هل يتغير الواقع بتغير
الأسماء والظروف ؟
بقلم عزالدين مبارك
نحن الآن في خضم مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والرهانات وذلك بعد انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي والشروع في كتابة دستور جديد للبلاد ودخلنا بذلك في الشرعية الشعبية.
ونحمد الله كثيرا على وعي الشعب التونسي الصبور والمكافح على تحليه باليقظة والعقلانية وقد مرت الفترة الانتقالية بسلام رغم زلات بعض السياسيين وإطلالة الثورة المضادة.
والسؤال الجوهري والمطروح الآن، هل بتغير الأسماء والظروف يتغير الواقع الذي كنا نعيشه قبل الثورة وهل تتحقق أهداف من استشهد وناضل وكافح في سبيل الحرية والكرامة والغد الأفضل؟
فالعبرة ليست بالمناصب وتبوء الكراسي ورفع الشعارات والظهور في المنابر ووسائل الإعلام، بل العبرة بالنتيجة أولا وأخيرا.
فالشعب يراقب وعينه مفتوحة على الآخر وهو مسكون بعد الثورة بتطلعات كبيرة وقد تكون ملحة كالبطالة ورفع المظالم والمحاسبة وتنظيف البيت من الداخل وقد لا تكون مستعجلة كالإصلاحات الهيكلية على المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ونعتقد أن محتوى الخطاب الموجه للطبقات الشعبية الخالي من الوعود الزائفة والتطمينات
البعيدة عن الواقع والمصداقية والشروع في الإصلاحات السياسية الملحة ضمن مبدأ الوفاق الديمقراطي بين أطياف الأحزاب الحاكمة والمعارضة هو الباب الذي نبعث من خلاله رسالة إيجابية للشعب الكريم والناس البسطاء الذين يقدرون الحاكم المواطن الذي يعيش همومهم ولا يتكبر عليهم بعد أن منحوه السلطة.
فنحن في حاجة أكيدة لحاكم شعبي لا تغره المظاهر ولا تسكره شهوة الحكم وأبهة الكرسي، وذلك ليس في أعلى هرم السلطة فحسب، بل في جميع المواقع السياسية والإدارية وغيرها.
كما أن الشفافية والمصداقية في الخطاب السياسي المقترن بالأفعال والانجازات الملموسة على أرض الواقع تؤدي في آخر المطاف إلى طمأنة الطبقات الشعبية وتفهمها للتمشي الذي تسير عليه أمور الدولة فتنحاز إليه طواعية ودون إكراه وتتبناه لأنه يخدم مصالحها ويلبي حاجياتها وطموحاتها.
وللإعلام دور كبير وخطير في نفس الوقت، لتكريس مبادئ الديمقراطية والكشف عن الحقائق والنقد البناء بعيدا عن المجاملة وتزييف الواقع وكذلك التهويل والإثارة.
وكلنا نعي بالتحديات الكبيرة التي تواجه السياسيين والشعب يعرف ذلك جيدا لكنه يراقب التوجهات والتمشي وينتظر النتائج حسب الأولويات وما على الإعلام الحر والنزيه إلا أن يظهر له الحقائق أولا بأول حتى يكون على بينة من الأمر.
فالفترة الماضية طغى عليها تجميل القبيح من الأشياء والسكوت عن الفساد وتأليه الحاكم وشيطنة المعارضة وقتل الفكر الحر النزيه ورغم ذلك فالشعب ثار على الظلم وتحدى إمبراطورية الخوف ومنح ثقته للأسماء الجديدة وأغلبها من المناضلين الحقيقيين الذين ذاقوا السجون والمنافي والقهر، فكيف لا تنتظر منهم عملا جيدا ومتماشيا مع أهداف الثورة المجيدة التي أنقذتهم من النسيان وطغيان الحاكم المستبد وأنصفتهم بل جعلتهم حكاما لها عن طواعية وطيب خاطر لأنها تتوسم فيهم خيرا، فهل يوفون العهد ويشرفون الثورة والشهداء؟
وعلينا أن نعترف أيضا بثقل المسؤولية لأن الإرث الاستبدادي ثقيل جدا وإن منظومة الفساد قد نخرت مفاصل الدولة حتى النخاع ومن الممكن انتظار جيل جديد بأكمله حتى نحصد آثار الثورة وتتحقق أهدافها بالكامل.
