· ( فقه الاعتكاف) أفضل المساجد للاعتكاف؟
مبطلات الاعتكاف بماذا يشتغل المعتكف ثمرات الاعتكاف؟
ما هو الاعتكاف؟
الاعتكاف لغة: ملازمة الشيء والمواظبة والإقبال والمقام عليه خيراً كان أو
شراً، هذا من ناحية اللغة. والدليل قوله تعالى (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ
الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)(الأنبياء: من الآية52) مع أنها أصنام
وسمى فعلهم عكوفاً، وأيضاً (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ
عَلَيْهِ عَاكِفاً)(طه: من الآية97) هذا كلام موسى عليه السلام للسامري، مع
أنه في الشر وسمي اعتكافاً.
أما من الناحية الشرعية: فقد قال الفقهاء هو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى،
لكن شيخ الإسلام قال: هو لزوم مسجد لعبادة الله جل وعلا – لماذا ياشيخ
الإسلام؟– قال: إن الطاعة هي موافقة المأمور سواء كان واجباً أو مستحباً أو
مباحاً وتصير طاعة بالنية، أما إذا قلنا لعبادة الله فهو التذلل والخضوع
وهو الذي يليق بالاعتكاف، قال تعالى: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي
أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أي متذللون خاضعون وقوله:(الَّذِي ظَلْتَ
عَلَيْهِ عَاكِفاً) متذللاً عابداً خاضعاً والفرق بينهما يسير، والاعتكاف
مشروع بالكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى:(أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ)(البقرة: من الآية125) وأيضاً نجد (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ
فِي الْمَسَاجِدِ )(البقرة: من الآية187) وغيرهما من الآيات.
أما السنة: فالسنة العملية والقولية أيضاً، فالنبي – صلى الله عليه وسلم –
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفي حديث أبي سعيد الخدري أنه كان يعتكف
في العشر الأول ثم تحرى ليلة القدر في الأوسط ثم أخبر وأعلم أنها في ليالي
العشر الأواخر، فكان يعتكف في العشر الأواخر وحث الصحابة على الاعتكاف في
العشر الأواخر.
أما آثار الصحابة: فكثيرة والرجوع إلى الكتب يبين ذلك لمن أراد مزيد بيان ودليل.
أما الإجماع: فقد حكى الإجماع كثير من العلماء والفقهاء.
فائدة: هل ورد في الاعتكاف حديث يبين فضل الاعتكاف؟ كأن يقول من اعتكف فله
كذا، الجواب: لا يوجد حسب ما أعلم بل حسب ما قال الإمام أحمد رحمه الله لا
يوجد حديث صحيح فيه مقدار أجر المعتكف، يقول أبو داود رحمه الله: قلت
لأحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً قال: لا، إلا شيئاً ضعيفاً، ومن ذلك حديث
أبي الدرداء مرفوعاً (( من اعتكف ليلة كان له أجر أو كأجرة عمرة، ومن
اعتكف ليلتين كان له كأجر عمرتين))، أما دليل المشروعية فقد ورد في أحاديث
كثيرة جداً، اعتكاف النبي – صلى الله عليه وسلم – كما روت عائشة وروى
الصحابة وما ذكره أيضاً في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيرها من الأحاديث.
حكم الاعتكاف سنة للرجل والمرأة لأدلة مشروعيته وحكي إجماعاً إلا ما ذكر عن
مالك أنه كره الاعتكاف كما ذكر بعض المالكية، فحكم الاعتكاف أنه مسنون إلا
ما أوجبه المرء على نفسه بالنذر، لما قال عمر رضي الله عنه للنبي – صلى
الله عليه وسلم – إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة وفي رواية يوماً
في المسجد الحرام قال له النبي – صلى الله عليه وسلم – ((أوفِ بنذرك)).
أما ما لم يكن نذراً فالصحيح عدم الوجوب فهو مسنون للرجل والمرأة على القول
الصحيح، أما الرواية عن الإمام مالك فقد اختلف أيضاً من نقل عنه، بعضهم
قال أن مالك لم يقل بالكراهة وبعضهم كابن رشد قال أن الإمام مالك قال
بالكراهة، ومع ذلك فقوله مرجوح إن صحت النسبة إليه، أما المرأة فجمهور
العلماء على أن الاعتكاف مشروع لها أي مسنون إلا ما روي عن القاضي من
الحنابلة أنه كره اعتكاف المرأة الشابة وهذا فيه نظر، لأن أزواج النبي –
صلى الله عليه وسلم – اعتكفن ومعلوم أن عدداً منهن شابات كعائشة، وأم سلمة،
وحفصة، كن شابات في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك اعتكفن.
