا حلول ثلاثة علينا أن نختار واحد منها:

• الحل الأول: ويتمثل في نقل كتاب بكامله من الكتب الخاصة بعقيدة أهل السنة
والجماعة متنا وشرحا. وهذا يستدعي إعادة صف وتصحيح وإخراج الكتاب الذي يتم
اختياره، وهو أمر يستعصي على قدراتنا وإمكانياتنا المحدودة، بالإضافة إلى
أن معظم شروح وحواشي الأقدمين في هذا الشأن وغيره قد درجت على تتبع كل كلمة
بالشرح والتعليق المقرون بالاستطراد المطول في قضايا ربما مرت عرضا أثناء
الشرح وهي خارجة عن الموضوع الأساس، مما يتطلب من القاري أو الدارس بذل
الكثير من الوقت والجهد في ربط الموضوع والخروج منه بفكرة واضحة ومترابطة
في المسألة التي يعرضها الكاتب أو الشارح.

ولا نقصد بهذه الملاحظة التقليل من قيمة كتب الأقدمين أو التزهيد في
قراءتها أو اقتنائها، أو إنكار فضل مؤلفيها علينا وعلى غيرنا أو التنكر
لمكانتهم وخدمتهم للعلم والدين، خصوصا وأن الاستطراد والتداخل في الموضوعات
والتوسع في الشرح، كان أسلوب ذلك العصر الغالب في الكتابة والتأليف، ولا
يطلب من كاتب أو مؤلف أو شارح أن يخرج على أسلوب عصره ووسائل زمنه أو أن
يسبق ذلك العصر ويتخطى ما درج أهله عليه. لكن مثل ما يصدق هذا المقياس على
السلف الصالح من الكتاب والمؤلفين والباحثين، فإن علينا أيضا أن نكون
منسجمين مع عصرنا في أساليب الكتابة والبحث والنشر بما لا يمس الجوهر
والثوابت والأصول.

• الحل الثاني: ويتمثل في اللجوء إلى أحد المختصرات في عقيدة أهل السنة
والجماعة لإعادة صفه وإخراجه ونشره ليكون بمثابة إجابة على السائلين. لكن
هذه المختصرات برغم مالها من فوائد وفضل على الطلبة والمبتدئين في العصور
الماضية، إلا أنه في خضم الطرح المتواصل للعقائد المنحرفة بالدعوى والتعصب
والجهل وتكفير من يخالفها ، ومع تدفق سيل الكتب والمواقع الكثيرة التي تشرح
تلك العقائد المنحرفة، وتحط من مصداقية وقيمة كل عقيدة تخالفها وخصوصا
عقيدة أهل السنة والجماعة ، لم تعد تلك المختصرات تشف غليلا أو تشبع نهما
معرفيا أو تجيب على أسئلة كثيرة حائرة في هذه المسائل. بالنظر إلى أن أصحاب
تلك المختصرات قد درجوا في الغالب على التعامل مع موضوع العقيدة بإفراط في
الحذر وعزوف ظاهر عن التوسع في تقديم الأدلة وعن تقديم لمحة عن العقائد
التي برزت في التاريخ الإسلامي مع رفض مبدأ الحوار والمقارنة والتحليل في
الغالب، منعا لما يعتقدونه تعمقا قد يفضي إلى الحيرة أو إلى تشويش عقائد
الناشئة والعامة. لكن هذه المحاذير والقيود ربما تحولت في عصرنا الذي أصبح
مفتوحا على كل الإتجاهات والتيارات والأفكار والأخبار بالكلمة المكتوبة
وبالصوت المسموع والصورة المرئية ، إلى تفريط في إقناع شباب متعطش إلى
المعرفة والوضوح في هذه المسالة الأساسية المهمة في حياة كل مسلم وإلى
تجاهل مذموم لأسئلة كثيرة ومستجدة يطرحها عصر المعلومات الذي يتدفق فيه على
الشاب المسلم كم كبير من العقائد والأفكار والأخبار التي يختلط فيها الغث
بالسمين والحق بالباطل، وربما أدى أيضا ذلك الإفراط في الحذر والتفريط في
الوضوح والإقناع إلى إتاحة الفرصة لأصحاب العقائد المنحرفة المتخبطة الذين
يحيطون عقائدهم المنحرفة والمشبوهة بهالة من التقديس والعصمة الزائفة
وبسياج من تكفير وإرهاب المخالف، كي ينشروا فكرهم ومعتقداتهم ويجذبون إليها
الكثير من الشباب المسلم بكافة سبل النشر والتوزيع وبالاستخدام الواسع
لمختلف وسائل الإعلام القديم منها والحديث. ومن نافلة القول التأكيد بأن
مثل هذا التحول السلبي المدمر قد حدث في أوساط عديدة للأسف، كانت في بداية
أمرها على سنن الحق والاستقامة في مسائل العقيدة، ثم تحولت إلى انحراف
وتطرف وغلو في مسائل العقيدة يكفر ويدمر أو ينكر ويتنكر للعقيدة من الأساس.


• الحل الثالث: ويتلخص في وضع مدخل لعقيدة أهل السنة والجماعة يشتمل على
المقدمات والعناصر العقدية المهمة ، ويهدف إلى غايتين محددتين.

الغاية الأولى: دعوة أصحاب الفضيلة علماء أهل السنة والجماعة المعاصرين
خاصة والباحثين والمفكرين العرب والمسلمين بوجه عام إلى إعطاء هذا الجانب
العقدي المهم المزيد من شريف عنايتهم واهتمامهم في مجال الكتابة والتأليف
والشرح بأسلوب عصرهم من خلال النشر الأعلامي والثقافي بوسائله الحديثة
المختلفة.

- الإجابة قدر المستطاع، على أسئلة السائلين الذين أحسنوا الظن بنا وطلبوا
منا الإسهام في هذا المجال العقدي المهم رغم اعترافنا بقصور الباع وقلة
العلم والعمل. مع التأكيد على أننا في كل ما نكتب وننشر من دراسات، لا ندعي
الإحاطة أو العصمة من الخطأ والسهو النسيان.

وكان هذا الحل الثالث هو الذي رجحناه واستحسناه وأخذنا به في التعامل مع
هذا الموضوع العقدي المهم . فما وجد القراء في هذه الدراسة إلى عقيدة أهل
السنة والجماعة من نفع وخير فهو من الله وحده وبمحض كرمه وفضله. وما وجدوا
فيه من خطأ أو تقصير أو قصور فهو من عند أنفسنا الأمارة بالسوء ومن الله
نسأل الهداية والتوفيق والسداد.


الحالة العامة عند البعثة المحمدية:



في ظل نظام مؤسس على السخرة والتمايز الطبقي الصارم. وفي مجتمع جاهلي مغرق
في جاهليته، يعبد أهله ما ينحتون، ويعيشون مما ينهبون، ويتوارون خجلا من
بعض ما ينجبون، فيدفنون بناتهم أحياء في بطون الصحاري وغياهب الرمال. القوي
منهم يأكل الضعيف والكبير يظلم الصغير والسيد يستعبد من دونه

وفي ظلام عقدي وروحي دامس من حول هذا المجتمع يتمثل في أديان وملل شتى
اعتنقها أقوام وشعوب ، منهم من قالوا لنبيهم أرنا الله جهرة فأخذتهم
الصاعقة، وطالبوه قبل أن تجف أقدامهم من ماء البحر الذي نجاهم الله بعبوره
من فرعون وبطشه وجنوده أن يجعل لهم إله، ثم عبدوا عجلا جسدا من ذهب بمجرد
أن غاب عنهم نبيهم أياما معدوادت وظلوا حوله عاكفين.

ومنهم من اخترقهم الفريق الأول بحقده وتآمره وعصبيته فانحرف بهم عن دعوة
نبيهم المبنية على المحبة والرحمة والعدالة والتواضع إلى تثليث وتدمير
وحروب وحقد حتى قال أحد مبشريهم في برنامج بثته قناة فضائية عربية . "إنني
عندما أقرأ العهد القديم الذي اعتبرته الكنيسة الكاثوليكية المصدر الأساس
للمسيحية أجد نفسي وقد وصلت إلى مناحيم بيجن أو إلى بنيامين نتينياهو وليس
إلى السيد المسيح".

ومنهم قوم يقودهم فلاسفة كلما اصطدموا بجسم أو عرض من الأعراض جعلوا له
إلها خرافيا في مملكة أسطورية من ذكور وإناث يتزاوجون ويتزاورون ويختلفون
أحيانا بل ويتناحرون.

ومنهم صابئة عبدوا الأجرام العلوية كأصحاب الهياكل الذين يعتبرون الشمس إله
كل إله، ومنهم حرانية يرون أن الخالق واحد في الأصل كثير بتكاثر الأشخاص
في رأي العين التي يتشخص الواحد بأشخاصها وتحل ذاته أو جزء من ذاته فيها
تعالى الله عما يشركون،

ومنهم الثنوية المجوس الذين عبدوا النار وقالوا بخالقين أثنين: النور خالق
الخير والظلام خالق الشر على اختلاف فرقهم. التي منها "المزدكية" التي
تقول: بأن المعبود قاعد على كرسيه في العالم الأعلى على هيئة قعود خسرو
(الملك) في العالم الأسفل تعالى الله عن ذلك.

ووراء تلك الأمم أمم تنوعت ضلالاتها وشركها من دهريين وطبيعيين نفوا وجود
الصانع المدبر الحكيم، ومن وثنين نفوا ما وراء الحس وأنكروا النبوات وقال
بعضهم بتناسخ الأرواح وتنقلها بين الحيوان والإنسان .

في هذا الخضم المتلاطم من الضلال والجبروت والجهالة، بعث الله جلت قدرته
وتقدست أسماءه نبيه محمدا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بدعوة الحق
والتوحيد والهداية التي ختم بها الرسالات وخلص بها الإنسان من آلهة الضلال
والهمجية، وأطلق العقل من عقال الخرافة والتعصب والجمود.

وللمرء أن يتصور رسولا يبعثه الله في هذه الدياجير المظلمة في مجتمعة ومن
حوله ويكلفه خالقه وباعثه جلت قدرته بأعباء رسالة تتعدى حدود مجتمعه الصغير
في مكة لتشمل العالم بأسره شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتضطلع بمهمة هدم
متواضعات أحاطها أصحابها بهالات من القداسة والعصمة وحشدوا للدفاع عنها
أضخم وأقوى الجيوش وأكبر عناصر القوة في عصرهم، كيف يكون حجم ونوع معركته
وجهاده العظيم وما زوده الله به من قدرات وطاقات ويقين. ومن هذا التصور
يستطيع المرء أن يدرك جسامة المسئولية وثقل المهمة التي ألقاها الخالق جل
شأنه على عاتق نبيه وحبيبه محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فكان لها
أهل وكان الأمين المأمون الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف
الله به كل غمة. وللمرء أن يتصور أيضا حجم المشقة والعناء والمعاناة التي
تحملها صلوات الله وسلامه عليه في سبيل دعوته والتي تعجز عن احتمال بعض
منها الجبال الشوامخ والأطواد الراسخة.

لقد أدى هذا النبي العظيم الرؤوف الرحيم الصادق الأمين الأمانة كأعظم ما
يكون الأداء وبلغ الرسالة بأوفى ما يكون التبليغ، وكان التوفيق والنصر
والنجاح بفضل من الله وعون حليفه في كل خطوة وحركة وكان الانحسار والاندحار
والهزيمة في ظل دعوته المباركة، حليف الكفر والشرك وقرين الجهل والجبروت
والجمود.

لقد ارتكزت الدعوة الإسلامية المحمدية على ثلاث قواعد رئيسة:

أولا: الأيمان بالله الواحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد، وتنزيهه جلت قدرته عن مشابهة خلقه وعن أن يحل في حادث أو أن يكون
محلا للحوادث فكل ما عداه مخلوق حادث وهو وحده الخالق القديم الذي ليس
كمثله شي، وأن كل ما تصور في ذهن الإنسان فالله تعالى بخلافه.

ثانيا: توضيح الأحكام العميلة من أدلتها التفصيلية في العبادات والمعاملات،
لما فيه خير البشرية وأمنها واستقرارها ونموها بما أنزل الله وكما أراد
لها جلت قدرته.

