مفهوم الإرهاب ومعناه
1 . الإرهاب في اللغة:
تشتق كلمة "إرهاب" من الفعل المزيد (أرهب) ؛ ويقال أرهب فلانا: أي خوَّفه وفزَّعه ، وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رَهِبَ) ، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف ، فيقال : رَهِبَ الشيء رهبا ورهبة أي خافه . والرهبة: الخوف والفزع . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته ، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهبنة والرهبانية . . . إلخ ، وكذلك يستعمل الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد إذا كان متعديا فيقال ترهب فلانا : أي توعده . وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه . وتَرَهَّب الرجل: إذا صار راهبًا يخشى الله . والراهب: المُتَعَبِّد في الصومعة .
والإرهابيون في "المعجم الوسيط": وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية . والإرهابي في "المنجد": من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته ، والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية . و"الإرهاب" في الرائد" هو رعب تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب ، و"الإرهابي" هو مَنْ يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى ، و"الحكم الإرهابي" هو نوع من الحكم الاستبدادي يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية . وتجدر الإشارة إلى أن المعجمات العربية القديمة قد خلت من كلمتي "الإرهاب و "الإرهابي" لأنهما من الكلمات حديثة الاستعمال ، ولم تعرفهما الأزمنة القديمة .
وفي القرآن الكريم ، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال:60) .
قال ابن كثير في التفسير: قوله تعالى تُرْهِبُونَ أي تخوِّفون بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ أي من الكافرين . وقال القرطبي: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ يعني تخيفون به عدو الله وعدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب .
وقال تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر:13) . قال ابن كثير في التفسير: أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله .
ويلحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح "الإرهاب" بهذه الصيغة ، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من المادة اللغوية نفسها ، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع ، وبعضها الآخر يدل على الرهبنة والتعبد . ومن الملحوظ أن مشتقات مادة (رهب) لم ترد كثيرا في الحديث النبوي الشريف ، ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في حديث الدعاء : رغبة ورهبة إليك . نستخلص مما تقدم أن "الإرهاب" يعني التخويف والإفزاع ، وأن "الإرهابي" هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين . ولا يختلف هذا المعنى عما تقرره اللغات الأخرى في هذا الصدد ، فقد ورد في قاموس "المورد" أن كلمة terror تعني: "رعب ، ذُعر ، هول ، كل ما يوقع الرعب في النفوس ، إرهاب ، عهد إرهاب" ، والاسم terrorism يعني: "إرهاب ، ذعر ناشئ عن الإرهاب" ، و terrorist تعني: "الإرهابي" ، والفعل terrorize يعني: "يُرهب ، يُروِّع ، يُكرهه (على أمرٍ) بالإرهاب" .
وفي قاموس أكسفورد " Oxford Dictionary ": نجد أن كلمة Terrorist "الإرهابي" هو الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية ، والاسم Terrorism بمعنى "الإرهاب" يُقصد به "استخدام العنف والتخويف أو الإرعاب ، وبخاصة في أغراض سياسية" .
2 . الاختلاف حول مفهوم "الإرهاب" وتعريفه:
أدى اختلاف الدول في نظرتها إلى الإرهاب من حيث مفهومه ومعناه ، إلى صعوبة اتفاقها على المستوى الدولي بشأن التعاون لمكافحة هذه الظاهرة . ويمكن تجسيد هذا الاختلاف في العبارة المختصرة التي تقول :"إن الإرهابي في نظر البعض ، هو محارب من أجل الحرية في نظر الآخرين" . وأدى ذلك إلى فشل أغلب الجهود الدولية في الوصول إلى تحديد دقيق لحقيقة الإرهاب ، مما حال دون الاتفاق على درجة من التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب ، لدرجة أن المؤتمر الدولي الذي عقد في عام 1973م لبحث الإرهاب والجريمة السياسية قد انتهى إلى أن عدم وجود مفهوم واضح للأسباب التي تؤدي إلى ممارسة النشاطات التي تنشئ حالة الإرهاب هو العقبة التي تحول دون اقتلاع الإرهاب واجتثاث جذوره .
ويختلف الوصف الذي يطلقه رجال الإعلام على أعضاء المنظمات الإرهابية باختلاف الموقف السياسي الذي يتخذونه تجاههم ، ومن ثم استخدمت أوصاف مختلفة عند الإشارة إليهم ، فهم إما إرهابيون أو مخربون أو عصاة أو منشقون أو مجرمون ، وإما جنود تحرير أو محاربون من أجل الحرية أو مناضلون أو رجال حركة شعبية أو ثورية وأحيانًا يوصفون بأنهم خصوم أو معارضون للحكم أو "راديكاليون" (متطرفون: Radicals ) . وتوصف عملياتهم في نظر بعض الكتاب بأنها عمليات إرهابية أو أفعال إجرامية دنيئة وغادرة ، وفي نظر بعضهم الآخر تعد عمليات فدائية أو عمليات مقاومة أو تحرير .