فالقول أن اعتكاف الشابة مكروه لا دليل عليه.
· وقت الاعتكاف؟
جمهور العلماء على أنه في كل وقت مسنون في رمضان وفي غيره، إلا قولاً لبعض
المالكية أنه مسنون في رمضان وجائز في غيره، والقول الراجح هو أنه مشروع في
رمضان وغيره وأفضله في رمضان وآكده في العشر الأواخر من رمضان.
· ماهو أقل الاعتكاف؟
اختلف العلماء على عدة أقوال، منهم من قال أقل الاعتكاف عشرة أيام، ومنهم
من قال يوم وليلة، ومنهم من قال يوم أوليلة، ومنهم من قال لحظة، وأرجح
الأقوال وهو الذي تؤيده الأدلة أن أقله يوم أو ليلة، لحديث عمر قال: ((
أوفِ بنذرك))، قال:"نذرت أن أعتكف ليلةً" وفي رواية "يوماً"، وهما صحيحتان.
فنقول أن أقل الاعتكاف يوم أو ليلة لأنه أمر تعبدي، وهذا أقل ما ورد فيه،
أما ما قاله بعض العلماء أنه لحظة فهذا لا نستطيع أن نقول إنه اعتكاف ولا
دليل عليه، لكننا نقول لو انتظر الصلاة فهو مشروع ومأجور، لحديث "وانتظار
الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط"، لكن لا نسميه اعتكافاً، فرق
بين أن نقول أن انتظار الصلاة مشروع؛ أي الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة
مسنون، ولك أجر في ذلك، وبين أن نسميه اعتكافاً، الاعتكاف الذي نتحدث عنه،
هو الاعتكاف الذي له أحكام وله شروط وله آداب، فنقول: أعدل الأقوال وأوضحها
وأقواها وهو الذي يؤيده الدليل أن الاعتكاف أقله يوم أو ليلة، لحديث عمر
رضي الله عنه، أما أكثره فلا حد له كما نذرت امرأة عمران أن ما في بطنها
محرراً وهي مريم عليها السلام أي وهبتها للمسجد أي نذرتها لتبقى في المسجد
فتقبل الله منها كما في سورة آل عمران ( إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي
بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ)(آل عمران: من الآية35) (َفتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ
حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا
دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً)(آل
عمران: من الآية37) فتبين لنا أنها كانت معتكفة في المسجد بدليل أول الآية
أن أمها نذرتها لله وما معنى أن تنذرها لله أي جعلتها في المسجد لخدمة
المسجد وبيت المقدس وتقبل الله منها (كلما دخل عليها زكريا المحراب) معناه
أنها موجودة في المسجد، فممكن أن ينذر الإنسان نفسه لله، يبقى في البيت
الحرام أو يبقى في المسجد، لكن بشرط أنه لا يفرط في واجب ولا يقع في محرم
بأن يتعدى في شيء من ذلك، كما نص العلماء.
· متى يدخل المعتكف؟
فيه قولان قويان في هذه المسألة، قول جمهور العلماء على أنه يدخل قبل مغرب
يوم عشرين أي قبل غروب الشمس من يوم عشرين، حتى تكون فعلاً اعتكفت العشر
الأواخر لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حث على العشر الأواخر ومن دخل
المسجد بعد غروب الشمس لا يصدق عليه أنه اعتكف العشر الأواخر كاملة، وفيه
قول آخر وهو أنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر من يوم الواحد والعشرين،
واستدل هؤلاء بحديث عائشة رضي الله عنها ( أن النبي – صلى الله عليه وسلم –
إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر صلى الصبح ثم دخل معتكفه) لكن هنا وقفة،
حيث إنه لو دخل بعد الصبح فقد فاتته ليلة الواحد والعشرين ومن فاتته ليلة
كاملة لايصدق عليه أنه اعتكف عشر ليالي وخاصة أن الاعتكاف عشر ليالي ما قال
عشرة أيام، الاعتكاف ربط بالليالي يقول اعتكف عشر ليالي تسع ليالي، والذي
لم يدخل إلا بعد صلاة الصبح كيف نقول عنه أنه اعتكف عشر ليالي، أو نقول
اعتكف العشر الأواخر، وقد ترك ليلة كاملة بل هذه الليلة ورد فيها أحاديث
كثيرة أنها قد تكون ليلة القدر، كيف نجمع بين حديث دخل معتكفه بعد صلاة
الصبح، وبين حديث أبي سعيد في العشر الأواخر وغيره من الأحاديث أنه كان
يعتكف العشر الأواخر، الجمع يسير وبين وسهل، مع أن القول الثاني قال به
