تختلف
الأسباب، وتتعدد العوامل التي تؤدى وتساعد على انتشار ظاهرة العنوسة، وتصب
كلها في بوتقة البعد عن ديننا الحنيف، أو جهلنا ببعض أحكامه، أو سوء فهمنا
للحكم- الساهية وراء الأوامر والنواهي التي يأمرنا بها الله- عز وجل-
وتوضحها لنا السنة الكريمة، فكلما زاد اقترابنا وتمسكنا بتعاليم ديننا
الحنيف إيمانا قولا وفعلا كان في ذلك النجاة من الوقوع في أزمات ومشكلات
الحياة المعاصرة بتطوراتها السريعة المتلاحقة.
ومن الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنوسة:
1-
عضل النساء. أي منع المرأة من الزواج بكفئها فإذا تقدم لها خاطب كفء منعت
منه إما من قبل وليها أو لتدخل قصار النظر من النساء والسفهاء بحجج فاسدة
كالقول بأن الخاطب كبير السن أو فقير أو متدين متشدد. وبهذا تهدر المصالح،
وتضيع المسئولية، وتحرم المرأة من حقها الشرعي في الزواج في الوقت المناسب،
وتفقد دورها الفعال في المجتمع بتكوين تشارك في مسئوليته، وتنشئ جيلا
يعتمد عليه.. ومما يزيد المشكلة رفض ولي الأمر لزواج الفتاة بوضعه شروطا
تعجيزية من المهر والمتطلبات التي ينوء بحملها أي شاب في العمر، أو طمعه في
راتب الفتاة فيختلق الأسباب لرفض الزواج متناسيا بذلك قول المصطفى عليه
الصلاة والسلام: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن
فتنة
وفي منع المرأة من التزويج بكفئها ثلاث جنايات: جناية الولي على
نفسه بمعصيته الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من كفئها وفوت
عليها فرصة الزواج الذي هو عين مصلحتها، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق
أمر الشارع بإعطائه إياه، ومثل هذا الولي تسقط ولايته على المرأة وتنتقل
إلى من هو أصلح منه ولاية عليها، بل إذا تكرر هذا العضل منه صار فاسقا ناقص
الإيمان والدين لا تقبل شهادته جمع من العلماء، كما أن الولي قد يمنح
تزويج الفتاة بحجة أن لها أختا أكبر منها، والنتيجة أن تعنس الاثنتان أو
يرفض تزويجها بجعلها خادمة لإخوانها الذكور، ولا يسمح لها بالزواج إلا بعد
أن يتزوج الأبناء، ولا يوجد دليل شرعي على ذلك أو على مراعاة الترتيب في
الزواج.
2- ومن معوقات الزواج وسبب تأخيره رفع المهور وجعلها محلا
للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر
دون تفكير في عواقب ذلك، ولا يعلمون أنهم قد سنوا في الإسلام سنة سيئة
عليهم وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وأنهم حملوا
الناس عنتا ومشقة يوجبان سخطهم عليهم وسخريتهم منهم، وإن ضخامة المهر تسبب
كراهة الزوج لزوجته، وتبرمه منها عند أدنى سبب وإن سهولة المهر تسبب الوفاق
والمحبة بين الزوجين هما يوجد البركة في الزواج.
3- ومن الأمور التي
نفرت من الزواج تلك المعوقات التي ابتدعها الناس وتمادوا فيها حتى أثقلت
كاهل الزوج من تكاليف باهظة لشراء مصاغات وأقمشة، والمبالغة في تأثيث
المنزل، والإسراف في إقامة الولائم، وضياع الأموال هدرا، ومنها أيضا إقامة
الحفلات في الفنادق وقصور الأفراح وما يتبع ذلك من ارتكاب المحرمات من
الغناء والرقص والتصوير، بل وشرب المحرمات وتصبح هذه الحفلات مجالا خصبا
لارتكاب المعاصي، وما يتبع ذلك من قضاء ما يسمونها "شهر العسل " في بلاد
خليعة من البلاد الأجنبية وتكون النتيجة مخالفة شرع الله، ويصبح الزوج
مكبلا بقيد من الديون الثقيلة التي تمتد سنوات وسنوات.