ثالثا: الوصول بمكارم الأخلاق وقواعد السلوك إلى الغاية القصوى في السمو
والجمال والإبداع من خلال المثل الأعلى الذي مثله سيد الخلق صلوات الله
وسلامه عليه وعلى آله، وقدمه آله الأطهار وصحبه الأخيار، فقد وصفه ربه
بأعظم وأشمل وصف حين خاطبه عز من قائل حكيم بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم".
وحدد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله جوهر ومضمون رسالته العظيمة حين قال
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

ومن ثم فإن ثوابت أمه الإجابة المسلمة المرحومة التي اتفقت عليها والتي يمكن بها التمييز بين المسلم والكافر هي ثلاث:

- الإيمان المطلق بوحدانية الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

- الإيمان المطلق بنبوة ورسالة خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد بن عبد
الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وبكل ما جاء به من عند ربه وأن
دين الإسلام هو الدين الناسخ لكل الأديان والشرائع قال تعالى " ومن يبتغ
غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"

- الإيمان بالمعاد وكل ما رد في أمر المعاد في كتاب الله الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفي سنة سيد العباد عليه وعلى آله أفضل
الصلاة وأزكى التسليم.

ولم يكن الصحابة في وجود الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
في حاجة إلى اجتهاد في مسائل العقيدة والشريعة والسلوك، لأنه كان المرجع
الذي حكمه العدل وقوله الفصل ورده الجامع المانع في كل مسألة تطرح عليه.
وكانوا يسجلون منه وعنه كل صغيرة وكبيرة من كلامه وفعله وسلوكه الذي أصبح
منهلا للأمة بل وللإنسانية جمعا والمصدر الثاني بعد القرآن الكريم للتشريع
الإسلامي.

والحقيقية فإن صفاء الذهن العربي بعد أن زكته الدعوة المحمدية من عاهات
الشرك والخرافة والضلال، وما يتمتع به الإنسان العربي من حرية في النظر
والحركة والتعبير والانتقال، و ما تمتاز به الصحراء العربية من رحابة وفسحة
نظر، ومن مجال واسع منطلق للفكر والذكر والتفكر في الفضاء الكوني، قد كان
له أكبر الأثر في صرف العقل العربي عن الانغلاق في المجرد، وعن التيه في
مسارب التكلف، وعن الإيغال في مفاوز البحوث المعتسفة والشاذة في مسائل
العقيدة.

وقد ظل الحال على هذه الوتيرة الإيجابية طيلة أيام الصحابة الكرام وجزء من عهد الطبقة الأولى من التابعين.


نشوء النحل والمذاهب الفكرية في الوسط الإسلامي:



بعد التحاق الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بالرفيق الأعلى، وبعد
انقضاء خلافة أبي بكر وعمر وجزء كبير من خلافة عثمان رضي الله عنهم ، نجم
صراعا سياسيا بين المسلمين ليس هنا محل شرح أسبابه ونتائجه. وبدأت في آخر
خلافة عثمان تتشكل جماعات وفرق، بلغت أوجها في الاصطفاف ووضوح الملامح خلال
الفترة الأخيرة من خلافة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخصوصا بعد
التحكيم في صفين ثم بعد مقتل الإمام علي بسيف الخارجي المارق عبد الرحمن بن
ملجم، وبعد الصلح بين الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي
سفيان. وكان ذلك الاصطفاف السياسي الذي تقنع بقناع فكري وعقائدي يتوزع في
ثلاث فرق رئيسة وهي:

- الخوارج الذين رفضوا التحكيم بعد ظهور نتيجته رغم أنهم كانوا هم الذين
أرغموا الإمام علي على قبوله. وهم الذين كفّروا من عداهم وأرسلوا قولتهم
الشهيرة " لا حكم إلا لله" التي وصفها الإمام علي بأنها "كلمة حق يراد بها
باطل". لأن الحكم لله والمنفذ لحكم الله لا بد أن يكون إماما عادلا من خلق
الله. ومن هولاء الخوارج برز فريق من النواصب أعداء النبي صلوات الله
وسلامه عليه وعلى آله وأعداء أهل بيته الذين لا زالوا يتناسلون ويتوارثون
بغضهم لسيد الخلق وآله.

- الباطنية الغلاة وفي مقدمتهم عبد الله بن سبأ وأتباعه الذين قالوا بوجود
معاني باطنة تتناقض مع المعاني لظاهرة للآيات القرآنية تناقضا تاما، وغلوا
في الإمام علي وبعض أولاده لا حبا فيهم بل استغلالا للمحن التي تعرضوا لها
وكان هدف ذلك الغلو الممقوت في المقام الأول هو شق الصفوف وزعزعة عقائد
المسلمين.

- زعماء وكهنة بعض الملل والنحل الذين خفتت أصواتهم في عهد النبوة وفي ظل
قوة المسلمين المستمدة من وحدتهم في الصدر الأول من الخلافة الراشدة. ثم
وجدوا في الصراع السياسي الإسلامي بعد ذلك حلقة ضعف حاولوا النفاذ منها من
خلال التشكيك في عقائد المسلمين وخصوصا في مباحث ذات الله وصفاته وأسماءه.
ومن هولاء أيضا برز فريق آخر من النواصب الذين جعلوا من بغض النبي وآله
والتشكيك في تاريخهم وأنسابهم هدفا ومنهجا وخطة عمل طويلة المدى متصلة
الحلقات.


التحول الأساسي في البحوث والجدل:



بعد انتشار الإسلام على نطاق كوني واسع وتواصل حركة الفتح الإسلامي ودخول
أمم كبيرة ذات ثقافات وفلسفات وأفكار متنوعة إلى الإسلام، اقتحمت المجامع
والمدارس والحلقات الإسلامية أفكار وأسئلة ومناقشات لم تكن لها كبير أهمية
أو اهتمام في ما مضى من عهد النبوة والخلافة الراشدة.

وقد أنقسم المسلمون الجدد من غير العرب إلى فئتين:

• الفئة الأولى: وهم الغالبية العظمى، كان الاقتناع والصدق في قبول الدعوة
الجديدة هو أساس إسلامهم، حيث ألقى قسم منهم بكل موروثاته من ثقافة وفلسفة
وفكر، سلبيا كان أو إيجابيا، في سلة مهملات التاريخ، واكتفى بما جاء في
كتاب الله وسنة رسوله بشكل تام على نهج الصحابة الكرام والطبقة الأولى من
التابعين. وقسم آخر من هذه الفئة الأولى حاول الاحتفاظ بالإيجابي فقط من
موروثه في الفكر والثقافة والفلسفة والعلوم مع البحث عن ما يدعم هذا
الموروث في آيات القرآن وأحاديث الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه وعليه
وعلى آله، وعمل مع العلماء المسلمين العرب في نفس الوقت على تطوير وترجمة
الإيجابي من هذه الثقافات والعلوم إلى اللغة العربية وإعادة صياغته بما
يتلاءم وعقيدة الإسلام وشريعته فأضاف بذلك ثروة علميه وحضارية تراكمية إلى
الثقافة الإسلامية أمتد نفعها إلى كافة أرجاء المعمورة.

• الفئة الثانية: دخلت الإسلام رغبا أو رهبا دون اقتناع وصدق، فحاولت العمل
من داخله على زعزعت أركانه، وكان التشكيك في العقيدة ومحاولة طرح الموروث
السلبي من الفكر الخرافي والسفسطائي في نهره الصافي هو وسيلتها في تحقيق
مأربها في أضعاف الإسلام على أمل العودة بالمسلمين كافة إلى الأديان والملل
الضالة كل حسب دينه القديم وموروثه المنحرف.

هذه العوامل والمستجدات في مسائل العقيدة، فرضت على العديد علماء المسلمين
القادرين على مقارعة الخصوم بالحجة أن يعودوا إلى القرآن والسنة وكلام
السلف الصالح لاستخراج ما يدعم عقيدة التوحيد ويفند دعاوى الخصوم ويحمي
عقائد المسلمين من اللبس والشك البلبلة. ومن واقع أن أدوات ووسائل البحث
والحوار بين أي مناظر وخصمة يجب أن تكون محددة ومقنعة ومتفق عليها بين طرفي
الحوار،وجد بعض من هولاء العلماء أن استخدام أدوات وأساليب الفلاسفة
والمناطقة من فرضيات ونظريات وبراهين عقلية ومناهج جدلية في مناظرة الخصوم
ومقارعتهم بالحجة وتفنيد مزاعمهم وضلالاتهم وتشكيكهم هو السبيل الأمثل
للوصول بالحوار إلى غايته المقنعة المنشودة حيث أن هذه الأدوات والوسائل
كانت هي وحدها قواعد الحوار المشترك مع الخصم ووسائل الإلزام بين
المتحاورين.

ورغم الفائدة الكبيرة التي عادت على الفكر الإسلامي بوجه عام من استخدام
وسائل الفلسفة والمنطق في المناظرات مع الخصوم ومقارعة الحجة بالحجة دفاعا
عن العقيدة الإسلامية، إلا أن الشطط والإفراط في استخدام فرضيات الفلاسفة
والمناطقة ونظرياتهم وأساليبهم في الجدل أدى عند بعض المفكرين الإسلاميين
إلى حالة من العدوى المزمنة وإلى نوع من التقديس والانبهار بتلك الفرضيات
والنظريات والبراهين العقلية، وأتجه بهم إلى الركون المطلق على العقل فقط
ورفض -أو على الأقل- استبعاد النقل من نصوص القرآن والسنة في مسائل
العقيدة.



يتبع ....

descriptionالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة Emptyرد: المدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة

more_horiz

وفي مقابل هذا الغلو المطلق في الثقة بعمل العقل إلى حد التقديس، ذهبت
طائفة من المسلمين في اتجاه معاكس برز في غلو وتطرف وحرفية في النقل لا
تجيز تأويلا لبعض النصوص أو مجازا تقضيه ضرورة اللغة وواجب تنزيه الخالق
ولا تقبل دليلا عقليا مهما كان منسجما مع نصوص المصادر الشريعة ومضامينها
ودلالتها، ولا تفرق بين الاشتراك في الاسم والاختلاف في المعنى عند تنزيل
النصوص والصفات على الخالق أو المخلوق.

ولقد أفرز التطرف والاصطفاف المغالي عند بعض الفرق الإسلامية التي نجمت عن
تداعيات الجدل والصراع المحتدم سعيا لنصر الذات وإبراز قدرتها وتفوقها وليس
انتصارا للحق والعقيدة ، إلى إحداث ثغرات واسعة تسللت منها العناصر
المشبوهة إلى هذه الفرق. ولا يخفى أن التطرف هو الباب الواسع الذي يدخل منه
المشبوهون والمتآمرون إلى الفرق والمذاهب والجماعات في كل عصر ومصر.

لقد بدأ خروج الخوارج حنقا وتبرما على نتيجة التحكيم بعد وقعة صفين وكان
يمكن السيطرة عليه بالحجة والإقناع لولا التطرف والتشنج الذي مارسه بعض
أولئك الغاضبين الحانقين مما فتح الباب على مصراعيه للمندسين والمتآمرين
على العقيدة ليحولوا ذلك التيار الطبيعي الغاضب في النفس الإنسانية -الذي
كان سيثوب إلى رشده لو التزم القصد وسمع بعقل ووعي توضيحات الإمام علي عليه
السلام- إلى حش وكاسر مدمر سقى الإسلام والمسلمين لقرون عديدة وحتى هذه
الساعة كؤوسا صبرة.

والتشيع بدأ انتصارا للإمام علي عليه السلام ودفاعا عن أهل بيت رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتفانيا في محبتهم وموالاتهم، وحنقا وتبرما
مما لحق بهم من ظلم وقتل وتشريد وتنكيل ولعن على أعواد المنابر لعقود متصلة
، لكن التطرف والغلو الذي دخل المندسون والمشبوهون والمتآمرون من بابه إلى
التشيع، أنحرف ببعض الشيعة من محبة أهل البيت إلى باطنية مغالية ومعتقدات
إلحادية كافرة.