لقد كان الإرهاب ظاهرة متميزة من مظاهر الاضطراب السياسي في القرون السابقة ، ولم تخل منه أمة من الأمم أو شعب من الشعوب . ومن المؤسف أن يحاول بعض المغرضين الربط بين الإرهاب وحضارة الأمة العربية متمثلة في دينها وقوميتها ، أو بين الإرهاب والإسلام ، فإن ظاهرة الإرهاب لا تقتصر على دين أو على ثقافة أو على هوية معينة ، وإنما هي ظاهرة شاملة وعامة . وتجدر الإشارة إلى أن تعبير "الإرهاب" هو من ابتداع الثورة الفرنسية ، ولم يتبلور الإرهاب واقعيًا إلا في عام 1793م ، وكان ذلك عندما أعلن روبسبير (Robespierre) بداية عهد الإرهاب أو الرهبة "Reign of Terror" في فرنسا (10 مارس 1793م - 27 يوليو 1794م) . ومن اسم هذا العهد اشتقت اللغتان الإنجليزية والفرنسية كلمة (Terrorism) بالإنجليزية و (Terrorisme) بالفرنسية ، بمعنى "الإرهاب" . فخلال الثورة الفرنسية مارس روبسبير ومن معه من أمثال سان جيست (St . Just) وكوثون (Couthon) العنف السياسي على أوسع نطاق ، حيث قادوا حملة إعدام رهيبة شملت كل أنحاء فرنسا ، حتى قُدِّر عدد من أُعْدِموا في الأسابيع الستة الأخيرة من عهد الإرهاب 1366 مواطنًا فرنسيًا من الجنسين في باريس وحدها . ومن أصل سكان فرنسا ، الذين كان يبلغ عددهم في ذلك الوقت 27 مليون نسمة ، تمكن هؤلاء القادة من قطع رأس 40 ألفًا بواسطة المقصلة . كما تمكنوا من اعتقال وسجن 300 ألف آخرين . وكاد السناتور جوزيف ماكرثي (Joseph McCarthy)أن يصبح روبسبير القرن العشرين (1950 - 1954م) في الولايات المتحدة الأمريكية ، عندما قاد حملته ضد العناصر اليسارية الأمريكية آنذاك ، إلا أن اتهاماته بالخيانة للآلاف لم تصل إلى حدِّ قطع رؤوسهم بالمقصلة أو خنقهم في غرف الغاز المغلقة .
وقد حاولت المنظمات الدولية كالأمم المتحدة تحديد مفهوم الفعل الإرهابي من منطلق أن "الإرهاب" هو شكل من أشكال العنف المنظم ، بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الأعمال الإرهابية مثل الاغتيال والتعذيب واختطاف الرهائن واحتجازهم وبث القنابل والعبوات المتفجرة واختطاف وسائل النقل كالسيارات والأتوبيسات والطائرات أو تفجيرها ، وتلغيم الرسائل وإرسالها إلى الأهداف التي خطط الإرهابيون للإضرار بها . . . إلخ .
والإرهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ، سواء كانت المواجهة داخلية ، بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها ، أو كانت المواجهة خارجية بين الدول . فالإرهاب هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي ، حيث تستهدف العمليات الإرهابية القرار السياسي ، وذلك بإرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ قرار أو تعديله أو تحريره ، مما يؤثر في حرية القرار السياسي لدى الخصوم . والإرهاب هو باختصار عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعًا من القهر للآخرين ، بغية تحقيق غاية معينة .
وتقوم الجماعات الإرهابية بارتكاب أعمال عنف ذات طبيعة إجرامية ، خارجة عن قوانين الدولة وهذا يدفع الحكومة المستهدفة إلى القيام برد فعل عنيف لقمع هذه الجماعات ، وذلك بتفتيش المنازل مثلًا ، واعتقال المواطنين وسجنهم بدون محاكمة ، وسنّ قوانين الطوارئ التي تُحدُّ من الحريات ، وغير ذلك من الوسائل التي لا تؤدي في أغلب الأحوال إلى إنهاء العنف والإرهاب ، ولا تؤدي إلى القضاء على هذه الجماعات ، بل إن جميع هذه الأعمال القمعية التي تقوم بها بعض الحكومات قد تؤدي إلى المزيد من الإرهاب والعنف ، ومن ثم تعيش البلاد في سلسلة لا تنقطع من الإرهاب والإرهاب المضاد ، بين إرهاب الأفراد والجماعات من ناحية ، وإرهاب الدول والحكومات من ناحية أخرى . وأثناء محاولة الإرهابيين مقاومة الحكومة بالعنف والإرهاب تعبيرًا عن استيائهم ورفضهم لها ، فإنهم يجعلون المدنيين أهدافًا مشروعة لعملياتهم الإرهابية .
والإرهاب وسيلة تلجأ إليها بعض الحركات الثورية ، كما تستخدمها بعض الحكومات وهيئات المعارضة على حدٍّ سواء . وقد تلجأ بعض الجماعات والحركات الثورية إلى الإرهاب لفك الحصار الذي تضربه حولها بعض الحكومات التي تحتكر العنف القانوني .
وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (C . I . A . )قد تبنت في عام 1400هـ (1980م) ، تعريفًا ينصُّ على أن "الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات ، سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها ، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة ، أو فزع ، أو ذهول ، أو رُعْب لدى المجموعة المُسْتَهدَفَة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي . وقد شمل الإرهاب جماعات تسعى إلى قلب أنظمة حكم محددة ، وتصحيح مظالم محددة ، سواء كانت مظالم قومية أم لجماعات معينة ، أو بهدف تدمير نظام دولي كغاية مقصودة لذاتها" .
وقد اجتمعت لجنة الخبراء العرب في تونس ، في الفترة من20 حتى 22 محرم 1410هـ (الموافق 22-24 أغسطس سنة 1989م) لوضع تصور عربي أولي عن مفهوم الإرهاب والإرهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر ، ووضعت تعريفًا يعد أكثر الصيغ شمولية ووضوحًا ، حيث ينص على أن الإرهاب "هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعًا أو رعبًا من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب ، والذي يستهدف تحقيق أهداف سياسية سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الأفراد ، وذلك في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها ، وبصفة خاصة حركات التحرير المعترف بها من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو ، ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان ، وأن يكون نضال الحركات التحررية وفقًا لأغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع" .
ويؤكد المجمع الفقهي الإسلامي في اجتماعه الذي عُقِدَ في 26 شوال 1422هـ (الموافق 10 يناير 2002م) في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة أن التطرف والعنف والإرهاب ليس من الإسلام في شيء ، وأنها أعمال خطيرة لها آثار فاحشة ، وفيها اعتداء على الإنسان وظلم له ، ومن تأمل مصدري الشريعة الإسلامية ، كتابَ الله الكريم وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلن يجد فيها شيئا من معاني التطرف والعنف والإرهاب ، الذي يعني الاعتداء على الآخرين دون وجه حق .
