محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي، ولد في 703هـ الموافق 1304م.
وعندما بلغ الثانية والعشرين من العمر قرر الخروج من مدينة طنجة لأداء
فريضة الحج، وهكذا خرج ابن بطوطة من مراكش عابرا الجزائر وتونس وليبيا حتى
مصر، ليرحل جنوبا إلى بلاد الصعيد ويسلك طريق البحر الأحمر، لكنه لم يوفق
في ذلك فعاد إلى الفسطاط ورحل منها إلى بلاد الشام ثم للحجاز ليؤدي فريضة
الحج لأول مرة. وعندما وصل إلى مكة المكرمة قام بطواف القدوم وتعلق بأستار
الكعبة وشرب من ماء زمزم قبل أن يسعى بين الصفا والمروة.
وصف ابن بطوطة المسجد الحرام ومساحته وأبوابه كما أشار إلى دور الخليفة
المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور في توسعه المسجد في عام 167 هـ، ووصف
الكعبة المشرفة: ارتفاعها وعرضها وأبوابها وأستارها والميزاب المبارك
والحجر الأسود، وأشار إلى أن باب الكعبة يفتح بعد كل جمعة فضلا عن فتحه يوم
ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.
الكعبة لم تخل من طائف
ويبدي ابن بطوطة دهشته وإعجابه بمكانة الكعبة المشرفة حين يكتب في رحلته
"من عجائبها أنها لا تخلو من طائف أبدا ليلا ونهارا، ولم يذكر أحد أنه رآها
قط دون طائف..." بعد ذلك عرج على ذكر أبواب المسجد الحرام ثم وصف الصفا
والمروة والمسافة بينهما، ولم يفته ذِكْر وجود سوق تجارية كبرى إلى جانب
الطريق.
وأشار ابن بطوطة إلى فضائل أهل مكة فوصفهم بأنهم أصحاب (المكارم التامة
والأخلاق الحسنة والإيثار للضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء) كما
أشار إلى نساء مكة فقال إنهن (ذات صلاح وعفاف)، ولاحظ توجههن للطواف
بالمسجد الحرام في كل ليلة جمعة وهن في أحسن زي وأبهى زينة وأطيب رائحة.
وتحدث ابن بطوطة في كتابه عن العديد من علماء مكة ومنهم قاضي المدينة نجم
الدين محمد الطبري وخطيب مكة بهاء الدين الطبري. كما أشار إلى إمام
المالكية بالحرم الشريف، الفقيه أبو عبد الله محمد، وإلى إمام الحنفية شهاب
الدين أحمد بن علي وإمام الحنابلة محمد بن عثمان.
الأكل مرة كل يوم
ونظرا لمكوث ابن بطوطة فترة طويلة في مكة المكرمة بانتظار الحج فقد لاحظ
بعض العادات الاجتماعية لسكانها من ذلك قوله (وأهل مكة لا يأكلون في اليوم
إلا مرة واحدة ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت ومن أراد الأكل في سائر
النهار أكل التمر ولذلك صحت أبدانهم وقلت فيهم الأمراض والعاهات).
ولاحظ أنه بمجرد ثبات رؤية هلال رجب، أمر أمير مكة بضرب الطبول والأبواق
إيذانا بدخول الشهر وتوجه وركبه للطواف بالبيت الحرام. كما احتفل أهل مكة
بعمرة رجب احتفالا مهيبا، وذكر ابن بطوطة أنه شاهد شوارع مكة المكرمة ليلة
السابع والعشرين من رجب وقد غصت بالهوادج وجِمَال المعتمرين وهي تخرج إلى
التنعيم وأمامها الشموع والمشاعل.
ولم ينس ابن بطوطة الإشارة إلى حضور أهالي المناطق القريبة من مكة لعمرة
رجب بعد أن يجلبوا معهم الحبوب والسمن والعسل وغيرها من السلع، الأمر الذي
يسهم في توفير السلع للمعتمرين وفي رخص الأسعار أيضا.
حضر ابن بطوطة ليلة النصف من شعبان في مكة المكرمة فذكر أنها ليلة مباركة
عند أهالي مكة، حيث يبادرون فيها إلى الطواف والصلاة جماعات في المسجد
الحرام بعد إيقاد السرج والمصابيح فضلا عن ضوء القمر، ويقومون بأداء مائة
ركعة وبعضهم يطوفون بالبيت الحرام، والبعض الآخر خرج من أجل أداء العمرة.