والمعتزلة كانوا في بدايتهم أصحاب فكر جدلي منطقي متحمس وثقافة واسعة ناقدة
استخدموها في الدفاع عن العقيدة الإسلامية وفي مواجهة خصوم الإسلام خصوصا
من أصحاب الأديان المنسوخة وبعض أصحاب الثقافات الدينية الوثنية الذين
دخلوا بتراثهم إلى الإسلام وأردوا نشره بين المسلمين، فكان للمعتزلة في
البداية، جهد مشكور ودور محمود ونجاح مشهود في هذا المضمار. ولأن الخصم في
الطرف المقابل يرفض القبول بالنقل عن نصوص الإسلام كحجة عليه والمعتزلة
يرفضون نصوص عقيدته أو ثقافته كحجة عليهم أو على الإسلام، كان لابد من لجوء
الطرفين إلى الأدلة العقلية المحضة في المجادلة والحجاج وكان النصر في
الغالب حليف المعتزلة على خصومهم من أصحاب الأديان المنسوخة والنحل
الوثنية. لكن طول الجدل والحجاج بالأدلة العقلية أدى بالمعتزلة كما قلنا
آنفا إلى حالة من العدوى المزمنة وإلى نوع من الشطط والإفراط والإغراق في
استخدام تلك الفرضيات والنظريات والبراهين العقلية، وأتجه بهم إلى الركون
المطلق على العقل فقط ورفض -أو على الأقل- استبعاد النقل من نصوص القرآن
والسنة في مسائل العقيدة، وإلى تطرف وتعصب ممقوت وإلى تقديس للعقل وإعجاب
بالنفس واستعلاء على الغير فاعتسفوا وتنطعوا كثيرا وبشكل أدى بهم إلى
انحرافات خطرة كان من أبرزها رفض الأدلة النقلية من نصوص المصادر الإسلامية
في مسائل العقيدة بل ومخالفتها في كثير من الأحيان من النقيض إلى النقيض
وإلى الاستقواء بالحكام الذين ذهبوا مذهبهم لفرض معتقداتهم كما حصل في قضية
خلق القرآن في عهد المأمون العباسي وغيرها من أصولهم الخمسة، حين فرضوها
على العلماء والعامة بسوط السلطان وقهر القوة وإرهاب الدولة.

أما المجسمة والمشبهة الذين يسميهم أهل العلم بالحشوية، فقد برزوا من حين
ظهورهم في الوسط الإسلامي تيارا متطرفا ومشبوها أسبغ على الله أوصافا
ونعوتا كانت غاية في البشاعة والتحقير والتنفير وجعلوه جسما يشبه خلقه في
ذاته وصفاته، وجعلوه محلا للحوادث تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وعقيدتهم
ظلت ولا تزال، نقل شبه حرفي من عقائد اليهود والنصارى والمزدكية المجوسية.
وبسبب من الجهل والجمود الممزوجين بعقدة الاستعلاء وقع بعض الحنابلة في
مستنقع الحشوية الموبوء بالتجسيم والتشبيه، وجاء بعض رموزهم بفضائح وفضائع
من المعتقدات الضالة المشبوهة مثل القول بحوادث لا أول لها والاعتقاد بفناء
النار وبتعدد التوحيد وبوجوب فهم المتشابه من القرآن على حقيقته في المعنى
وعدم جواز التأويل أو التفويض فيه فجعلوا لله يدا ورجلا ووجها وحركة من
قيام وقعود ومجي ونزول وجلوس وتحيز في جهة تشبه ما لخلقه على الحقيقة في
اعتقادهم وليس مجازا مؤول المعنى -تعالى الله وتقدس عن ذلك- مع غممات لهم
مضللة لا معنى لها ولا تجوز إلا على السذج مثل: "يد تليق بذاته تعالى" "أو
صعود يليق بذاته" وغير ذلك من الخداع والتضليل.

وقد سلك أولئك النفر من الغلاة الحشوية مسلك الخوارج في تكفير كل من خالفهم
في ضلالاتهم وتطاولهم على الله ورسوله ونصبوا أنفسهم أوصياء على الإسلام
والمسلمين حيث ما رسوا إرهابا فكريا وثقافة استبدادية كالتي مارسته الكنيسة
ومحاكم التفتيش مع المعارضين والمعترضين بشكل شبه كامل.


أسباب التطرف والانحراف عند بعض الفرق:



مما تقدم يتضح لنا أن البحث العلمي لا دخل له في نشأة الانحراف والانسياق
مع الهوى والعصبية والغرور في العقائد والنحل بل كل ذلك كان نتيجة من نتائج
التطرف والغلو والشذوذ عن السواد الأعظم على مر الزمان، ويتضح أن الفرق
المنحرفة هي فرق ولدتها العاطفة القبلية والعرقية أو المصالح والمنافع
الدنيوية، أو الأهواء السياسية، أو تم تقعيدها في بلاطات الطغاة من الخلفاء
والحكام لتبرير طغيانهم وظلمهم أو إثبات شرعيتهم في الحكم أو تسويغ صراعهم
على السلطة.

وكما أن لهذه الفرق أصولا لم نتوسع في شرحها لأنها ليست موضوعنا فإن لها
أيضا فروعا تتشعب منها على حسب ما يقع فيها من تداخل في الآراء وتجدد في
الأهواء، وهي لا تنتهي عند عدد محدود إلى نهاية التاريخ. ومقالات تلك
الطوائف مبسوطة في كتب عديدة ومراجع مفصلة مفيدة مثل: كتاب "مقالات
الإسلاميين" للإمام أبي الحسن الأشعري وكتاب "المقالات" للإمام أبي منصور
الماتريدي، وكتاب "رد الأهواء والبدع" لأبي الحسين الطرائفي وكتاب " الملل
والنحل" لأبي المظفر الاسفراييني، وكتاب الفرق بين الفرق لأبي منصور
البغدادي و"الملل والنحل" له إلى غير ذلك.

ونود التنبيه إلى أن بعض المصنفين في النحل، ينسب إلى بعض الفرق أقوال لا
توجد في كتبهم، أما توليدا معتسفا وإلزاما بغير دليل أو نقلا من كتب غير
الثقات، كما وقع كثيرا للشهرستاني في كتابه "الملل والنحل" وأبن حزم
الظاهري في كتابه "الفصل في الملل والنحل" الذي كتب بالتعصب والهوى والنقل
من غير الثقات. وهو الأمر الذي يجب التحرز عند الأطلاع عليه من الوقوع في
مزالق الاتهام والشك والتجريح قبل التأكد من الأقوال والمعتقدات التي تنسب
إلى بعض الفرق من مصادر موثوقة ومحايدة.


الـفـرق الـرئـيـسـة الـمـشـهورة:



الخوارج. الشيعة. المعتزلة. القدرية. الجبرية. المرجئة. الحشوية. أهل السنة والجماعة.

الـــخــــوارج:

بعد التحكيم في معركة صفين بين الإمام علي ومعاوية الذي كان الحكمان فيه
أبو موسى الأشعري من جانب الإمام علي وعمرو بن العاص من جانب معاوية،لم
تقبل فئة من أنصار الإمام علي بمبدأ التحكيم بعد أن فرضته هذه الفئة نفسها
على الإمام علي بدعوى أنها ثابت إلى الرشد وعرفت سلامة موقف الإمام في
نصيحته لهم برفض التحكيم الصادر من موقع الضعف والمكيدة وطلبت منه نقض عهد
التحكيم أو الانفضاض من حوله ومحاربته، وعندما رفض الإمام نقض عهده والعودة
عن قبول التحكيم الذي لم يكن في الأساس مقتنعا به أو راغبا فيه، خرجت هذه
الفئة على التحكيم وانفضت من حول الإمام علي فسموا بالخوارج وغلوا حتى
أخذوا يكفرون كل من قبِل التحكيم ونتيجته، ويكفرون مرتكب الكبيرة ويقتلون
من خالفهم من المسلمين ويتركون الكفار والمشركين فقاتلهم الإمام علي وشتتت
شملهم إلا أنهم كانوا يجمعون صفوفهم في كل مرة ويسفكون الدماء ويقتلون
الأبرياء ويكفرون من خالفهم من المسلمين، وقد أشار إلى حالهم النبي صلوات
الله وسلامه عليه وعلى آله قبل ظهورهم كفرقة في قصة ذي الخويصرة التميمي،
الذي تهجم على النبي عند تقسيم الغنائم حين قال صلوات الله وسلامه عليه
وعلى آله كما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " إن من ضئضئي
هذا، أو من عقب هذا، قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن
أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد". وقد صار ذو الخويصرة هذا من زعماء الخوارج
وقادتهم بعد ذلك وهو الذي قتله الإمام علي في وقعة النهروان. وقد انقسم
الخوارج إلى فرق كثيرة منها الأزارقة والصفرية والاباضية والعجاردة
والثعالبة وكل فرقة من هذه الفرق كانت تنقسم أيضا إلى عدة فرق.

الــشــيــعــة:

بعد وفاة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه وأرضاه، بقي
قسم كبير من الأمة على محبته ونصرة سلالته والدفاع عنهم. وقد تعرض هذا
الفريق بسبب صدق محبته ودفاعه عن أهل بيت نبيه، لمثل ما تعرض له أهل البيت
أنفسهم من صنوف التنكيل والمطاردة والقتل والسجن من قبل الأمويين
والعباسين. وصار يطلق على أولئك الذين ثبتوا على محبة الإمام علي بن طالب
والسيدة فاطمة الزهراء البتول وأولادهما "شيعة الإمام علي وذريته". وقد دفع
ذلك الاضطهاد الأموي العباسي وتلك المطاردة والتنكيل بمعظم الشيعة إلى
التخفي والتستر وإلى نشر دعوتهم في سرية شديدة، وإلى اعتماد "التقية" في
الظهور والطرح والتعامل مع الناس ف. و "التقية" عبارة عن ستر المعتقد عن
الخصوم ومن والهم اتقاء لشرهم ونكالهم حتى لو وصل الأمر إلى أن يظهر الشيعي
خلاف ما يبطن أتقاء البطش والتنكيل.

وينقسم الشيعة إلى ثلاث فرق رئيسة:
الباطنية أو الغلاة. الشيعة الإمامية أو الإثناعشرية. الزيدية أو المفضلة.

الفرقة الأولى (الباطنية أو الغلاة):

وجاءت تسميتهم بالباطنية من اعتقادهم بأن القرآن له معنى ظاهر الذي يتفق
الناس على لفظه ونصه، ومعنى باطن يخالف ظاهره بل ويناقضه مناقضة تامة. وهم
في اعتقادهم - أي الباطنية- وحدهم أهل معرفة ذلك المعنى الباطن وسدنته
والأمناء عليه. أما تسميتهم بالغلاة فقد جاءت من غلوهم في الإمام علي وبعض
ولده إلى حد القول بالتأليه أو بحلول اللاهوت في الناسوت وشبيه ذلك من
العقائد الفاسدة الضالة التي يبرأ إلى الله الإمام علي وأهل بيت النبوة
قاطبة منها جملة وتفصيلا. ومن هذه الفرق: "السبئية" التي كانت تنادي
بألوهية الإمام علي كرم الله وجهه، وكان رأس هذه الفرقة اليهودي عبد الله
بن سبأ. ومنها الكيسانية التي تعتقد في إمامة محمد بن علي بن أبي طالب
المشهور بابن الحنفية، وتنتسب هذه الفرقة إلى كيسان مولى أمير المؤمنين
الإمام علي، وكان رأس هذه الفرقة المختار بن أبي عبيدة الثقفي وتعتقد هذه
الفرقة أن محمد بن الحنفية حي لم يمت بل يعيش في جبل رضوى بالحجاز وعنده
عين من العسل وعين من الماء. ومن هذه الفرق المغالية أيضا "المغيرية"، نسبة
إلى المغيرة بن سعيد البجلي الذي كان يعتقد في إمامة محمد بن عبد الله بن
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد النفس الزكية، غير أن
المغيرة هذا ما لبث إن أدعى لنفسه الإمامة ثم أزداد غلوا فأدعى النبوة. وقد
ذكر النوبختي في كتابه "فرق الشيعة" أسماء كثيرة لفرق مغالية مثل
"الخرمدينية" التي ألهت الأئمة، و"الهاشمية" التي ألهت بعض الصعاليك،
و"البيانية" التي ألهت عليا، و"الناووسية" التي قالت أن جعفر الصادق عليه
السلام لم يمت. على أن هذه الفرق قد تلاشت ثم أندرست تماما ولم يعد لها
وجود مما يدل أنها كانت من فعل المندسين بأغراض ومقاصد مشبوهة انتهت
بانتهاء عصرها وأصحابها.

أما في الوقت الحاضر فإن الفرق التي تسلك بها مراجع الملل والنحل مسلك
الباطنية الغلاة وتجعل منها امتدادا للفرق السابقة في الباطنية والغلو،
يمكن حصرها في ثلاث فرق تفرعت منها عدة فروع وشعب.

