الأضحية شعيرة أهل الإسلام تذبح أيام عيد الأضحى من بعد صلاة العيد إلى أخر
ساعة من نهار أخر أيام التشريق وينتهي وقتها بمغيب شمس يوم الثالث عشر من ذي
الحجة وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعد وبها أمر رب العالمين
قال عز وجل ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) أي انحر البدن
والأضاحي قربة لله كما قال قتادة وسعيد بن جبير وصححه ابن كثير فهي قربة
يتقرب بها إلى الله عز وجل رجاء ثوابه وحصول موعوده مع كونه تعالى غني عنها
قال عز وجل ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ
يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج:37)
وقد ذهب إلى وجوبها
على الأعيان ذوي اليسار جماعة من أهل العلم لظاهر قول النبي صلى الله عليه
وسلم ( من كان له سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا ) رواه أحمد وابن ماجه عن
أبي هريرة مرفوعاً بسند حسن ولحديث جندب بن عبدالله البجلي في البخاري ومسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ،
ومن لم يذبح فليذبح ) قالوا فقوله لمن ذبح قبل الصلاة ( فليعد ) أمر يدل على
الوجوب فلا يصرف عنه إلاّ بصارف .
وذهب جماعة
من أهل العلم إلى تأكيد وجوبها حتى على غير ذوي اليسار فأوجبوا عليهم
الاستدانة من أجل تحصيل الأضحية وإراقة الدم . والقول الراجح في حكم الأضحية
أنها سنة مؤكدة لا يحسن تركها والتهاون فيها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
قال عز وجل ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيراً) (الأحزاب:21)
واقتداء أصحابه من بعده رضي الله عنهم ولما رتب عليها من الثواب كما في حديث
عائشة رضي الله عنها مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما عمل ابن
آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم ، وإنه يؤتى يوم القيامة
بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع
على الأرض فطيبوا بها نفساً ) رواه الترمذي و ابن ماجه .
ومن عزم على الأضحية فإنه يمسك عن شعره وأظافره وبشرته قبل دخول العشر أو من
حين عزمه ولو بعد دخولها لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته
شيئا ) رواه مسلم وفي رواية لأبي داود ( فليمسك عن شعره وأظافره ) وعليه فإن
الإمساك عن الأخذ من الشعر ونحوه يكون مستمراً إلى أن يذبح أضحيته ولو أخر
أيام التشريق كما دل عليه منطوق الحديث
الأصل في الأضحية
والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق
الأحياء إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن الأموات من
الصحابة كعمه حمزة وزوجه خديجة وزينب بنت خزيمة وبناته رضي الله عن الجميع
وعليه فالأضحية إذا وقعت من الأحياء
للأموات فلها ثلاث صور فقط :
1 /
أن يضحى عن الأموات تبعاً للأحياء كأن يضحي الرجل عن أهل بيته أحياءهم
ومواتهم وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم
2 /
أن يضحى عن الأموات بقتضى وصاياهم فإن كانت من مال المتوفى وجب تنفيذها وكذلك
إن وصى بها الميت ابنه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك )
فيلزم الابن إنفاذ وصية أبيه
3 /
أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء فجوزه الفقهاء ومنعه آخرون
لعدم وروده . وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
شروط الأضحية
ويشترط في الأضحية خمسة شروط
الشرط الأول :
أن تكون من بهيمة الأنعام فلا تصح من الطيور والأسماك وغيرها قال تعالى (
لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ )(الحج: من الآية34)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن
الصحابة هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها )
وبهيمة النعام هي : ( الضأن ، والماعز ، الإبل ، والبقر )
الشرط الثاني :
أن تبلغ السن المقدرة شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن وهو ما تم له نصف سنة أو
ثنية إبل وهو ما تم له خمس سنين أو الثني من البقر وهو ما تم له سنتان أو
الثني من الماعز وهو ما تم له سنة يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ( لا
تذبحوا إلاّ مسنة ( يعني ثنية ) إلاّ أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )
رواه مسلم
وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن مجاشع بن سليم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : ( إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني )
الشرط الثالث :
أن تخلو من العيوب المانعة من الإجراء وهي أربعة عيوب
العيب الأول /
العور البين وهو انخفاس العين أو بروزها أو ابيضاضها ومن باب أولى العمياء .