قرع الدبادب لاستقبال رمضان
وذكر ابن بطوطة أنه عند حلول شهر رمضان لعام 726 هـ أمر أمير مكة بقرع
الطبول والدبادب (آلات خشبية عالية الصوت)، وإقامة احتفال بالمسجد الحرام
الذي تم تجديد الحصر به، وزيادة الشمع والمشاعل به، كما لاحظ إقامة الصلاة
وراء أئمة المذاهب المختلفة حول الكعبة فضلا عن وجود العديد من قراء القرآن
الكريم حتى (.. لا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي
لجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس، وتحضر القلوب).
كما تحدث عن وقت السحور في رمضان بمكة المكرمة فأشار إلى قيام (المؤذن
الزمزمي) في الصومعة الموجودة في الركن الشرقي من الحرم الشريف بالدعاء
والذكر والتحريض على السحور بالإضافة إلى العديد من المؤذنين الآخرين.
وفي أعلى كل صومعة خشبية في مكة تم نصب خشبة كبيرة بحيث يعلق فيها قنديلان
من الزجاج طوال وقت السحور بحيث إذا اقترب آذان الفجر يتم إطفاء هذين
القنديلين مرة بعد أخرى وبعد ذلك يبدأ المؤذنون في الأذان.
أما سكان مكة الذين لا يصل الأذان إليهم نتيجة ابتعاد بيوتهم فإنهم ينظرون
من أعلى سطوح منازلهم فإذا شاهدوا القنديلين مضاءين فإنهم يقومون بالتسحر
وإذا رأوهما مطفأين يقلعون عن الطعام.
ويذكر ابن بطوطة أن أهالي مكة يحتفلون بالعشر الأوائل من رمضان فيقوم في كل
ليلة أحد أبناء كبار رجال مكة بختم القرآن أمام القاضي وكبار الفقهاء وبعد
الانتهاء من ذلك يقام له منبر مزين بالحرير ليخطب للناس من فوقه، وبعد
الانتهاء من الخطبة يقوم والده بدعوة الحاضرين إلى وليمة بمنزله.
ويشير ابن بطوطة بشكل خاص إلى أن ليلة السابع والعشرين هي أعظم من احتفالهم
بسائر الليالي بحيث يتم أيضا ختم القرآن بحيث تكثر فيها قراءة القرآن فضلا
عن زيادة كبيرة في الشموع والقناديل.
تشابه روايات الرحالة مع مرور الزمن
ويمكننا أن نلاحظ هنا تشابها بين رواية الرحالة ابن جبير الأندلسي ورواية
ابن بطوطة المغربي على الرغم من اختلاف زمان أدائهم لفريضة الحج (القرن
السادس إلى القرن الثامن الهجري) حول كيفية استقبال أمير وسكان مكة لرمضان
وكيفية التسحير واستخدام القناديل المضاءة لذلك، وكذلك ما يرجى في ختم
القرآن في الليالي العشر الأخيرة منه وقيام أبناء كبراء سكان مكة بختم
القرآن في تلك الليالي أمام قاضي مكة وفقهائها، ثم قيامهم بالخطبة وقيام
آبائهم الميسورين بإقامة ولائم لسكان مكة.
واحتفالهم الكبير بليلة السابع والعشرين من رمضان ويمكننا أن نفهم مما سبق
أن تلك العادات الطيبة استمرت طول قرنين من الزمان كما هي.
ويصف ابن بطوطة استعداد المكيين لاستقابل عيد الفطر المبارك فيذكر أنهم
يقومون بإيقاد الشمع والمشاعل والمصابيح بحيث يضاء سطح الحرم كله ويقضي
المؤذنون هذه الليلة في تهليل وتكبير وتسبيح، بينما يأخذ الموجودن في
الصلاة والطواف والذكر والدعاء.
وبعدما يفرغ أهالي مكة من أداء صلاة الصبح يلبسون أحسن ما لديهم من ثياب
ويتوجهون لأداء صلاة العيد بالحرم الشريف وبعدها يقبل الناس على السلام
والمصافحة ويتوجهون لدخول الكعبة المشرفة، وبعد ذلك يخرجون إلى مقبرة باب
المعلى لزيارة قبور الصحابة والسلف الصالح.
قرع الطبول للصلاة!
مكث ابن بطوطة في مكة بعد ذلك حتى موعد حجته الأولى 726 هـ فيذكر أنه تم
تشمير (رفع) أستار الكعبة أو إحرام الكعبة يوم السابع والعشرين من ذي
القعدة صونا لها من الشد والجذب الذي يمكن أن تتعرض له من قبل الحجاج
ولهفتهم عليها.