الإسماعيلية:

المنسوبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام، وهم الذين أحلوا
شرب الخمر وغير ذلك من الكبائر والمنكرات وقالوا إنه لا يجوز لله أن يأمر
بشي ثم ينسخه. وتعتبر فرقة القرامطة التي تنسب إلى رجل يقال له حمدان قرمط
أحد الفرق المتفرعة عن الإسماعلية. وحمدان قرمط هذا هو أحد أتباع عبد الله
بن ميمون القداح الذي اتخذ المذهب الإسماعيلي عقيدة والذي أفرزت جهوده
ومجهوداته المشبوهة المذهب الفاطمي والمذهب القرمطي حتى ذهب بعض المستشرقين
إلى اعتبار الفاطميين والقرامطة طائفة واحدةوأسمه . وقد ظهرت الإسماعيلية
كحركة سياسية في اليمن حين استطاع أحد دعاتها الحسين بن حوشب أن يجمع حوله
بعض المؤمنين بالمذهب من بين قبائل اليمن وأن يؤسس أول دولة إسماعيلية في
التاريخ ولقب نفسه منصور اليمن ومعه رفيقه في الدعوة وفي قيادة الجيش علي
بن فضل الصليحي الذي أدعى النبوة وأعفى أنصاره من الصوم والصلاة والحج.

(البهرة): وهم إسماعيلية الهند (في الوقت الحاضر) وينتسبون إلى الإسماعلية
المستعلية التي كان يتبعها اليمنيون في عهد الصليحيين ويسمون الطيبية نسبة
إلى الطيب ابن الخليفة الآمر أبن الخليفة المستعلي أبن الخليفة المعز لدين
الله الفاطمي . والإسماعيلية: فرق متعددة يطلب من يشاء تفصيلها في كتب
الملل والنحل.

(الأغاخانية): هي فرع من فروع الإسماعيلية أيضا ترجع أصولها العقائدية إلى
الإسماعيلية النزارية التي تنسب نفسها إلى نزار أبن الخليفة المعز لدين
الله الفاطمي وقد ظهرت هذه الفرقة في إيران في الثلث الأول من القرن التاسع
عشر الميلادي بقيادة شخص أسمه "حسن علي شاه" وهم موجودون حاليا في كينيا
وتنزانيا والهند وباكستان وفي مدغشقر والكنغو، ومركزهم في كراتشي بباكستان.


(الدروز): فرقة إسماعيلية باطنية نشأت إبان العصر الفاطمي، ويحاول أصحابها
أن يخفوا عقيدتهم عن غيرهم ويعتبرون أنهم ومنذ أكثر من ألف سنة مضت لا
يزالون في دور الستر، لذا كثر حولهم الخبط والخلط بين الصحيح من عقائدهم
والباطل المنسوب إليهم، وقد اختلف المؤرخون في نسبتها وسبب تسميتها فمنهم
من قال أنها تنسب إلى محمد بن إسماعيل الدرزي الذي يقال له "نشتكين" الدرزي
وهو أحد الداعين لتأليه الحاكم بأمر الله الفاطمي وكانت له ميول يهودية
ومجوسية، ويقال أن الدروز قتلوه، ومنهم من قال أن الطائفة تنسب إلى شخص آخر
أسمه منصور أنوشتكين الدورزي وهو أحد قواد الحاكم بأمر الله. وعلى أي حال
فالقول بألوهية الحاكم بأمر الله الفاطمي وعبادته هو ما ينسبه الكثير إلى
هذه الطائفة الباطنية التي تخفي عقيدتها. والدروز عرب خلص من قبيلة لخم
وتنوخ وليس هم كل القبيلتين التي توزعت بين السنة والشيعة الإمامية
والدروز. ويسكن الدروز حاليا بعض مناطق جبال لبنان مثل مناطق الشوف والمتن
والجنوب، ولهم مدن تاريخية مثل عبية وبعقلين والشويفات وفي سورية يكثر
الدروز في جبل حوران المعروف باسم جبل العرب، وفي جبل السماق والجبل الأعلى
وقرى قنسرين وبعض قرى انطاكية في لواء الأسكندرون، ويكثر الدروز أيضا في
بعض أقاليم فلسطين المحتلة مثل صفد وعكا وجبل الكرمل وطبرية. والدروز
يفضلون أن يطلق عليهم اسم "الموحدين" وإن كانوا لا ينكرون تلقيبهم بالدروز.

النصيريون (العلويون):

فرقة باطنية تنسب إلى أبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري الذي كان بابا
للإمام الحادي عشر عند الشيعة الإمامية وهو "الإمام الحسن العسكري" وقد
أدعى النميري هذا النبوة فتبرأ منه الإمام الحسن العسكري في رسالة البراءة
من النميري وصارت فرقته النصيرية هذه من الفرق الباطنية المغالية التي تقول
بالتناسخ والحلول وموطنهم في القطر العربي السوري وتركيا، ومن رموزهم عبد
الله بن محمد الجنان الجنبلاني، المتوفى عام 278 هـ، وتلميذه حسين بن حمدان
الخصيبي المصري، المتوفى عام 358هـ، الملقب بشيخ الدين لذكائه وسعة علمه،
وله من الكتب: الهداية الكبرى، و أسماء النبي، وأسماء الأئمة، والأخوان،
والمائدة. وقد فرض النصيريون السرية على مذهبهم وجعلوها جزء من المذهب، ومن
هنا كان التطرق لعقيدتهم ليس بالأمر اليسير، وقد ذهب بعض المؤرخين في
الملل والنحل إلى القول بأن العلويين ينقسمون إلى قسمين "غلاة ومعتدلين"
فأما الغلاة فهم الذين يسمونهم النصيرية، وينسب إليهم تأليه الأئمة من أل
البيت، وجعلهم للإمام علي عليه السلام قداسة إلهية، وهم يرون أن النبي مختص
بالظاهر وإن عليا مختص بالباطن، وقد تطورت عقيدة المغالين في الباطنية على
مر الزمن فألفوا ثالوثا إلهيا من علي ومحمد وسلمان الفارسي، ويتخذون من
ذلك شعارا يتكون من الحروف الثلاثة (ع م س) أو ما سموه ( سر العقد ع م س).
وهذا الثالوث يفسر عندهم ب (المعنى والاسم والباب) والمعنى هو الغيب المطلق
والاسم هو صورة المعنى الظاهر والباب هو طريق الوصول للمعنى، ولهم في
العقيدة هيكلان هيكل شبه نصراني يتمثل في التثليث وهيكل إسلامي، وهم
يحتفلون بالأعياد الإسلامية والأعياد المسيحية والأعياد الفارسية ويقدمون
النبيذ في عيد الميلاد، ومن عقيدتهم الحلول، أي إن الله تجلى للمرة الأخيرة
لعلي وأن علي يظهر بصور مختلفة ومنها صورة القمر وأن صوت الرعد هو صوت
الإمام علي، إلى غير ذلك من المعتقدات التي تخرج أولئك الغلاة عن دائرة أهل
القبلة. أما المعتدلين فكما قال عنهم أحد علمائهم وهو الشيخ عبد الرحمن
الخير "إن العلويين لم يفترقوا عن الشيعة الإمامية وليسوا غيرهم، وكل علوي
-أي من هولاء النصيرية المعتدلين- يحفظ ويعتقد ويشهد مؤمنا بالآية الكريمة
"إن الدين عند الله الإسلام:"وبقوله تعالى " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن
يقبل منه". وعالم آخر من علمائهم هو الشيخ محمود الصالح يقول في كتابه
"النبأ اليقين": ( لا ينبغي أن يعول على ما يرى في بعض مصنفات العلويين
القديمة مما يتنافى ومحض اعتقادهم بتوحيد الله، ولا يصح أن يعتبر دليلا على
إدانتهم بما دسته يد الإرجاف والإجحاف في حقول مؤلفاتهم، يعرف الجميع أنها
من مخلفات العصور الحالكة التي مرت بهم ومن مولدات غلاة الشيعة الذين
أتاحت لهم ظلمات تلك الأجيال أن يجوسوا خلال ديارهم ويملؤوها بدعا
وأضاليل). ويبدو أن من أبرز أسباب حرية الحركة التي نالها أصحاب العقائد
الكفرية الضالة بين صفوفهم هو وجود فئة من مشائخهم استسلمت للجهل وتعصبت له
وحاربت العلم وناصبته العداء وأصرت على أن العلم يتنافى مع الدين، وقد رد
عليهم أحد علمائهم المعتدلين وهو الشيخ أحمد حيدر في كتاب أسماه " ما بعد
القمر" واعتبرهم سببا في كل البدع والضلالات التي انتشرت بينهم. ولا جدال
في أن الجهل ومحاربة العلم والتمسك بالخرافات والأساطير والتعصب لذلك، هي
أول درجات التطرف والانحراف والزندقة في الكثير من الطوائف والمجتمعات
القديمة والحديثة. ومهما يكن من أمر فإن كل تلك الأصوات المعتدلة الضعيفة
الخافتة إن وجدت حقا بين النصيريين لا يمكن أن تخرجهم من سلك الباطنية
الغلاة الخارجين عن دائرة أهل القبلة قبل أن يطرحوا معتقداتهم شكلا ومضمونا
على المسلمين وينشروها ويفتحوا باب الفهم والتفاهم والحوار مع غيرهم خارج
إطار التستر والانغلاق والشك.

موقف الإمام علي كرم الله وجهه وأعلام سلالته من الغلاة والنواصب:

لقد تفرعت من فرق الباطنية الغلاة الرئيسة، فرق كثيرة ولكل فرقة أقوال
متعددة ، في مسائل مختلفة ليس هنا محل بسطها، وذلك تصديقا لقول الإمام علي
عليه السلام: هلك في اثنان: محب مغالي يصفني بما ليس في ومبغض قالي يدعوه
شنآني إلى أن يبهتني (أي يتهمني بالباطل ويجرحني ) وكان الإمام جعفر الصادق
بن محمد الباقر عليه السلام يقول: "يا شيعتنا كونوا عونا ولا تكونوا عارا
علينا، أحبونا حب الإسلام ولا تحبونا حب الأصنام". وفي مقابل هولاء
الباطنية الغلاة فرق من النواصب الذين وصل بهم بغض الإمام عليه السلام إلى
حد تكفيره ولعنه وذريته على المنابر والعياذ بالله وإلى ظلمه والتنكيل
بذريته ومحبيه وقهرهم والطعن في أنسابهم، وهو الإمام الذي قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا
منافق" وقال صلوات الله وسلامه عليه عن أهل بيته الطاهر ذرية علي وفاطمة
الزهراء رضي الله عنهم وأرضاهم " لا يبغض أهل بيتي والأنصار إلا أحد ثلاثة:
أما منافق أو لزنية أو لغير طهر). وبين هولاء وأولئك أمة وسطا أنعم الله
عليها بمحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومحبة أهل بيته وصحابته
وصالحي أمته في كل عصر وجيل ومحبة المسلمين أجمعين والدعوة إلى الله
بالحكمة والموعظة الحسنة والسعي إلى جمع شمل المسلمين وإزالة أسباب الشقاق
والنزاع بينهم جعلنا الله من هذه الأمة الصالحة المرحومة إن شاء الله.

الفرقة الثانية (الشيعة الإمامية أو الإثناعشرية):

ويمثلون أكثر من ثلثي سكان إيران ونصف سكان العراق ومئات الآلاف من سكان
لبنان وبضعة ملايين في الهند وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية وباكستان
وأفغانستان ومئات الآلاف في أفريقيا ودول الخليج العربية. وهم فرق متعددة
لكن أشهرها وأكثرها عددا وتأثيرا وانتشارا هي الفرقة الإمامية الاثناعشرية
الجعفرية، وسموا بالإمامية لأنهم من القائلين بوجوب الإمامة في أهل البيت
عليهم السلام، وسموا بالاثناعشرية لأنهم يؤمنون باثني عشر إماما متتابعين
هم : علي بن أبي طالب، الحسن بن علي بن أبي طالب، الحسين بن علي بن أبي
طالب، علي زين العابدين بن الحسين، محمد الباقر بن علي زين العابدين، جعفر
الصادق بن محمد الباقر، موسى الكاظم بن جعفر الصادق، علي الرضا بن موسى
الكاظم، محمد الجواد بن علي الرضا، علي الهادي بن محمد الجواد، الحسن
العسكري بن علي الهادي، محمد المهدي بن الحسن العسكري. رضي الله عنهم
أجمعين. وسميت هذه الفرق بالجعفرية أيضا لأنها تستمد أمور دينها من فقه
الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام، وهو بالمعنى العام أمام
لجميع المسلمين مباشرة أو بالسند المتصل فهو شيخ أبي حنيفة ومالك والأوزاعي
ومن ثم فهو شيخ مشائخ الشافعي وابن حنبل، وكان عليه السلام من ذوي الرأي
الصائب والفتوى الصالحة، غزير العلم واسع المعرفة والإطلاع راجح العقل نافذ
البصيرة وافر الحكمة كامل الأدب زاهدا ورعا متسامحا بعيدا كل البعد عن
الغلو والتطرف ، وهو أمام من أكبر أئمة المسلمين قاطبة، وأول هاشمي جمع
الله له الانتساب إلى الأربعة السابقين إلى الإسلام ، وفي مقدمتهم جده رسول
الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم جده لأبيه علي بن أبي
طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه وأرضاه وهو أول من أسلم من الشباب، ثم
جده لأمه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو أول من أسلم من الكهول (فالصديق
رضي الله عنه جد الإمام الصادق من جهة الأم حيث أن أم سيدنا جعفر الصادق هي
بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأمها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر
الصديق، لذا فقد كان الصادق رضي الله عنه يقول: ولدني الصديق مرتين) ثم
جدته أم المؤمنين خديجة الكبرى بنت خويلد رضي الله عنها وهي أول من أسلم من
النساء.