وفي البيان الذي أصدره المجمع في ختام هذه الدورة ، تم تعريف الإرهاب بأنه "ظاهرة عالمية ، لا ينسب لدين ، ولا يختص بقوم ، وهو ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة . . وهو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان (دينه ودمه وعقله وماله وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور الحرابة ، وإخافة السبيل ، وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد ، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر . فكل هذا من صور الفساد في الأرض ، التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله: وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص: 77) . "وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد وعده محاربة لله ورسوله في قوله الكريم إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة: 33) . ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظرًا لخطورة هذا الاعتداء الذي يعد في الشريعة الإسلامية حربًا ضد حدود الله وضد خلقه .
وأكد المجمع الفقهي الإسلامي "أن من أصناف الإرهاب إرهاب الدولة ، ومن أوضح صوره وأشدها بشاعة ، الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين ، وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا" ، ورأى المجمع هذا النوع مِن الإرهاب "من أشد أنواعه خطرا على الأمن والسلام في العالم ، وجعل مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس والجهاد في سبيل الله" .
ومن النقاط المهمة في البيان الإجماع على أن الإرهاب ليس من الإسلام وأن "الجهاد" ليس إرهابًا ، وتحليل ما المقصود بالجهاد الذي شُرِّع نُصْرَةً للحق ودفعًا للظلم وإقرارًا للعدل والسلام والأمن . كما أوضح البيان أن للإسلام آدابًا وأحكامًا واضحة في الجهاد المشروع تحرم قتل غير المقاتلين ، وتحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال وتحرم تتبع الفارين ، أو قتل المستسلمين ، أو إيذاء الأسرى ، أو التمثيل بجثث القتلى أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني التي لا علاقة لها بالقتال .
وأكد البيان أنه لا يمكن التسوية بين إرهاب الطغاة الذين يغتصبون الأوطان ويهدرون كرامة الإنسان ، ويدنسون المقدسات وينهبون الثروات وبين ممارسة حق الدفاع المشروع الذي يجاهد به المستضعفون لاستخلاص حقوقهم المشروعة في تقرير المصير
تاريخ الإرهاب
هذا نص الخطاب الذي ألقاه فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة(المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم) في مؤتمر الإسلام والغرب المنعقد بالخرطوم في الفترة ما بين 19 حتى 21 من شوال من هذا العام 1424هـ
1 ـ تاريخ الإرهاب قديم وليس مفاجأة القرن العشرين مارسته مجموعات لا تتحلى بالعدالة واحترام الحقوق.) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين( (المائدة:27)
وكان التعليق القرآني ) أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(المائدة: من الآية32(
2 ـ في العصر الحاضر أخذ وظيفة إعلامية مساندة للحرب أو محركه لها .
ريغان أعلن الحرب على الإرهاب الشيوعي .
واتخذته الإدارة الحاضرة لملاحقة أشكال التميز في الفكر والتطبيق وكأن التعريف يندرج مما يعرف: بالعد لا بالحد.
فالإرهاب هو كل ما كان استقلالاً في الإرادة ضد الإدارة!!!
) من لم يكن معنا فهو ضدنا ..(.
3 ـ بعد الحرب الباردة لم تبد الأمور أفضل كثيراً مما كانت عليه؛ لأن العالم تحول إلى نظام أحادي التكوين!
وصارت الإدارة الأمريكية تلاحق كل أشكال الطموح والتميز في العالم وتسعى إلى تعميم نموذجها السياسي والثقافي ومصادرة حتى مجرد التفكير في الخروج على قانونها الجديد.
4 ـ وكانت أحداث 11 سبتمبر الفرصة المرتقبة؛ لرسم سياسة (العنف؛ والعنف المضاد(
وهكذا ! لم تعد دول العالم الإسلامي وحدها هي المستهدفة بل شمل ذلك دولاً أخرى كأوروبا .
ولقد أعلن الجميع إدانتهم للأحداث لكن الإدارة وضعتها منطلقاً لسياسة جديدة؛ تدين الإرهاب ضد أمريكا لكنها لا تعده إرهاباً إذا كان ضد مدنيين في: أفغانستان أو العراق أو فلسطين!!
وبهذا يتحول صراع أمريكا إلى مواجهة محتملة مع قوى عالمية عديدة لا تستسلم للطموح الأمريكي.
5 ـ لفظ الإرهاب ليس مصطلحاً شرعياً مقبولاً بل جاء في سياق الفعل:
) تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )(لأنفال: من الآية60(
وهذا نوع من الردع ( القوة الرادعة(
والإسلام دين الرحمة؛ فهو يقرر أن خلقه رحمة وشرعه رحمة حتى لغير المؤمنين.
وقد أصبح مقروناً بلفظ " الجهاد " الشرعي الذي لا يعني القتال بالضرورة ؛ بل يشمل ألوان المجاهدات الفاضلة.
ويشمل القتال الذي لا يستهدف التوسع الإمبراطوري ولا السطو والاعتداء ولكن حماية الأمة الإسلامية والمشروع الإسلامي :
) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(البقرة:190(
ولذا؛ يجب التفريق بين الاعتداء والبغي بغير حق وبين المقاومة المشروعة في الدفاع عن النفس أو مقاومة المحتل أو طرد المستعمر أياً كان!
وحتى في هذه الحالة؛ فللحرب نظام أخلاقي صارم.
وبهذا يظهر أن حقيقة الجهاد الشرعي هي: مقاومة الظلم والتسلط والدكتاتورية.
أي: مقاومة الإرهاب؛ كما يسمى( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرا) (النساء:75(
قال الزجاج : ما لكم لا تسعون في خلاصهم؟!!
وينهى سبحانه وتعالى عن الاعتداء على من صدوهم عن المسجد الحرام .
6 ـ القوي هو الذي يرسم التعاريف وينفذها وهذه مشكلة أخلاقية.