العيب الثاني /
المرض البين وهو الذي يظهر عرضه على البهيمة كالحمى والجرب الظاهر المفسد
للحم والجرح العميق ومثلها المبشومة حتى تثلط ويزول الخطر ، ومثلها التي
تعسرت ولادتها حتى يزول الخطر .
العيب الثالث /
العرج البين وهو ما يمنع مسايرة السليمة ومن باب أولى مقطعة اليد أو الرجل .
العيب الرابع /
الهزال المزيل للمخ ومثلها الزمنى وهي العاجزة عن السير لعاهة .
ويدل عليه حديث البراء بن عازب عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن
سأل ما يتقي من الضحايا ( أربعاً وأشار بيده العرجاء البين ضلعها والعوراء
البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقي )
وعن علي رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عضباء الأذن والقرن
رواه أبو داود وسنده صحيح والعضب قطع النصف أو أكثر وعن علي رضي الله عنه قال
( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ـ أي نتأمل
سلامتها ـ وألاّ نضحي مقابلة ـ وهي ما قطع أذنها ، ولا مدابرة ـ وهي ما قطع
من جانب أذنها ، ولا شرقاء ـ وهي مشقوقة الأذن ، ولا خرقاء ـ وهي مثقوبة
الأذن ) ومثلها المصفرة وهي ما بدأ صماخها ، والمستأصلة وهي ما ذهب قرنها كله
، والبخقاء وهي ما ذهب بصرها مع بقاء العين سليمة ، والمشيعة وهي التي لا
تتبع السليمة من الغنم لهزالها ـ أي ضعفها ـ
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة التضحية بما قطع منها ما لا تتضرر بقطعه .
كالبتراء وهي ما قطع منها نصف ذنبها فأكثر ، من الإبل والبقر والماعز ، وما
قطع من إليته نصفها فأقل من الضأن ومثلها المجبوب وهو ما قطع ذكره بخلاف
الموجوء فإنه من أطيب الأضاحي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومثلها الهتماء
والدقماء وهي ما سقطت أسنانها لعلة عارضة والأحوط أنها لا تجزء ولا يضحى بها
فيعدل عنها إلى غيرها من الأضاحي السليمة لعموم الأمر باستشراف الأذن والعين
كما في حديث علي رضي الله عنه المتقدم ، ولعموم قوله تعالى ( وَمَنْ
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج: من
الآية32)
الشرط الرابع :
أن نضحي بها في الوقت المحدد شرعاً وهو من بعد صلاة العيد ( يوم النحر ) إلى
غروب شمس الثالث عشر من الشهر وهو أخر أيام التشريق ، والأصل في هذا حديث
البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ذبح قبل الصلاة " أي
صلاة عيد النحر " فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله ) رواه
البخاري ومسلم ومثل حديث أنس بن مالك مرفوعاً وفيه ( ... ومن ذبح بعد الصلاة
فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) ومثله حديث ابن عمر قال : ( كان الرسول
عليه الصلاة والسلام يذبح وينحر بالمصلى أي بعد انصرافه من الصلاة وعليه
فأفضل أوقات النحر بعد الصلاة مباشرة وقبل الاشتغال بالعيد والتهنئة به لأن
تمام التهنئة تكون بتمام العمل وتمامه بالنحر وإراقة الدم . ثم يتدرج التفضيل
بقرب وقت الذبح من صلاة العيد إلى أخر نهار الثالث عشر من الشهر قال تعالى (
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )(البقرة: من الآية148)
ويجوز ذبح الأضحية في أي وقت ليلاً أو نهاراً على الصحيح من أقوال أهل العلم
، ومن كره الذبح ليلاًُ قال لتعذر التفريق بين اللحم ولاحتمال إضرار الذابح
لنفسه قاله ابن قدامة وهو احتمال منتفٍ في وقتنا هذا ، فيبقى الحكم على جواز
الذبح ليلاً أو نهاراً وساعات النهار أفضل .
الشرط الخامس :
أن تكون ملكاً للمضحي أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع كالوارث أو من قبل
المالك كالموكل على أضحية غيره ، فلا تصح التضحية بمغصوبة أو مسروقة ولا تجزء
( والله طيب لا يقبل إلا طيباً )
والسنة أن يتولى المضحي ذبح أضحيته لحديث أنس في صحيح البخاري أن النبي صلى
الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين قال أنس : فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما
- والصفاح جانب الوجه – يسمي ويكبر فذبحهما بيده )
خصوصا وأن أكثر من يتولى الذبح في زماننا لا يعلم حال كونهم ملتزمين بالصلوات
من عدمه .