كما ذكر أنه بمجرد حلول أول أيام شهر ذي الحجة يتم قرع الطبول في أوقات
الصلاة حتى يوم الصعود إلى عرفات وفي اليوم السابع من الشهر يلقي الإمام
خطبة المسجد الحرام بعد الانتهاء من صلاة الظهر لكي يعلم الناس فيها كيفية
أداء مناسك الحج.
ويصعد الذين حضروا لأداء الفريضة إلى منى في اليوم الثامن برفقة أمراء مصر
والشام والعراق وفي اليوم التاسع من ذي الحجة رحل الجميع من منى بعد الصلاة
الصبح إلى عرفات.
وذكر أن وقفة العيد كانت يوم خميس، ولم يفته الإشارة إلى بعض الشخصيات
الهامة التي قامت بأداء شعيرة الحج ذلك العام منهم الأمير أرغون الدوادار
نائب الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكي، وزوجته.
غادر ابن بطوطة والحجاج وعرفات بعد غروب الشمس إلى مزدلفة متأخرين، حيث
جمعوا بين صلاة المغرب والعشاء كسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أن
صلوا الصبح في مزدلفة توجهوا نحو منى، حيث رمى جمرة العقبة، وقام الحجاج
بالذبح والنحر، ثم حلقوا وحلوا من كل شيء باستثناء النساء والطيب حتى طواف
الإفاضة، وأشار ابن بطوطة إلى أن كسوة الكعبة المشرفة وصلت من مصر وقاموا
بتغطية الكعبة بها يوم النحر ووصفها بأنها من الحرير حالكة السواد ومكتوب
عليها العديد من الآيات القرآنية.
ولم يفته أن يشير إلى أن الملك الناصر هو الذي يتولى أمر كسوة الكعبة فضلا
عن تكفله بمعاش القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين وما يحتاج إليه
الحرم الشريف من الشمع والزيت كل سنة.
وبعد الانتهاء من فريضة الحج لأول مرة غادر ابن بطوطة مكة المكرمة باتجاه العراق في العشرين من شهر ذي الحجة 726 هـ.
وعندما بلغ الثانية والعشرين من العمر قرر الخروج من مدينة طنجة لأداء
فريضة الحج، وهكذا خرج ابن بطوطة من مراكش عابرا الجزائر وتونس وليبيا حتى
مصر، ليرحل جنوبا إلى بلاد الصعيد ويسلك طريق البحر الأحمر، لكنه لم يوفق
في ذلك فعاد إلى الفسطاط ورحل منها إلى بلاد الشام ثم للحجاز ليؤدي فريضة
الحج لأول مرة. وعندما وصل إلى مكة المكرمة قام بطواف القدوم وتعلق بأستار
الكعبة وشرب من ماء زمزم قبل أن يسعى بين الصفا والمروة.
وصف ابن بطوطة المسجد الحرام ومساحته وأبوابه كما أشار إلى دور الخليفة
المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور في توسعه المسجد في عام 167 هـ، ووصف
الكعبة المشرفة: ارتفاعها وعرضها وأبوابها وأستارها والميزاب المبارك
والحجر الأسود، وأشار إلى أن باب الكعبة يفتح بعد كل جمعة فضلا عن فتحه يوم
ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.
الكعبة لم تخل من طائف
ويبدي ابن بطوطة دهشته وإعجابه بمكانة الكعبة المشرفة حين يكتب في رحلته
"من عجائبها أنها لا تخلو من طائف أبدا ليلا ونهارا، ولم يذكر أحد أنه رآها
قط دون طائف..." بعد ذلك عرج على ذكر أبواب المسجد الحرام ثم وصف الصفا
والمروة والمسافة بينهما، ولم يفته ذِكْر وجود سوق تجارية كبرى إلى جانب
الطريق.
وأشار ابن بطوطة إلى فضائل أهل مكة فوصفهم بأنهم أصحاب (المكارم التامة
والأخلاق الحسنة والإيثار للضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء) كما
أشار إلى نساء مكة فقال إنهن (ذات صلاح وعفاف)، ولاحظ توجههن للطواف
بالمسجد الحرام في كل ليلة جمعة وهن في أحسن زي وأبهى زينة وأطيب رائحة.