فلا يمكن تحقيق الأماني الطيبة بالأحلام فواقعنا الذي كنا نعيش فيه قبل الثورة موبوء ومتعفن ولا تصلح فيه الحياة أصلا إلا لمن باع ضميرة وأصبح فاقدا لإنسانيته وآدميته.
فالشعب كان مقهورا فاقد العقل واللسان والحرية والكرامة وهذا ما سبب بعد الثورة الكثير من التشجنجات والانفعالات والتجاذبات والتي هي بفعل الكبت الكامن في النفوس لمدة طويلة وتدافع المصالح وهذا أمر طبيعي ومفهوم.
والسياسيون المحنكون وهم كثر في تونس وقد اكتشفناهم والحمد لله بعد الثورة وقد كان في زمن الهارب فرد واحد يفقه السياسة والآخرون تلامذة في مدرسته، والغريب أن بعض الجامعيين والمثقفين كرسوا هذا الواقع المقيت للحصول على المكاسب الزائفة والمغانم الفاسدة وهم العارفون بدقائق الأمور لكن الشعب العظيم يفقه أكثر منهم ولا يجامل الفاسدين وأصحاب الطبل والمزمار وقد انكشف المستور فهل يعتذرون ويغادرون؟
فالأسماء عليها أن تذوب في المشروع الذي خطه الشهداء بدمائهم وتنزع من قاموسها ديمومة الكرسي وقدسية المنصب المحكوم بالظرفية وبصندوق الانتخابات وليس بالمحسوبية والولاء.
كما أن الشعب الطيب الذي أنجز الثورة بأقل التكاليف وتجاوز محنته وقاوم الظلم بحكمة قل نظيرها لهو حري بأن يحكمه الشرفاء وأصحاب الأيادي النظيفة والنوايا الطيبة لتأدية واجب الأمانة الشعبية والاعتراف بجميله الموصول.
وبانطلاق مداولات المجلس التأسيسي والشروع في أعماله ندخل مرحلة جد هامة ومصيرية قد تعيدنا للتاريخ من جديد وتبعث في مفاصل الدولة الحياة بعد أحقاب من الترهل والتلاشي والضعف.
ونتمنى صادقين أن يكون للمواطن الحظوة والمكانة الرفيعة وتتحقق دولة المؤسسات وحقوق الإنسان الفعلية النابعة من إرادة الشعب الحقيقية. ولا أخال السياسيين الحاليين ورغم صعوبة المهمة ودقة المرحلة وتعدد التحديات إلا في مستوى تطلعات الشعب المكافح لأنهم من فئة المناضلين الحقيقيين والمكتوين بنار الظلم والقهر والاستبداد فكيف يمكن القيام بأفعال كانوا في الماضي القريب ضحية لها وحاربوها ونبذوها؟
وهذا ما يولد لنا شعورا بالاطمئنان نحو الحكام الجدد وما سيقومون به في الآجال القريبة والبعيدة.
ومرحلة التأسيس للجمهورية الجديدة تبدأ بالشروع في كتابة الدستور الجديد على أسس متينة تقطع مع جمهورية الديكتاتورية والفساد وذلك في نطاق الوفاق المجتمعي والسياسي الهادف إلى مصلحة المواطن وإرساء قواعد اللعبة الديمقراطية ودولة القانون والمواطنة والتداول السلمي على الحكم حسب إرادة الشعب المنبثقة عن طريق الانتخابات النزيهة والشفافة.
والأسماء بنضالاتها وشرعيتها الانتخابية والشعبية لا تعني شيئا إذا لم تقم بتحقيق إرادة الشعب على أرض الواقع وإنجاز أهداف الثورة وتطلعات من اختارهم للسلطة.
فالظروف تغيرت بفعل الثورة المباركة وبدأنا نتحسس واقعا جديدا على السياسيين والمثقفين والحكام الجدد تجذيره وتحقيقه على مستوى الممارسات والعقليات والتصرفات اليومية حتى لا تقع الردة بغياب الأشخاص وتبدل الظروف والتحديات.
وهذا يجرنا على تحويل أهداف الثورة إلى مؤسسات ثابتة ومتغلغلة في الواقع ولا تتأثر بالظرفية والأشخاص.
فالدولة كيان مستقل عن تجاذبات الأحزاب ومركزها القانوني ثابت وهي في العرف الديمقراطي خادمة للشعب، أما الأنظمة السياسية فهي متغيرة مثل الأشخاص وغير مستقرة وتنتهي بانتهاء مدة حكمها ولا تطيل فيها تعسفا وتترك الحكم طوعا ولا قهرا.
الأسماء والظروف ؟
بقلم عزالدين مبارك
نحن الآن في خضم مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والرهانات وذلك بعد انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي والشروع في كتابة دستور جديد للبلاد ودخلنا بذلك في الشرعية الشعبية.
ونحمد الله كثيرا على وعي الشعب التونسي الصبور والمكافح على تحليه باليقظة والعقلانية وقد مرت الفترة الانتقالية بسلام رغم زلات بعض السياسيين وإطلالة الثورة المضادة.
والسؤال الجوهري والمطروح الآن، هل بتغير الأسماء والظروف يتغير الواقع الذي كنا نعيشه قبل الثورة وهل تتحقق أهداف من استشهد وناضل وكافح في سبيل الحرية والكرامة والغد الأفضل؟
فالعبرة ليست بالمناصب وتبوء الكراسي ورفع الشعارات والظهور في المنابر ووسائل الإعلام، بل العبرة بالنتيجة أولا وأخيرا.
فالشعب يراقب وعينه مفتوحة على الآخر وهو مسكون بعد الثورة بتطلعات كبيرة وقد تكون ملحة كالبطالة ورفع المظالم والمحاسبة وتنظيف البيت من الداخل وقد لا تكون مستعجلة كالإصلاحات الهيكلية على المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ونعتقد أن محتوى الخطاب الموجه للطبقات الشعبية الخالي من الوعود الزائفة والتطمينات
البعيدة عن الواقع والمصداقية والشروع في الإصلاحات السياسية الملحة ضمن مبدأ الوفاق الديمقراطي بين أطياف الأحزاب الحاكمة والمعارضة هو الباب الذي نبعث من خلاله رسالة إيجابية للشعب الكريم والناس البسطاء الذين يقدرون الحاكم المواطن الذي يعيش همومهم ولا يتكبر عليهم بعد أن منحوه السلطة.
فنحن في حاجة أكيدة لحاكم شعبي لا تغره المظاهر ولا تسكره شهوة الحكم وأبهة الكرسي، وذلك ليس في أعلى هرم السلطة فحسب، بل في جميع المواقع السياسية والإدارية وغيرها.
كما أن الشفافية والمصداقية في الخطاب السياسي المقترن بالأفعال والانجازات الملموسة على أرض الواقع تؤدي في آخر المطاف إلى طمأنة الطبقات الشعبية وتفهمها للتمشي الذي تسير عليه أمور الدولة فتنحاز إليه طواعية ودون إكراه وتتبناه لأنه يخدم مصالحها ويلبي حاجياتها وطموحاتها.
وللإعلام دور كبير وخطير في نفس الوقت، لتكريس مبادئ الديمقراطية والكشف عن الحقائق والنقد البناء بعيدا عن المجاملة وتزييف الواقع وكذلك التهويل والإثارة.
وكلنا نعي بالتحديات الكبيرة التي تواجه السياسيين والشعب يعرف ذلك جيدا لكنه يراقب التوجهات والتمشي وينتظر النتائج حسب الأولويات وما على الإعلام الحر والنزيه إلا أن يظهر له الحقائق أولا بأول حتى يكون على بينة من الأمر.
فالفترة الماضية طغى عليها تجميل القبيح من الأشياء والسكوت عن الفساد وتأليه الحاكم وشيطنة المعارضة وقتل الفكر الحر النزيه ورغم ذلك فالشعب ثار على الظلم وتحدى إمبراطورية الخوف ومنح ثقته للأسماء الجديدة وأغلبها من المناضلين الحقيقيين الذين ذاقوا السجون والمنافي والقهر، فكيف لا تنتظر منهم عملا جيدا ومتماشيا مع أهداف الثورة المجيدة التي أنقذتهم من النسيان وطغيان الحاكم المستبد وأنصفتهم بل جعلتهم حكاما لها عن طواعية وطيب خاطر لأنها تتوسم فيهم خيرا، فهل يوفون العهد ويشرفون الثورة والشهداء؟
وعلينا أن نعترف أيضا بثقل المسؤولية لأن الإرث الاستبدادي ثقيل جدا وإن منظومة الفساد قد نخرت مفاصل الدولة حتى النخاع ومن الممكن انتظار جيل جديد بأكمله حتى نحصد آثار الثورة وتتحقق أهدافها بالكامل.
فلا يمكن تحقيق الأماني الطيبة بالأحلام فواقعنا الذي كنا نعيش فيه قبل الثورة موبوء ومتعفن ولا تصلح فيه الحياة أصلا إلا لمن باع ضميرة وأصبح فاقدا لإنسانيته وآدميته.
فالشعب كان مقهورا فاقد العقل واللسان والحرية والكرامة وهذا ما سبب بعد الثورة الكثير من التشجنجات والانفعالات والتجاذبات والتي هي بفعل الكبت الكامن في النفوس لمدة طويلة وتدافع المصالح وهذا أمر طبيعي ومفهوم.
والسياسيون المحنكون وهم كثر في تونس وقد اكتشفناهم والحمد لله بعد الثورة وقد كان في زمن الهارب فرد واحد يفقه السياسة والآخرون تلامذة في مدرسته، والغريب أن بعض الجامعيين والمثقفين كرسوا هذا الواقع المقيت للحصول على المكاسب الزائفة والمغانم الفاسدة وهم العارفون بدقائق الأمور لكن الشعب العظيم يفقه أكثر منهم ولا يجامل الفاسدين وأصحاب الطبل والمزمار وقد انكشف المستور فهل يعتذرون ويغادرون؟
فالأسماء عليها أن تذوب في المشروع الذي خطه الشهداء بدمائهم وتنزع من قاموسها ديمومة الكرسي وقدسية المنصب المحكوم بالظرفية وبصندوق الانتخابات وليس بالمحسوبية والولاء.
كما أن الشعب الطيب الذي أنجز الثورة بأقل التكاليف وتجاوز محنته وقاوم الظلم بحكمة قل نظيرها لهو حري بأن يحكمه الشرفاء وأصحاب الأيادي النظيفة والنوايا الطيبة لتأدية واجب الأمانة الشعبية والاعتراف بجميله الموصول.
وبانطلاق مداولات المجلس التأسيسي والشروع في أعماله ندخل مرحلة جد هامة ومصيرية قد تعيدنا للتاريخ من جديد وتبعث في مفاصل الدولة الحياة بعد أحقاب من الترهل والتلاشي والضعف.
ونتمنى صادقين أن يكون للمواطن الحظوة والمكانة الرفيعة وتتحقق دولة المؤسسات وحقوق الإنسان الفعلية النابعة من إرادة الشعب الحقيقية. ولا أخال السياسيين الحاليين ورغم صعوبة المهمة ودقة المرحلة وتعدد التحديات إلا في مستوى تطلعات الشعب المكافح لأنهم من فئة المناضلين الحقيقيين والمكتوين بنار الظلم والقهر والاستبداد فكيف يمكن القيام بأفعال كانوا في الماضي القريب ضحية لها وحاربوها ونبذوها؟
وهذا ما يولد لنا شعورا بالاطمئنان نحو الحكام الجدد وما سيقومون به في الآجال القريبة والبعيدة.
ومرحلة التأسيس للجمهورية الجديدة تبدأ بالشروع في كتابة الدستور الجديد على أسس متينة تقطع مع جمهورية الديكتاتورية والفساد وذلك في نطاق الوفاق المجتمعي والسياسي الهادف إلى مصلحة المواطن وإرساء قواعد اللعبة الديمقراطية ودولة القانون والمواطنة والتداول السلمي على الحكم حسب إرادة الشعب المنبثقة عن طريق الانتخابات النزيهة والشفافة.
والأسماء بنضالاتها وشرعيتها الانتخابية والشعبية لا تعني شيئا إذا لم تقم بتحقيق إرادة الشعب على أرض الواقع وإنجاز أهداف الثورة وتطلعات من اختارهم للسلطة.
فالظروف تغيرت بفعل الثورة المباركة وبدأنا نتحسس واقعا جديدا على السياسيين والمثقفين والحكام الجدد تجذيره وتحقيقه على مستوى الممارسات والعقليات والتصرفات اليومية حتى لا تقع الردة بغياب الأشخاص وتبدل الظروف والتحديات.
وهذا يجرنا على تحويل أهداف الثورة إلى مؤسسات ثابتة ومتغلغلة في الواقع ولا تتأثر بالظرفية والأشخاص.
فالدولة كيان مستقل عن تجاذبات الأحزاب ومركزها القانوني ثابت وهي في العرف الديمقراطي خادمة للشعب، أما الأنظمة السياسية فهي متغيرة مثل الأشخاص وغير مستقرة وتنتهي بانتهاء مدة حكمها ولا تطيل فيها تعسفا وتترك الحكم طوعا ولا قهرا.