وأطيب الأضاحي على القول الراجح المخصي من الكباش لفعل النبي صلى الله عليه
وسلم ثم البدن أي الإبل لسوقه صلى الله عليه وسلم لها في حجة الوداع وقد بلغت
المائة سنام وفي توجيهها إلى القبلة حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
ذبح كبشين أقرنين أملحين موجؤين فلما وجههما قال صلى الله عليه وسلم : ( وجهت
وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول
المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر ) ثم ذبح .
رواه أبو داود وابن ماجه .
وتجوز الأضحية الواحد عن أهل البيت ولو كثروا وتجزء عن الجميع لفعله صلى الله
عليه وسلم ولفهم الصحابة إذ لم يذبح أحد من آل بيته عن نفسه لاكتفائهم بأضحية
النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ( هذا عن محمد وآله ) رواه عبدالرزاق وابن
ماجه من حديث أبي هريرة .
والأفضل تقسيمها أثلاثاً يأكل ثلثاً ويتصدق بثلث ويهدي ثلثاً لحديث ابن عباس
مرفوعاً حسنه ابن قدامه في المغني وهو اختار . أحمد بن حنبل
ومن الأحكام المتعلقة بالأضحية :
1 /
أنه يحرم بيع شيء منها سواء من صوفها أو شعرها أو شحمها لمنافاته لقول النبي
صلى الله عليه وسلم ( فطيبوا بها نفساً)
2 /
أنها تلزم ورثة من عينها ثم مات قبل ذبح أضحيته .
3 /
لا يجوز نقل الملك فيها أو بيعها إلى إذا كان
بأحسن منها .
4 /
لا يجوز استعمالها في حرث أو حمل أو ركوب إلا لحاجة ولذلك كانت عائشة تفتل
القلائد لهدي النبي صلى الله عليه وسلم
حتى تعرف فلا تمتهن " متفق عليه "
5 /
لا يحلب من لبنها ما ينقصها أو يحتاجه ولدها إلا إن كان أنفع لها فيحلب
ويتصدق به أو يهدى ولا يباع ومثله لو تأذت الأضحية من صوفها .
6 /
إذا تعيبت الأضحية بعد التعيين :
أ /
إن كان بتفريط المضحي أو وكيله لزمه إبدالها بمثلها أو أكمل صفة .
ب /
إن كان من غير تفريطه يذبحها وتجزؤه والأحوط الاستبدال بأكمل .
7 /
إن هلكت الأضحية بعد التعيين :
أ /
إن كان مفرطاً لزمه الضمان والاستبدال .
ب /
إن كان غير مفرط فلا ضمان والأحوط الاستبدال .
ج /
إن كان المتلف غير المالك فيلزم المتلف الضمان مطلقاً .
8 /
إن ولدت بعد التعيين فحكم ولدها حكمها فلا يجوز بيعه بل يذبح لانسحاب الحكم
عليه وهو ما نص عليه فقهاء المذهب .
9 /
ليس للوكيل التصرف في أضحية المالك إلا بالذبح فقط وما يتبعه من سلخ فلا
يتصدق ولا يهدي ولا يأخذ إلا بإذن المالك .
10 /
لا يعطي الجزار منها شيئاً مقابل الذبح والسلخ لأن ذلك بمعنى الأجرة والبيع
لكن يهديه إن شاء .
11 /
يظن العوام أن من أراد أن يضحي ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئاً أن
أضحيته لا تقبل وأن أجرها ينقص بقدر ما أخذ ، وهذا قول باطل لا أصل له والذي
دلت عليه الأحاديث وفهم العلماء إجزاء الأضحية مع حصول الإثم بأخذ ما حرم
عليه أخذه بمجرد عزمه على الأضحية .
12 /
من احتاج إلى أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة لعذر فلا حرج لقوله تعالى
( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: من الآية16)
13 /
من له أضحية وعزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره وبشرته شيئا إذا أراد
الإحرام لأن هذا سنة فيرجح جانب الترك على جانب الأخذ ما لم يكن متمتعا فإنه
يأخذ من شعره عند إتمام عمرته لأنه نسك .