{ والاثناعشرية في حقيقة أمرها وروح عقيدتها بعيدة عما تورطت فيه فرق شيعية
كثيرة، فهم يبرأون من المقالات التي جاءت على لسان بعض الفرق ويعدونها
كفرا وضلالا. وهم كما يقول السيد كاشف الغطاء " ليس دينهم إلا التوحيد
المحض وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق، أو ملابسة لهم في صفة النقص
والإمكان والتغيير والحدوث، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية إلى غير
ذلك من التنزيه والتقديس وبطلان التناسخ والاتحاد والحلول والتجسيم"}.
(ع1)

ومن الفوارق الرئيسة بين أهل السنة والإمامية الاثني عشرية:

باب الاجتهاد عند الاثني عشرية لا يزال مفتوحا وللمجتهد أن يبدي رأيه
واجتهاده، وأن يأخذ به من شاء ما دام متفقا مع الكتاب والسنة متمشيا مع
المعقول ولهم شروطهم في المجتهد. بينما باب الاجتهاد المطلق مقفل بعد أئمة
المذاهب الأربعة عند أغلب أهل السنة.

الإمامة يعتبرونها ركنا ثابتا من أركان الإسلام وثوابته ويعتبرون الإمامة
منصب إلهي كالنبوة يختار الله الإمام بمشيئة كما يختار أنبيائه والإمام في
عقيدتهم معصوم من الخطأ كالنبي إلا أن الإمام لا يوحى إليه والإمام دون
النبي وفوق البشر العاديين. وهذا المعتقد من أبرز معتقداتهم التي يتمسكون
بها. ويعتقدون الإمامة محصورة في الأئمة الاثني عشر من أهل البيت الذين مر
ذكرهم، وكل إمام سابق لا بد أن ينص على اللاحق. ويعتقدون بأن للإمام الثاني
عشر المستور محمد المهدي القائم بالحجة ابن الإمام الحسن العسكري، غيبتان
صغرى عاد منها وكبرى حدثت عام 327 من الهجرة لم يعد منها. ولذا فهم لا
يزالون ينتظرون عودته لكي يظهر فيملأ الأرض عدلا بعد أن مليت جورا، ويدعون
في ختام كل صلاة بأن ييسر الله فرجه ويعجل مخرجه. ويعتبرون الفقيه الحجة في
كل جيل عندهم هو نائب الإمام المهدي حيث يقوم النواب بالتهيئة علميا
وسلوكيا وسياسيا في كل جيل لظهور الإمام المهدي.

لا يقبل الاثناعشرية أي حديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله إلا
إذا كان مرويا عن طريق أهل البيت عن جدهم علي بن أبي طالب، أما ما عدا ذلك
من الأحاديث والرواة فأنهم غير معتمدين أو مقبولين عند الاثني عشرية على
الإطلاق.

لا يأخذ الإمامية الاثنا عشرية بالقياس كمصدر من مصادر التشريع وهو الذي
أخذ به الكثير من علماء السنة، وينسبون إلى بعض أئمتهم القول بأن الشريعة
إذا قيست محق الدين. ويروون عن الإمام جعفر الصادق القول لأبي حنيفة: لا
تقس يا أبا حنيفة، فإن أول من قاس الشيطان قال "خلقتني من نار وخلقته من
طين".

الخمس: الزكاة عند الإمامية الاثني عشرية فريضة كما هي عند السنة وزكاة
الفطر واجبة، لكن هناك زكاة أخرى عند الإمامية الاثني عشرية وهي خمس كل دخل
عام أو خاص، ويعتبرون هذا الخمس حقا فرضه الله لآل محمد عوضا عن الزكاة
والصدقة التي حرمها الله عليه، ويقسمون الخمس ستة أسهم: ثلاثة منها تدفع
للإمام - أي المهدي - إن كان ظاهرا - ولنائبه "وهو الإمام المرجع العادل
الزاهد المجتهد" إن كان المهدي لا زال في الغيبة، والثلاثة الأسهم الباقية
توزع على الفقراء والمحتاجين من بني هاشم.

زواج المتعة: ويسمى أيضا "عقد الانقطاع" وهو زواج مؤقت والعقد فيه مؤقت
بأجل محدود إلا أن المتمتع بها -بفتح التاء الثانية- يجب أن تعتد بحيضة بعد
نهاية كل عقد تمتع وقبل أي عقد جديد وله شروط وقواعد وضوابط عندهم،
والاثنا عشرية قد انفردت بالقول بجواز مشروعية هذا الزواج من بين سائر
المسلمين.

الاعتقاد بأن إمامة وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان باطلة، ولا يعترفون بإمام
أو خليفة للمسلمين غير الإمام علي وبقية الأئمة الاثني عشر حسب تسلسلهم.
ومن هذا سموا بالرافضة "أي الذين يرفضون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله
عنهم" وبعض جهالهم يلعن الخلفاء الثلاثة والكثير من الصحابة وينال من أم
المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، لكن علمائهم في الغالب
يذكرون أسماء الخلفاء الثلاثة مجردا وبعضهم يترضى عنهم عند ذكرهم ويكنون
كل الاحترام للسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

الرجعة: تقول الإمامية الاثني عشرية برجعة الإمام الثاني عشر محمد المهدي
القائم بالحجة، ويسمى عندهم بالمهدي المنتظر، وقد أشرنا إلى ذلك عند الحديث
عن الإمامة.

التقية: معناها المداراة، وأكثر فرق الشيعة تقول بها، وهي أن يحافظ الشخص
على ماله وعرضه وعقيدته بالتظاهر باعتناق عقيدة لا يؤمن بها ولا يعترف بينه
وبين نفسه وأهل طائفته بصحتها.

البداء : هو الظهور بعد الخفاء، وهو منزلة في التكوين عند الشيعة الإمامية
كمنزلة النسخ في التشريع ذلك أن القضاء على ضربين مبرم ومعلق. وتعريف
البداء هو أن يقضي الله أمرا ثم يبدو له ما هو أفضل منه.

الفرقة الثالثة (الزيدية أو المفضلة):

ينسبون إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ولد الإمام زيد عليه السلام بالمدينة المنورة عام 80 من الهجرة وقتل
بالكوفة عام 122 من الهجرة وعمره لا يتجاوز الثانية والأربعين. أمه "أم
ولد" سندية الأصل، أهداها المختار الثقفي إلى أبيه، أخذ علوم الدين عن أبيه
علي زين العابدين ثم عن أخيه محمد الباقر عليهم السلام، ثم سافر إلى
البصرة حيث التقى بواصل بن عطاء، ويقول المعتزلة أنه أخذ عن واصل، أصول
الدين وعلم الكلام ومن هنا جاء اللقاء بين الزيدية والمعتزلة. ولقد تكررت
زيارات الإمام زيد عليه السلام للعراق مما أثار عليه الخليفة الأموي هشام
بن عبد الملك الذي قال له بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست
هناك وأنت أبن أمه. قال زيد: إن لك جواباً. قال هشام: تكلم. فقال الإمام
زيد: إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع درجة من نبي ابتعثه، وقد كان إسماعيل
ابن أمه وأخوه من أم صريحة فاختاره الله تعالى وأخرج منه خير البشر. فقال
هشام: أخرج. فقال الإمام زيد: أخرج ثم لا أكون إلا حيث تكره. نصح الإمام
جعفر الصادق عليه السلام وكثير من أهل البيت رضي الله عنه الإمام زيد، بعدم
الركون إلى أهل الكوفة الذين غدروا بجده علي وحاولوا قتل عم أبيه الإمام
الحسن بن علي طعنا، وتخلوا عن جده الحسين بعد أن شاركوا في قتل أبن عمه
مسلم بن عقيل بن أبي طالب، بل انظم معظم من دعا الحسين منهم للخروج مع
الجيش الذي قاتله وفتك به وبالجم المبارك من أبناء العلويين الكرام ، ولكن
الإمام زيد آثر الخروج قائلا: من لم يقتل منا بحد السيف فسيموت أسى وكمدا.
وقد بايعه أكثر من ستة عشر ألفا وقيل أربعين ألف من أهل الكوفة، لكنهم
جادلوه في أبي بكر وعمر فقال المتحدثون عنهم له: إننا نصرك على أعدائك بعد
أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب. فقال
الإمام زيد: لا أقول فيهما إلا خيرا، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيرا
وإنما خرجت على بني أمية الذين قاتلوا جدي عليا وقتلوا جدي الحسين وأغاروا
على المدينة يوم الحرة ثم رموا بيت الله بحجر المنجنيق والنار. ففارقه بسبب
هذا الموقف العظيم وذلك الأدب النبوي الرفيع الذي ينتظر من مثله، الغالبية
المطلقة من أهل الكوفة كسابق تفرقهم عن جده علي وجده الحسين. فقال لهم:
اذهبوا فأنتم الرافضة، وقد ثبت مع زيد عدد قليل من أنصاره لا يتجاوز
المائتين. فقاتل رضي الله عنه ومعه أنصاره قتال الأبطال حتى أصابه سهم في
جبهته وحين انتزعه كان في نزعه منيته في كناسة الكوفة يوم 25 محرم عام 122
من الهجرة ودفنه أبنه يحي وأخفى مكانه بوضع الزرع عليه، لكن هناك من دل
العدو عليه فنبش قبره وصلبه على جذع نخله بعد أن احتزت الرأس وطيف به في
دمشق والمدينة وظل مصلوبا سنين حتى عهد الوليد بن يزيد الذي أمر بإنزال
الجثة وإحراقها وذر رمادها في النهر.

ومجمل أقوال وأراء الإمام زيد تتلخص في:

الخروج على الأئمة الظلمة، شريطة أن يكون الخروج بقيادة إمام من أهل البيت
حسنيا أو حسينيا يكون عالما عاملا زاهدا ذا خلق وتقوى وحكمة ورجاحة عقل،
وإذا قتل الإمام يقوم بعده من له مثل صفاته ومؤهلاته، وأقل مقدار أن يكون
معه عدد كعدة أهل بدر. وجعل الخروج شرطا من شروط الإمامة، وقد خالفه في ذلك
أبن أخيه الإمام جعفر الصادق وقال له: "بمقتضى قضيتك والدك ليس بإمام فإنه
لم يخرج قط ولا تعرض للخروج" .

جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل: ورغم أنه يرى أن يكون الإمام من أهل
البيت إلا أنه يرى أيضا جواز ولاية المفضول مع وجود الأفضل وبذلك أقر
بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم رغم اعتقاده بأن الإمام علي افضل
منهم، لكنه يرى أن على الإمام المفضول أن يرجع إلى الأفضل في الأحكام
ويحكم بحكمه في القضايا.

جواز خروج إمامين في قطرين متباعدين يستجمعان شروط الإمامة: وذلك في حال
تعذر وصول دعوة الإمام الأول إلى القطر الثاني على أن تتوفر في كل منهما
شروط الإمامة حتى إذا انتصرت الدعوة واتسعت الرقعة إلى أن يتقارب القطران
فان الأمر يكون لأسبقهما إلى الدعوة فإن لم يعرف الأسبق كان الأمر للأكفأ.

الأخذ بأقوال المعتزلة في: المنزلة بين المنزلتين، وحرية الإرادة، وقد ذكر
ذلك كثير ممن كتبوا عن الزيدية كالدكتور أحمد محمد صبحي، في كتابه
"الزيدية" وغيره، وإن كنا نتحفظ في أن يكون الإمام زيد قال بالأولى، أو أن
تكون عقيدته في مسألة حرية الإرادة مطابقة تماما لعقيدة المعتزلة.

