برهنت تسريبات البرقيات الامريكية التي نشرها موقع ويكيليكس اخيرا عن الادعاءات الكثيرة التي اطلقها بعض المحللين حول نشاط قناة الجزرة المشبوه.
حيث كشفت بعض البرقيات ان القناة المذكورة كانت اداة سياسية اقرب من كونها وسيلة اعلام مهنية محايدة، خصوصا بعد اتضاح دور دولة القطر في استخدامها كأداة ابتزاز سياسي في تعاملاتها الدبلوماسية مع دول العالم.
وبحسب العديد من المحللين ان الاعلام العربي بصورة عامة يفتقد في اغلب طرحه الى الحياد المطلوب والاستقلالية المهنية، خصوصا ان الانظمة العربية تهيمن على معظم وسائل الاعلام، وتمارس اشكال القمع والتضييق على القلة الباقية من تلك الوسائل التي تجهد في عدم الخضوع الى املاءات السلطات.
ويكيليكس
فقد كشفت مذكرات دبلوماسية اميركية سربها موقع ويكيليكس ونشرتها صحيفة ذي غارديان البريطانية ان قطر تستخدم قناة الجزيرة الفضائية كاداة مساومة في مفاوضاتها مع بعض الدول.
ورأى دبلوماسي اميركي في احدى المذكرات السرية المسربة انه بالرغم من تشديد القناة على استقلاليتها الا انها "من اهم الادوات السياسية والدبلوماسية التي تملكها قطر".
وجاء في الوثائق ان قطر تتدخل لتعديل تغطية الجزيرة لارضاء بعض القادة الاجانب. كما اوحت المذكرة بان قطر عرضت الغاء بعض التقارير والبرامج التي تتضمن انتقادات لقاء تنازلات معينة.
واشارت برقية دبلوماسية بتاريخ تشرين الثاني/نوفمبر 2009 الى امكانية استخدام القناة "كوسيلة مساومة لتحسين العلاقات مع بعض الدول وعلى الاخص الدول المستاءة من تقارير الجزيرة، بما فيها الولايات المتحدة".
ويرى الدبلوماسيون الاميركيون ان سيطرة حكومة قطر على خط القناة التحريري مباشرة الى حد قالوا ان برامج الجزيرة اصبحت "جزءا من محادثاتنا الثنائية، مثلما كان لها تاثير ايجابي (على العلاقات) بين قطر وكل من السعودية والاردن وسوريا ودول اخرى".
وفي شباط/فبراير كتبت السفارة الاميركية في الدوحة لواشنطن ان "العلاقات (بين قطر والسعودية) تتحسن بصورة عامة بعدما لطفت قطر من الانتقادات للاسرة المالكة السعودية على الجزيرة".
غير ان السفير الاميركي في قطر جوزيف لوبارون اشار في مذكرة الى ان تغطية الجزيرة لاحداث الشرق الاوسط "تتسم نسبيا بالحرية والانفتاح".
لكنه اضاف "بالرغم من تاكيدات حكومة قطر على العكس، الا ان الجزيرة تبقى من اهم الادوات السياسية والدبلوماسية بيد قطر".
وفي دليل على استخدام القناة لاهداف سياسية، لفتت السفارة في الدوحة الى ان رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني عرض صفقة على الرئيس المصري حسني مبارك.
واوضحت الوثيقة ان الشيخ حمد قال للسناتور الاميركي جون كيري انه عرض على الرئيس المصري صفقة تتضمن وقف البرامج ضد مصر على الجزيرة بشرط ان تبدل القاهرة موقفها من المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. وتابع السفير ان "مبارك لم يرد بحسب (رئيس الوزراء القطري)".
ويبدو بحسب المذكرات ان تغطية القناة باتت اكثر مراعاة للولايات المتحدة بعد انتخاب باراك اوباما رئيسا.
وجاء في برقية بتاريخ تشرين الثاني/نوفمبر 2009 انه "بحسب الادلة ووفق ما اكده عاملون سابقون في الجزيرة، فان صورة الولايات المتحدة باتت اكثر ايجابية (على الجزيرة) منذ تولي ادارة اوباما السلطة".