جيش الدفاع الإسرائيلي وأمريكا تضرب في اليابان وأندونسيا والعراق وأفغانستان وفلسطين تحت مبررات شتى .
ونحن هنا نؤكد أن الأعمال الانتحارية التي وقعت مرفوضة تحت أي مبرر؛ لكن من الخطأ الفادح أن يدفع ثمنها مليار مسلم صاروا هدفاً للتضييق والملاحقة والأذية.
والغرب بهذا - خاصة أمريكا وحلفاؤها- يدشنون ألواناً من المعاناة التي تحرم المسلم من الهدوء والاستقرار والتمتع بطيبات الحياة الدنيا.
ومن قيم الإسلام قيمة الاستشهاد والفداء والتضحية وهذه هي المسؤولة عن مدافعة العدو ومقاومته مهما كلّف الأمر.
ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وهو نبي الملحمة!
وفكرة تجريد المسلم من تدينه؛ سواء صدرت عن إدارة أمريكية أو إدارات محلية عربية وإسلامية؛ هي فكرة محكومة بالفشل.
فحتى المسلم المقصر والمفرط والمتردد على الملهى والبار لديه عاطفة دينية وربما يفكر أن أقرب طريق للخلاص من معاناته الأخلاقية هو التفجير.
نحن أدنّا حوادث التفجير أياً كان موقعها ومصدرها وربما بعض هؤلاء هم الوجه الآخر للأحادية:
)من لم يكن معي؛ فهو ضد الله)
7 ـ ليس مطلوباً أن نسير دائماً ضد التيار وأن نختار موقف الضدية دائماً لكن ليس مقبولاً شرعاً وأمانة أن تتحرك حكومات المسلمين أو شعوبهم؛ لدعم قوى لا تحترم الحقوق ولا تقيم للعدالة وزناً!
وربما يكون الإسلام نفسه مستهدفاً في هذه الحرب تحت اسم رمزي أو حقيقي.
المسلمون مطالبون أن يقفوا ضد إرهاب الدول وضد إرهاب الجماعات والأفراد سواء.
الإسلام يؤيد موقف التضامن مع الآخرين لإرساء قواعد الأمن والاستقرار والسلام ومكافحة الفقر والمرض والجريمة المنظمة وغيرها!
ولن تستطيع دول الإسلام أن تتخذ موقفاً مؤثراً ما لم تنجح في تجسير العلاقة مع الشعوب ورد الحقوق لأهلها وفتح المجال لحرية الرأي المنضبطة والسماح بالتعددية في إطار الشريعة.
وحتى لو فعلت ذلت فهي تحتاج إلى خطوة أخرى تجاه ترميم علاقتها مع جيرانها من العرب والمسلمين.
نحن في عصر التكتل والأحلاف ولن نقاوم العولمة العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية؛ إلا من خلال إطار إسلامي متكامل.
هذه أحلام !
نعم أحلام !!
منى إن تكن حقاً تكن أعذب المنى
وإلا فقد عشـــنا بها زمــــناً رغدا!
8 ـ الإسلام يعطي مساحة للتنوع في فهم النص الشرعي ضمن أصول وضوابط دقيقة ومتقنة.
كما يسمح بالتنوع في الاهتمامات, والعناية ببعض الأولويات.
وهناك مدارس عديدة داخل الإسلام ومنها (الوهابية) .
وهو ليس اسماً اختيارياً!! فهي لم تشأ أن تكون مدرسة مستقلة.
وهي ككل الحركات التجديدية التصحيحية تقوم على نبذ التقليد والتعصب والتعلق بالأشخاص.
فمن البدهي أنها لا تمنح نفسها معصومية, ولا أحقية مطلقة لاجتهاداتها, فضلاً عن أقوال شيوخها وعلمائها.
ولا يوجد في الأنظمة, ولا في الدراسات الجامعية, أو غيرها ما يقضي بأن الدولة تلتزم أو تلزم الآخرين بها, إلا في القدر المشترك الذي هو دين الأمة من الإيمان بالله وعبادته ونشر قيم الخير والأخلاق .
9 ـ إن من العدل مع النفس أن نعالج أي خلل قائم في المجتمعات الإسلامية.
وأن تتواصى الدوائر العلمية, والشرعية الرسمية, وغير الرسمية؛ على حجب حق الفتوى في المهمات, والمسائل الكبار, والقضايا المصيرية- كقضايا السياسة, والجهاد, وبعض مسائل الاقتصاد, والمعارف الحديثة المؤثرة - عن آحاد الناس, وأفرادهم.
وأن يكون ذلك ضمن إطار اجتهاد جماعي ناضج, خارج عن تأثير السلطة السياسية, أو العرف الاجتماعي, أو أي اعتبار آخر.
وهذا لا يعني تجاهل الواقع والتعالي عنه, لكن يعني الوضوح والمصداقية والفتوى الشورية الجماعية.
10 ـ وقد يبدو من المفيد أن تضطلع نخبة من أهل العلم, والدعوة, والسابقة بكتابة مخاطبة, أو مخاطبات للمؤسسات الأمريكية , والرسمية منها على وجه الخصوص كالكونجرس؛ في التعبير عن الموقف الإسلامي والخيار الشرعي بكل شجاعة وجرأة وإنصاف, مع توجيه الضوء الإعلامي على مثل هذه الأنشطة؛ فإن هذا من المجادلة بالتي هي أحسن لأهل الكتاب, ومن النطق عن الشريعة, وبيان حكمها الرشيد, في النوازل والملمات, ويكون له دور في حماية المجتمع من الانحرافات, التي يقتات منها التطرف.
ولعل هذا المؤتمر الكريم يتبنى هذه المبادرة أو ينظر فيها!!
ويجب أن تنطلق من قاعدة: أن نشر الاعتدال يضيق الخناق على الاتجاهات المنحرفة.
ولذلك يستخدم الخطاب الديني للتجريم.