رفض وإنكار بعض معتقدات وأقوال الشيعة الإمامية: كالبداء، والتقية، وعصمة
الأئمة عدا أهل الكساء الخمسة وهم " النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين"،
ورفض القول بالرجعة بالنسبة للمهدي.

{ويعد الإمام زيد عليه السلام أول من دون في الفقه بين جميع المذاهب
الإسلامية في وقت لم يكن التدوين قد بدأ، وقد أقام فقهه على الحديث والرأي
معا. ولم يقتصر على أحاديث أهل البيت فقط بل كان يروي عن غيرهم كجابر
الأنصاري ومحمد بن أسامة بن زيد. وتنسب إلى الإمام زيد عدة مؤلفات منها
كتاب تفسير الغريب وكتاب الحقوق وكتاب المجموع في الحديث وكتاب المجموع في
الفقه. والأخيران عمادا الحديث والفقه لدى الزيدية، جمع كتابي المجموع أبو
خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد وثقه أئمة الزيدية وعلماؤها وبعض علماء
الحديث لدى أهل السنة كابن ماجة والدار قطني بينما جرحه علماء الإمامية
وبعض علماء أهل السنة كابن حنبل واسحق بن راهوية} . (ع2)

وقد تفرقت الزيدية إلى ثلاث فرق رئيسة:
الصالحية أو البترية. السليمانية وتسمى أيضا الجريرية. الجارودية.

الصالحية أو البترية:

أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمذاني (100 - 168 هـ) المكنى بأبي عبد الله،
وكثير النواء، والأبتر. له كتب منها التوحيد وكتاب إمامة ولد علي من فاطمة
وكتاب الجامع في الفقه وأهم أراءه:
1 ) جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل.
2 ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3 ) إنكار التقية.

السليمانية وتسمى أيضا الجريرية:

أصحاب سليمان بن جرير الرقي، كان تابعا للإمام جعفر الصادق ثم انفصل عنه
ولحق بالصالحية فوافقها في أمور واختلف معها في أخرى. وأهم أراءه:
1 ) الإمامة: شورى بين الخلق ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من المسلمين، وتصح
للمفضول مع وجود الأفضل، وتعتبر صرف الخلافة عن علي لأبي بكر ثم عمر خطأ
اجتهاديا لكنه كان يكفر سيدنا عثمان لما أحدثه من أحداث في اعتقاده ويكفر
من حارب الإمام علي.
2 ) إنكار البداء.
3 ) إنكار التقية. وكان سليمان لا يوافق المعتزلة في أن الصفات هي عين
الذات وأن علم الله هو الله، بل كان يقول أن علم الله لا هو ولا هو غيره.

الجارودية:

أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد المنذر الهمذاني المتوفى عام 150 أو
160 هـ. وكان من اتباع الإمام محمد الباقر ثم أبنه جعفر الصادق ثم تركهما
ولحق بالزيدية. وقد افترقت الجارودية فرقتين، الأولى تقول: إن عليا نص على
إمامة الحسن وإن الحسن نص على إمامة الحسين ثم هي بعد ذلك شورى في ولد
الحسن والحسين. والثانية تقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نص
على الحسن بعد علي وعلى الحسين بعد الحسن واحدا بعد الآخر. كما افترقت
الجارودية في مسألة أخرى ثلاث فرق: فرقة زعمت أن محمد بن عبد الله بن الحسن
(النفس الزكية) لم يمت وأنه يخرج ويغلب وأخرى زعمت أن محمد بن القاسم بن
علي بن عمر صاحب الطالقان حي لم يمت وإنه يخرج ويغلب. وثالثة قالت مثل ذلك
عن يحي بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي. وأهم أراء الجارودية هي
1 ) النص على إمامة علي بالوصف دون التسمية، وإن الأمة قد ظلت بتنصيب أبي
بكر ومن بعده عدا الإمام علي. وأن الإمامة مستحقة في أولاد الحسن والحسين
ومن تخلف عن بيعة الإمام فهو كافر.
2 ) الخروج: كل إمام من أولاد فاطمة دعا لنفسه فهو الإمام المفروض الطاعة.
3 ) العلم: إن علم ولد الحسن والحسين كعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يحصل لهم قبل التعلم فطرة وضرورة وهم متساوون في العلم منذ المهد.



يتبع

descriptionالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة Emptyرد: المدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة

more_horiz

ومن ثم فإن معالم المذهب الزيدي بوجه عام تتحدد في:

) وجوب الخروج على الإمام الظالم على أن تكون الإمامة فيمن دعا لنفسه من
أبناء الحسن أو الحسين بن علي بن أبي طالب وتتوفر فيه شروط الإمامة التي
حدودها في مذهبهم بشكل مفصل.
2) الإمام علي بن طالب كرم الله وجهه، هو أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعلم الصحابة.
3) جواز ولاية المفضول مع وجود الأفضل وبناء على ذلك اعترفوا بخلافة
الشيخين أبو بكر وعمر وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهم أجمعين مع وجوب
إن يأخذ الإمام المفضول في القضايا والأحكام بقول الأفضل وحكمه.
4) القول بمذهب المعتزلة في أصول العقيدة. أما في الفروع فهم أقرب إلى مذهب
الإمام أبي حنيفة النعمان، وأقرب إلى الإمامية في محبة أهل البيت.

والزيدية كمذهب معروف لم يعد موجودا إلا في اليمن . وقد أسس المذهب الزيدي
في اليمن: الهادي إلى الحق/ يحي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل
بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي ولد بالمدينة
المنورة عام 245 هـ وأخذ العلم عن أبيه الحسين وكان محدثا وعن عمه محمد.
فقد طلب بعض رؤساء القبائل في اليمن مقدمه من بلدته "الرس" القريبة من
المدينة المنورة. وكان قد خطب له بالإمامة في مكة المكرمة سبع سنين، فذهب
إلى نجران وصعدة عام 280 هـ، وقد أعانه عامل صنعاء من قبل العباسيين أبو
العتاهية عبد الله بن بشر، على دخول صنعاء، ولكن أهلها خذلوه لأنه حرم
عليهم الفساد والمنكرات وألزمهم الزكاة، فترك اليمن عائدا إلى الحجاز، ولكن
قبائل اليمن المتصارعة ألحت عليه في العودة فعاد إلى صعدة عام 284 هـ،
ودخل صنعاء ليلة الجمعة 21 محرم عام 288 هـ وخطب له بالإمامة على المنابر،
وأرسل ولاته على المخاليف والكور، ولكن الأمر لم يستقر له إذ خرجت عليه بعض
القبائل سواء لأنه منعهم المنكرات أو مناصرة منهم لآل يعفر ولاة بني
العباس، على إن أعنف المعارك وأشرسها ما كانت بينه وبين القرامطة وداعيتهم
في اليمن آنذاك علي بن الفضل حتى يقال أنه كانت بينهما أكثر من سبعين معركة
خلال خمس سنوات، وقد أصيب بجراح في القتال واستمر ابنه أحمد في حربهم من
بعده سبعا وعشرين عاما، وقد توفي الإمام الهادي إلى الحق يحي بن حسين
مسموما في 20 من ذي الحجة عام 298 هـ، ودفن بصعده. وكان داعيا إلى حكم
إسلامي على المذهب الزيدي. وكان في دعوته الناس إلى مبايعته يشترط على نفسه
أربعة شروط:

- الحكم بكتاب الله وسنة نبيه، - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، - أن
يؤثر أتباعه على نفسه فلا يتفضل عليهم، وأن يقدمهم عند العطاء قبله، - أن
يتقدمهم عند لقاء عدوه وعدوهم.

واشترط لنفسه عليهم شرطين:

- الطاعة لله في السر والعلن - الطاعة له في كل الحالات ما أطاع الله فيهم،
فإن خالف فلا طاعة له عليهم، وإن مال أو عدل عن كتاب الله فلا حجة له
عليهم.

وكان الهادي ورعا تقيا زاهدا شديدا في الحق متمسكا بتعاليم سنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في حروبه وسلمه.

الــمــعــتــزلــة:

تعددت الأقوال في نشأة المعتزلة وسبب تسميتهم بين المؤرخين والباحثين، فذهب
فريق إلى القول بأن واصل بن عطاء الغزّال، راس المعتزلة، كان تلميذا للحسن
البصري وكان حاضرا حلقته الدراسية في مسجد البصرة حين تقدم رجل يسأل الحسن
عن رأي الدين في مرتكب الكبيرة فأجابه بأنه عاص ولكن واصل قال إن مرتكب
الكبيرة ليس بكافر مطلق ولا بمؤمن مطلق بل هو في منزلة بين المنزلتين،
واعتزل منذ ذلك اليوم حلقة أبي سعيد الحسن البصري وانشأ له حلقة مستقلة في
المسجد يشرح فيه أقواله وراءه فسمي هو وأتباعه بالمعتزلة منذ ذلك اليوم

وذهب فريق ثان إلى القول إلى أن التسمية جاءت مما اشتهر به أعلام تلك
الفرقة من الاعتزال عن مفاتن الحياة وملذاتها والعكوف في محاريب الفكر
والبحث العلمي

ومنهم من قال: إن السبب هو عزل تلك الفرقة لمرتكب الكبيرة من مجموع المؤمنين والكافرين

وقال آخرون: إنه حين تخلى الحسن السبط عن الخلاقة لمعاوية اعتزل الفريقين
جماعة من المسلمين ولزموا مساجدهم يشتغلون بالعلم والعبادة وكانوا قبل ذلك
مع علي حيثما كان وهم أصل المعتزلة.

ويقال أن أول من قام بالاعتزال: أبو هاشم عبد الله والحسن أبنا محمد بن
الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ثم أخذ الثاني - أي الحسن بن
محمد بن الحنفية- يرد على الخوارج في مسألة الإيمان ويقول "الإيمان هو
الكلمة والعقد دون الأعمال" فسمي هو وجماعته "مرجئة العمل" لتأخيرهم العمل
عن الإيمان، وظهرت منهم طائفة أخرى تقول " لا يضر مع الإيمان معصية" وهم
"مرجئة البدعة".

والراجح المشهور في هذا الأقوال أن واصل بن عطاء بعد أن أخذ الاعتزال عن
أبي هاشم عبد الله بن محمد بن (الحنفية) السابق ذكره، كان يحضر في مجلس
الحسن البصري، وقد ذكرت مسالة الإيمان في المجلس فبادر واصل إلى القول: بأن
الكافر المجاهر والمؤمن المطيع لا خلاف في تسميتهما كافرا ومؤمنا، ومرتكب
الكبيرة حيث كان موضع اختلاف في إطلاق أحدهما عليه، ونحن نأبى إطلاق هذا
وذاك عليه ونقول فيه إنه فاسق أخذا بما اتفقوا وهجرا لما اختلفوا.كأنه يريد
التوسط بين الخلافين واستمالة الفريقين إلى رأيه، لكنه في المعنى مع
الخوارج لأنه يرى الخلود في النار لمرتكب الكبيرة. فلم يرتض الحسن البصري
كلامه فانسحب واصل من المجلس واخذ ينشر مذهب الاعتزال والأصول الخمسة مع
صاحبيه عمرو بن عبيد وبشر بن سعيد، فقال الحسن البصري "اعتزلنا واصل وصحبه"


وعن عمرو وبشر، أخذ بشر بن المعتمر وأبو الهذيل، وبأبي الهذيل تخرج أبو بكر
بن عبد الرحمن بن كيسان الأصم، وإبراهيم النظام، وهشام الفوطي، وعلى بن
محمد الشحام.

وعن النظام أخذ الجاحظ وابن أبي دواد - ولم يدركا واصلا كما ظن العض- وعن
أبي بكر بن عبد الرحمن بن كيسان الأصم: انتشر الاعتزال ببغداد حيث أخذ عنه
موسى بن صبيح وعنه جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر وعنهما محمد بن عبد الله
الإسكافي.

وعن الشحام أخذ الجبائي وعنه أبنه أبو هاشم.

وأخذ عن الفوطي عباد بن سليمان. فهولاء هم قادة الاعتزال.

وأول من عرف بالقول بخلق القرآن من المعتزلة، "الجعد بن درهم" وعنه أخذ جهم
بن صفوان ذلك وضمه إلى بدعه التي قام بإذاعتها ومنها نفي الخلود في النار
الذي ذهب إليه أبن تيمية بعد ذلك بقوله بفناء النار.

