آداب المعيشة وأخلاق النبوة
كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة
وهو الكتاب العاشر من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه وأدب نبيه محمدا صلى الله
عليه وسلم فأحسن تأديبه وزكى أوصافه وأخلاقه ثم اتخذه صفيه وحبيبه ووفق
للإقتداء به من أراد تهذيبه وحرم عن التخلق بأخلاقه من أراد تخييبه وصلى
الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا
أما بعد فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن وحركات الجوارح ثمرات الخواطر
والأعمال نتيجة الأخلاق والآداب رشح المعارف وسرائر القلوب هي مغارس
الأفعال ومنابعها وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها وتجليها
وتبدل بالمحاسن مكارهها ومساويها ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه ومن لم
يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية ولقد
كنت عزمت على أن أختم ربع العادات من هذا الكتاب بكتاب جامع لآداب المعيشة
لئلا يشق على طالبها استخراجها من جميع هذه الكتب ثم رأيت كل كتاب من ربع
العادات قد أتى على جملة من الآداب فاستثقلت تكريرها وإعادتها فإن طلب
الإعادة ثقيل والنفوس مجبولة على معاداة المعادات فرأيت أن أقتصر في هذا
الكتاب على ذكر آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه المأثورة عنه
بالإسناد فأسردها مجموعة فصلا فصلا محذوفة الأسانيد ليجتمع فيه مع جميع
الآداب تجديد الإيمان وتأكيده بمشاهدة أخلاقه الكريمة التي شهد آحادها على
القطع بأنه أكرم خلق الله تعالى وأعلاهم رتبة وأجلهم قدرا فكيف مجموعها ثم
أضيف إلى ذكر أخلاقه ذكر خلقته ثم ذكر معجزاته التي صحت بها الأخبار ليكون
ذلك معربا عن مكارم الأخلاق والشيم ومنتزعا عن آذان الجاحدين لنبوته صمام
الصمم والله تعالى ولي التوفيق للإقتداء بسيد المرسلين في الأخلاق والأحوال
وسائر معالم الدين فإنه دليل المتحيرين ومجيب دعوة المضطرين ولنذكر فيه
أولا بيان تأديب الله تعالى إياه بالقرآن ثم بيان جوامع من محاسن أخلاقه ثم
بيان جملة من آدابه وأخلاقه ثم بيان كلامه وضحكه ثم بيان أخلاقه وآدابه في
الطعام ثم بيان أخلاقه وآدابه في اللباس ثم بيان عفوه مع القدرة ثم بيان
إغضائه عما كان يكره ثم بيان سخاوته وجوده ثم بيان شجاعته وبأسه ثم بيان
تواضعه ثم بيان صورته وخلقته ثم بيان جوامع معجزاته وآياته صلى الله عليه
وسلم بيان تأديب الله تعالى حبيبه وصفيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة والإبتهال دائم السؤال من
الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق فكان يقول في دعائه
اللهم حسن خلقي وخلقي حديث كان يقول في دعائه اللهم حسن خلقي وخلقي أخرجه
أحمد من حديث ابن مسعود ومن حديث عائشة ولفظهما اللهم أحسنت خلقي فأحسن
خلقي وإسنادهما جيد وحديث ابن مسعود رواه ابن حبان ويقول اللهم جنبني
منكرات الأخلاق حديث اللهم جنبني منكرات الأخلاق أخرجه الترمذي وحسنه
والحاكم وصححه واللفظ له من حديث قطبة بن مالك وقال الترمذي اللهم إني أعوذ
بك فاستجاب الله تعالى دعاءه وفاء بقوله عز وجل ادعوني أستجب لكم فأنزل
عليه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرآن قال سعد بن هشام دخلت على عائشة رضي
الله عنها وعن أبيها فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
أما تقرأ القرآن قلت بلى قالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
القرآن حديث سعد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن رواه مسلم ووهم الحاكم في قوله إنهما
لم يخرجاه وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض
عن الجاهلين وقوله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي وقوله واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور
وقوله ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور وقوله فاعف عنهم واصفح إن الله
يحب المحسنين وقوله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم وقوله
ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وقوله
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقوله اجتنبوا كثيرا
من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ولما كسرت
رباعيته وشج يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ويقول كيف يفلح
قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم حديث كسرت رباعيته صلى
الله عليه وسلم يوم أحد الحديث في نزول ليس لك من الأمر شيء أخرجه مسلم من
حديث أنس وذكره البخاري تعليقا فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء
تأديبا له على ذلك وأمثال هذه التأديبات في القرآن لا تحصر وهو صلى الله