1 . الإرهاب في اللغة:
تشتق كلمة "إرهاب" من الفعل المزيد (أرهب) ؛ ويقال أرهب فلانا: أي خوَّفه وفزَّعه ، وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رَهِبَ) ، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف ، فيقال : رَهِبَ الشيء رهبا ورهبة أي خافه . والرهبة: الخوف والفزع . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته ، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهبنة والرهبانية . . . إلخ ، وكذلك يستعمل الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد إذا كان متعديا فيقال ترهب فلانا : أي توعده . وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه . وتَرَهَّب الرجل: إذا صار راهبًا يخشى الله . والراهب: المُتَعَبِّد في الصومعة .
والإرهابيون في "المعجم الوسيط": وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية . والإرهابي في "المنجد": من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته ، والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية . و"الإرهاب" في الرائد" هو رعب تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب ، و"الإرهابي" هو مَنْ يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى ، و"الحكم الإرهابي" هو نوع من الحكم الاستبدادي يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية . وتجدر الإشارة إلى أن المعجمات العربية القديمة قد خلت من كلمتي "الإرهاب و "الإرهابي" لأنهما من الكلمات حديثة الاستعمال ، ولم تعرفهما الأزمنة القديمة .
وفي القرآن الكريم ، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال:60) .
قال ابن كثير في التفسير: قوله تعالى تُرْهِبُونَ أي تخوِّفون بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ أي من الكافرين . وقال القرطبي: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ يعني تخيفون به عدو الله وعدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب .
وقال تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر:13) . قال ابن كثير في التفسير: أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله .
ويلحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح "الإرهاب" بهذه الصيغة ، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من المادة اللغوية نفسها ، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع ، وبعضها الآخر يدل على الرهبنة والتعبد . ومن الملحوظ أن مشتقات مادة (رهب) لم ترد كثيرا في الحديث النبوي الشريف ، ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في حديث الدعاء : رغبة ورهبة إليك . نستخلص مما تقدم أن "الإرهاب" يعني التخويف والإفزاع ، وأن "الإرهابي" هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين . ولا يختلف هذا المعنى عما تقرره اللغات الأخرى في هذا الصدد ، فقد ورد في قاموس "المورد" أن كلمة terror تعني: "رعب ، ذُعر ، هول ، كل ما يوقع الرعب في النفوس ، إرهاب ، عهد إرهاب" ، والاسم terrorism يعني: "إرهاب ، ذعر ناشئ عن الإرهاب" ، و terrorist تعني: "الإرهابي" ، والفعل terrorize يعني: "يُرهب ، يُروِّع ، يُكرهه (على أمرٍ) بالإرهاب" .
وفي قاموس أكسفورد " Oxford Dictionary ": نجد أن كلمة Terrorist "الإرهابي" هو الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية ، والاسم Terrorism بمعنى "الإرهاب" يُقصد به "استخدام العنف والتخويف أو الإرعاب ، وبخاصة في أغراض سياسية" .
2 . الاختلاف حول مفهوم "الإرهاب" وتعريفه:
أدى اختلاف الدول في نظرتها إلى الإرهاب من حيث مفهومه ومعناه ، إلى صعوبة اتفاقها على المستوى الدولي بشأن التعاون لمكافحة هذه الظاهرة . ويمكن تجسيد هذا الاختلاف في العبارة المختصرة التي تقول :"إن الإرهابي في نظر البعض ، هو محارب من أجل الحرية في نظر الآخرين" . وأدى ذلك إلى فشل أغلب الجهود الدولية في الوصول إلى تحديد دقيق لحقيقة الإرهاب ، مما حال دون الاتفاق على درجة من التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب ، لدرجة أن المؤتمر الدولي الذي عقد في عام 1973م لبحث الإرهاب والجريمة السياسية قد انتهى إلى أن عدم وجود مفهوم واضح للأسباب التي تؤدي إلى ممارسة النشاطات التي تنشئ حالة الإرهاب هو العقبة التي تحول دون اقتلاع الإرهاب واجتثاث جذوره .
ويختلف الوصف الذي يطلقه رجال الإعلام على أعضاء المنظمات الإرهابية باختلاف الموقف السياسي الذي يتخذونه تجاههم ، ومن ثم استخدمت أوصاف مختلفة عند الإشارة إليهم ، فهم إما إرهابيون أو مخربون أو عصاة أو منشقون أو مجرمون ، وإما جنود تحرير أو محاربون من أجل الحرية أو مناضلون أو رجال حركة شعبية أو ثورية وأحيانًا يوصفون بأنهم خصوم أو معارضون للحكم أو "راديكاليون" (متطرفون: Radicals ) . وتوصف عملياتهم في نظر بعض الكتاب بأنها عمليات إرهابية أو أفعال إجرامية دنيئة وغادرة ، وفي نظر بعضهم الآخر تعد عمليات فدائية أو عمليات مقاومة أو تحرير .