ويذهب الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقدمته على التبيين إلى القول:
{والمعتزلة -على الضد من الحشوية بخط مستقيم- أنتجهم البحث العلمي، وساقهم
شره عقولهم إلى محاولة اكتناه كل شي، وعداؤهم الأصلي نحو الجمود وخطتهم دفع
الآراء المتسربة من الخارج إلى الإسلام، بحجج دامغة وأدلة عقلية مفحمة
ولهم مواقف شريفة في الدفاع عن الدين الإسلامي إزاء الدهريين ومنكري النبوة
والثنوية واليهود والنصارى والصابئة وأصناف الملاحدة. وترى الذهبي يترحم
على الجاحظ في سير النبلاء حين يذكر كتابه في النبوة، ولم نر ما يقارب كتاب
"تثبيت دلائل النبوة" للقاضي عبد الجبار في قوة الحجاج وحسن الصياغة وفي
دفع شكوك المشككين، وليس بجيد الإعراض الكلي عن كتبهم وكم فيها من الفوائد
التي لا تزال في أثوابها القشيبة لم تبل بكرور الزمن عليها، إلا أنهم لكثرة
اشتغالهم بمناظرة الخصوم عدت منهم إلى عقولهم آراء ابتعدوا بها عن الصواب
وانغمسوا في بدع ردها الأصحاب. قال الخطابي في معالم السنن " كان المعتزلة
في الزمان الأول على خلاف هذه الأهواء وإنما احدثها بعضهم في الزمان
المتأخر}.

أصول المعتزلة الخمسة هي باختصار على النحو التالي:

التوحيد: والتوحيد هنا المقصود به توحيد الذات والصفات، حين نفوا أن يكون
لله صفات أزلية من علم وقدرة وحياة وسمع وبصر، غير ذاته، فقالوا: بل هو
عالم قدير حي سميع بصير بذاته وليس بصفاته، وقالوا أن وجود صفات قديمة لله
تعالى إنما هو قول بالتعدد.

العدل: والمعنى هنا استحالة ما يعتقده العقل بشري ظلما على الله تبارك
تعالى. بمعنى أن الله سبحانه وتعالى عادل، وأن عدله اقتضى أن يجعل الناس
يخلقون أفعالهم، أما هو فلا يخلق تلك الأفعال. وما دام الإنسان يخلق أفعاله
فهو مسئول عنها من خير وشر، يثاب لفعله الخير ويعاقب لفعله الشر وجوبا.

المنزلة بين المنزلتين: مرتكب الكبيرة لا هو مؤمن مطلق ولا كافر مطلق بل هو في منزلة بين المنزلتين لا يتحول عنها.

الوعد والوعيد: الوعد بالثواب لفاعل الخير والوعيد بالعقاب للعاصي وقبول
توبة التائب في الحياة أمور نافذة وجوبا، وبذلك في اعتقادهم لا يكون عفو
بغير توبة، وفاعل الخير لا بد أن ينال الثواب وجوبا

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف في نظرهم هو التمسك بعقيدتهم
والدفاع عنها في المقام الأول وعكسه المنكر، ومن هذا الفهم للمعروف والمنكر
اشتط بهم الأمر إلى حد الاستعانة بالخلفاء الذين اعتنقوا فكرهم في نشر ذلك
المذهب حتى بالقسوة والقهر والتنكيل كما حدث مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه
الله وغيره من العلماء في محنة خلق القرآن.

خلق القرآن: المعتزلة ينفون أن تكون لله صفاتاً نفيا مطلقا، ويقولون أن
صفاته هي ذاته، فلا يعتقدون بأي صفة قديمة لله سبحانه وتعالى، ولذلك سماهم
أهل السنة "المعطلة" لأنهم يعطلون الله عن صفاته مخالفين بذلك جمهور أهل
السنة - الأشاعرة والماتريدية- الذين يعتقدون بأن لله جلت قدرته صفات لا هي
ذاته ولا هي منفصلة عنه كالحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر
والكلام. ولأن القرآن كلام الله جلت قدرته، والكلام صفة قديمة من صفات الله
في عقيدة أهل السنة، ولأن المعتزلة ينكرون الصفات القديمة جملة وتفصيلا،
قالوا من هذا المنطلق أن القرآن مخلوق من مخلوقات الله وليس قديما، مخالفين
بذلك أهل السنة الذين يقولون بأن القرآن - كلام الله- قديم أزلي من منطلق
اعتقادهم بأن الكلام صفة قديمة من صفات الله ليست هي ذاته وليست هي منفصلة
عنه. لقد نادى بشر المريسي "المعتزلي" بخلق القرآن في عهد الخليفة العباسي
هارون الرشيد فهدده الرشيد بالقتل أن استمر في قوله بخلق القرآن مما جعله
يعيش متخفيا لعشرين سنة متصلة. وكان بشر المريسي تلميذا لأبي يوسف تلميذ
الإمام أبي حنيفة، لكن أبا يوسف غضب على بشر بسبب قوله بخلق القرآن وطرده
من مجلسة. وعند تولي المأمون العباسي الذي كان تلميذا لأبي هذيل العلاف
"المعتزلي" الخلافة، كان على عكس أبيه. فهو ممن يقول بخلق القرآن ويتعصب له
ويدعمه في ذلك كبير قضاته أحمد بن أبي داود، وكان المامؤن يعزل من حكومته
من لا يقول بخلق القرآن ويأمر بسجن واضطهاد كل عالم لا يقول بذلك والتنكيل
به، وكان ممن وقع عليه الأذى من العلماء في عهد المأمون واستشهد بسبب رفضه
القول بخلق القرآن الفقيه محمد بن نوح، أما الإمام أحمد بن حنبل فقد وقع
عليه من جراء تلك الفتنة أذى شديد فسيق في الحديد ومزق الخليفة المعتصم
جسمه بالسياط وظل الحال كذلك في عهد الواثق أبن المعتصم ومن بعده حتى عهد
المتوكل العباسي الذي فك قيود الفقهاء وترك القول بخلق القرآن.

ولا جدال في إن تلك الحقبة التي استعدى المعتزلة فيها معتنقي مذهبهم من
السلاطين والحكام على مخالفيهم في الفكر والاجتهاد والعقيدة قد مثلت نقطة
سوداء في تاريخ الاعتزال، وألغت أي فارق بينهم وبين الخوارج وأهل التعصب
والجمود والمدارك السطحية الضيقة. لأن صاحب الفكر الجاد العميق والبحث
العلمي المجرد يتسامى عن فرض نتاج بحثه واجتهاده على غيره من العلماء
والباحثين والعامة بقوة القهر وجبروت السلطان. لقد رفض الإمام مالك بن أنس
رحمه الله بشدة – على سبيل المثال- عرض الخليفة أبي جعفر المنصور العباسي
عليه بأنه سيفرض كتابه الموطأ على المسلمين كافة علماء وعامة، وقال مالك
قولته العظيمة الشهيرة "كل يؤخذ من كلامه ويترك ويرد عليه إلا صاحب هذا
القبر" مشيرا إلى قبر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. ولا يلجأ
في العادة إلى فرض اجتهاده وفكر بقوة السلطان أو بسلاح الاستبداد والإرهاب
الفكري إلا فاقد الحجة وعديم الاقتناع بفكره واجتهاده أو المريض بداء
النرجسية والغرور الذي يفرز وهما متورما لديه بأنه وأتباعه أوصياء على
الناس كافة. وهي عقد مرضية مزمنة وقعت تحت تأثيرها المدمر شخصيات مشوهة في
الماضي البعيد والقريب وابتلى به العديد من الأدعياء المحسوبين على الإسلام
والمسلمين في عالم اليوم.

الـــقـــدريـــة:

سمع معبد بن خالد الجهني في البصرة من يعلل المعصية بالقدر فقام بالرد عليه
ينفي كون القدر سالبا للاختيار في أفعال العباد وهو يريد الدفاع عن شرعية
التكاليف فضاقت عليه عبارته وقال "لا قدر والأمر أنف" . ولما بلغ ذلك ابن
عمر تبرأ منه فسمي جماعة معبد (قدرية) ودام مذهبه بين دهماء الرواة من أهل
البصرة قرونا حيث تطور عند طائفة منهم إلى حد أن جعلوا للخالق ما ينسبه
الثنوية إلى النور وإلى المخلوق ما يعزونه إلى الظلمة. وكان غيلان بن مسلم
الدمشقي ينشر بدمشق رأي معبد فطلبه عمر بن عبد العزيز ونهاه عن ذلك وكشف
شبهته فانتهى وقال "يا أمير المؤمنين لقد جئتك ضالا فهديتني، وأعمى
فبصرتني، وجاهلا فعلمتن،ي والله لا أتكلم في شي من هذا الأمر أبدا. (ع3)

فالقدرية نشأت في أول الأمر من بحث علمي كان يتجه إلى خصومة الكسل والخمول،
لكنها انحرفت نحو الثنوية من المجوسية التي صارت متأثرة بها ومشابهة لها.
(ع4)

الــجــبــريــة:

لما بدأ رأي معبد (القدري) يذيع وينشتر أخذ في الرد عليهم "جهم بن صفوان" بخراسان فوقع في الجبر ونشأ عنه مذهب الجبرية.

ولما قام الحارث بن سريج بخراسان ضد الأموية داعيا إلى الكتاب والسنة اعتضد
بجهم بن صفوان، وكان مقاتل بن سليمان ينشر هناك نحلته في التجسيم، فأخذ
جهم بن صفوان يرد عليه وينفي ما يثبته مقاتل في التجسيم فأفرط في النفي حتى
قال "إن الله لا يوصف بما يوصف به العباد"(ع5) ولم يفرق بين الاشتراك في
الاسم والاشتراك في المعنى، والممنوع هو الثاني دون الأول بشرط كونه واردا
في الشرع، لأن العلم مثلا مما ورد وصف الخالق به والمخلوق مع إنه ليس
بمشترك بينهما في المعنى لأن علم الله حضوري وعلم المخلوق حصولي. وكذلك
بقية الصفات.(ع6) وتنسب لجهم آراء منها القول بخلق القرآن ونفي الخلود،
وليس له فرقة انتمت إليه بعده، ونسبة غالب من نسب إليه من قبيل النبز
بالألقاب تهويلا لسوء سمعة الرجل بين الفرق. وآراؤه توزعت بينهم -أي بين
بعض الناس- بعد تمحيصها على حسب أنظارهم لا على ما ارتآه جهم شأن كل رأي
يشيع في الناس.

الــمــرجــئــة:

وهم مرجئة البدعة الذين يقولون بأنه لا يضر مع الإيمان معصية. وهي وليدة
نوع من البحث العلمي كانت تسعى إلى معاكسة الخوارج في المعتقد ثم تشعبت
منها آراء بعيدة عن الدين والعلم أورثت التهاون في العمل الصالح.(ع7)

الــحــشــويــة:

الحشو: هو التقول في الله بما لا يقره ولا يقبله ولا يجوزه شرع ولا عقل من
إثبات الحركة له والنقلة والحد والجهة والقعود والإقعاد والاستلقاء
والاستقرار ونحو ذلك ومن تشبيه الله بخلقه وإنه جسم محل للحوادث تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا. وهو اتجاه عقدي ضال مستمد من عقائد اليهود والنصارى
ومن معتقدات الدهريين والمجوس التي تلقاها الحشوية بالقبول، ويؤلفون في ذلك
كتبا يملأونها بالوقيعة فيمن خالفهم وتكفيره متبرقعين زورا وبهتانا بالسنة
ومعتزين إلى السلف الصالح، والسلف الصالح منهم براء.