وتحدث ابن بطوطة في كتابه عن العديد من علماء مكة ومنهم قاضي المدينة نجم
الدين محمد الطبري وخطيب مكة بهاء الدين الطبري. كما أشار إلى إمام
المالكية بالحرم الشريف، الفقيه أبو عبد الله محمد، وإلى إمام الحنفية شهاب
الدين أحمد بن علي وإمام الحنابلة محمد بن عثمان.
الأكل مرة كل يوم
ونظرا لمكوث ابن بطوطة فترة طويلة في مكة المكرمة بانتظار الحج فقد لاحظ
بعض العادات الاجتماعية لسكانها من ذلك قوله (وأهل مكة لا يأكلون في اليوم
إلا مرة واحدة ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت ومن أراد الأكل في سائر
النهار أكل التمر ولذلك صحت أبدانهم وقلت فيهم الأمراض والعاهات).
ولاحظ أنه بمجرد ثبات رؤية هلال رجب، أمر أمير مكة بضرب الطبول والأبواق
إيذانا بدخول الشهر وتوجه وركبه للطواف بالبيت الحرام. كما احتفل أهل مكة
بعمرة رجب احتفالا مهيبا، وذكر ابن بطوطة أنه شاهد شوارع مكة المكرمة ليلة
السابع والعشرين من رجب وقد غصت بالهوادج وجِمَال المعتمرين وهي تخرج إلى
التنعيم وأمامها الشموع والمشاعل.
ولم ينس ابن بطوطة الإشارة إلى حضور أهالي المناطق القريبة من مكة لعمرة
رجب بعد أن يجلبوا معهم الحبوب والسمن والعسل وغيرها من السلع، الأمر الذي
يسهم في توفير السلع للمعتمرين وفي رخص الأسعار أيضا.
حضر ابن بطوطة ليلة النصف من شعبان في مكة المكرمة فذكر أنها ليلة مباركة
عند أهالي مكة، حيث يبادرون فيها إلى الطواف والصلاة جماعات في المسجد
الحرام بعد إيقاد السرج والمصابيح فضلا عن ضوء القمر، ويقومون بأداء مائة
ركعة وبعضهم يطوفون بالبيت الحرام، والبعض الآخر خرج من أجل أداء العمرة.
قرع الدبادب لاستقبال رمضان
وذكر ابن بطوطة أنه عند حلول شهر رمضان لعام 726 هـ أمر أمير مكة بقرع
الطبول والدبادب (آلات خشبية عالية الصوت)، وإقامة احتفال بالمسجد الحرام
الذي تم تجديد الحصر به، وزيادة الشمع والمشاعل به، كما لاحظ إقامة الصلاة
وراء أئمة المذاهب المختلفة حول الكعبة فضلا عن وجود العديد من قراء القرآن
الكريم حتى (.. لا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي
لجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس، وتحضر القلوب).
كما تحدث عن وقت السحور في رمضان بمكة المكرمة فأشار إلى قيام (المؤذن
الزمزمي) في الصومعة الموجودة في الركن الشرقي من الحرم الشريف بالدعاء
والذكر والتحريض على السحور بالإضافة إلى العديد من المؤذنين الآخرين.
وفي أعلى كل صومعة خشبية في مكة تم نصب خشبة كبيرة بحيث يعلق فيها قنديلان
من الزجاج طوال وقت السحور بحيث إذا اقترب آذان الفجر يتم إطفاء هذين
القنديلين مرة بعد أخرى وبعد ذلك يبدأ المؤذنون في الأذان.
أما سكان مكة الذين لا يصل الأذان إليهم نتيجة ابتعاد بيوتهم فإنهم ينظرون
من أعلى سطوح منازلهم فإذا شاهدوا القنديلين مضاءين فإنهم يقومون بالتسحر
وإذا رأوهما مطفأين يقلعون عن الطعام.
ويذكر ابن بطوطة أن أهالي مكة يحتفلون بالعشر الأوائل من رمضان فيقوم في كل
ليلة أحد أبناء كبار رجال مكة بختم القرآن أمام القاضي وكبار الفقهاء وبعد
الانتهاء من ذلك يقام له منبر مزين بالحرير ليخطب للناس من فوقه، وبعد
الانتهاء من الخطبة يقوم والده بدعوة الحاضرين إلى وليمة بمنزله.
ويشير ابن بطوطة بشكل خاص إلى أن ليلة السابع والعشرين هي أعظم من احتفالهم
بسائر الليالي بحيث يتم أيضا ختم القرآن بحيث تكثر فيها قراءة القرآن فضلا
عن زيادة كبيرة في الشموع والقناديل.