علماء كبار لهم شأن أنه لا يدخل إلا بعد الفجر، والقول الأول قال به جمهور
العلماء دليلهم أوضح وكلما أمكن إعمال الأدلة جميعاً أولى من إعمال دليل
وإهمال الثاني قال العلماء: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يدخل
المسجد قبل غروب الشمس في يوم العشرين ويصلى الليل في المسجد ولكن يدخل
معتكفه أي خباءه الذي وضعه ونصبه في المسجد بعد صلاة الصبح بعد أن يصلى
بالناس الفجر يدخل خباءه، ويسمى المعتكف أي من باب الخاص كما ورد أن "الحج
عرفة" مع أنكم تعلمون أن الحج ليس فقط في عرفة، من ذهب إلى عرفة فقط ولم
يطف بالبيت ولم يسع ولم يرم الجمرات ولم يذهب إلى مزدلفة ما صح حجه، لكن
قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "الحج عرفة"، أي هو أعظم أركان الحج،
فكذلك الخباء الذي يوضع في المسجد للاعتكاف، وإلا فالاعتكاف عموماً في
المسجد، إذن فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يدخل قبل غروب الشمس ليلة
الواحد والعشرين أي يوم العشرين، ويدخل معتكفه بعد صلاة الصبح في يوم
الواحد والعشرين، بهذا نجمع بين الأدلة وينتهي الإشكال والحمد لله، هذا هو
القول الراجح.
· متى زمن الخروج؟
جمهور العلماء على أنه يستحب له أن لا يخرج من المسجد إلا لصلاة العيد،
ولكن لو خرج بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فقد تم اعتكافه هذا
بالإجماع حتى على قول الجمهور، لكن جمهور العلماء أخذاً من فعل السلف
يقولون الأفضل أن يبقى إلى أن يخرج من مسجده إلى صلاة العيد ليصل عبادة
بعبادة، وهكذا فعل جمهور من السلف ومع ذلك إن خرج بعد الغروب فلا حرج عليه.
...........
يتبع
مبطلات الاعتكاف بماذا يشتغل المعتكف ثمرات الاعتكاف؟
ما هو الاعتكاف؟
الاعتكاف لغة: ملازمة الشيء والمواظبة والإقبال والمقام عليه خيراً كان أو
شراً، هذا من ناحية اللغة. والدليل قوله تعالى (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ
الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)(الأنبياء: من الآية52) مع أنها أصنام
وسمى فعلهم عكوفاً، وأيضاً (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ
عَلَيْهِ عَاكِفاً)(طه: من الآية97) هذا كلام موسى عليه السلام للسامري، مع
أنه في الشر وسمي اعتكافاً.
أما من الناحية الشرعية: فقد قال الفقهاء هو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى،
لكن شيخ الإسلام قال: هو لزوم مسجد لعبادة الله جل وعلا – لماذا ياشيخ
الإسلام؟– قال: إن الطاعة هي موافقة المأمور سواء كان واجباً أو مستحباً أو
مباحاً وتصير طاعة بالنية، أما إذا قلنا لعبادة الله فهو التذلل والخضوع
وهو الذي يليق بالاعتكاف، قال تعالى: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي
أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أي متذللون خاضعون وقوله:(الَّذِي ظَلْتَ
عَلَيْهِ عَاكِفاً) متذللاً عابداً خاضعاً والفرق بينهما يسير، والاعتكاف
مشروع بالكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى:(أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ)(البقرة: من الآية125) وأيضاً نجد (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ
فِي الْمَسَاجِدِ )(البقرة: من الآية187) وغيرهما من الآيات.
أما السنة: فالسنة العملية والقولية أيضاً، فالنبي – صلى الله عليه وسلم –
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفي حديث أبي سعيد الخدري أنه كان يعتكف
في العشر الأول ثم تحرى ليلة القدر في الأوسط ثم أخبر وأعلم أنها في ليالي
العشر الأواخر، فكان يعتكف في العشر الأواخر وحث الصحابة على الاعتكاف في
العشر الأواخر.
أما آثار الصحابة: فكثيرة والرجوع إلى الكتب يبين ذلك لمن أراد مزيد بيان ودليل.
أما الإجماع: فقد حكى الإجماع كثير من العلماء والفقهاء.