لقد كان الإرهاب ظاهرة متميزة من مظاهر الاضطراب السياسي في القرون السابقة ، ولم تخل منه أمة من الأمم أو شعب من الشعوب . ومن المؤسف أن يحاول بعض المغرضين الربط بين الإرهاب وحضارة الأمة العربية متمثلة في دينها وقوميتها ، أو بين الإرهاب والإسلام ، فإن ظاهرة الإرهاب لا تقتصر على دين أو على ثقافة أو على هوية معينة ، وإنما هي ظاهرة شاملة وعامة . وتجدر الإشارة إلى أن تعبير "الإرهاب" هو من ابتداع الثورة الفرنسية ، ولم يتبلور الإرهاب واقعيًا إلا في عام 1793م ، وكان ذلك عندما أعلن روبسبير (Robespierre) بداية عهد الإرهاب أو الرهبة "Reign of Terror" في فرنسا (10 مارس 1793م - 27 يوليو 1794م) . ومن اسم هذا العهد اشتقت اللغتان الإنجليزية والفرنسية كلمة (Terrorism) بالإنجليزية و (Terrorisme) بالفرنسية ، بمعنى "الإرهاب" . فخلال الثورة الفرنسية مارس روبسبير ومن معه من أمثال سان جيست (St . Just) وكوثون (Couthon) العنف السياسي على أوسع نطاق ، حيث قادوا حملة إعدام رهيبة شملت كل أنحاء فرنسا ، حتى قُدِّر عدد من أُعْدِموا في الأسابيع الستة الأخيرة من عهد الإرهاب 1366 مواطنًا فرنسيًا من الجنسين في باريس وحدها . ومن أصل سكان فرنسا ، الذين كان يبلغ عددهم في ذلك الوقت 27 مليون نسمة ، تمكن هؤلاء القادة من قطع رأس 40 ألفًا بواسطة المقصلة . كما تمكنوا من اعتقال وسجن 300 ألف آخرين . وكاد السناتور جوزيف ماكرثي (Joseph McCarthy)أن يصبح روبسبير القرن العشرين (1950 - 1954م) في الولايات المتحدة الأمريكية ، عندما قاد حملته ضد العناصر اليسارية الأمريكية آنذاك ، إلا أن اتهاماته بالخيانة للآلاف لم تصل إلى حدِّ قطع رؤوسهم بالمقصلة أو خنقهم في غرف الغاز المغلقة .
وقد حاولت المنظمات الدولية كالأمم المتحدة تحديد مفهوم الفعل الإرهابي من منطلق أن "الإرهاب" هو شكل من أشكال العنف المنظم ، بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الأعمال الإرهابية مثل الاغتيال والتعذيب واختطاف الرهائن واحتجازهم وبث القنابل والعبوات المتفجرة واختطاف وسائل النقل كالسيارات والأتوبيسات والطائرات أو تفجيرها ، وتلغيم الرسائل وإرسالها إلى الأهداف التي خطط الإرهابيون للإضرار بها . . . إلخ .
والإرهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ، سواء كانت المواجهة داخلية ، بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها ، أو كانت المواجهة خارجية بين الدول . فالإرهاب هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي ، حيث تستهدف العمليات الإرهابية القرار السياسي ، وذلك بإرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ قرار أو تعديله أو تحريره ، مما يؤثر في حرية القرار السياسي لدى الخصوم . والإرهاب هو باختصار عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعًا من القهر للآخرين ، بغية تحقيق غاية معينة .
وتقوم الجماعات الإرهابية بارتكاب أعمال عنف ذات طبيعة إجرامية ، خارجة عن قوانين الدولة وهذا يدفع الحكومة المستهدفة إلى القيام برد فعل عنيف لقمع هذه الجماعات ، وذلك بتفتيش المنازل مثلًا ، واعتقال المواطنين وسجنهم بدون محاكمة ، وسنّ قوانين الطوارئ التي تُحدُّ من الحريات ، وغير ذلك من الوسائل التي لا تؤدي في أغلب الأحوال إلى إنهاء العنف والإرهاب ، ولا تؤدي إلى القضاء على هذه الجماعات ، بل إن جميع هذه الأعمال القمعية التي تقوم بها بعض الحكومات قد تؤدي إلى المزيد من الإرهاب والعنف ، ومن ثم تعيش البلاد في سلسلة لا تنقطع من الإرهاب والإرهاب المضاد ، بين إرهاب الأفراد والجماعات من ناحية ، وإرهاب الدول والحكومات من ناحية أخرى . وأثناء محاولة الإرهابيين مقاومة الحكومة بالعنف والإرهاب تعبيرًا عن استيائهم ورفضهم لها ، فإنهم يجعلون المدنيين أهدافًا مشروعة لعملياتهم الإرهابية .
والإرهاب وسيلة تلجأ إليها بعض الحركات الثورية ، كما تستخدمها بعض الحكومات وهيئات المعارضة على حدٍّ سواء . وقد تلجأ بعض الجماعات والحركات الثورية إلى الإرهاب لفك الحصار الذي تضربه حولها بعض الحكومات التي تحتكر العنف القانوني .
وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (C . I . A . )قد تبنت في عام 1400هـ (1980م) ، تعريفًا ينصُّ على أن "الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات ، سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها ، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة ، أو فزع ، أو ذهول ، أو رُعْب لدى المجموعة المُسْتَهدَفَة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي . وقد شمل الإرهاب جماعات تسعى إلى قلب أنظمة حكم محددة ، وتصحيح مظالم محددة ، سواء كانت مظالم قومية أم لجماعات معينة ، أو بهدف تدمير نظام دولي كغاية مقصودة لذاتها" .
وقد اجتمعت لجنة الخبراء العرب في تونس ، في الفترة من20 حتى 22 محرم 1410هـ (الموافق 22-24 أغسطس سنة 1989م) لوضع تصور عربي أولي عن مفهوم الإرهاب والإرهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر ، ووضعت تعريفًا يعد أكثر الصيغ شمولية ووضوحًا ، حيث ينص على أن الإرهاب "هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعًا أو رعبًا من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب ، والذي يستهدف تحقيق أهداف سياسية سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الأفراد ، وذلك في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها ، وبصفة خاصة حركات التحرير المعترف بها من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو ، ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان ، وأن يكون نضال الحركات التحررية وفقًا لأغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع" .
ويؤكد المجمع الفقهي الإسلامي في اجتماعه الذي عُقِدَ في 26 شوال 1422هـ (الموافق 10 يناير 2002م) في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة أن التطرف والعنف والإرهاب ليس من الإسلام في شيء ، وأنها أعمال خطيرة لها آثار فاحشة ، وفيها اعتداء على الإنسان وظلم له ، ومن تأمل مصدري الشريعة الإسلامية ، كتابَ الله الكريم وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلن يجد فيها شيئا من معاني التطرف والعنف والإرهاب ، الذي يعني الاعتداء على الآخرين دون وجه حق .