14 /
قال الفقهاء إذا أراد أن يضحي بأكثر من واحدة جاز له الأخذ من شعره وظفره إذا
ذبح إحداهن والأحوط الإمساك حتى يضحي بالجميع والله أعلم
ساعة من نهار أخر أيام التشريق وينتهي وقتها بمغيب شمس يوم الثالث عشر من ذي
الحجة وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعد وبها أمر رب العالمين
قال عز وجل ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) أي انحر البدن
والأضاحي قربة لله كما قال قتادة وسعيد بن جبير وصححه ابن كثير فهي قربة
يتقرب بها إلى الله عز وجل رجاء ثوابه وحصول موعوده مع كونه تعالى غني عنها
قال عز وجل ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ
يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج:37)
وقد ذهب إلى وجوبها
على الأعيان ذوي اليسار جماعة من أهل العلم لظاهر قول النبي صلى الله عليه
وسلم ( من كان له سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا ) رواه أحمد وابن ماجه عن
أبي هريرة مرفوعاً بسند حسن ولحديث جندب بن عبدالله البجلي في البخاري ومسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ،
ومن لم يذبح فليذبح ) قالوا فقوله لمن ذبح قبل الصلاة ( فليعد ) أمر يدل على
الوجوب فلا يصرف عنه إلاّ بصارف .
وذهب جماعة
من أهل العلم إلى تأكيد وجوبها حتى على غير ذوي اليسار فأوجبوا عليهم
الاستدانة من أجل تحصيل الأضحية وإراقة الدم . والقول الراجح في حكم الأضحية
أنها سنة مؤكدة لا يحسن تركها والتهاون فيها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
قال عز وجل ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيراً) (الأحزاب:21)
واقتداء أصحابه من بعده رضي الله عنهم ولما رتب عليها من الثواب كما في حديث
عائشة رضي الله عنها مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما عمل ابن
آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم ، وإنه يؤتى يوم القيامة
بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع
على الأرض فطيبوا بها نفساً ) رواه الترمذي و ابن ماجه .
ومن عزم على الأضحية فإنه يمسك عن شعره وأظافره وبشرته قبل دخول العشر أو من
حين عزمه ولو بعد دخولها لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته
شيئا ) رواه مسلم وفي رواية لأبي داود ( فليمسك عن شعره وأظافره ) وعليه فإن
الإمساك عن الأخذ من الشعر ونحوه يكون مستمراً إلى أن يذبح أضحيته ولو أخر
أيام التشريق كما دل عليه منطوق الحديث
الأصل في الأضحية
والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق
الأحياء إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن الأموات من
الصحابة كعمه حمزة وزوجه خديجة وزينب بنت خزيمة وبناته رضي الله عن الجميع
وعليه فالأضحية إذا وقعت من الأحياء
للأموات فلها ثلاث صور فقط :
1 /
أن يضحى عن الأموات تبعاً للأحياء كأن يضحي الرجل عن أهل بيته أحياءهم
ومواتهم وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم
2 /
أن يضحى عن الأموات بقتضى وصاياهم فإن كانت من مال المتوفى وجب تنفيذها وكذلك
إن وصى بها الميت ابنه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك )
فيلزم الابن إنفاذ وصية أبيه
3 /
أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء فجوزه الفقهاء ومنعه آخرون
لعدم وروده . وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
شروط الأضحية
ويشترط في الأضحية خمسة شروط
الشرط الأول :
أن تكون من بهيمة الأنعام فلا تصح من الطيور والأسماك وغيرها قال تعالى (
لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ )(الحج: من الآية34)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن
الصحابة هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها )
وبهيمة النعام هي : ( الضأن ، والماعز ، الإبل ، والبقر )
الشرط الثاني :
أن تبلغ السن المقدرة شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن وهو ما تم له نصف سنة أو
ثنية إبل وهو ما تم له خمس سنين أو الثني من البقر وهو ما تم له سنتان أو
الثني من الماعز وهو ما تم له سنة يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ( لا
تذبحوا إلاّ مسنة ( يعني ثنية ) إلاّ أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )
رواه مسلم
وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن مجاشع بن سليم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : ( إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني )
الشرط الثالث :
أن تخلو من العيوب المانعة من الإجراء وهي أربعة عيوب
العيب الأول /
العور البين وهو انخفاس العين أو بروزها أو ابيضاضها ومن باب أولى العمياء .
العيب الثاني /
المرض البين وهو الذي يظهر عرضه على البهيمة كالحمى والجرب الظاهر المفسد
للحم والجرح العميق ومثلها المبشومة حتى تثلط ويزول الخطر ، ومثلها التي
تعسرت ولادتها حتى يزول الخطر .
العيب الثالث /
العرج البين وهو ما يمنع مسايرة السليمة ومن باب أولى مقطعة اليد أو الرجل .
العيب الرابع /
الهزال المزيل للمخ ومثلها الزمنى وهي العاجزة عن السير لعاهة .
ويدل عليه حديث البراء بن عازب عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن
سأل ما يتقي من الضحايا ( أربعاً وأشار بيده العرجاء البين ضلعها والعوراء
البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقي )
وعن علي رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عضباء الأذن والقرن
رواه أبو داود وسنده صحيح والعضب قطع النصف أو أكثر وعن علي رضي الله عنه قال
( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ـ أي نتأمل
سلامتها ـ وألاّ نضحي مقابلة ـ وهي ما قطع أذنها ، ولا مدابرة ـ وهي ما قطع
من جانب أذنها ، ولا شرقاء ـ وهي مشقوقة الأذن ، ولا خرقاء ـ وهي مثقوبة
الأذن ) ومثلها المصفرة وهي ما بدأ صماخها ، والمستأصلة وهي ما ذهب قرنها كله
، والبخقاء وهي ما ذهب بصرها مع بقاء العين سليمة ، والمشيعة وهي التي لا
تتبع السليمة من الغنم لهزالها ـ أي ضعفها ـ
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة التضحية بما قطع منها ما لا تتضرر بقطعه .
كالبتراء وهي ما قطع منها نصف ذنبها فأكثر ، من الإبل والبقر والماعز ، وما
قطع من إليته نصفها فأقل من الضأن ومثلها المجبوب وهو ما قطع ذكره بخلاف
الموجوء فإنه من أطيب الأضاحي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومثلها الهتماء
والدقماء وهي ما سقطت أسنانها لعلة عارضة والأحوط أنها لا تجزء ولا يضحى بها
فيعدل عنها إلى غيرها من الأضاحي السليمة لعموم الأمر باستشراف الأذن والعين
كما في حديث علي رضي الله عنه المتقدم ، ولعموم قوله تعالى ( وَمَنْ
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج: من
الآية32)
الشرط الرابع :
أن نضحي بها في الوقت المحدد شرعاً وهو من بعد صلاة العيد ( يوم النحر ) إلى
غروب شمس الثالث عشر من الشهر وهو أخر أيام التشريق ، والأصل في هذا حديث
البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ذبح قبل الصلاة " أي
صلاة عيد النحر " فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله ) رواه
البخاري ومسلم ومثل حديث أنس بن مالك مرفوعاً وفيه ( ... ومن ذبح بعد الصلاة
فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) ومثله حديث ابن عمر قال : ( كان الرسول
عليه الصلاة والسلام يذبح وينحر بالمصلى أي بعد انصرافه من الصلاة وعليه
فأفضل أوقات النحر بعد الصلاة مباشرة وقبل الاشتغال بالعيد والتهنئة به لأن
تمام التهنئة تكون بتمام العمل وتمامه بالنحر وإراقة الدم . ثم يتدرج التفضيل
بقرب وقت الذبح من صلاة العيد إلى أخر نهار الثالث عشر من الشهر قال تعالى (
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ )(البقرة: من الآية148)
ويجوز ذبح الأضحية في أي وقت ليلاً أو نهاراً على الصحيح من أقوال أهل العلم
، ومن كره الذبح ليلاًُ قال لتعذر التفريق بين اللحم ولاحتمال إضرار الذابح
لنفسه قاله ابن قدامة وهو احتمال منتفٍ في وقتنا هذا ، فيبقى الحكم على جواز
الذبح ليلاً أو نهاراً وساعات النهار أفضل .
الشرط الخامس :
أن تكون ملكاً للمضحي أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع كالوارث أو من قبل
المالك كالموكل على أضحية غيره ، فلا تصح التضحية بمغصوبة أو مسروقة ولا تجزء
( والله طيب لا يقبل إلا طيباً )
والسنة أن يتولى المضحي ذبح أضحيته لحديث أنس في صحيح البخاري أن النبي صلى
الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين قال أنس : فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما
- والصفاح جانب الوجه – يسمي ويكبر فذبحهما بيده )
خصوصا وأن أكثر من يتولى الذبح في زماننا لا يعلم حال كونهم ملتزمين بالصلوات
من عدمه .