تشابه روايات الرحالة مع مرور الزمن
ويمكننا أن نلاحظ هنا تشابها بين رواية الرحالة ابن جبير الأندلسي ورواية
ابن بطوطة المغربي على الرغم من اختلاف زمان أدائهم لفريضة الحج (القرن
السادس إلى القرن الثامن الهجري) حول كيفية استقبال أمير وسكان مكة لرمضان
وكيفية التسحير واستخدام القناديل المضاءة لذلك، وكذلك ما يرجى في ختم
القرآن في الليالي العشر الأخيرة منه وقيام أبناء كبراء سكان مكة بختم
القرآن في تلك الليالي أمام قاضي مكة وفقهائها، ثم قيامهم بالخطبة وقيام
آبائهم الميسورين بإقامة ولائم لسكان مكة.
واحتفالهم الكبير بليلة السابع والعشرين من رمضان ويمكننا أن نفهم مما سبق
أن تلك العادات الطيبة استمرت طول قرنين من الزمان كما هي.
ويصف ابن بطوطة استعداد المكيين لاستقابل عيد الفطر المبارك فيذكر أنهم
يقومون بإيقاد الشمع والمشاعل والمصابيح بحيث يضاء سطح الحرم كله ويقضي
المؤذنون هذه الليلة في تهليل وتكبير وتسبيح، بينما يأخذ الموجودن في
الصلاة والطواف والذكر والدعاء.
وبعدما يفرغ أهالي مكة من أداء صلاة الصبح يلبسون أحسن ما لديهم من ثياب
ويتوجهون لأداء صلاة العيد بالحرم الشريف وبعدها يقبل الناس على السلام
والمصافحة ويتوجهون لدخول الكعبة المشرفة، وبعد ذلك يخرجون إلى مقبرة باب
المعلى لزيارة قبور الصحابة والسلف الصالح.
قرع الطبول للصلاة!
مكث ابن بطوطة في مكة بعد ذلك حتى موعد حجته الأولى 726 هـ فيذكر أنه تم
تشمير (رفع) أستار الكعبة أو إحرام الكعبة يوم السابع والعشرين من ذي
القعدة صونا لها من الشد والجذب الذي يمكن أن تتعرض له من قبل الحجاج
ولهفتهم عليها.
كما ذكر أنه بمجرد حلول أول أيام شهر ذي الحجة يتم قرع الطبول في أوقات
الصلاة حتى يوم الصعود إلى عرفات وفي اليوم السابع من الشهر يلقي الإمام
خطبة المسجد الحرام بعد الانتهاء من صلاة الظهر لكي يعلم الناس فيها كيفية
أداء مناسك الحج.
ويصعد الذين حضروا لأداء الفريضة إلى منى في اليوم الثامن برفقة أمراء مصر
والشام والعراق وفي اليوم التاسع من ذي الحجة رحل الجميع من منى بعد الصلاة
الصبح إلى عرفات.
وذكر أن وقفة العيد كانت يوم خميس، ولم يفته الإشارة إلى بعض الشخصيات
الهامة التي قامت بأداء شعيرة الحج ذلك العام منهم الأمير أرغون الدوادار
نائب الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكي، وزوجته.
غادر ابن بطوطة والحجاج وعرفات بعد غروب الشمس إلى مزدلفة متأخرين، حيث
جمعوا بين صلاة المغرب والعشاء كسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أن
صلوا الصبح في مزدلفة توجهوا نحو منى، حيث رمى جمرة العقبة، وقام الحجاج
بالذبح والنحر، ثم حلقوا وحلوا من كل شيء باستثناء النساء والطيب حتى طواف
الإفاضة، وأشار ابن بطوطة إلى أن كسوة الكعبة المشرفة وصلت من مصر وقاموا
بتغطية الكعبة بها يوم النحر ووصفها بأنها من الحرير حالكة السواد ومكتوب
عليها العديد من الآيات القرآنية.
ولم يفته أن يشير إلى أن الملك الناصر هو الذي يتولى أمر كسوة الكعبة فضلا
عن تكفله بمعاش القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين وما يحتاج إليه
الحرم الشريف من الشمع والزيت كل سنة.
وبعد الانتهاء من فريضة الحج لأول مرة غادر ابن بطوطة مكة المكرمة باتجاه العراق في العشرين من شهر ذي الحجة 726 هـ.