دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح
الأمة بأبنائها وبناتها، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر والطغيان...
إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الـمـوت... وهو لذلك يستحق
التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين.
وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحــــده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في
تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل
الصالح.
إنه لحلمٌ يراود كل أم مسلمة تملّك الإيمان شـغـاف قلبها، وتربع حب الله ـ
تعالى ـ وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حنايا نـفـسـهـــا، أن
تــــرى ابنها وقد سلك سبل الرشاد، بعيداً عن متاهات الانحراف، يراقب الله
في حـركـاتــــه وسكناته، أن تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته، عالماً
متبحراً في أمور الدين، ومبتكراً كـــل مباح يسهّل شأن الدنيا.
إنـهـا أمنية كل أم مسلمة، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام، يتمثل
أمر الله ـ تعالى ـ في أمـــور حياته كلها، يتطلع إلى ما عنده ـ عز وجل ـ
من الأجر الجزيل، يعيش بالإسلام وللإسلام.
وسيـبـقـى ذلك مجرد حلم للأم التي تظن أن الأمومة تتمثل في الإنجاب، فتجعل
دورها لا يتعدى دور آلـــة التفريخ...! أو سيبقى رغبات وأماني لأم تجعل
همها إشباع معدة ابنها؛ فكأنها قد رضـيـت أن تجعل مهمتها أشبه بمهمة من
يقوم بتسمين العجول...! وتلك الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان
والتدليل وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح، فـهـي
أول مــن يكتوي بنار الأهواء التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال، وما في
قلبها من قيم، ومـــا في ضميرها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها، ويهزأ
بالمثل العليا والأخلاق النبيلة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.
والأم المدلّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف؛ وأقسى الطعنات تتمثل في عقوق ابنها.
ولنا أن نتساءل عن أهم ما يمكن للأم أن تقدمه لأبنائها.
أولاً: الإخلاص لله وحده:
إن عليها ـ قبل كل شيء ـ الإخلاص لله وحده؛ فقد قال ـ تعالى ـ: ((وَمَا
أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُـقِـيـمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
القَيِّمَةِ)) [البينة: 5]، فاحتسبي أختي المؤمنة كل جهد تكدحينه لتربية
الأولاد، من سهر مضنٍ، أو معاناة في التوجيه المستمر، أو متابعة الدراسة،
أو قيام بأعمال منزلية... احتسبي ذلك كله عند الله وحده؛ فهو وحده لا يضيع
مثقال ذرة، فقد قال ـ جل شأنه ـ: ((وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِـيـنَ)) [ الأنبياء: 47]
فــلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال: أما آن لك أن ترتاحي..؟!
فـالرفاهية والراحة الموقوتة ليست هدفاً لمن تجعل هدفها الجنة ونعيمها المقيم.
والـمـسـلمة ذات رسالة تُؤجَر عليها إن أحسنت أداءها، وقد مدح الرسول صلى
الله عليه وسلم الـمـرأة بخـصـلـتـيـن بقوله: (خير نساء ركبن الإبل نساء
قريش: أحناه على ولد في صغره، وأدعاه على زوج في ذات يده)(1).
ثانياً: العلم:
والأم المسلمة بعد أن تحيط بالحلال والحرام تتعرف على أصول التربية، وتنمي معلوماتها باستمرار.
قال ـ تعالى ـ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)) [طه: 114] فهذا ديننا دين
يدعو إلى العلم، فلماذا نحمّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم،
ليقال: إن الإسلام لا يريد تعليم المرأة... وإن الإسلام يكرس جهل المرأة؟!
لا... إن تـاريـخـنــا الإسلامي يزخر بالعالمات من مفسرات ومحدثات وفقيهات
وشاعرات وأديبات. كل ذلك حسب هدي الإسلام؛ فلا اختلاط ولا تبجح باسم العلم
والتحصيل!
فالعلم حصانة عن الـتـردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا
تعرف السبيل الحق، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف،
والتعليم اللازم للمرأة، تفقهاً وأساليب دعوية، مـبـثـوث في الكتاب والسنة.
ومما تحتاج إليه المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس
فـحـسـب، وإنما يمكن تحصيله بكل الطرق المشروعة في المساجد، وفي البيوت،
وعن طريق الجيران، وفي الزيارات المختلفة... وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: (ما بال أقوام لا يفقّهون جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا
يفهمونهم؟! ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يـتـفـقـهــون ولا
يـتـعـظـــون؟ والله لَيُعلّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم
وينهونهم، وَلَيتَعلّمنّ أقوام مـــن جـيـرانـهـم ويتعظون أو لأعاجلنهم
بالعقوبة)(2). فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع، ولنجعل لنا في
مكتبة البيت نصيباً؛ ولنا بذلك الأجر ـ إن شاء الله ـ.
ثالثاً: الشعور بالمسؤولية:
لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهــل فـي توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة.
قــال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) [التحريم: 6]
فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار.
فالمحــاسبة عسيرة، والهول جسيم، وجهنم تقول: هل من مزيد؟! وما علينا إلا
كما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا
أعمالكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر).
ولن ينجي المرأة أنها ربت ابنها لكونها طاهية طعامه وغاسلة ثيابه؛ إذ لا بد
من إحسان الـتـنـشـئـة، ولا بــد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد
صافٍ وعبادة مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع.
ولتسأل الأم نفسها: كم مــــن الـوقــــت خصّصتْ لمتابعة أولادها؟ وكم حَبَتهم من جميل رعايتها، ورحابة صدرها، وحسن توجيهاتها؟!
علماً بأن النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة!
فيجب أن لا يُدْعـى الابن لمكرمة، والأم تعمل بخلافها. وإلا فكيـف تطلب منه
لساناً عفيفاً وهـو لا يسمع إلا الشتائم والكلمات الـنـابـيـــة تـنـهـال
عليه؟! وكيف تطلب منه احترام الوقت، وهي ـ أي أمه ـ تمضي معظم وقتها في
ارتياد الأسواق والثرثرة في الهاتف أو خلال الزيارات؟! كيف.. وكيف؟
أختي المؤمنة: إن ابنك وديعة في يديك، فعليك رعايتها، وتقدير المسؤولية؛
فأنت صاحبة رسالة ستُسألين عنها، قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ
مَـــا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6].
أما متى نبدأ بتوجيه الصغير؟! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وتجنبه، وخاف أن
يظهر منه أو فيه، فهذا يعني أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صالحة للعناية؛
ولهذا يجب أن لا تُـهـمـل أو تُترك؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا
مبالغة، وإلا فقدَ التوجيهُ قيمته. وفي كـــل تصرف من تصرفات المربية وكل
كلمة من كلماتها عليها أن تراقب ربها وتحاسب نفـسـهــا لئلا تفوتها الحكمة
والموعظة الحسنة، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها،
فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف، وحتى لا
تُـوقِـــع أخـطــاءُ التربية أبناءنا في متاهات المبادئ ـ في المستقبل ـ
يتخبطون بين اللهو والتفاهة، أو الشـطــط والغلو؛ وما ذاك إلا للبعد عن
التربية الرشيدة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف؛ لذلك كان
تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن من معرفة: لماذا توجه
ابنها؟ ومتى توجهه؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟
رابعاً: لا بد من التفاهم بين الأبوين:
فإن أخطأ أحدهما فليغضّ الآخر الطرف عــن هذا الخطأ، وليتعاونا على الخير
بعيداً عن الخصام والشجار، خاصة أمام الأبناء؛ لئلا يــؤدي ذلـك إلـى قـلـق
الأبناء، ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين.
خامساً: إفشاء روح التدين داخل البيت:
إن الطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها.. والسلوك النظيف بين أفرادها.
والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في
فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية
الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس
إلا.
فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ مساعدتهم عـلـى
حـســــن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة
الصالحة من الجوار الـصـالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من
مصاحبة الأشرار.
سادساً: الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء:
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تدعوا عـلــى أنـفــسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا
تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب
لكم)(3).
وأولاً وأخـيـراً: يـنـبـغـي ربط قلب الولد بالله ـ عز وجل ـ لتكون غايته
مرضاة الله والفوز بثوابه ((فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)) [الأنبياء: 94]. وهذا الربط يمكن أن
تبثه الأمهات بـالـقـــدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة، والمتابعة الحكيمة،
والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى إذا كبر الشاب
المؤمن تعهد نفسه: فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب، ويبتعد عن
الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس المهتدين بعقـيـدة صلبة
وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي البنية، فيحيا
بالإســــلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر، ويتفلت من جواذب
الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته: ((إنَّ
الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَـلَـيْـهِــمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت: 30].
كانت ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء.
وبعدما دخلت المرحلة المتوسطة بدا التغير عليها...
رآها والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر، فلما سأل والدتها
عــــن ذلك مستغرباً قالت: ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة؛ إذ
تلوّن خصلة شعرها حـسـب لون فستانها! ثارت ثائرة الرجل، وما كان منه إلا أن
أقسم أن لا يعلّم بنتاً له بعد اليوم!!
رويـدك أيـهـا الأب الغيور! فبالعلم حياة القلوب ولذة الأرواح، وبه يُعرف الدين ويكشف عن الشبهات.
إن ديننا الإســلامي دين علم، وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت
عَلَماً في ذلك؛ حيث حفظت وروت كـثـيـراً مـــن الأحاديث النبوية داخل
المنزل الشريف. ومثلها كانت أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن ـ وذلك
استجابة لهدي هذا الدين:
- عن الشفاء ـ رضي الله عنها ـ قـالــــت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه
وسلم- وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: ألا تعلّمين هذه رقية النحلة
كما علمتِها الكتابة؟(4).
فالعلم مطلب شرعي للرجل والمرأة علـى السواء. فلماذا نضيّق واسعاً، ونحمّل الأجيال وزر معلمات كن قدوة سوء؟!
نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة.
- يجب أن لا يُهمل تعليم البنات؛ فقد قيل: تعليم رجل واحد هو تعليم لشخص
واحد، بينما تعليم امرأة واحدة يعني تعليم أسرة بكاملها. وبتعليم بناتنا
وتنشئتهن النشأة الصالحة نردم الهوة الكبيرة التي تفصل أمتنا عن التقدم في
كثير من ديار المسلمين.
بـــل إن ديننا الإسلامي بلغ فيه حب العلم والترغيب في طلبه أن دعا إلى
تعليم الإماء من نســاء الأمة؛ كي تزول غشاوة الجهل، وتسود المعرفة
الواعية، وقبل ذلك ليُعبد الله على بصيرة وتستقيم الأجيال على أمر الله.
وفيمــا رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ قول النبي -صلى الله عليه
وسلم-: أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن
تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران(5).
هذا إذا روعي في التعليم المنطلقات الشرعية.
وقد عــرف أعــداؤنــــا أهمية العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية،
وعرفوا أثر المعلمة؛ فعملوا على إفسادها، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ
مطلع هذا القرن. ومما يؤسف له أن العلمانيين والملاحـــــــدة قد سبقوا
أصحاب العقيدة السليمة إلى تعليم المرأة، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي
تخريباً وإفساداً نتيجة لما يربين عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة، وكان
لتأسيسهن الجمعيات النسائية الدور الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى
والرشاد.
فلا بد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة، حتى لا يكون موقفنا
مجرد النقد واللوم، وذلك بالتعليم النافع، وأساليب الدعوة الجادة بين بنات
جنسهن.
- لا بد من إعداد المرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة
إلى العلوم الشرعية الواجب عليها تعلمها، فإذا أتـقـنـت ذلــك وكانت ممن
أوتي موهبة غنية، وعقلاً خصباً، وفكراً نيراً، وتعلمت غير ذلك من العلوم
والفـنــون فإن هذا حسن؛ لأن الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى
حدود الشرع الحنيف.
وقد كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن؛ إذ
كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها، وحياؤهــا يـكـسـوهــا
مـهـابــة ووقاراً بعيداً عن الاختلاط والتبذل.
أَمَــــــا وقد تمثل التعليم في عصرنا في المدارس الرسمية، فلا بد أن
تتولى المرأة تعليم بنات جنسهـا، لا أن تعلم المرأة في مدارس الذكور أو في
مدارس مختلطة، ولا أن يعلم الرجل في مدارس الإناث؛ فذلك من أعمال الشياطين.
وحتى فـي ديـــــــار الغرب المتحلل بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن
التعليم المختلط بين الجنسين وتنادي بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ
الاختلاط. لقد تبين بعد دراسات عديدة أن الـبـنـيـن والـبـنــات يحتاجون
إلى معاملة مختلفة؛ نظراً للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني، كما أن
الاخـتـلاط يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه من مفاسد يندى لها الجبين؛ هذا فضلاً
عن اختلاف المادة الدراسية التي يحتاجها كل من البنين والبنات.
- فالمنهج المدرسي للفتاة ينبغي أن يتناســـــب مع سنها مما يعدّها
لوظائفها الأصلية: ربة بيت، أمّاً، وزوجة؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتـظــرها،
وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛ مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها
المقبلة، ويجنـبـهــــا العثرات، ويجعلها داعية خير تتفرغ وأخواتها
المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح، وأنْـعـِــمْ بـهــــا من وظيفة
لإعداد الأجيال، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ!
- الـواجـــــب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ
الإسلام، وتسير بخطوات إيجـابـيـــة في تعليـم الأجيال المسلمة وتثقيفهـا،
وتزويد بناتنا بأساليب التربية التي تفيدهن مستقبلاً، لا بحشو الأذهان
بقضايا لا تفيد ولا تغني في الحياة العملية شيئاً.
إنها خير منقذ لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد؛ فهي تعلمهن
الفضيلة بسلوكها وأقوالها: تنمي شخصيتهن، وتشحذ عقولهن، وتنقل إليهن
الحقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي: أن نـجــاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل
إطلاقاً في مدى ما يحفظ، بل فيما يعي ويُطبّق، ثم إن التفوق في الدراسة ليس
غاية وهدفاً... بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها
وهو مؤمن.
هذا؛ ومع أننا نرفض أن تـكــون أجيالنا ضحايا الإهمال واللامبالاة، فإننا
نؤكد على الأم المعلمة؛ إذ عليها أن تقوم أولاً بواجبهـا الأساس كزوجة
صالحة، وأم مربية تحسن تربية أولادها، ومن ثم تربي أولاد الآخرين، ولا تنسى
أن فرض العين أوْلى من فرض الكفاية.
- وقد حدد علماؤنا القدماء صفات الـمـعـلــــم المسلم في التعامل مع طلابه،
وذكروا أفضل الآداب لاتباعها، وعلى ضوء تلك الآداب؛ فعلى المعلم أو
المعلمة:
ـ إخلاص النية لله ـ تعالى ـ: وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب
منه وحده، وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم-
بقوله: من دل على خير فله مثل أجر فاعله(6).
فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح الناس ولا للــراتـب وحـــــده، وإنما
عملها في سبيل الله، وتكون قدوة للناشئات في ذلك، وإلا... فإن فاقد الشيء
لا يعطـيـه، وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده للطريق السليم؟!
ـ أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام: فيتعلمن العلم ويتعلمن
الأدب في آن واحد؛ وقد قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا
لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)) [الصف:2].
أمّـا أن تأتـي الطالبة كل يـوم بقـصة جديـدة حدثتها بهـا معلمتها مما ينبو
عن الذوق السليم، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى
مـع ديننا، فهـذا أسلوب مـن أساليب الهدم لا البناء!
على معلمتنا المسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع، ولا تستهين بمخالفته مهما بدت
المخالفة بسيطة؛ فإن ذلك السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك إزالته.
ـ أن تكون حسنة المظهر تهتم بحسن هندامها باعتدال؛ فالمظهر الأنيق يعطي
نتائج إيجابية في نفس الطالبة فتحترم معلمتها، ويعين ذلك على العمل
بنصائحها، والعكس صحيح... وأن تركز على أن يعتاد الجيل الاهتمام بالجوهر لا
المظهر، مع الابتعاد عن توافه الموضات المتجددة.
وليس من الإسلام أن تكون أحاديث طالبات المدارس مقتصرة على زي المعلمة
وتسريحة شعرها، وجمال فستانها، وهاتفها الجوال الظاهر للعيان. وللأسف؛ فإن
بعض المدرسات يتبادلن أشرطة الأفلام والمجلات الإباحية مع بعض الطالبات؟!
فيا لخيبة مسعاهن!
ـ أن تتحلى بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الديـن ـ ولا سيما الصـبر ـ
فتحـسن التلطف فـي تعليم الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير؛
فتكون بحق داعية بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقـوله ـ تعالى ـ: ((ادْعُ
إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل: 125].
والمدرّسة الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى
الحال، وحسب سن الطالبات، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب
الطالبات إليها وإلى المبادئ التي تنادي بها... وليس من الدين الجفاف في
المعاملة أبداً! فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن
وتشجع المجيدة منهن، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ
والتقريع؛ فتشحذ همة طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن، وتحبيبهن
بالفضائل دون أن تثبط عزيمتهن.
وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أن
العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن، ولو كانت بشكل غير مباشر؛ فإن ذلك أشد
تأثيراً، ولتشعرهن أنها حريصة عليهن وعلى سمعتهن ومستقبلهن، ولتربط
توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح؛ ليصبح الدافع الأساس في أعمالهن هو
الدين لا المصلحة ولا المجتمع... وكل ذلك باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي
إلى نتائج عكسية.
ولتكثر المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى تبتعد الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ.
ـ ومن صفات المعلمة المسلمة التواضع: فذلك من خلق الإسلام وقد قال ـ تعالى ـ
لنبيه الكريم: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 215]. فتبتعد عن المفاخرة والمباهاة، وإلا أصبحت
أضحوكة حتى أمام طالباتها اللاتي يزهدن فيها وفيما تدعو إليه. والمعلمة
التي تعامل طالباتها بصلف وكبرياء لن تجني غير كرههن لها، والمعلمة التي
تسخر من طالباتها ولو بالهمز واللمز تترك جرحاً غائراً في نفس أولئك
الطالبات. فأين هي من أدب الإسلام الذي حذر من تلك المثالب بقوله ـ تعالى
ـ: ((وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)) [الهمزة: 1]. وأين القدوة
الواجبة عليها والمنتظرة منها؟!
ـ وأن تكون المعلمة يقظة في رسالتها: فهي يقظة لجزئيات المنهج المدرسي
لتستفيد منها كما يجب، وتوظفها لخدمة عقيدتها؛ فلا يُدرس العلم بمعزل عن
العقيدة.
ـ وينبغي أن تكون المعلمة يقظة لما يتجدد من أحداث يومية: فلا تدعها تمر
دون استفادة منها، بل بالطرْق والحديدُ ساخن ـ كما يقال ـ فتعلق على
الحادثة التعليق المناسب في حينه.
وعليها أن تلاحظ تصرفات طالباتها، فتزجرهن عن سيّئ الأخلاق، وترغّبهن في حسنها بطريقة سليمة ولا تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح.
ـ تستفيد من النظريات التربوية: شريطة أن تتناسب مع قيمنا، فتستثير أذهان
طالباتها بالأسئلة الموجهة والمفيدة، مما ينمي شخصياتهن وينقل الحقائق
العلمية لعقولهن.
يتبع.....
الأمة بأبنائها وبناتها، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر والطغيان...
إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الـمـوت... وهو لذلك يستحق
التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين.
وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحــــده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في
تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل
الصالح.
إنه لحلمٌ يراود كل أم مسلمة تملّك الإيمان شـغـاف قلبها، وتربع حب الله ـ
تعالى ـ وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حنايا نـفـسـهـــا، أن
تــــرى ابنها وقد سلك سبل الرشاد، بعيداً عن متاهات الانحراف، يراقب الله
في حـركـاتــــه وسكناته، أن تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته، عالماً
متبحراً في أمور الدين، ومبتكراً كـــل مباح يسهّل شأن الدنيا.
إنـهـا أمنية كل أم مسلمة، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام، يتمثل
أمر الله ـ تعالى ـ في أمـــور حياته كلها، يتطلع إلى ما عنده ـ عز وجل ـ
من الأجر الجزيل، يعيش بالإسلام وللإسلام.
وسيـبـقـى ذلك مجرد حلم للأم التي تظن أن الأمومة تتمثل في الإنجاب، فتجعل
دورها لا يتعدى دور آلـــة التفريخ...! أو سيبقى رغبات وأماني لأم تجعل
همها إشباع معدة ابنها؛ فكأنها قد رضـيـت أن تجعل مهمتها أشبه بمهمة من
يقوم بتسمين العجول...! وتلك الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان
والتدليل وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح، فـهـي
أول مــن يكتوي بنار الأهواء التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال، وما في
قلبها من قيم، ومـــا في ضميرها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها، ويهزأ
بالمثل العليا والأخلاق النبيلة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.
والأم المدلّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف؛ وأقسى الطعنات تتمثل في عقوق ابنها.
ولنا أن نتساءل عن أهم ما يمكن للأم أن تقدمه لأبنائها.
أولاً: الإخلاص لله وحده:
إن عليها ـ قبل كل شيء ـ الإخلاص لله وحده؛ فقد قال ـ تعالى ـ: ((وَمَا
أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُـقِـيـمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
القَيِّمَةِ)) [البينة: 5]، فاحتسبي أختي المؤمنة كل جهد تكدحينه لتربية
الأولاد، من سهر مضنٍ، أو معاناة في التوجيه المستمر، أو متابعة الدراسة،
أو قيام بأعمال منزلية... احتسبي ذلك كله عند الله وحده؛ فهو وحده لا يضيع
مثقال ذرة، فقد قال ـ جل شأنه ـ: ((وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِـيـنَ)) [ الأنبياء: 47]
فــلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال: أما آن لك أن ترتاحي..؟!
فـالرفاهية والراحة الموقوتة ليست هدفاً لمن تجعل هدفها الجنة ونعيمها المقيم.
والـمـسـلمة ذات رسالة تُؤجَر عليها إن أحسنت أداءها، وقد مدح الرسول صلى
الله عليه وسلم الـمـرأة بخـصـلـتـيـن بقوله: (خير نساء ركبن الإبل نساء
قريش: أحناه على ولد في صغره، وأدعاه على زوج في ذات يده)(1).
ثانياً: العلم:
والأم المسلمة بعد أن تحيط بالحلال والحرام تتعرف على أصول التربية، وتنمي معلوماتها باستمرار.
قال ـ تعالى ـ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)) [طه: 114] فهذا ديننا دين
يدعو إلى العلم، فلماذا نحمّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم،
ليقال: إن الإسلام لا يريد تعليم المرأة... وإن الإسلام يكرس جهل المرأة؟!
لا... إن تـاريـخـنــا الإسلامي يزخر بالعالمات من مفسرات ومحدثات وفقيهات
وشاعرات وأديبات. كل ذلك حسب هدي الإسلام؛ فلا اختلاط ولا تبجح باسم العلم
والتحصيل!
فالعلم حصانة عن الـتـردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا
تعرف السبيل الحق، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف،
والتعليم اللازم للمرأة، تفقهاً وأساليب دعوية، مـبـثـوث في الكتاب والسنة.
ومما تحتاج إليه المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس
فـحـسـب، وإنما يمكن تحصيله بكل الطرق المشروعة في المساجد، وفي البيوت،
وعن طريق الجيران، وفي الزيارات المختلفة... وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: (ما بال أقوام لا يفقّهون جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا
يفهمونهم؟! ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يـتـفـقـهــون ولا
يـتـعـظـــون؟ والله لَيُعلّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم
وينهونهم، وَلَيتَعلّمنّ أقوام مـــن جـيـرانـهـم ويتعظون أو لأعاجلنهم
بالعقوبة)(2). فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع، ولنجعل لنا في
مكتبة البيت نصيباً؛ ولنا بذلك الأجر ـ إن شاء الله ـ.
ثالثاً: الشعور بالمسؤولية:
لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهــل فـي توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة.
قــال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) [التحريم: 6]
فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار.
فالمحــاسبة عسيرة، والهول جسيم، وجهنم تقول: هل من مزيد؟! وما علينا إلا
كما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا
أعمالكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر).
ولن ينجي المرأة أنها ربت ابنها لكونها طاهية طعامه وغاسلة ثيابه؛ إذ لا بد
من إحسان الـتـنـشـئـة، ولا بــد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد
صافٍ وعبادة مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع.
ولتسأل الأم نفسها: كم مــــن الـوقــــت خصّصتْ لمتابعة أولادها؟ وكم حَبَتهم من جميل رعايتها، ورحابة صدرها، وحسن توجيهاتها؟!
علماً بأن النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة!
فيجب أن لا يُدْعـى الابن لمكرمة، والأم تعمل بخلافها. وإلا فكيـف تطلب منه
لساناً عفيفاً وهـو لا يسمع إلا الشتائم والكلمات الـنـابـيـــة تـنـهـال
عليه؟! وكيف تطلب منه احترام الوقت، وهي ـ أي أمه ـ تمضي معظم وقتها في
ارتياد الأسواق والثرثرة في الهاتف أو خلال الزيارات؟! كيف.. وكيف؟
أختي المؤمنة: إن ابنك وديعة في يديك، فعليك رعايتها، وتقدير المسؤولية؛
فأنت صاحبة رسالة ستُسألين عنها، قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ
مَـــا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6].
أما متى نبدأ بتوجيه الصغير؟! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وتجنبه، وخاف أن
يظهر منه أو فيه، فهذا يعني أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صالحة للعناية؛
ولهذا يجب أن لا تُـهـمـل أو تُترك؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا
مبالغة، وإلا فقدَ التوجيهُ قيمته. وفي كـــل تصرف من تصرفات المربية وكل
كلمة من كلماتها عليها أن تراقب ربها وتحاسب نفـسـهــا لئلا تفوتها الحكمة
والموعظة الحسنة، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها،
فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف، وحتى لا
تُـوقِـــع أخـطــاءُ التربية أبناءنا في متاهات المبادئ ـ في المستقبل ـ
يتخبطون بين اللهو والتفاهة، أو الشـطــط والغلو؛ وما ذاك إلا للبعد عن
التربية الرشيدة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف؛ لذلك كان
تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن من معرفة: لماذا توجه
ابنها؟ ومتى توجهه؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟
رابعاً: لا بد من التفاهم بين الأبوين:
فإن أخطأ أحدهما فليغضّ الآخر الطرف عــن هذا الخطأ، وليتعاونا على الخير
بعيداً عن الخصام والشجار، خاصة أمام الأبناء؛ لئلا يــؤدي ذلـك إلـى قـلـق
الأبناء، ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين.
خامساً: إفشاء روح التدين داخل البيت:
إن الطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها.. والسلوك النظيف بين أفرادها.
والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في
فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية
الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس
إلا.
فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ مساعدتهم عـلـى
حـســــن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة
الصالحة من الجوار الـصـالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من
مصاحبة الأشرار.
سادساً: الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء:
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تدعوا عـلــى أنـفــسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا
تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب
لكم)(3).
وأولاً وأخـيـراً: يـنـبـغـي ربط قلب الولد بالله ـ عز وجل ـ لتكون غايته
مرضاة الله والفوز بثوابه ((فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)) [الأنبياء: 94]. وهذا الربط يمكن أن
تبثه الأمهات بـالـقـــدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة، والمتابعة الحكيمة،
والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى إذا كبر الشاب
المؤمن تعهد نفسه: فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب، ويبتعد عن
الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس المهتدين بعقـيـدة صلبة
وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي البنية، فيحيا
بالإســــلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر، ويتفلت من جواذب
الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته: ((إنَّ
الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَـلَـيْـهِــمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت: 30].
كانت ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء.
وبعدما دخلت المرحلة المتوسطة بدا التغير عليها...
رآها والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر، فلما سأل والدتها
عــــن ذلك مستغرباً قالت: ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة؛ إذ
تلوّن خصلة شعرها حـسـب لون فستانها! ثارت ثائرة الرجل، وما كان منه إلا أن
أقسم أن لا يعلّم بنتاً له بعد اليوم!!
رويـدك أيـهـا الأب الغيور! فبالعلم حياة القلوب ولذة الأرواح، وبه يُعرف الدين ويكشف عن الشبهات.
إن ديننا الإســلامي دين علم، وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت
عَلَماً في ذلك؛ حيث حفظت وروت كـثـيـراً مـــن الأحاديث النبوية داخل
المنزل الشريف. ومثلها كانت أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن ـ وذلك
استجابة لهدي هذا الدين:
- عن الشفاء ـ رضي الله عنها ـ قـالــــت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه
وسلم- وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: ألا تعلّمين هذه رقية النحلة
كما علمتِها الكتابة؟(4).
فالعلم مطلب شرعي للرجل والمرأة علـى السواء. فلماذا نضيّق واسعاً، ونحمّل الأجيال وزر معلمات كن قدوة سوء؟!
نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة.
- يجب أن لا يُهمل تعليم البنات؛ فقد قيل: تعليم رجل واحد هو تعليم لشخص
واحد، بينما تعليم امرأة واحدة يعني تعليم أسرة بكاملها. وبتعليم بناتنا
وتنشئتهن النشأة الصالحة نردم الهوة الكبيرة التي تفصل أمتنا عن التقدم في
كثير من ديار المسلمين.
بـــل إن ديننا الإسلامي بلغ فيه حب العلم والترغيب في طلبه أن دعا إلى
تعليم الإماء من نســاء الأمة؛ كي تزول غشاوة الجهل، وتسود المعرفة
الواعية، وقبل ذلك ليُعبد الله على بصيرة وتستقيم الأجيال على أمر الله.
وفيمــا رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ قول النبي -صلى الله عليه
وسلم-: أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن
تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران(5).
هذا إذا روعي في التعليم المنطلقات الشرعية.
وقد عــرف أعــداؤنــــا أهمية العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية،
وعرفوا أثر المعلمة؛ فعملوا على إفسادها، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ
مطلع هذا القرن. ومما يؤسف له أن العلمانيين والملاحـــــــدة قد سبقوا
أصحاب العقيدة السليمة إلى تعليم المرأة، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي
تخريباً وإفساداً نتيجة لما يربين عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة، وكان
لتأسيسهن الجمعيات النسائية الدور الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى
والرشاد.
فلا بد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة، حتى لا يكون موقفنا
مجرد النقد واللوم، وذلك بالتعليم النافع، وأساليب الدعوة الجادة بين بنات
جنسهن.
- لا بد من إعداد المرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة
إلى العلوم الشرعية الواجب عليها تعلمها، فإذا أتـقـنـت ذلــك وكانت ممن
أوتي موهبة غنية، وعقلاً خصباً، وفكراً نيراً، وتعلمت غير ذلك من العلوم
والفـنــون فإن هذا حسن؛ لأن الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى
حدود الشرع الحنيف.
وقد كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن؛ إذ
كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها، وحياؤهــا يـكـسـوهــا
مـهـابــة ووقاراً بعيداً عن الاختلاط والتبذل.
أَمَــــــا وقد تمثل التعليم في عصرنا في المدارس الرسمية، فلا بد أن
تتولى المرأة تعليم بنات جنسهـا، لا أن تعلم المرأة في مدارس الذكور أو في
مدارس مختلطة، ولا أن يعلم الرجل في مدارس الإناث؛ فذلك من أعمال الشياطين.
وحتى فـي ديـــــــار الغرب المتحلل بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن
التعليم المختلط بين الجنسين وتنادي بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ
الاختلاط. لقد تبين بعد دراسات عديدة أن الـبـنـيـن والـبـنــات يحتاجون
إلى معاملة مختلفة؛ نظراً للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني، كما أن
الاخـتـلاط يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه من مفاسد يندى لها الجبين؛ هذا فضلاً
عن اختلاف المادة الدراسية التي يحتاجها كل من البنين والبنات.
- فالمنهج المدرسي للفتاة ينبغي أن يتناســـــب مع سنها مما يعدّها
لوظائفها الأصلية: ربة بيت، أمّاً، وزوجة؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتـظــرها،
وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛ مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها
المقبلة، ويجنـبـهــــا العثرات، ويجعلها داعية خير تتفرغ وأخواتها
المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح، وأنْـعـِــمْ بـهــــا من وظيفة
لإعداد الأجيال، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ!
- الـواجـــــب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ
الإسلام، وتسير بخطوات إيجـابـيـــة في تعليـم الأجيال المسلمة وتثقيفهـا،
وتزويد بناتنا بأساليب التربية التي تفيدهن مستقبلاً، لا بحشو الأذهان
بقضايا لا تفيد ولا تغني في الحياة العملية شيئاً.
إنها خير منقذ لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد؛ فهي تعلمهن
الفضيلة بسلوكها وأقوالها: تنمي شخصيتهن، وتشحذ عقولهن، وتنقل إليهن
الحقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي: أن نـجــاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل
إطلاقاً في مدى ما يحفظ، بل فيما يعي ويُطبّق، ثم إن التفوق في الدراسة ليس
غاية وهدفاً... بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها
وهو مؤمن.
هذا؛ ومع أننا نرفض أن تـكــون أجيالنا ضحايا الإهمال واللامبالاة، فإننا
نؤكد على الأم المعلمة؛ إذ عليها أن تقوم أولاً بواجبهـا الأساس كزوجة
صالحة، وأم مربية تحسن تربية أولادها، ومن ثم تربي أولاد الآخرين، ولا تنسى
أن فرض العين أوْلى من فرض الكفاية.
- وقد حدد علماؤنا القدماء صفات الـمـعـلــــم المسلم في التعامل مع طلابه،
وذكروا أفضل الآداب لاتباعها، وعلى ضوء تلك الآداب؛ فعلى المعلم أو
المعلمة:
ـ إخلاص النية لله ـ تعالى ـ: وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب
منه وحده، وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم-
بقوله: من دل على خير فله مثل أجر فاعله(6).
فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح الناس ولا للــراتـب وحـــــده، وإنما
عملها في سبيل الله، وتكون قدوة للناشئات في ذلك، وإلا... فإن فاقد الشيء
لا يعطـيـه، وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده للطريق السليم؟!
ـ أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام: فيتعلمن العلم ويتعلمن
الأدب في آن واحد؛ وقد قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا
لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)) [الصف:2].
أمّـا أن تأتـي الطالبة كل يـوم بقـصة جديـدة حدثتها بهـا معلمتها مما ينبو
عن الذوق السليم، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى
مـع ديننا، فهـذا أسلوب مـن أساليب الهدم لا البناء!
على معلمتنا المسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع، ولا تستهين بمخالفته مهما بدت
المخالفة بسيطة؛ فإن ذلك السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك إزالته.
ـ أن تكون حسنة المظهر تهتم بحسن هندامها باعتدال؛ فالمظهر الأنيق يعطي
نتائج إيجابية في نفس الطالبة فتحترم معلمتها، ويعين ذلك على العمل
بنصائحها، والعكس صحيح... وأن تركز على أن يعتاد الجيل الاهتمام بالجوهر لا
المظهر، مع الابتعاد عن توافه الموضات المتجددة.
وليس من الإسلام أن تكون أحاديث طالبات المدارس مقتصرة على زي المعلمة
وتسريحة شعرها، وجمال فستانها، وهاتفها الجوال الظاهر للعيان. وللأسف؛ فإن
بعض المدرسات يتبادلن أشرطة الأفلام والمجلات الإباحية مع بعض الطالبات؟!
فيا لخيبة مسعاهن!
ـ أن تتحلى بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الديـن ـ ولا سيما الصـبر ـ
فتحـسن التلطف فـي تعليم الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير؛
فتكون بحق داعية بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقـوله ـ تعالى ـ: ((ادْعُ
إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل: 125].
والمدرّسة الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى
الحال، وحسب سن الطالبات، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب
الطالبات إليها وإلى المبادئ التي تنادي بها... وليس من الدين الجفاف في
المعاملة أبداً! فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن
وتشجع المجيدة منهن، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ
والتقريع؛ فتشحذ همة طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن، وتحبيبهن
بالفضائل دون أن تثبط عزيمتهن.
وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أن
العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن، ولو كانت بشكل غير مباشر؛ فإن ذلك أشد
تأثيراً، ولتشعرهن أنها حريصة عليهن وعلى سمعتهن ومستقبلهن، ولتربط
توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح؛ ليصبح الدافع الأساس في أعمالهن هو
الدين لا المصلحة ولا المجتمع... وكل ذلك باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي
إلى نتائج عكسية.
ولتكثر المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى تبتعد الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ.
ـ ومن صفات المعلمة المسلمة التواضع: فذلك من خلق الإسلام وقد قال ـ تعالى ـ
لنبيه الكريم: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 215]. فتبتعد عن المفاخرة والمباهاة، وإلا أصبحت
أضحوكة حتى أمام طالباتها اللاتي يزهدن فيها وفيما تدعو إليه. والمعلمة
التي تعامل طالباتها بصلف وكبرياء لن تجني غير كرههن لها، والمعلمة التي
تسخر من طالباتها ولو بالهمز واللمز تترك جرحاً غائراً في نفس أولئك
الطالبات. فأين هي من أدب الإسلام الذي حذر من تلك المثالب بقوله ـ تعالى
ـ: ((وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)) [الهمزة: 1]. وأين القدوة
الواجبة عليها والمنتظرة منها؟!
ـ وأن تكون المعلمة يقظة في رسالتها: فهي يقظة لجزئيات المنهج المدرسي
لتستفيد منها كما يجب، وتوظفها لخدمة عقيدتها؛ فلا يُدرس العلم بمعزل عن
العقيدة.
ـ وينبغي أن تكون المعلمة يقظة لما يتجدد من أحداث يومية: فلا تدعها تمر
دون استفادة منها، بل بالطرْق والحديدُ ساخن ـ كما يقال ـ فتعلق على
الحادثة التعليق المناسب في حينه.
وعليها أن تلاحظ تصرفات طالباتها، فتزجرهن عن سيّئ الأخلاق، وترغّبهن في حسنها بطريقة سليمة ولا تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح.
ـ تستفيد من النظريات التربوية: شريطة أن تتناسب مع قيمنا، فتستثير أذهان
طالباتها بالأسئلة الموجهة والمفيدة، مما ينمي شخصياتهن وينقل الحقائق
العلمية لعقولهن.
يتبع.....