حظر الجزيرة والعربية
في سياق متصل دعت زعيمة حزب الشعب الدنمركي الذي تعتمد عليه الحكومة في الحصول على التأييد بالبرلمان لوقف بث قناتي الجزيرة والعربية التلفزيونيتين بالدنمرك.
واتهمت بيا كيارسجارد زعيمة ثالث اكبر الاحزاب في البرلمان الدنمركي القناتين ببث الكراهية بين تجمعات المهاجرين ضد المجتمع الغربي. وقالت حكومة يمين الوسط الائتلافية انها لا تؤيد موقف بيا بخصوص القناتين.
وستكون الهجرة التي تمثل موضوعا مثيرا للجدل في عدد من دول أوروبا الغربية موضوعا محوريا في الدعاية الانتخابية للانتخابات المقررة بحلول منتصف نوفمبر تشرين الثاني 2011.
واقرت حكومة الاقلية قوانين مشددة بخصوص الهجرة مقابل الحصول على دعم حزب الشعب الدنمركي منذ عام 2001.
وقالت كيارسجارد في مقابلة صحفية نشرت يوم الاحد انها ستنظر في ابلاغ سلطات تنظيم البث الدنمركية عن القناتين بهدف وقف بثهما.
وأضافت في المقابلة مع صحيفة برلنجسكي تايدندي "هدفي ببساطة هو تعزيز الاندماج هنا والذي سار باتجاه خاطئ تماما في بعض المناطق السكنية وهذا الى حد كبير بسبب حصول السكان على أخبارهم من هاتين المحطتين التلفزيونتين فحسب."
وأضافت "تغطياتهما التلفزيونية مفعمة بالكراهية...هما تسهمان في غرس الكراهية ضد المجتمع الغربي."
وتبث الجزيرة ارسالها من الدوحة في حين تبث قناة العربية من دبي وكلتاهما تتمتعان بشعبية كبيرة بمنطقة الشرق الاوسط ولهما مستمعين خارج المنطقة وتبثان برامج اخبارية تتناول اساسا الاحداث الجارية.
وقال ناصر الصرامي مدير الاعلام في قناة العربية المملوكة لسعوديين ان تلك الاتهامات عارية تماما عن الصحة وانه مسرور لان بقية الاحزاب في الدنمرك لا تشارك هذا الحزب وجهة نظره.
واضاف ان العربية تواجه عادة اتهامات في العالم العربي بأنها موالية للغرب مشيرا الى أن توجيه النقد للقناة من الجانبين يجعل المسؤولين بها يشعرون بأنهم يؤدون عملهم على النحو الصحيح.
وقال حزبا الاحرار والمحافظون اللذان تشير استطلاعات الرأي الى احتمال أن تطيح بهما المعارضة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لو جرت الانتخابات الان انهما لا يؤيدان أراء كيارسجارد بخصوص القناتين التلفزيونيتين.
وطرح رئيس وزراء الدنمرك لارس لوكي راسموسن في 27 اكتوبر تشرين الثاني خطة لتعزيز الاندماج في بعض المناطق السكنية. ومن بين بنود الخطة التي تشمل 32 اقتراحا تخفيض نسبة المهاجرين في مناطق محددة.
وقال حزب الشعب انه يدعم الخطة لكن كيارسجارد دعت كذلك "للنضال" ضد الاسلام الذي تعتبره تهديدا للديمقراطية.
وتحظى الاحزاب المناهضة للمهاجرين بشعبية في بلدان اخرى بأوروبا مثل النرويج المجاورة وكذلك في ايطاليا وفرنسا وبلجيكا كما حققت تقدما في هولندا والنمسا والسويد التي فاز فيها الحزب الديمقراطي السويدي بمقاعد بالبرلمان للمرة الاولى.
المغرب يغلق مكتب الجزيرة
من جانبها علقت السلطات المغربية الجمعة نشاط مكتب قناة الجزيرة واوقفت العمل بالاعتمادات الممنوحة للعاملين فيه في قرار اثار استنكار القناة وقالت المنظمة المغربية لحقوق الانسان انه "يترجم تردد المغرب في مواصلة عمليةالانفتاح".