{وكان عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس، اظهروا الإسلام
في عهد الراشدين ثم اخذوا بعدهم في بث ما عندهم من الأساطير بين من تروج
عليهم ممن لم يتهذب بالعلم من أعراب الرواة وبسطاء مواليهم فتلقفوها منهم
ورووها لآخرين بسلامة باطن معنقدين ما في أخبارهم في جانب الله من التجسيم
والتشبيه ومستأنسين بما كانوا عليه من الاعتقاد في جاهليتهم وقد يرفعونها
افتراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو خطأ. فاخذ التشبيه يتسرب إلى
معتقد الطوائف ويشيع شيوع الفاحشة ولم يكن بنو أمية كالراشدين في السهر على
معتقد المسلمين إلا فيما يمس سياستهم.كان الحسن البصري من جلة التابعين
وممن استمر سنين ينشر العلم في البصرة ويلازم مجلسه نبلاء أهل العلم، وقد
حضر مجلسة يوما أناس من رعاع الرواة ولما تكلموا بالسقط عنده قال ردوا
هولاء إلى حشا الحلقة أي جانبها فسموا الحشوية ومنهم أصناف المجسمة
والمشبهة. والحشوية أسقطهم الجهل والجمود في براثن جاهلية ورثوها من نحل
كانوا عليها قبل الإسلام، وراجت عليهم تمويهات المموهين من الثنوية وأهل
الكتاب والصابئة. لهم تقشف يخدعون به العامة، ولهم جهالات لا يتصورها عاقل،
وهم غلاظ الطباع قساة جفاه يتحينون الفرص لإحداث القلاقل، لا يظهر لهم قول
الإ عند ضعف الإسلام، ويستفحل أمر الإلحاد مع ظهور قولهم، هكذا في جميع
أدوار التاريخ. خصومتهم متوجهة نحو العقل والبحث العلمي وكل فرقة
قائمة}.(ع8)

لقد ذهب الحشوية - كما قلنا- في عدم التمييز بين الاشتراك في الاسم
والاشتراك في المعنى، إلى ما ذهب إليه الجبري المعطل جهم بن صفوان الذي لم
يفرق بين الاشتراك في الاسم والاشتراك في المعنى، والممنوع هو الثاني دون
الأول بشرط كونه واردا في الشرع

ومن هذا المنطلق اعتبروا دعاء المخلوق للمخلوق كدعاء المخلوق للخالق،
واستعانة المخلوق بالمخلوق كاستعانة المخلوق بالخالق فسموا الأول شركا
وكفرا، رغم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة تنقض جهلهم وخلطهم هذا وتؤكد
الفرق بين الاشتراك في الأسماء والصفات والاشتراك في معاني الأسماء
والصفات.


حال المسلمين قبل ظهور مذهب إمام أهل السنة والجماعة أبي الحسن في الأصول وانتشاره:



بعد أن طرأ بعض فتور على الفتوح ازداد الناس تفرغا لتلك الآراء المبثوثة (
مثل أراء الخوارج والباطنية والقدرية والجبرية والمرجئة والحشوية، وبالجملة
لمجمل الآراء صحيحها وسقيمها والمنحرف منها ومستقيمها) وتغلب على عقول
الناس شهوة التعمق فيها.

وأخذ أمثال أبن المقفع وحماد عجرد ويحي بن زياد ومطيع بن اياس وعبد الكريم
بن أبي العوجاء - الذي كان ربيب حماد بن سلمة وكان أعترف أنه وضع أربعة
آلاف حديث - يواصلون السعي في نشر الإلحاد بين المسلمين وترجمة كتب
الملاحدة والثنوية ونشرها، حتى استفحل أمرهم. فأمر المهدي علماء الجدل من
المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين.

وكان القائمون بأعباء تلك المدافعات طائفة من المعتزلة، فأصبحوا بين عدوين:

1 ) عدو من خارج الملة له آراء وفلسفة تدرب عليها من عهد قديم، ويتمثل في الكفرة والملاحدة والزنادقة.
2 ) وعدو مجاف من داخل الأمة كاد السواد أن ينحاز إليه لتقشفه وهو بعيد عن
قضايا العقول. راجت عليه تمويهات المضلين من اليهود والنصارى والثنوية.
فكان قصارى عمله وهمه في هذه المعمعة، الوقيعة في أهل النظر العقلي لا يفرق
بين العدو والحميم. ولو وكل له أمر الدفاع عن العقيدة الإسلامية لما أمكن
أن يدافع ساعة من نهار.

ولقد اشتغل المدافعون عن العقيدة والمناظرون لخصومها بالعدو الأول وتغاضوا
عن العدو الثاني حتى أتموا الرد على الأول وكشفوا تمويهاته، ثم نقضوا كلام
العدو الثاني وأظهروا سخف آرائه.

لكن طول وعمق الجدل والمناظرات في مسائل العقيدة مع خصوم متعددين
ومتباينين، أدت كما قلنا بالمعتزلة إلى ركونهم المطلق إلى العقل وتمجيده
والثقة المطلقة به وبكل ما ينتج عنه، ورفضهم المطلق للنقل وغلوهم في رفضه
وتنحيته من أصول العقيدة بشكل كامل.

وكان غالب الفقهاء وحملة السنة طوال هذه المكافحات يأبون الخوض في تلك
المسائل ويجرون على ما عليه الصحابة وخيار التابعين من الاقتصار على ما ثبت
من الدين بالضرورة، رغم أن خصوم الدين من الزنادقة كان لهم من الأسلحة ما
لا يمكن مقابلته إلا بمثله، خصوصا وأنهم جروا في بث سمومهم وزندقتهم مع
المسلمين على طريق التدرج في مراحل التشكيك والتضليل، والجمهور من الفقهاء
وأهل السنة، في غفلة من ذلك. ومشوا أولئك الزنادقة بالمسلمين إلى مرحلة لو
ترك الأمر وشأنه لكاد أن تتسرب شكوكهم إلى قلوب جماعة المسلمين فتعم البلوى
ويبلغ الخطب مداه.

في هذه الظروف كما ذكرنا آنفا، تولى المأمون العباسي الخلافة وأخذ يشايع
المعتزلة ويقربهم حتى حمل الناس على القول بخلق القرآن والتنزيه حسبما يوحي
إليه عقله وعقول خلطائه. ودامت هذه المحنة طوال خلافة المعتصم والواثق
وزاد الأخير مسألة نفي الرؤية. فلقي خصوم المعتزلة شدائد استمرت إلى أن رفع
المتوكل المحنة وأظهر الإمام أحمد بن حنبل فيها من الثبات مارفع شأنه.

ولم يكن للمتوكل ما يحمد عليه غير رفعه المحنة ومنع الناس عن المناظرات في
الآراء والمذاهب. وكان ناصبيا يبغض عليا كرم الله وجهه ورضي الله عنه
وأرضاه، وله أي المتوكل من الأفعال الشنيعة والمستقبحة ما لا يخطر على بال.

ثم ابتدأ من عهد المتوكل العباسي رد الفعل يأخذ سيره الطبيعي من ارتفاع شأن الحشوية النواصب وانقماع أهل النظر والمعتزلة.

وتشكل حال المسلمين في أمر العقيدة على ما يقرب من هذا التقسيم:

أهل السنة من الفقهاء والمحدثين غارقين في علومهم المجردة في غير جلبة ولا ضوضاء.

الحشوية يجرون على طيشهم وعمايتهم واستتباع الرعاع والغوغاء ويتقولون في الله ما لا يجوزه شرع ولا عقل من التشبيه والتجسيم.

المعتزلة: يعطلون الله جل شأنه عن صفاته، ويحكمون العقل تحكيما مطلقا،
ويرفضون النقل رفضا تاما، ويقولون بخلق القرآن وبنفي الروية في الآخرة
وبالأصول الخمسة التي خالفوا بها عقيدة أهل السنة والجماعة، وكانوا يتغلبون
على عقول المفكرين من العلماء ويسعون في استعادة سلطانهم على الأمة.

أصناف الملاحدة والقرامطة والزنادقة توغلوا في الفساد واحتلوا بلاد الإسلام.

ولم يبق في ثغور الدفاع عن العقيدة من يرابط بالحجج القاطعة والبراهين
الدامغة والأدلة الناصعة التي تمحق مخرقة الإلحاد والزندقة والقرمطة حيث
انشغل الكل بأنفسهم وبصراعاتهم البينية.(ع9)


الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ومذهبه في الأصول:



في ظل هذه الظروف والمعطيات المرعبة في العالم الإسلامي، كان الإمام أبو
الحسن علي بن إسماعيل قد خرج من بحثه العميق ومراجعته الواعية لعقيدة
الاعتزال التي كان يعتنقها ويدافع عنها ويناظر خصومها لأكثر من أربعين
عاما، بقناعات عقدية سنية يقينية، واجتهادات في أصول العقيدة جمع الله بها
بين الصحيح عند كل فريق من الاجتهادات والأقوال وزال بها عن الأمة الحيرة
والإشكال، وكسدت بفضل الله ثم بفضل هذا الإمام العظيم شبهات ونيات أهل
الزيغ والفتنة والضلال وقام لنصرة السنة وقمع البدعة. وبذلك أتفق الجمهور
على أنه مجدد المائة الثالثة رحمه الله رحمة الأبرار. لقد كان الأشعري على
دراية واسعة وعميقة أيضا بمختلف الملل والنحل المشهورة والمغمورة في
التاريخ الإسلامي بوجه خاص والإنساني بوجه عام. فسعى أولا للإصلاح بين
فريقي الأمة بإرجاعهما عن تطرفهما إلى الوسط العدل وهما:

قسم من المعتزلة الذين تعاملوا مع أصول العقيدة بالبحث المجرد دون عصبية أو
هوى ومصلحة شخصية وأن اشتط بهم البحث العقلي المجرد ومقارعة الخصوم بنتاجه
إلى رفض ما ثبت من النقل بشكل شبه مطلق. وسنسمي هولاء المعتزلة (الفريق
الأول).

أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والدعاة الصالحين وأتباعهم الذين ربما
تسربت إليهم بعضا من عقائد الحشوية الضالة. وسنسمي أهل السنة، (الفريق
الثاني).

ونذكر هنا أمثلة من توفيق الأشعري بين العقل والنقل وبين فريقي الأمة .

1 ) في قضية خلق القران:

قال أبو الحسن للفريق الأول: أنتم على حق إذا كنتم تريدون بخلق القرآن
"اللفظ والتلاوة والرسم". وليس لكم مجال أن تنفوا الصفة القديمة القائمة به
تعالى وغير البائنة منه، وهو الكلام، من غير لفظ ولا حرف ولا صوت.

وقال للفريق الثاني: أنتم مصيبون إذا كان مقصودكم "بالقديم" الصفة القائمة
بذات الباري غير البائنة منه - كما يقول أبن المبارك-، يعنى الكلام النفسي.
وليس لكم مجال أن تنكروا حدوث لفظ اللافظ وتلاوة التالي.

2 ) في مسألة رؤية الله تعالى في الآخرة:

قال أبو الحسن للفريق الأول: أنتم على حق في نفي المحاذاة والصورة، ولكن يجب عليكم الاعتراف بالتجلي من غير كيف.

وقال للفريق الثاني: أنتم على صواب إن اقتصرتم على إثبات الرؤية للمؤمنين
من غير كيف ولكن إياكم من إثبات الصورة والمحاذاة وكل ما يفيد الحدوث

3 ) في مسألة العقل والنقل:

الأشعرية والماتوريدية هم العدل الوسط بين المعتزلة والحشوية، لا ابتعدوا
عن النقل كما فعل المعتزلة، ولا عن العقل كعادة الحشوية، ورثوا خير من
تقدمهم وهجروا باطل كل فرقة، حافظوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم واصحابه وملأوا العالم علما. فالأشعري والماتريدي هما إماما
أهل السنة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها لهم كتب لا تحصى وغالب ما وقع
بين هذين الإمامين العظيمين من الخلاف هو من قبيل الخلاف اللفظي فقط، وقد
دونت عدة كتب في ذلك وقد أحسن تلخيصها البياضي في "إشارات المرام في عبارات
الإمام" ونقل الزبيدي نصه في شرح الأحياء.

لقد تجرد أبو الحسن الأشعري للتوفيق بين العقل والنقل بالحجة والدليل
القاطع في مسألة عقيدة التوحيد التي هي من أهم وأول ما يلزم المسلم معرفته
واعتقاده حتى وفقه الله لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم وقمع المعاندين
وكسر تطرفهم وتواردت عليه المسائل من أقطار العالم فأجاب عنها فطبق ذكره
الآفاق وملأ العالم بكتبه وكتب أصحابه في السنة والرد على أصناف المبتدعة
والملاحدة وأهل الكتاب فاستحق أن يسمى إمام أهل السنة بلا منازع وأن يتفق
الجمهور على أنه مجدد المائة الثالثة بجدارة وحق. وتجرد بعد ذلك أصحابه
وأتباع مذهبه في العقيدة من المذاهب الأربعة في الفروع، ينشرون عقيدة أهل
السنة الجماعة التي جمع الله عليها السواد الأعظم بعد فرقة وشتات وتمزق.

وبعد وفاته رحمه الله تعالى بفترة يسيرة استعاد المعتزلة بعض قوتهم في عهد بني بويه. ولكن الإمام ناصر السنة أبا بكر محمد الط

المدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة 343329

descriptionالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة Emptyرد: المدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة

more_horiz
شكرا على الموضوع

بارك الله فيك



تحياتي

descriptionالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة Emptyرد: المدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة

more_horiz
شكرا على الموضوع

بارك الله فيك

descriptionالمدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة Emptyرد: المدخل الى العقيدة لأهل السنة والجماعة

more_horiz
مشكووووور بارك الله فيك اخي
وجزاااااك الله خيراااا
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد