تفاصيل مثيرة حول عملية تبادل الأسرى عام 1983
أوضح الدكتور مجدي سالم الباحث والخبير في
شؤون الحركة الوطنية الأسيرة وعضو قيادة الحركة الشعبية لنصرة الأسرى
والحقوق الفلسطينية أن عملية تبادل الأسرى في العام 1983 كانت من أبرز
وأضخم صفقات التبادل في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها
حيث أن إسرائيل دخلت حرب عام 1982 تحت شعار
عملية 'سلامة الجليل ' من أجل وقف ومنع تساقط صواريخ الكاتيوشا علي أراضيها
, واجتاحت القوات الإسرائيلية المدن والقرى والمخيمات في لبنان , وخلال
عمليات الاجتياح استطاع الفلسطينيون ممثلين بمنظمة التحرير الفلسطينية
وقيادة حركة فتح ومن قاتل معهم إيقاع خسائر عسكرية وسياسية بإسرائيل .
وأشاد سالم إلي أن معالم الخسارة
الإسرائيلية هو وقوع أسرى إسرائيليين في أيدي مقاتلي حركة التحرير الوطني
الفلسطيني فتح وبلغ عدد الجنود الإسرائيليين ' 8 ' حيث احتفظت حركة فتح
بستة جنود وتحفظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ' القيادة العامة ' على 2
منهم لظروف خاصة بمسرح العملية وظروفها
وعن عملية خطف الجنود الثمانية كشف د .
الباحث سالم عن عملية الأسر من خلال أحد مساعدي أبو جهاد خليل الوزير محمود
العالول المسئول العسكري عن الأسرى الذي أكد أن عملية أسر الجنود
الإسرائيليين الثمانية تم في منطقة لبنانية أسمها وادي العبيدية أسفل جبل
بحمدون , وهي منطقة شديدة الوعورة مليئة بالأحراش الكثيفة , حيث كانت
مجموعات حركة
فتح خلف خطوط العدو تقوم بعملياتها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي وكان الجنود الثمانية يشكلون كمينا متقدما لقوات العدو .
وفي ذات السياق تحدث عن مسرح عملية التبادل
موضحا بأن أحد اتفاق إخلال بيروت في نهاية حصار الثلاثة أشهر الذي صمد فيه
ياسر عرفات وقيادة المنظمة وأركان حركة فتح , الإفراج عن كل الأسرى الذي
تمكن العدو من أسرهم أثناء سير العمليات العسكرية وحشدهم في معتقل أنصار من
مدنيين وعسكريين , سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين أو من جنسيات عربية
أو أجنبية , وإغلاق المعتقل .
وأوضح الخبير في شؤون الحركة الأسيرة أن
إسرائيل تلكأت وماطلت , في شروط قيادة حركة فتح , لأنها كانت تعتقد أنه
باستطاعتها الإفراج عن الجنود بالقوة المسلحة , إلا أن جميع محاولاتها هذه
باءت بالفشل وبعد إعلان الزعيم القائد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير والقائد الأعلى للثورة الفلسطينية المسلحة عن شروطه للإفراج
عن الجنود الإسرائيليين وبدء المفاوضات تراجعت إسرائيل عن تصريحاتها وقبلت
بالتفاوض حول الأسرى من خلال أطراف ثالثة من أجل إجراء عملية تبادل الأسرى
.
وأكد د . سالم أن المفاوضات كانت في البداية
بطيئة وكثيرة التعثر , وذلك لإصرار العدو علي عدم الاستجابة للشروط التي
وضعتها قيادة المنظمة وفتح , حيث اعتبرها ثمنا باهظا .
وأوضح سالم عضو قيادة الحركة الشعبية لنصرة
الأسرى والحقوق الفلسطينية أنه تم تفويض السياسي الإسرائيلي المحسوب علي
معسكر اليسار الحمائمي' أريه الياف ' في شهر تشرين أول 1982 للقيام بهذه
المهمة , فأجريت الاتصالات الأولى عبر مستشار النمسا ' برونوكر ايسكى '
الذي أبدى استعداده لأسباب إنسانية للمشاركة في عملية التفاوض , إلا أن
الحكومة الإسرائيلية لم تعلن ذلك رسميا إلا في أواخر شباط عام 1982.
وأفاد د . مجدي سالم إن إصرار سلطات العدو
على عدم الاستجابة لشروط قيادة منظمة التحرير ممثلة برئيسها أبو عمار كان
يصل بالمفاوضات إلى طريق مسدود , مشيرا بذلك إلى أن العدو كان يحاول كسب
الوقت للقيام بعملية عسكرية خاصة للإفراج عن أسراه لدى الثورة الفلسطينية
بالقوة , حيث كانت تبرز عدم نجاح مفاوضات التبادل أمام الأسرى , وأمام
الرأي العام الإسرائيلي إلا أن تصلب المفاوضين الفلسطينيين برئاسة جمال
الصوراني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونبيل الرملاوي
ممثل المنظمة في جنيف والملازم نور علي عضو القيادة الجبهة الشعبية القيادة
العامة والعقيد فخري شقورة وأبو حازم الشهابي عضو قيادة الجبهة الشعبية
القيادة العامة وصلاح التعمري قائد معتقل سجن أنصار وبالفعل فإن تصلب أعضاء
اللجنة أضاف تعقيدات علي عملية المفاوضات .
وبعد عملية التصلب من الجانب الفلسطيني بدأت
الحكاية والرواية كما يرويها الباحث سالم عندما واجه رئيس الوزراء
الإسرائيلي مناحيم بيغن ضغوطات كبيرة داخل الشارع الإسرائيلي
من قبل الأسرى في أنصار والرأي العام في
الكيان الصهيوني والرأي العام العالمي , بالإضافة إلي إزدياد المخاطر التي
يمكن أن يتعرض لها الأسرى الإسرائيليون نتيجة أوضاع الساحة الفلسطينية في
الشمال . بعد كل هذه الضغوطات علي كل الساحات سقط مناحيم بيغن وحكومته وحدث
أول تغيير في الطاقم السياسي الحاكم في إسرائيل بوصول شامير إلى رئاسة
الوزراء وشكلت القيادة الإسرائيلية طاقماً خاصاً أوكل له وزير دفاع العدو '
موشيه أرنس' مهمة استئناف المفاوضات والوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى
السته الذين تحتفظ بهم حركة فتح وترك الأسيرين الذين تحتفظ بهما القيادة
العامة, إلى مرحلة تالية .
وأشار سالم حول تفاصيل عملية التبادل أن
الطاقم الإسرائيلي تشكل من المحامي 'رابيه مارنيكس ' كرئيس للطاقم الذي عمل
بالتنسيق مع أرييه ألياف وممثلي وزارة الخارجية بالإضافة إلى عوفاد ياسوفر
سفير الكيان الصهيوني السابق في جنيف , كما انضم إليهم المحامي سموئيل
تامير والجنرال عاموس يارون رئيس شعبة التدريب في الجيش الإسرائيلي اللذين
أشرفا علي تنسيق بنود الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه فعلا في هذه
المفاوضات أفاد سالم بأن كل من رومانيا وفرنسا ساهم في هذه المفاوضات
بالإضافة إلي النمسا واللجنة الدولية للصليب الأحمر .
واستمرت المحادثات التي جرت بشأن عملية تبادل
الأسرى أكثر من عام ونصف , وشاركت فيها جهات دولية عديدة بينها النمسا في
شخص مستشارها برونو كرايسكي وفرنسا في مرحلة لاحقة , بالإضافة إلى منظمة
الصليب الدولي . وقد تعرضت هذه المحادثات لأكثر من نكسة كنت خلالها الأطراف
المعنية لا تتفق علي الشروط الموضوعة .
وقال الدكتور سالم أن منظمة التحرير
الفلسطينية وضعت منذ البداية شروطها لعملية التبادل وهي إطلاق سراح جميع
معتقلي أنصار وعدد من المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات
الإسرائيلية بالإضافة إلي استعادة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني .
ومن أجل ملاحقة هذا الموضوع شكلت منظمة
التحرير لجنة خاصة للمتابعة ومواصلة الاتصالات مع الأطراف المعنية , وكذلك
شكلت ( إسرائيل ) لجنة للمتابعة تغير أكثر من مرة وشاركت في المحادثات
عناصر من حركة السلام الإسرائيلية , وتنقل مسؤولون إسرائيليون في عدد من
العواصم الأوروبية في مهامات تتعلق بالتبادل , وفي كل مرة كانت فيها
المحادثات تصل إلي مرحلة إيجابية كانت تعود وتصاب بالشلل بسبب التعنت
والرفض الإسرائيلي في المحادثات علي إطلاق سراح عدد من الأسرى في السجون
والمعتقلات الإسرئيلية .
وأضاف سالم أنه خلال الاشتباكات التي جرت في
شمال لبنان بدأت المفاوضات تأخذ منحى جديدا , فقد أحست ( إسرائيل ) بالخطر
يتهدد حياة أسراها الستة الذين نقلوا أكثر من مرة من الأمكنة التي كانوا
فيها , وعندما شعرت ( إسرائيل ) بأن معركة طرابلس باتت وشيكة اضطرت للرضوخ
للمطالب الفلسطينية بالإفراج عن العدد الذي تحدد من معتقلي الأراضي المحتلة
, وهكذا وصلت المفاوضات إلى النهاية بسرية مطلقة , وحتى اللحظة الأخيرة
لضمان نجاحها إلا أن ( إسرائيل ) كعادتها لم تحترم الاتفاق عندما تهربت من
إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين مثل زياد أبو عين وغيره مستغلة الظروف
الصعبة التي كانت تمر بالثورة الفلسطينية نتيجة لمعارك طرابلس الطاحنة .
وبين الباحث أنه بعد أن توصلت لجان المتابعة
الخاصة التي شكلتها كل من منظمة التحرير الفلسطينية و( إسرائيل ) إلي
الخطوط العامة لاتفاقية تبادل الأسرى والتي ساهمت في تحقيقها جهات دولية
مختلفة فرنسية ونمساوية ومنظمة الصليب الأحمر الدولية و قام جون هفيليكر
مندوب الصليب الأحمر بالسفر إلي لبنان حيث اجتمع مع القيادة الفلسطينية في
مدينة طرابلس لوضع اللمسات الأخيرة علي الاتفاقية , وشارك في محادثات
طرابلس من جانب المنظمة : السيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة
والسيد نبيل أبو ردينه بينما شارك السيد جان هفيليكر ممثلا للصليب الأحمر ,
وقدر شارك السيد خليل الوزير ' أبو جهاد ' نائب القائد العام للثورة
الفلسطينية في بعض جلسات تلك المحادثات التي جرت في طرابلس في ظل القتال
والمعارك وضجيج الانفجارات .
وقال سالم عن التفاصيل الدقيقة لعملية
البادل أنه بدت في ميناء طرابلس بشمال لبنان الساعة العاشرة من ليل الخميس
23 تشرين الثاني 1983 حركة غير عادية , فقد كانت عدة زوارق بخارية تقف علي
أهبة الاستعداد , وكانت منطقة الميناء ومداخلها تخضع لحراسة مشددة , ولا
أحد باستثناء قلة من معاوني رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية وبعض مسؤولي منظمة الصليب الأحمر الدولية يعرف حقيقة ما يجري .
لقد تم وضع الأسرى الإسرائيليون الستة في
سيارة شفرويه ستيشن في الساعة الحادية عشرة والربع واتجهت بهم إلي منطقة
الميناء تحرسهم عدة سيارات لانروفر , ويرافقهم عدد من مقاتلي منظمة التحرير
الفلسطينية وبعض موظفي الصليب الأحمر , وفي منطقة الميناء تصافح الأسرى مع
حراسهم , وانتقلوا إلى زوارق صيد بخارية نقلتهم إلى سفينة فرنسية رفعت علم
الصليب الأحمر الدولي علي بعد ثمانية كيلو مترات عن شواطئ طرابلس حيث جرت
عملية التسليم , حيث قام شموئيل تامير رئيس الوفد الإسرائيلي الذي فاوض في
جنيف باستلام الأسرى الإسرائيليين الستة من مندوبي الصليب الأحمر الدولي .
وفي الجهة الأخرى , في منظمة الجنوب
اللبناني كانت تتم عملية مماثلة ... حيث توجهت قيادة الجيش الإسرائيلي إلي
معتقل أنصار وعرضت علي معتقلي أنصار الخيار بين البقاء في لبنان أو التوجه
إلى الجزائر , فاختار حوالي 3600 معتقل منهم التوجه إلى الجزائر .
أما المعتقلون الذين قرروا البقاء في لبنان فقد تم نقلهم بالباصات (120باصا ) إلى مختلف
المناطق في الجنوب , أما الأسرى المتجهون
إلى شمال لبنان فقد تم نقلهم إلى جسر نهر الأولى ... وفي هذه الأثناء قامت
القوات الإسرائيلية بتحركات مكثفة جعلت سكان الجنون اللبناني يعتقدون أن (
إسرائيل ) قد بدأت بعدوان جديد , وشملت هذه الإجراءات تحركات مكثفة
لناقلات الجنود والمدرعات والدبابات , كما تم فرض حظر التجول علي صيدا وصور
والنبطية .
أما الذين اختاروا التوجه إلى الجزائر فقد تم
تجميعهم في معتقل أنصار ضمن مجموعات صغيرة يرتدون البدلات الزرقاء
والخضراء , وتم نقلهم بالباصات إلي طائرات عسكرية إسرائيلية من طراز
هيركليس وحوامات عسكرية قامت بنقلهم تحت حراسة المظليين المشددة وبعد
تكبيلهم بمقاعدهم توجهوا إلى تل أبيب . ومن تل أبين نقلوا بالباصات إلى
مطار اللد , حيث تم تخصيص أحد مدرجات المطار لهذا الغرض , ووقفت قوات كبيرة
من الجيش الإسرائيلي والشرطة العسكرية وقوات المظليين لتأمين عملية
التبادل . وعند الساعة العاشرة والنصف مساء هبطت ثلاث طائرات جامبو تابعة
لشركة الخطوط الجوية الفرنسية ووقفت في المدرج المخصص . وعند منتصف الليل
تقريبا هبطت الطائرات العسكرية الإسرائيلية التي تحمل 1024 معتقلا حيث
انضموا هناك إلى أكثر من مائة معتقل ومعتقلة كانوا في سجون الاحتلال يقضون
فترات سجن تتراوح بين 20 سنة ومدى الحياة . وصعد الجميع إلى الطائرات
الفرنسية في انتظار كلمة السر من طرابلس للإقلاع .
وأقلعت الطائرة الأولى من مطار بن غوريون إلي
الجزائر عبر مطار القاهرة عندما غادر الأسرى الإسرائيليون الستة مدينة
طرابلس في قارب بخاري في طريقهم إلى السفينة الفرنسية
التي ترفع علم الصليب الأحمر , وأقلعت
الطائرة الثانية حينما أصبح الأسرى الستة علي ظهر السفينة وغادرة الطائرة
الثالثة بعد أن توجهت السفينة الفرنسية إلي عرض البحر باتجاه أحدى السفن
الإسرائيلية . وكان قد تم شحن عشرات الصناديق الكبيرة علي متن إحدى
الطائرات الثلاثة . وكانت هذه الصناديق تحتوي علي 32 طنا من الوثائق
والتقارير والمراجع والدراسات التي هي محتويات أرشيف مركز الأبحاث
الفلسطيني الذي صادرته ونهبته القوات الإسرائيلية لدى دخولها بيروت الغربية
, واشترطت منظمة التحرير أن يتم شموه في صفقة عملية التبادل .
وقام المعتقلون ال 1024 خلال سفرهم إلى مطار
برفع أيديهم بعلامة الانتصار وقاموا بترديد الهتافات والأناشيد الوطنية
الفلسطينية و وهتفوا بحياة الثورة الفلسطينية و وكان في استقبالهم في
الجزائر القادة أبو إياد ونايف حواتمة وممثلون عن قيادة حزب جبهة التحرير
الوطنية الجزائرية وممثلو حركات التحرير العربية والعالمية الموجودون في
الجزائر وحشد من المجاهدين الجزائريين القدامى , والاتحادات الشعبية
الجزائرية وحشد كبير من الصحفيين العرب والأجانب .
ولقد تضمنت عملية التبادل إطلاق سراح ستة
أسرى إسرائيليين مقابل 4700 معتقل من معتقل أنصار ومن سجون العدو والأسرى
الإسرائيليون الذين أطلق سراحهم هم :
1- الياهو أبو طبول – عكا – 20 سنة
2- داني غلبوع – تل أبين – 20 سنة
3- رفائيل حزان – حولون – 21 سنة
4- روبين كوهين - ...... – 19 سنة
5- إبراهام فتلسكي – حولون -19 سنة
6- آفي كورنفيد – عكا – 20 سنة
أما المعتقلون الفلسطينيون فقد كانوا موزعين علي الشكل التالي :
(4700 معتقل فلسطيني ولبناني ) كانوا معتقلين
في معسكر أنصار , ذهب منهم 1024 إلي الجزائر وأطلق سراح الباقين , وعادوا
إلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم في أنحاء لبنان .
(65 معتقلا فلسطينيا ) كانوا في السجون
الإسرائيلية منهم 52 معتقلا حكموا بالسجن مدى الحياة بينهم ثمانية معتقلين
من الفلسطينيين في المناطق المحتلة في عام 1948 .
(35 معتقلا ) تم احتجازهم علي عملية القرصنة
البحرية التي قامت بها السفن الحربية الإسرائيلية في المياه الدولية
والإقليمية اللبنانية .
أوضح الدكتور مجدي سالم الباحث والخبير في
شؤون الحركة الوطنية الأسيرة وعضو قيادة الحركة الشعبية لنصرة الأسرى
والحقوق الفلسطينية أن عملية تبادل الأسرى في العام 1983 كانت من أبرز
وأضخم صفقات التبادل في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها
حيث أن إسرائيل دخلت حرب عام 1982 تحت شعار
عملية 'سلامة الجليل ' من أجل وقف ومنع تساقط صواريخ الكاتيوشا علي أراضيها
, واجتاحت القوات الإسرائيلية المدن والقرى والمخيمات في لبنان , وخلال
عمليات الاجتياح استطاع الفلسطينيون ممثلين بمنظمة التحرير الفلسطينية
وقيادة حركة فتح ومن قاتل معهم إيقاع خسائر عسكرية وسياسية بإسرائيل .
وأشاد سالم إلي أن معالم الخسارة
الإسرائيلية هو وقوع أسرى إسرائيليين في أيدي مقاتلي حركة التحرير الوطني
الفلسطيني فتح وبلغ عدد الجنود الإسرائيليين ' 8 ' حيث احتفظت حركة فتح
بستة جنود وتحفظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ' القيادة العامة ' على 2
منهم لظروف خاصة بمسرح العملية وظروفها
وعن عملية خطف الجنود الثمانية كشف د .
الباحث سالم عن عملية الأسر من خلال أحد مساعدي أبو جهاد خليل الوزير محمود
العالول المسئول العسكري عن الأسرى الذي أكد أن عملية أسر الجنود
الإسرائيليين الثمانية تم في منطقة لبنانية أسمها وادي العبيدية أسفل جبل
بحمدون , وهي منطقة شديدة الوعورة مليئة بالأحراش الكثيفة , حيث كانت
مجموعات حركة
فتح خلف خطوط العدو تقوم بعملياتها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي وكان الجنود الثمانية يشكلون كمينا متقدما لقوات العدو .
وفي ذات السياق تحدث عن مسرح عملية التبادل
موضحا بأن أحد اتفاق إخلال بيروت في نهاية حصار الثلاثة أشهر الذي صمد فيه
ياسر عرفات وقيادة المنظمة وأركان حركة فتح , الإفراج عن كل الأسرى الذي
تمكن العدو من أسرهم أثناء سير العمليات العسكرية وحشدهم في معتقل أنصار من
مدنيين وعسكريين , سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين أو من جنسيات عربية
أو أجنبية , وإغلاق المعتقل .
وأوضح الخبير في شؤون الحركة الأسيرة أن
إسرائيل تلكأت وماطلت , في شروط قيادة حركة فتح , لأنها كانت تعتقد أنه
باستطاعتها الإفراج عن الجنود بالقوة المسلحة , إلا أن جميع محاولاتها هذه
باءت بالفشل وبعد إعلان الزعيم القائد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير والقائد الأعلى للثورة الفلسطينية المسلحة عن شروطه للإفراج
عن الجنود الإسرائيليين وبدء المفاوضات تراجعت إسرائيل عن تصريحاتها وقبلت
بالتفاوض حول الأسرى من خلال أطراف ثالثة من أجل إجراء عملية تبادل الأسرى
.
وأكد د . سالم أن المفاوضات كانت في البداية
بطيئة وكثيرة التعثر , وذلك لإصرار العدو علي عدم الاستجابة للشروط التي
وضعتها قيادة المنظمة وفتح , حيث اعتبرها ثمنا باهظا .
وأوضح سالم عضو قيادة الحركة الشعبية لنصرة
الأسرى والحقوق الفلسطينية أنه تم تفويض السياسي الإسرائيلي المحسوب علي
معسكر اليسار الحمائمي' أريه الياف ' في شهر تشرين أول 1982 للقيام بهذه
المهمة , فأجريت الاتصالات الأولى عبر مستشار النمسا ' برونوكر ايسكى '
الذي أبدى استعداده لأسباب إنسانية للمشاركة في عملية التفاوض , إلا أن
الحكومة الإسرائيلية لم تعلن ذلك رسميا إلا في أواخر شباط عام 1982.
وأفاد د . مجدي سالم إن إصرار سلطات العدو
على عدم الاستجابة لشروط قيادة منظمة التحرير ممثلة برئيسها أبو عمار كان
يصل بالمفاوضات إلى طريق مسدود , مشيرا بذلك إلى أن العدو كان يحاول كسب
الوقت للقيام بعملية عسكرية خاصة للإفراج عن أسراه لدى الثورة الفلسطينية
بالقوة , حيث كانت تبرز عدم نجاح مفاوضات التبادل أمام الأسرى , وأمام
الرأي العام الإسرائيلي إلا أن تصلب المفاوضين الفلسطينيين برئاسة جمال
الصوراني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونبيل الرملاوي
ممثل المنظمة في جنيف والملازم نور علي عضو القيادة الجبهة الشعبية القيادة
العامة والعقيد فخري شقورة وأبو حازم الشهابي عضو قيادة الجبهة الشعبية
القيادة العامة وصلاح التعمري قائد معتقل سجن أنصار وبالفعل فإن تصلب أعضاء
اللجنة أضاف تعقيدات علي عملية المفاوضات .
وبعد عملية التصلب من الجانب الفلسطيني بدأت
الحكاية والرواية كما يرويها الباحث سالم عندما واجه رئيس الوزراء
الإسرائيلي مناحيم بيغن ضغوطات كبيرة داخل الشارع الإسرائيلي
من قبل الأسرى في أنصار والرأي العام في
الكيان الصهيوني والرأي العام العالمي , بالإضافة إلي إزدياد المخاطر التي
يمكن أن يتعرض لها الأسرى الإسرائيليون نتيجة أوضاع الساحة الفلسطينية في
الشمال . بعد كل هذه الضغوطات علي كل الساحات سقط مناحيم بيغن وحكومته وحدث
أول تغيير في الطاقم السياسي الحاكم في إسرائيل بوصول شامير إلى رئاسة
الوزراء وشكلت القيادة الإسرائيلية طاقماً خاصاً أوكل له وزير دفاع العدو '
موشيه أرنس' مهمة استئناف المفاوضات والوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى
السته الذين تحتفظ بهم حركة فتح وترك الأسيرين الذين تحتفظ بهما القيادة
العامة, إلى مرحلة تالية .
وأشار سالم حول تفاصيل عملية التبادل أن
الطاقم الإسرائيلي تشكل من المحامي 'رابيه مارنيكس ' كرئيس للطاقم الذي عمل
بالتنسيق مع أرييه ألياف وممثلي وزارة الخارجية بالإضافة إلى عوفاد ياسوفر
سفير الكيان الصهيوني السابق في جنيف , كما انضم إليهم المحامي سموئيل
تامير والجنرال عاموس يارون رئيس شعبة التدريب في الجيش الإسرائيلي اللذين
أشرفا علي تنسيق بنود الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه فعلا في هذه
المفاوضات أفاد سالم بأن كل من رومانيا وفرنسا ساهم في هذه المفاوضات
بالإضافة إلي النمسا واللجنة الدولية للصليب الأحمر .
واستمرت المحادثات التي جرت بشأن عملية تبادل
الأسرى أكثر من عام ونصف , وشاركت فيها جهات دولية عديدة بينها النمسا في
شخص مستشارها برونو كرايسكي وفرنسا في مرحلة لاحقة , بالإضافة إلى منظمة
الصليب الدولي . وقد تعرضت هذه المحادثات لأكثر من نكسة كنت خلالها الأطراف
المعنية لا تتفق علي الشروط الموضوعة .
وقال الدكتور سالم أن منظمة التحرير
الفلسطينية وضعت منذ البداية شروطها لعملية التبادل وهي إطلاق سراح جميع
معتقلي أنصار وعدد من المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات
الإسرائيلية بالإضافة إلي استعادة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني .
ومن أجل ملاحقة هذا الموضوع شكلت منظمة
التحرير لجنة خاصة للمتابعة ومواصلة الاتصالات مع الأطراف المعنية , وكذلك
شكلت ( إسرائيل ) لجنة للمتابعة تغير أكثر من مرة وشاركت في المحادثات
عناصر من حركة السلام الإسرائيلية , وتنقل مسؤولون إسرائيليون في عدد من
العواصم الأوروبية في مهامات تتعلق بالتبادل , وفي كل مرة كانت فيها
المحادثات تصل إلي مرحلة إيجابية كانت تعود وتصاب بالشلل بسبب التعنت
والرفض الإسرائيلي في المحادثات علي إطلاق سراح عدد من الأسرى في السجون
والمعتقلات الإسرئيلية .
وأضاف سالم أنه خلال الاشتباكات التي جرت في
شمال لبنان بدأت المفاوضات تأخذ منحى جديدا , فقد أحست ( إسرائيل ) بالخطر
يتهدد حياة أسراها الستة الذين نقلوا أكثر من مرة من الأمكنة التي كانوا
فيها , وعندما شعرت ( إسرائيل ) بأن معركة طرابلس باتت وشيكة اضطرت للرضوخ
للمطالب الفلسطينية بالإفراج عن العدد الذي تحدد من معتقلي الأراضي المحتلة
, وهكذا وصلت المفاوضات إلى النهاية بسرية مطلقة , وحتى اللحظة الأخيرة
لضمان نجاحها إلا أن ( إسرائيل ) كعادتها لم تحترم الاتفاق عندما تهربت من
إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين مثل زياد أبو عين وغيره مستغلة الظروف
الصعبة التي كانت تمر بالثورة الفلسطينية نتيجة لمعارك طرابلس الطاحنة .
وبين الباحث أنه بعد أن توصلت لجان المتابعة
الخاصة التي شكلتها كل من منظمة التحرير الفلسطينية و( إسرائيل ) إلي
الخطوط العامة لاتفاقية تبادل الأسرى والتي ساهمت في تحقيقها جهات دولية
مختلفة فرنسية ونمساوية ومنظمة الصليب الأحمر الدولية و قام جون هفيليكر
مندوب الصليب الأحمر بالسفر إلي لبنان حيث اجتمع مع القيادة الفلسطينية في
مدينة طرابلس لوضع اللمسات الأخيرة علي الاتفاقية , وشارك في محادثات
طرابلس من جانب المنظمة : السيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة
والسيد نبيل أبو ردينه بينما شارك السيد جان هفيليكر ممثلا للصليب الأحمر ,
وقدر شارك السيد خليل الوزير ' أبو جهاد ' نائب القائد العام للثورة
الفلسطينية في بعض جلسات تلك المحادثات التي جرت في طرابلس في ظل القتال
والمعارك وضجيج الانفجارات .
وقال سالم عن التفاصيل الدقيقة لعملية
البادل أنه بدت في ميناء طرابلس بشمال لبنان الساعة العاشرة من ليل الخميس
23 تشرين الثاني 1983 حركة غير عادية , فقد كانت عدة زوارق بخارية تقف علي
أهبة الاستعداد , وكانت منطقة الميناء ومداخلها تخضع لحراسة مشددة , ولا
أحد باستثناء قلة من معاوني رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية وبعض مسؤولي منظمة الصليب الأحمر الدولية يعرف حقيقة ما يجري .
لقد تم وضع الأسرى الإسرائيليون الستة في
سيارة شفرويه ستيشن في الساعة الحادية عشرة والربع واتجهت بهم إلي منطقة
الميناء تحرسهم عدة سيارات لانروفر , ويرافقهم عدد من مقاتلي منظمة التحرير
الفلسطينية وبعض موظفي الصليب الأحمر , وفي منطقة الميناء تصافح الأسرى مع
حراسهم , وانتقلوا إلى زوارق صيد بخارية نقلتهم إلى سفينة فرنسية رفعت علم
الصليب الأحمر الدولي علي بعد ثمانية كيلو مترات عن شواطئ طرابلس حيث جرت
عملية التسليم , حيث قام شموئيل تامير رئيس الوفد الإسرائيلي الذي فاوض في
جنيف باستلام الأسرى الإسرائيليين الستة من مندوبي الصليب الأحمر الدولي .
وفي الجهة الأخرى , في منظمة الجنوب
اللبناني كانت تتم عملية مماثلة ... حيث توجهت قيادة الجيش الإسرائيلي إلي
معتقل أنصار وعرضت علي معتقلي أنصار الخيار بين البقاء في لبنان أو التوجه
إلى الجزائر , فاختار حوالي 3600 معتقل منهم التوجه إلى الجزائر .
أما المعتقلون الذين قرروا البقاء في لبنان فقد تم نقلهم بالباصات (120باصا ) إلى مختلف
المناطق في الجنوب , أما الأسرى المتجهون
إلى شمال لبنان فقد تم نقلهم إلى جسر نهر الأولى ... وفي هذه الأثناء قامت
القوات الإسرائيلية بتحركات مكثفة جعلت سكان الجنون اللبناني يعتقدون أن (
إسرائيل ) قد بدأت بعدوان جديد , وشملت هذه الإجراءات تحركات مكثفة
لناقلات الجنود والمدرعات والدبابات , كما تم فرض حظر التجول علي صيدا وصور
والنبطية .
أما الذين اختاروا التوجه إلى الجزائر فقد تم
تجميعهم في معتقل أنصار ضمن مجموعات صغيرة يرتدون البدلات الزرقاء
والخضراء , وتم نقلهم بالباصات إلي طائرات عسكرية إسرائيلية من طراز
هيركليس وحوامات عسكرية قامت بنقلهم تحت حراسة المظليين المشددة وبعد
تكبيلهم بمقاعدهم توجهوا إلى تل أبيب . ومن تل أبين نقلوا بالباصات إلى
مطار اللد , حيث تم تخصيص أحد مدرجات المطار لهذا الغرض , ووقفت قوات كبيرة
من الجيش الإسرائيلي والشرطة العسكرية وقوات المظليين لتأمين عملية
التبادل . وعند الساعة العاشرة والنصف مساء هبطت ثلاث طائرات جامبو تابعة
لشركة الخطوط الجوية الفرنسية ووقفت في المدرج المخصص . وعند منتصف الليل
تقريبا هبطت الطائرات العسكرية الإسرائيلية التي تحمل 1024 معتقلا حيث
انضموا هناك إلى أكثر من مائة معتقل ومعتقلة كانوا في سجون الاحتلال يقضون
فترات سجن تتراوح بين 20 سنة ومدى الحياة . وصعد الجميع إلى الطائرات
الفرنسية في انتظار كلمة السر من طرابلس للإقلاع .
وأقلعت الطائرة الأولى من مطار بن غوريون إلي
الجزائر عبر مطار القاهرة عندما غادر الأسرى الإسرائيليون الستة مدينة
طرابلس في قارب بخاري في طريقهم إلى السفينة الفرنسية
التي ترفع علم الصليب الأحمر , وأقلعت
الطائرة الثانية حينما أصبح الأسرى الستة علي ظهر السفينة وغادرة الطائرة
الثالثة بعد أن توجهت السفينة الفرنسية إلي عرض البحر باتجاه أحدى السفن
الإسرائيلية . وكان قد تم شحن عشرات الصناديق الكبيرة علي متن إحدى
الطائرات الثلاثة . وكانت هذه الصناديق تحتوي علي 32 طنا من الوثائق
والتقارير والمراجع والدراسات التي هي محتويات أرشيف مركز الأبحاث
الفلسطيني الذي صادرته ونهبته القوات الإسرائيلية لدى دخولها بيروت الغربية
, واشترطت منظمة التحرير أن يتم شموه في صفقة عملية التبادل .
وقام المعتقلون ال 1024 خلال سفرهم إلى مطار
برفع أيديهم بعلامة الانتصار وقاموا بترديد الهتافات والأناشيد الوطنية
الفلسطينية و وهتفوا بحياة الثورة الفلسطينية و وكان في استقبالهم في
الجزائر القادة أبو إياد ونايف حواتمة وممثلون عن قيادة حزب جبهة التحرير
الوطنية الجزائرية وممثلو حركات التحرير العربية والعالمية الموجودون في
الجزائر وحشد من المجاهدين الجزائريين القدامى , والاتحادات الشعبية
الجزائرية وحشد كبير من الصحفيين العرب والأجانب .
ولقد تضمنت عملية التبادل إطلاق سراح ستة
أسرى إسرائيليين مقابل 4700 معتقل من معتقل أنصار ومن سجون العدو والأسرى
الإسرائيليون الذين أطلق سراحهم هم :
1- الياهو أبو طبول – عكا – 20 سنة
2- داني غلبوع – تل أبين – 20 سنة
3- رفائيل حزان – حولون – 21 سنة
4- روبين كوهين - ...... – 19 سنة
5- إبراهام فتلسكي – حولون -19 سنة
6- آفي كورنفيد – عكا – 20 سنة
أما المعتقلون الفلسطينيون فقد كانوا موزعين علي الشكل التالي :
(4700 معتقل فلسطيني ولبناني ) كانوا معتقلين
في معسكر أنصار , ذهب منهم 1024 إلي الجزائر وأطلق سراح الباقين , وعادوا
إلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم في أنحاء لبنان .
(65 معتقلا فلسطينيا ) كانوا في السجون
الإسرائيلية منهم 52 معتقلا حكموا بالسجن مدى الحياة بينهم ثمانية معتقلين
من الفلسطينيين في المناطق المحتلة في عام 1948 .
(35 معتقلا ) تم احتجازهم علي عملية القرصنة
البحرية التي قامت بها السفن الحربية الإسرائيلية في المياه الدولية
والإقليمية اللبنانية .