وقالت وزارة الاتصال المغربية في بيان ان قرار تعليق القناة جاء بعد "رصد حالات عديدة انحرفت فيها القناة المذكورة عن قواعد العمل الصحافي الجاد والمسؤول".
واضافت ان هذه القواعد تقتضي "التقيد في جميع الظروف والاحوال بشروط النزاهة والدقة والموضوعية والحرص على احترام القواعد والآداب المهنية".
واعربت قناة الجزيرة الفضائية السبت عن استنكارها تعليق انشطة مكتبها في الرباط واكدت ان قرار السلطات المغربية لن يؤثر على "سياستها التحريرية".
واكدت الجزيرة في بيان "استنكارها قرار السلطات المغربية"، واكدت ايضا "التزامها بسياستها التحريرية القائمة على مبدأ الرأي والرأي الآخر".
وشددت الجزيرة على انها "ستستمر في تغطيتها للشأن المغربي بما يخدم مصلحة مشاهديها في اطار متوافق مع ميثاق الشرف الصحافي".
وقالت ان "قرار السلطات المغربية الأخير لن يغير من خط الجزيرة التحريري"، مؤكدة ان "تغطيتها للشأن المغربي كانت دوما مبنية على أسس من المهنية والتوازن والدقة التحريرية، في نهج يعرفه مشاهدو الجزيرة في كل أنحاء العالم".
ويعمل في قناة الجزيرة الفضائية القطرية في الرباط اربعة صحافيين مغاربة بينهم اثنان لم يحصلا على بطاقة اعتمادهما واثنان آخران علق اعتمادهما بموجب القرار الجديد. لكن القناة تواصل البث على الاراضي المغربية.
وقال مسؤول في الحكومة المغربية طالبا عدم كشف هويته ان السلطات المغربية تأخذ على القناة "طريقة معالجتها الملفات المتعلقة بالاسلاميين وقضية الصحراء" الغربية.
من جهته، صرح خالد الناصري وزير الاتصال المغربي لوكالة فرانس برس ان "صورة المغرب تشوه باستمرار، عبر رفض الموضوعية وعدم الانحياز".
واضاف "نأخذ على هذه القناة رفضها معالجة الملفات الكبرى المهمة وتمرير صورة مشوهة للواقع المغربي".
من جهته، قال مدير مكتب الجزيرة في الرباط عبد القادر خروبي ان القناة "احترمت على الدوام قواعد المهنية والحياد لا سيما في المغرب". بحسب فرانس برس.
واضاف "ان ملف الجزيرة ليس للاسف بين ايدي وزارة الاتصال فقط. هناك اطراف اخرى تتخذ قرارات على هذا المستوى"، دون اعطاء توضيحات اخرى. واكد ان قرار التعليق هو "خطأ من قبل السلطات المغربية".
من جهتها، رأت رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الانسان امينة بوعياش ان تعليق عمل الجزيرة "يترجم تردد المغرب في مواصلة عملية الانفتاح ولا سيما على مستوى حرية الصحافة".
واضافت ان المغرب "كان يقدم نفسه على انه استثناء، خلافا للجزائر وتونس اللتين اغلقت فيهما مكاتب الجزيرة منذ فترة طويلة". وتابعت "لكن مع قرار التعليق هذا، يمكننا التحدث عن تراجع".
وقالت وزارة الاتصال المغربية ان "المصالح المختصة" لديها "قامت باعداد جرد شامل وتقييمي دقيق للتقارير والبرامج الاخبارية التي تناولت الشأن المغربي" على القناة.
واضافت انه "ترتب عن هذه المعالجة الاعلامية غير المسؤولة ضرر كبير بصورة المغرب ومساس صريح بمصالحه العليا وفي مقدمتها قضية وحدته الترابية التي تحظى باجماع وطني راسخ لدى كل فئات الشعب المغربي".
وتابعت انه "تطبيقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، تقرر تعليق نشاط قناة الجزيرة في المغرب ووقف العمل بالاعتمادات الممنوحة لطاقمها العامل فوق التراب الوطني للمملكة".
وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" وجهت في آذار/مارس رسالة الى عدد من القادة الاوروبيين "للفت نظرهم الى تدهور وضع حرية الصحافة في المغرب في الاشهر الاخيرة.