فائدة: هل ورد في الاعتكاف حديث يبين فضل الاعتكاف؟ كأن يقول من اعتكف فله
كذا، الجواب: لا يوجد حسب ما أعلم بل حسب ما قال الإمام أحمد رحمه الله لا
يوجد حديث صحيح فيه مقدار أجر المعتكف، يقول أبو داود رحمه الله: قلت
لأحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً قال: لا، إلا شيئاً ضعيفاً، ومن ذلك حديث
أبي الدرداء مرفوعاً (( من اعتكف ليلة كان له أجر أو كأجرة عمرة، ومن
اعتكف ليلتين كان له كأجر عمرتين))، أما دليل المشروعية فقد ورد في أحاديث
كثيرة جداً، اعتكاف النبي – صلى الله عليه وسلم – كما روت عائشة وروى
الصحابة وما ذكره أيضاً في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيرها من الأحاديث.
حكم الاعتكاف سنة للرجل والمرأة لأدلة مشروعيته وحكي إجماعاً إلا ما ذكر عن
مالك أنه كره الاعتكاف كما ذكر بعض المالكية، فحكم الاعتكاف أنه مسنون إلا
ما أوجبه المرء على نفسه بالنذر، لما قال عمر رضي الله عنه للنبي – صلى
الله عليه وسلم – إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة وفي رواية يوماً
في المسجد الحرام قال له النبي – صلى الله عليه وسلم – ((أوفِ بنذرك)).
أما ما لم يكن نذراً فالصحيح عدم الوجوب فهو مسنون للرجل والمرأة على القول
الصحيح، أما الرواية عن الإمام مالك فقد اختلف أيضاً من نقل عنه، بعضهم
قال أن مالك لم يقل بالكراهة وبعضهم كابن رشد قال أن الإمام مالك قال
بالكراهة، ومع ذلك فقوله مرجوح إن صحت النسبة إليه، أما المرأة فجمهور
العلماء على أن الاعتكاف مشروع لها أي مسنون إلا ما روي عن القاضي من
الحنابلة أنه كره اعتكاف المرأة الشابة وهذا فيه نظر، لأن أزواج النبي –
صلى الله عليه وسلم – اعتكفن ومعلوم أن عدداً منهن شابات كعائشة، وأم سلمة،
وحفصة، كن شابات في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك اعتكفن.
فالقول أن اعتكاف الشابة مكروه لا دليل عليه.
· وقت الاعتكاف؟
جمهور العلماء على أنه في كل وقت مسنون في رمضان وفي غيره، إلا قولاً لبعض
المالكية أنه مسنون في رمضان وجائز في غيره، والقول الراجح هو أنه مشروع في
رمضان وغيره وأفضله في رمضان وآكده في العشر الأواخر من رمضان.
· ماهو أقل الاعتكاف؟
اختلف العلماء على عدة أقوال، منهم من قال أقل الاعتكاف عشرة أيام، ومنهم
من قال يوم وليلة، ومنهم من قال يوم أوليلة، ومنهم من قال لحظة، وأرجح
الأقوال وهو الذي تؤيده الأدلة أن أقله يوم أو ليلة، لحديث عمر قال: ((
أوفِ بنذرك))، قال:"نذرت أن أعتكف ليلةً" وفي رواية "يوماً"، وهما صحيحتان.
فنقول أن أقل الاعتكاف يوم أو ليلة لأنه أمر تعبدي، وهذا أقل ما ورد فيه،
أما ما قاله بعض العلماء أنه لحظة فهذا لا نستطيع أن نقول إنه اعتكاف ولا
دليل عليه، لكننا نقول لو انتظر الصلاة فهو مشروع ومأجور، لحديث "وانتظار
الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط"، لكن لا نسميه اعتكافاً، فرق
بين أن نقول أن انتظار الصلاة مشروع؛ أي الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة
مسنون، ولك أجر في ذلك، وبين أن نسميه اعتكافاً، الاعتكاف الذي نتحدث عنه،
هو الاعتكاف الذي له أحكام وله شروط وله آداب، فنقول: أعدل الأقوال وأوضحها
وأقواها وهو الذي يؤيده الدليل أن الاعتكاف أقله يوم أو ليلة، لحديث عمر
رضي الله عنه، أما أكثره فلا حد له كما نذرت امرأة عمران أن ما في بطنها
محرراً وهي مريم عليها السلام أي وهبتها للمسجد أي نذرتها لتبقى في المسجد
فتقبل الله منها كما في سورة آل عمران ( إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي
بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ)(آل عمران: من الآية35) (َفتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ
حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا
دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً)(آل
عمران: من الآية37) فتبين لنا أنها كانت معتكفة في المسجد بدليل أول الآية
أن أمها نذرتها لله وما معنى أن تنذرها لله أي جعلتها في المسجد لخدمة
المسجد وبيت المقدس وتقبل الله منها (كلما دخل عليها زكريا المحراب) معناه
أنها موجودة في المسجد، فممكن أن ينذر الإنسان نفسه لله، يبقى في البيت
الحرام أو يبقى في المسجد، لكن بشرط أنه لا يفرط في واجب ولا يقع في محرم
بأن يتعدى في شيء من ذلك، كما نص العلماء.