وفي البيان الذي أصدره المجمع في ختام هذه الدورة ، تم تعريف الإرهاب بأنه "ظاهرة عالمية ، لا ينسب لدين ، ولا يختص بقوم ، وهو ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة . . وهو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان (دينه ودمه وعقله وماله وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور الحرابة ، وإخافة السبيل ، وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد ، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر . فكل هذا من صور الفساد في الأرض ، التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله: وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص: 77) . "وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد وعده محاربة لله ورسوله في قوله الكريم إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة: 33) . ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة نظرًا لخطورة هذا الاعتداء الذي يعد في الشريعة الإسلامية حربًا ضد حدود الله وضد خلقه .
وأكد المجمع الفقهي الإسلامي "أن من أصناف الإرهاب إرهاب الدولة ، ومن أوضح صوره وأشدها بشاعة ، الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين ، وما مارسه الصرب في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا" ، ورأى المجمع هذا النوع مِن الإرهاب "من أشد أنواعه خطرا على الأمن والسلام في العالم ، وجعل مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس والجهاد في سبيل الله" .
ومن النقاط المهمة في البيان الإجماع على أن الإرهاب ليس من الإسلام وأن "الجهاد" ليس إرهابًا ، وتحليل ما المقصود بالجهاد الذي شُرِّع نُصْرَةً للحق ودفعًا للظلم وإقرارًا للعدل والسلام والأمن . كما أوضح البيان أن للإسلام آدابًا وأحكامًا واضحة في الجهاد المشروع تحرم قتل غير المقاتلين ، وتحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال وتحرم تتبع الفارين ، أو قتل المستسلمين ، أو إيذاء الأسرى ، أو التمثيل بجثث القتلى أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني التي لا علاقة لها بالقتال .
وأكد البيان أنه لا يمكن التسوية بين إرهاب الطغاة الذين يغتصبون الأوطان ويهدرون كرامة الإنسان ، ويدنسون المقدسات وينهبون الثروات وبين ممارسة حق الدفاع المشروع الذي يجاهد به المستضعفون لاستخلاص حقوقهم المشروعة في تقرير المصير
تاريخ الإرهاب
هذا نص الخطاب الذي ألقاه فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة(المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم) في مؤتمر الإسلام والغرب المنعقد بالخرطوم في الفترة ما بين 19 حتى 21 من شوال من هذا العام 1424هـ
1 ـ تاريخ الإرهاب قديم وليس مفاجأة القرن العشرين مارسته مجموعات لا تتحلى بالعدالة واحترام الحقوق.) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين( (المائدة:27)
وكان التعليق القرآني ) أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(المائدة: من الآية32(
2 ـ في العصر الحاضر أخذ وظيفة إعلامية مساندة للحرب أو محركه لها .
ريغان أعلن الحرب على الإرهاب الشيوعي .
واتخذته الإدارة الحاضرة لملاحقة أشكال التميز في الفكر والتطبيق وكأن التعريف يندرج مما يعرف: بالعد لا بالحد.
فالإرهاب هو كل ما كان استقلالاً في الإرادة ضد الإدارة!!!
) من لم يكن معنا فهو ضدنا ..(.
3 ـ بعد الحرب الباردة لم تبد الأمور أفضل كثيراً مما كانت عليه؛ لأن العالم تحول إلى نظام أحادي التكوين!
وصارت الإدارة الأمريكية تلاحق كل أشكال الطموح والتميز في العالم وتسعى إلى تعميم نموذجها السياسي والثقافي ومصادرة حتى مجرد التفكير في الخروج على قانونها الجديد.
4 ـ وكانت أحداث 11 سبتمبر الفرصة المرتقبة؛ لرسم سياسة (العنف؛ والعنف المضاد(
وهكذا ! لم تعد دول العالم الإسلامي وحدها هي المستهدفة بل شمل ذلك دولاً أخرى كأوروبا .
ولقد أعلن الجميع إدانتهم للأحداث لكن الإدارة وضعتها منطلقاً لسياسة جديدة؛ تدين الإرهاب ضد أمريكا لكنها لا تعده إرهاباً إذا كان ضد مدنيين في: أفغانستان أو العراق أو فلسطين!!
وبهذا يتحول صراع أمريكا إلى مواجهة محتملة مع قوى عالمية عديدة لا تستسلم للطموح الأمريكي.
5 ـ لفظ الإرهاب ليس مصطلحاً شرعياً مقبولاً بل جاء في سياق الفعل:
) تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )(لأنفال: من الآية60(
وهذا نوع من الردع ( القوة الرادعة(
والإسلام دين الرحمة؛ فهو يقرر أن خلقه رحمة وشرعه رحمة حتى لغير المؤمنين.
وقد أصبح مقروناً بلفظ " الجهاد " الشرعي الذي لا يعني القتال بالضرورة ؛ بل يشمل ألوان المجاهدات الفاضلة.
ويشمل القتال الذي لا يستهدف التوسع الإمبراطوري ولا السطو والاعتداء ولكن حماية الأمة الإسلامية والمشروع الإسلامي :
) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(البقرة:190(
ولذا؛ يجب التفريق بين الاعتداء والبغي بغير حق وبين المقاومة المشروعة في الدفاع عن النفس أو مقاومة المحتل أو طرد المستعمر أياً كان!
وحتى في هذه الحالة؛ فللحرب نظام أخلاقي صارم.
وبهذا يظهر أن حقيقة الجهاد الشرعي هي: مقاومة الظلم والتسلط والدكتاتورية.
أي: مقاومة الإرهاب؛ كما يسمى( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرا) (النساء:75(
قال الزجاج : ما لكم لا تسعون في خلاصهم؟!!
وينهى سبحانه وتعالى عن الاعتداء على من صدوهم عن المسجد الحرام .
6 ـ القوي هو الذي يرسم التعاريف وينفذها وهذه مشكلة أخلاقية.