وأطيب الأضاحي على القول الراجح المخصي من الكباش لفعل النبي صلى الله عليه
وسلم ثم البدن أي الإبل لسوقه صلى الله عليه وسلم لها في حجة الوداع وقد بلغت
المائة سنام وفي توجيهها إلى القبلة حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
ذبح كبشين أقرنين أملحين موجؤين فلما وجههما قال صلى الله عليه وسلم : ( وجهت
وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول
المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر ) ثم ذبح .
رواه أبو داود وابن ماجه .
وتجوز الأضحية الواحد عن أهل البيت ولو كثروا وتجزء عن الجميع لفعله صلى الله
عليه وسلم ولفهم الصحابة إذ لم يذبح أحد من آل بيته عن نفسه لاكتفائهم بأضحية
النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ( هذا عن محمد وآله ) رواه عبدالرزاق وابن
ماجه من حديث أبي هريرة .
والأفضل تقسيمها أثلاثاً يأكل ثلثاً ويتصدق بثلث ويهدي ثلثاً لحديث ابن عباس
مرفوعاً حسنه ابن قدامه في المغني وهو اختار . أحمد بن حنبل
ومن الأحكام المتعلقة بالأضحية :
1 /
أنه يحرم بيع شيء منها سواء من صوفها أو شعرها أو شحمها لمنافاته لقول النبي
صلى الله عليه وسلم ( فطيبوا بها نفساً)
2 /
أنها تلزم ورثة من عينها ثم مات قبل ذبح أضحيته .
3 /
لا يجوز نقل الملك فيها أو بيعها إلى إذا كان
بأحسن منها .
4 /
لا يجوز استعمالها في حرث أو حمل أو ركوب إلا لحاجة ولذلك كانت عائشة تفتل
القلائد لهدي النبي صلى الله عليه وسلم
حتى تعرف فلا تمتهن " متفق عليه "
5 /
لا يحلب من لبنها ما ينقصها أو يحتاجه ولدها إلا إن كان أنفع لها فيحلب
ويتصدق به أو يهدى ولا يباع ومثله لو تأذت الأضحية من صوفها .
6 /
إذا تعيبت الأضحية بعد التعيين :
أ /
إن كان بتفريط المضحي أو وكيله لزمه إبدالها بمثلها أو أكمل صفة .
ب /
إن كان من غير تفريطه يذبحها وتجزؤه والأحوط الاستبدال بأكمل .
7 /
إن هلكت الأضحية بعد التعيين :
أ /
إن كان مفرطاً لزمه الضمان والاستبدال .
ب /
إن كان غير مفرط فلا ضمان والأحوط الاستبدال .
ج /
إن كان المتلف غير المالك فيلزم المتلف الضمان مطلقاً .
8 /
إن ولدت بعد التعيين فحكم ولدها حكمها فلا يجوز بيعه بل يذبح لانسحاب الحكم
عليه وهو ما نص عليه فقهاء المذهب .
9 /
ليس للوكيل التصرف في أضحية المالك إلا بالذبح فقط وما يتبعه من سلخ فلا
يتصدق ولا يهدي ولا يأخذ إلا بإذن المالك .
10 /
لا يعطي الجزار منها شيئاً مقابل الذبح والسلخ لأن ذلك بمعنى الأجرة والبيع
لكن يهديه إن شاء .
11 /
يظن العوام أن من أراد أن يضحي ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئاً أن
أضحيته لا تقبل وأن أجرها ينقص بقدر ما أخذ ، وهذا قول باطل لا أصل له والذي
دلت عليه الأحاديث وفهم العلماء إجزاء الأضحية مع حصول الإثم بأخذ ما حرم
عليه أخذه بمجرد عزمه على الأضحية .
12 /
من احتاج إلى أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة لعذر فلا حرج لقوله تعالى
( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: من الآية16)
13 /
من له أضحية وعزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره وبشرته شيئا إذا أراد
الإحرام لأن هذا سنة فيرجح جانب الترك على جانب الأخذ ما لم يكن متمتعا فإنه
يأخذ من شعره عند إتمام عمرته لأنه نسك .
14 /
قال الفقهاء إذا أراد أن يضحي بأكثر من واحدة جاز له الأخذ من شعره وظفره إذا
ذبح إحداهن والأحوط الإمساك حتى يضحي بالجميع والله أعلم