· متى يدخل المعتكف؟
فيه قولان قويان في هذه المسألة، قول جمهور العلماء على أنه يدخل قبل مغرب
يوم عشرين أي قبل غروب الشمس من يوم عشرين، حتى تكون فعلاً اعتكفت العشر
الأواخر لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حث على العشر الأواخر ومن دخل
المسجد بعد غروب الشمس لا يصدق عليه أنه اعتكف العشر الأواخر كاملة، وفيه
قول آخر وهو أنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر من يوم الواحد والعشرين،
واستدل هؤلاء بحديث عائشة رضي الله عنها ( أن النبي – صلى الله عليه وسلم –
إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر صلى الصبح ثم دخل معتكفه) لكن هنا وقفة،
حيث إنه لو دخل بعد الصبح فقد فاتته ليلة الواحد والعشرين ومن فاتته ليلة
كاملة لايصدق عليه أنه اعتكف عشر ليالي وخاصة أن الاعتكاف عشر ليالي ما قال
عشرة أيام، الاعتكاف ربط بالليالي يقول اعتكف عشر ليالي تسع ليالي، والذي
لم يدخل إلا بعد صلاة الصبح كيف نقول عنه أنه اعتكف عشر ليالي، أو نقول
اعتكف العشر الأواخر، وقد ترك ليلة كاملة بل هذه الليلة ورد فيها أحاديث
كثيرة أنها قد تكون ليلة القدر، كيف نجمع بين حديث دخل معتكفه بعد صلاة
الصبح، وبين حديث أبي سعيد في العشر الأواخر وغيره من الأحاديث أنه كان
يعتكف العشر الأواخر، الجمع يسير وبين وسهل، مع أن القول الثاني قال به
علماء كبار لهم شأن أنه لا يدخل إلا بعد الفجر، والقول الأول قال به جمهور
العلماء دليلهم أوضح وكلما أمكن إعمال الأدلة جميعاً أولى من إعمال دليل
وإهمال الثاني قال العلماء: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يدخل
المسجد قبل غروب الشمس في يوم العشرين ويصلى الليل في المسجد ولكن يدخل
معتكفه أي خباءه الذي وضعه ونصبه في المسجد بعد صلاة الصبح بعد أن يصلى
بالناس الفجر يدخل خباءه، ويسمى المعتكف أي من باب الخاص كما ورد أن "الحج
عرفة" مع أنكم تعلمون أن الحج ليس فقط في عرفة، من ذهب إلى عرفة فقط ولم
يطف بالبيت ولم يسع ولم يرم الجمرات ولم يذهب إلى مزدلفة ما صح حجه، لكن
قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "الحج عرفة"، أي هو أعظم أركان الحج،
فكذلك الخباء الذي يوضع في المسجد للاعتكاف، وإلا فالاعتكاف عموماً في
المسجد، إذن فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يدخل قبل غروب الشمس ليلة
الواحد والعشرين أي يوم العشرين، ويدخل معتكفه بعد صلاة الصبح في يوم
الواحد والعشرين، بهذا نجمع بين الأدلة وينتهي الإشكال والحمد لله، هذا هو
القول الراجح.
· متى زمن الخروج؟
جمهور العلماء على أنه يستحب له أن لا يخرج من المسجد إلا لصلاة العيد،
ولكن لو خرج بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فقد تم اعتكافه هذا
بالإجماع حتى على قول الجمهور، لكن جمهور العلماء أخذاً من فعل السلف
يقولون الأفضل أن يبقى إلى أن يخرج من مسجده إلى صلاة العيد ليصل عبادة
بعبادة، وهكذا فعل جمهور من السلف ومع ذلك إن خرج بعد الغروب فلا حرج عليه.
...........
يتبع