جيش الدفاع الإسرائيلي وأمريكا تضرب في اليابان وأندونسيا والعراق وأفغانستان وفلسطين تحت مبررات شتى .
ونحن هنا نؤكد أن الأعمال الانتحارية التي وقعت مرفوضة تحت أي مبرر؛ لكن من الخطأ الفادح أن يدفع ثمنها مليار مسلم صاروا هدفاً للتضييق والملاحقة والأذية.
والغرب بهذا - خاصة أمريكا وحلفاؤها- يدشنون ألواناً من المعاناة التي تحرم المسلم من الهدوء والاستقرار والتمتع بطيبات الحياة الدنيا.
ومن قيم الإسلام قيمة الاستشهاد والفداء والتضحية وهذه هي المسؤولة عن مدافعة العدو ومقاومته مهما كلّف الأمر.
ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وهو نبي الملحمة!
وفكرة تجريد المسلم من تدينه؛ سواء صدرت عن إدارة أمريكية أو إدارات محلية عربية وإسلامية؛ هي فكرة محكومة بالفشل.
فحتى المسلم المقصر والمفرط والمتردد على الملهى والبار لديه عاطفة دينية وربما يفكر أن أقرب طريق للخلاص من معاناته الأخلاقية هو التفجير.
نحن أدنّا حوادث التفجير أياً كان موقعها ومصدرها وربما بعض هؤلاء هم الوجه الآخر للأحادية:
)من لم يكن معي؛ فهو ضد الله)
7 ـ ليس مطلوباً أن نسير دائماً ضد التيار وأن نختار موقف الضدية دائماً لكن ليس مقبولاً شرعاً وأمانة أن تتحرك حكومات المسلمين أو شعوبهم؛ لدعم قوى لا تحترم الحقوق ولا تقيم للعدالة وزناً!
وربما يكون الإسلام نفسه مستهدفاً في هذه الحرب تحت اسم رمزي أو حقيقي.
المسلمون مطالبون أن يقفوا ضد إرهاب الدول وضد إرهاب الجماعات والأفراد سواء.
الإسلام يؤيد موقف التضامن مع الآخرين لإرساء قواعد الأمن والاستقرار والسلام ومكافحة الفقر والمرض والجريمة المنظمة وغيرها!
ولن تستطيع دول الإسلام أن تتخذ موقفاً مؤثراً ما لم تنجح في تجسير العلاقة مع الشعوب ورد الحقوق لأهلها وفتح المجال لحرية الرأي المنضبطة والسماح بالتعددية في إطار الشريعة.
وحتى لو فعلت ذلت فهي تحتاج إلى خطوة أخرى تجاه ترميم علاقتها مع جيرانها من العرب والمسلمين.
نحن في عصر التكتل والأحلاف ولن نقاوم العولمة العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية؛ إلا من خلال إطار إسلامي متكامل.
هذه أحلام !
نعم أحلام !!
منى إن تكن حقاً تكن أعذب المنى
وإلا فقد عشـــنا بها زمــــناً رغدا!
8 ـ الإسلام يعطي مساحة للتنوع في فهم النص الشرعي ضمن أصول وضوابط دقيقة ومتقنة.
كما يسمح بالتنوع في الاهتمامات, والعناية ببعض الأولويات.
وهناك مدارس عديدة داخل الإسلام ومنها (الوهابية) .
وهو ليس اسماً اختيارياً!! فهي لم تشأ أن تكون مدرسة مستقلة.
وهي ككل الحركات التجديدية التصحيحية تقوم على نبذ التقليد والتعصب والتعلق بالأشخاص.
فمن البدهي أنها لا تمنح نفسها معصومية, ولا أحقية مطلقة لاجتهاداتها, فضلاً عن أقوال شيوخها وعلمائها.
ولا يوجد في الأنظمة, ولا في الدراسات الجامعية, أو غيرها ما يقضي بأن الدولة تلتزم أو تلزم الآخرين بها, إلا في القدر المشترك الذي هو دين الأمة من الإيمان بالله وعبادته ونشر قيم الخير والأخلاق .
9 ـ إن من العدل مع النفس أن نعالج أي خلل قائم في المجتمعات الإسلامية.
وأن تتواصى الدوائر العلمية, والشرعية الرسمية, وغير الرسمية؛ على حجب حق الفتوى في المهمات, والمسائل الكبار, والقضايا المصيرية- كقضايا السياسة, والجهاد, وبعض مسائل الاقتصاد, والمعارف الحديثة المؤثرة - عن آحاد الناس, وأفرادهم.
وأن يكون ذلك ضمن إطار اجتهاد جماعي ناضج, خارج عن تأثير السلطة السياسية, أو العرف الاجتماعي, أو أي اعتبار آخر.
وهذا لا يعني تجاهل الواقع والتعالي عنه, لكن يعني الوضوح والمصداقية والفتوى الشورية الجماعية.
10 ـ وقد يبدو من المفيد أن تضطلع نخبة من أهل العلم, والدعوة, والسابقة بكتابة مخاطبة, أو مخاطبات للمؤسسات الأمريكية , والرسمية منها على وجه الخصوص كالكونجرس؛ في التعبير عن الموقف الإسلامي والخيار الشرعي بكل شجاعة وجرأة وإنصاف, مع توجيه الضوء الإعلامي على مثل هذه الأنشطة؛ فإن هذا من المجادلة بالتي هي أحسن لأهل الكتاب, ومن النطق عن الشريعة, وبيان حكمها الرشيد, في النوازل والملمات, ويكون له دور في حماية المجتمع من الانحرافات, التي يقتات منها التطرف.
ولعل هذا المؤتمر الكريم يتبنى هذه المبادرة أو ينظر فيها!!
ويجب أن تنطلق من قاعدة: أن نشر الاعتدال يضيق الخناق على الاتجاهات المنحرفة.
ولذلك يستخدم الخطاب الديني للتجريم.