عليه وسلم المقصود الأول بالتأديب والتهذيب ثم منه يشرق النور على كافة
الخلق فإنه أدب بالقرآن وأدب الخلق به ولذلك قال صلى الله عليه وسلم بعثت
لأتمم مكارم الأخلاق حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أخرجه أحمد والحاكم
والبيهقي من حديث أبي هريرة قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقد تقدم في آداب
الصحبة ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق بما أوردناه في كتاب رياضة النفس
وتهذيب الأخلاق فلا نعيده ثم لما أكمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال
تعالى وإنك لعلى خلق عظيم فسبحانه ما أعظم شأنه وأتم امتنانه ثم انظر إلى
عميم لطفه وعظيم فضله كيف أعطى ثم أثنى فهو الذي زينه بالخلق الكريم ثم
أضاف إليه ذلك فقال وإنك لعلى خلق عظيم ثم بين رسول الله صلى الله عليه
وسلم للخلق أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها حديث إن الله يحب
معالي الأخلاق ويبغض سفسافها أخرجه البيهقي من حديث سهل بن سعد متصلا ومن
رواية طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا ورجالهما ثقات قال علي رضي الله عنه يا
عجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كان
لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لقد كان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم
الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة فقال له رجل أسمعته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال نعم وما هو خير منه لما أتى بسبايا طيء وقفت جارية
في السبى فقالت يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني
بنت سيد قومي وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم
الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائي فقال صلى
الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا
عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم
الأخلاق فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله الله يحب مكارم الأخلاق
فقال والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا حسن الأخلاق حديث على قوله واعجبا
لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا الحديث وفيه
مرفوعا لما أتي بسبايا طيء وقفت جارية في السبى فقالت يا محمد إن رأيت أن
تخلى عني الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد فيه ضعف وعن
معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حف الإسلام بمكارم
الأخلاق ومحاسن الأعمال حديث معاذ حف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن
الأعمال الحديث بطوله لم أقف له على أصل ويغني عنه حديث معاذ الآتي بعده
بحديث ومن ذلك حسن المعاشرة وكرم الصنيعة ولين الجانب وبذل المعروف وإطعام
الطعام وإفشاء السلام وعيادة المريض المسلم برا كان أو فاجرا وتشييع جنازة
المسلم وحسن الجوار لمن جاورت مسلما كان أو كافرا وتوقير ذي الشيبة المسلم
وإجابة الطعام والدعاء عليه والعفو والإصلاح بين الناس والجود والكرم
والسماحة والإبتداء بالسلام وكظم الغيظ والعفو عن الناس واجتناب ما حرمه
الإسلام من اللهو والباطل والغناء والمعازف كلها وكل ذي وتر وكل ذي دخل
والغلبة والكذب والبخل والشح والجفاء والمكر والخديعة والنميمة وسوء ذات
البين وقطيعة الأرحام وسوء الخلق والتكبر والفخر والاختيال والاستطالة
والبذخ والفحش والتفحش والحقد والحسد والطيرة والبغي والعدوان والظلم قال
أنس رضي الله عنه فلم يدع نصيحة جميلة إلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها ولم
يدع غشا أو قال عيبا أو قال شينا إلا حذرناه ونهانا عنه حديث أنس لم يدع
صلى الله عليه وسلم نصيحة جميلة إلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها له أقف له
على إسناد وهو صحيح من حيث الواقع ويكفي من ذلك كله هذه الآية إن الله يأمر
بالعدل والإحسان الآية وقال معاذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا معاذ أوصيك بإتقاء الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة
وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل
وقصر الأمل ولزوم الإيمان والتفقه في القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب
وخفض الجناح وأنهاك أن تسب حكيما أو تكذب صادقا أو تطيع آثما أو تعصي إماما
عادلا أو تفسد أرضا وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وأن تحدث لكل
ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية حديث يا معاذ أوصيك باتقاء الله
وصدق الحديث الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد وقد تقدم
في آداب الصحبة فهكذا أدب عباد الله ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن
الآداب بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من
الأخبار فقال كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس حديث كان صلى الله عليه
وسلم أحلم الناس أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه
وسلم من رواية عبد الرحمن بن أبزي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحلم الناس الحديث وهو مرسل وروى أبو حاتم بن حبان من حديث عبد الله بن
سلام في قصة إسلام زيد بن شعثة من أحبار اليهود وقول زيد لعمر بن الخطاب يا
عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل
عليه إلا حلما فقد اختبرتهما الحديث وأشجع الناس الحديث أنه كان أشجع الناس
متفق عليه من حديث أنس وأعدل الناس حديث كان أعدل الناس أخرجه الترمذي في
الشمائل من حديث علي بن أبي طالب في الحديث الطويل في صفته صلى الله عليه
وسلم لايقصر عن الحق ولا يجاوزه وفيه قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا
وصاروا عنده في الحق سواء الحديث وفيه من لم يسم وأعف الناس لم تمس يده قط
يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه حديث كان أعف
الناس لم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات
محرم له أخرجه الشيخان من حديث عائشة ما مست يد رسول الله صلى الله عليه
وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها وكان أسخى الناس حديث كان صلى الله عليه
وسلم أسخى الناس أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس فضلت على الناس
بأربع بالسخاء والشجاعة الحديث ورجاله ثقات وقال صاحب الميزان إنه منكر وفي
الصحيحين من حديثه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس واتفقا
عليه من حديث ابن عباس وتقدم في الزكاة لا يبيت عنده دينار ولا درهم وإن
فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى
من يحتاج إليه حديث كان لا يبيت عنده دينار ولا درهم قط وإن فضل ولم يجد من
يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه أخرجه
أبو داود من حديث بلال في حديث طويل فيه أهدى صاحب فدك لرسول الله صلى
الله عليه وسلم اربع ركائب عليهن كسوة وطعام وبيع بلال لذلك ووفا دينه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده وفيه قال فضل شيء قلت
نعم ديناران قال انظر أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من أهلي حتى
تريحني منهما فلم يأتنا أحد فبات في المسجد حتى أصبح وظل في المسجد اليوم
الثاني حتى إذا كان في آخر النهار جاء راكبان فانطلقت بهما فكسوتهما
وأطعمتهما حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال ما فعل الذي قبلك قلت قد أراحك
الله منه فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى
جاء أزواجه الحديث وللبخاري من حديث عقبة بن الحارث ذكرت وأنا في الصلاة
فكرهت أن يمسى ويبيت عندنا فأمرت بقسمته ولأبي عبيد في غريبه من حديث الحسن
بن محمد مرسلا كان لا يقبل مالا عنده ولا يبيته لا يأخذ مما آتاه الله إلا
قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله
حديث كان لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر
والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله متفق عليه بنحوه من حديث عمر بن
الخطاب وقد تقدم في الزكاة لا يسأل شيئا إلا أعطاه حديث كان لا يسئل شيئا
إلا أعطاه أخرجه الطيالسي والدارمي من حديث سهل بن سعد وللبخاري من حديثه
في الرجل الذي ساله الشملة فقيل له سالته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلا
الحديث ولمسلم من حديث أنس ما سئل على الإسلام شيئا إلا أعطاه وفي الصحيحين
من حديث جابر ما سئل شيئا قط فقال لا ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى
إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء حديث أنه كان يؤثر مما
ادخر لعياله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام هذا معلوم ويدل عليه ما رواه
الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم توفى
ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله وقال ابن ماجه بثلاثين صاعا
من شعير وإسناده جيد والبخاري من حديث عائشة توفي ودرعه مرهونة عند يهودي
بثلاثين وفي رواية البيهقي بثلاثين صاعا من شعير وكان يخصف النعل ويرقع
الثوب ويخدم في مهنة أهله حديث وكان صلى الله عليه وسلم يخصف النعل ويرقع
الثوب ويخدم في مهنة أهله أخرجه أحمد من حديث عائشة كان يخصف نعله ويخيط
ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو
الشيخ بلفظ ويرقع الثوب وللبخاري من حديث عائشة كان يكون في مهنة أهله
ويقطع اللحم معهن حديث
يتبع ......
كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة
وهو الكتاب العاشر من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه وأدب نبيه محمدا صلى الله
عليه وسلم فأحسن تأديبه وزكى أوصافه وأخلاقه ثم اتخذه صفيه وحبيبه ووفق
للإقتداء به من أراد تهذيبه وحرم عن التخلق بأخلاقه من أراد تخييبه وصلى
الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا
أما بعد فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن وحركات الجوارح ثمرات الخواطر
والأعمال نتيجة الأخلاق والآداب رشح المعارف وسرائر القلوب هي مغارس
الأفعال ومنابعها وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها وتجليها
وتبدل بالمحاسن مكارهها ومساويها ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه ومن لم
يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية ولقد
كنت عزمت على أن أختم ربع العادات من هذا الكتاب بكتاب جامع لآداب المعيشة
لئلا يشق على طالبها استخراجها من جميع هذه الكتب ثم رأيت كل كتاب من ربع
العادات قد أتى على جملة من الآداب فاستثقلت تكريرها وإعادتها فإن طلب
الإعادة ثقيل والنفوس مجبولة على معاداة المعادات فرأيت أن أقتصر في هذا
الكتاب على ذكر آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه المأثورة عنه
بالإسناد فأسردها مجموعة فصلا فصلا محذوفة الأسانيد ليجتمع فيه مع جميع
الآداب تجديد الإيمان وتأكيده بمشاهدة أخلاقه الكريمة التي شهد آحادها على
القطع بأنه أكرم خلق الله تعالى وأعلاهم رتبة وأجلهم قدرا فكيف مجموعها ثم
أضيف إلى ذكر أخلاقه ذكر خلقته ثم ذكر معجزاته التي صحت بها الأخبار ليكون
ذلك معربا عن مكارم الأخلاق والشيم ومنتزعا عن آذان الجاحدين لنبوته صمام
الصمم والله تعالى ولي التوفيق للإقتداء بسيد المرسلين في الأخلاق والأحوال
وسائر معالم الدين فإنه دليل المتحيرين ومجيب دعوة المضطرين ولنذكر فيه
أولا بيان تأديب الله تعالى إياه بالقرآن ثم بيان جوامع من محاسن أخلاقه ثم
بيان جملة من آدابه وأخلاقه ثم بيان كلامه وضحكه ثم بيان أخلاقه وآدابه في
الطعام ثم بيان أخلاقه وآدابه في اللباس ثم بيان عفوه مع القدرة ثم بيان
إغضائه عما كان يكره ثم بيان سخاوته وجوده ثم بيان شجاعته وبأسه ثم بيان
تواضعه ثم بيان صورته وخلقته ثم بيان جوامع معجزاته وآياته صلى الله عليه
وسلم بيان تأديب الله تعالى حبيبه وصفيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة والإبتهال دائم السؤال من
الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق فكان يقول في دعائه
اللهم حسن خلقي وخلقي حديث كان يقول في دعائه اللهم حسن خلقي وخلقي أخرجه
أحمد من حديث ابن مسعود ومن حديث عائشة ولفظهما اللهم أحسنت خلقي فأحسن
خلقي وإسنادهما جيد وحديث ابن مسعود رواه ابن حبان ويقول اللهم جنبني
منكرات الأخلاق حديث اللهم جنبني منكرات الأخلاق أخرجه الترمذي وحسنه
والحاكم وصححه واللفظ له من حديث قطبة بن مالك وقال الترمذي اللهم إني أعوذ
بك فاستجاب الله تعالى دعاءه وفاء بقوله عز وجل ادعوني أستجب لكم فأنزل
عليه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرآن قال سعد بن هشام دخلت على عائشة رضي
الله عنها وعن أبيها فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
أما تقرأ القرآن قلت بلى قالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
القرآن حديث سعد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن رواه مسلم ووهم الحاكم في قوله إنهما
لم يخرجاه وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض
عن الجاهلين وقوله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي وقوله واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور
وقوله ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور وقوله فاعف عنهم واصفح إن الله
يحب المحسنين وقوله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم وقوله
ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وقوله
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقوله اجتنبوا كثيرا
من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ولما كسرت
رباعيته وشج يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ويقول كيف يفلح
قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم حديث كسرت رباعيته صلى
الله عليه وسلم يوم أحد الحديث في نزول ليس لك من الأمر شيء أخرجه مسلم من
حديث أنس وذكره البخاري تعليقا فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء
تأديبا له على ذلك وأمثال هذه التأديبات في القرآن لا تحصر وهو صلى الله
عليه وسلم المقصود الأول بالتأديب والتهذيب ثم منه يشرق النور على كافة
الخلق فإنه أدب بالقرآن وأدب الخلق به ولذلك قال صلى الله عليه وسلم بعثت
لأتمم مكارم الأخلاق حديث بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أخرجه أحمد والحاكم
والبيهقي من حديث أبي هريرة قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقد تقدم في آداب
الصحبة ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق بما أوردناه في كتاب رياضة النفس
وتهذيب الأخلاق فلا نعيده ثم لما أكمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال
تعالى وإنك لعلى خلق عظيم فسبحانه ما أعظم شأنه وأتم امتنانه ثم انظر إلى
عميم لطفه وعظيم فضله كيف أعطى ثم أثنى فهو الذي زينه بالخلق الكريم ثم
أضاف إليه ذلك فقال وإنك لعلى خلق عظيم ثم بين رسول الله صلى الله عليه
وسلم للخلق أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها حديث إن الله يحب
معالي الأخلاق ويبغض سفسافها أخرجه البيهقي من حديث سهل بن سعد متصلا ومن
رواية طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا ورجالهما ثقات قال علي رضي الله عنه يا
عجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كان
لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لقد كان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم
الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة فقال له رجل أسمعته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال نعم وما هو خير منه لما أتى بسبايا طيء وقفت جارية
في السبى فقالت يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني
بنت سيد قومي وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم
الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائي فقال صلى
الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا
عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم
الأخلاق فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله الله يحب مكارم الأخلاق
فقال والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا حسن الأخلاق حديث على قوله واعجبا
لرجل مسلم يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا الحديث وفيه
مرفوعا لما أتي بسبايا طيء وقفت جارية في السبى فقالت يا محمد إن رأيت أن
تخلى عني الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد فيه ضعف وعن
معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حف الإسلام بمكارم
الأخلاق ومحاسن الأعمال حديث معاذ حف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن
الأعمال الحديث بطوله لم أقف له على أصل ويغني عنه حديث معاذ الآتي بعده
بحديث ومن ذلك حسن المعاشرة وكرم الصنيعة ولين الجانب وبذل المعروف وإطعام
الطعام وإفشاء السلام وعيادة المريض المسلم برا كان أو فاجرا وتشييع جنازة
المسلم وحسن الجوار لمن جاورت مسلما كان أو كافرا وتوقير ذي الشيبة المسلم
وإجابة الطعام والدعاء عليه والعفو والإصلاح بين الناس والجود والكرم
والسماحة والإبتداء بالسلام وكظم الغيظ والعفو عن الناس واجتناب ما حرمه
الإسلام من اللهو والباطل والغناء والمعازف كلها وكل ذي وتر وكل ذي دخل
والغلبة والكذب والبخل والشح والجفاء والمكر والخديعة والنميمة وسوء ذات
البين وقطيعة الأرحام وسوء الخلق والتكبر والفخر والاختيال والاستطالة
والبذخ والفحش والتفحش والحقد والحسد والطيرة والبغي والعدوان والظلم قال
أنس رضي الله عنه فلم يدع نصيحة جميلة إلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها ولم
يدع غشا أو قال عيبا أو قال شينا إلا حذرناه ونهانا عنه حديث أنس لم يدع
صلى الله عليه وسلم نصيحة جميلة إلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها له أقف له
على إسناد وهو صحيح من حيث الواقع ويكفي من ذلك كله هذه الآية إن الله يأمر
بالعدل والإحسان الآية وقال معاذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا معاذ أوصيك بإتقاء الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة
وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل
وقصر الأمل ولزوم الإيمان والتفقه في القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب
وخفض الجناح وأنهاك أن تسب حكيما أو تكذب صادقا أو تطيع آثما أو تعصي إماما
عادلا أو تفسد أرضا وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وأن تحدث لكل
ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية حديث يا معاذ أوصيك باتقاء الله
وصدق الحديث الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد وقد تقدم
في آداب الصحبة فهكذا أدب عباد الله ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن
الآداب بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من
الأخبار فقال كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس حديث كان صلى الله عليه
وسلم أحلم الناس أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلى الله عليه
وسلم من رواية عبد الرحمن بن أبزي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحلم الناس الحديث وهو مرسل وروى أبو حاتم بن حبان من حديث عبد الله بن
سلام في قصة إسلام زيد بن شعثة من أحبار اليهود وقول زيد لعمر بن الخطاب يا
عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل
عليه إلا حلما فقد اختبرتهما الحديث وأشجع الناس الحديث أنه كان أشجع الناس
متفق عليه من حديث أنس وأعدل الناس حديث كان أعدل الناس أخرجه الترمذي في
الشمائل من حديث علي بن أبي طالب في الحديث الطويل في صفته صلى الله عليه
وسلم لايقصر عن الحق ولا يجاوزه وفيه قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا
وصاروا عنده في الحق سواء الحديث وفيه من لم يسم وأعف الناس لم تمس يده قط
يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه حديث كان أعف
الناس لم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات
محرم له أخرجه الشيخان من حديث عائشة ما مست يد رسول الله صلى الله عليه
وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها وكان أسخى الناس حديث كان صلى الله عليه
وسلم أسخى الناس أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس فضلت على الناس
بأربع بالسخاء والشجاعة الحديث ورجاله ثقات وقال صاحب الميزان إنه منكر وفي
الصحيحين من حديثه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس واتفقا
عليه من حديث ابن عباس وتقدم في الزكاة لا يبيت عنده دينار ولا درهم وإن
فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى
من يحتاج إليه حديث كان لا يبيت عنده دينار ولا درهم قط وإن فضل ولم يجد من
يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه أخرجه
أبو داود من حديث بلال في حديث طويل فيه أهدى صاحب فدك لرسول الله صلى
الله عليه وسلم اربع ركائب عليهن كسوة وطعام وبيع بلال لذلك ووفا دينه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده وفيه قال فضل شيء قلت
نعم ديناران قال انظر أن تريحني منهما فلست بداخل على أحد من أهلي حتى
تريحني منهما فلم يأتنا أحد فبات في المسجد حتى أصبح وظل في المسجد اليوم
الثاني حتى إذا كان في آخر النهار جاء راكبان فانطلقت بهما فكسوتهما
وأطعمتهما حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال ما فعل الذي قبلك قلت قد أراحك
الله منه فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى
جاء أزواجه الحديث وللبخاري من حديث عقبة بن الحارث ذكرت وأنا في الصلاة
فكرهت أن يمسى ويبيت عندنا فأمرت بقسمته ولأبي عبيد في غريبه من حديث الحسن
بن محمد مرسلا كان لا يقبل مالا عنده ولا يبيته لا يأخذ مما آتاه الله إلا
قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله
حديث كان لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر
والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله متفق عليه بنحوه من حديث عمر بن
الخطاب وقد تقدم في الزكاة لا يسأل شيئا إلا أعطاه حديث كان لا يسئل شيئا
إلا أعطاه أخرجه الطيالسي والدارمي من حديث سهل بن سعد وللبخاري من حديثه
في الرجل الذي ساله الشملة فقيل له سالته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلا
الحديث ولمسلم من حديث أنس ما سئل على الإسلام شيئا إلا أعطاه وفي الصحيحين
من حديث جابر ما سئل شيئا قط فقال لا ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى
إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء حديث أنه كان يؤثر مما
ادخر لعياله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام هذا معلوم ويدل عليه ما رواه
الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم توفى
ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله وقال ابن ماجه بثلاثين صاعا
من شعير وإسناده جيد والبخاري من حديث عائشة توفي ودرعه مرهونة عند يهودي
بثلاثين وفي رواية البيهقي بثلاثين صاعا من شعير وكان يخصف النعل ويرقع
الثوب ويخدم في مهنة أهله حديث وكان صلى الله عليه وسلم يخصف النعل ويرقع
الثوب ويخدم في مهنة أهله أخرجه أحمد من حديث عائشة كان يخصف نعله ويخيط
ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ورجاله رجال الصحيح ورواه أبو
الشيخ بلفظ ويرقع الثوب وللبخاري من حديث عائشة كان يكون في مهنة أهله
ويقطع اللحم معهن حديث
يتبع ......