وتعد هذه
المعوقات التي تقف حائلا أمام الزواج من سباب عزوف الشباب عن الزواج،
وتأخير سن الزواج، وتأيم كثير من الفتيات، وتفشي ظاهرة العنوسة وما يتبعها
من آثار سلبية على الأسرة والمجتمع ككل، وتلك العوائق من جانب لي أمر
الفتاة وهو أحد أطراف القضية التي تشمل ولي الأمر، الأم، الفتاة، الشاب،
وهم أطراف عملية الزواج أو العزوف عنه. فولي الأمر يجب أن يحافظ على
الأمانة التي حملها من فوق سبع سماوات، وأن يتقي الله في أولاده جميعا ولا
يفرق لي المعاملة بين الذكور والإناث كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام:
"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ". رواه البخاري ومسلم. والأنثى أحق
بالشفقة والرحمة حيث إن عصمتها بيد ولي أمرها.
وبعض الآباء يكونون سببا
في عنوسة الفتاة بأن يقول: بنتي لولد عمها، والبنت لا تريد ولد عمها،
ويفرضه عليها، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "لا تنكح الأيم حتى
تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن
تسكت ". رواه مسلم.
وهو ما يسمى عند بعض القبائل "بالتحجير" ويعد هضما لكرامة المرأة التي عززها الإسلام ورفع مكانتها.
كما
أن بعض الآباء يشترط نسبا معينا "أو بلدا معينة" ويرد كثيرا من الخطاب
بحجة أنهم أقل منهم نسبا أو ليس من قبيلته، أو من بلده على الرغم من أن
المعيار هو التقوى والدين كما قال تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات، الآية:13).
ولقد تزوج عليه
الصلاة والسلام من زينب بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، كما زوج محمد
عليه الصلاة والسلام فاطمة بنت قيس لأسامة، وتزوج المصطفى الكريم من صفية
بنت حيي بن أخطب وكانت ابنة يهودي. كما أن بعض الآباء يشترطون شروطا شكلية
ربما لا يستطيع الشاب تحقيقها مثل أن يكون لديه سيارة، أو تكون معه شهادة
مثل شهادة البنت أو أعلى، أو عنده سائق أو خادمة، أو يكون له منزل بمفرده
بمواصفات معينة وغيرها من الأمور التافهة التي تؤدي إلى العنوسة.
أما
الطرف الثاني فهو الأم ودورها العظيم حيث تقع عليها مسئولية تربية بناتها
وفق التعاليم الدينية السمحة مستنيرة في ذلك بالأحاديث النبوية الشريفة،
وعليها أن تغرس في نفوسهم أثناء التربية الحب والدين، أما المال فليس شرطا
فهو يأتي ويذهب بالإضافة إلى التحلي بالصبر والآداب العامة، والاهتمام
بالثقافة والعلم، والاعتماد على النفس في شئون المنزل والحياة العامة
ومواجهة المشاكل والعمل على حلها بالصبر والأناة وعدم الاعتماد على الخدم
كلية وأن تقنع بالقليل، فالسعادة وراحة البال لا تتحققان بالمال والمظاهر
الشكلية، ولكن بالخلق والدين والإيثار والقناعة والود والرحمة.
وعلى
الأم ألا تختلق العوائق والشروط التعجيزية أمام زواج الفتاة أو الشاب،
فالاعتدال مطلوب في كل شيء من الناحية الجمالية والمادية، والمظاهر
الشكلية، بما في ذلك مظاهر التفاخر والتباهي بأشياء لا تغني ولا تسمن من
جوع، فالعبرة بالدين والأخلاق والسلوك السوي والاستقامة، فالتيسير مطلوب،
قال عليه الصلاة والسلام: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".
أما
الطرف الثالث فهو الفتاة، وعلى هذا الطرف تقع المسئولية للنهوض بمستواها
الثقافي والجمالي، جمال الأخلاق، وجمال الخلق، فالأخلاق تتمثل في الاحتشام،
والمحافظة، والنظر للبعيد والقادم من الأيام كما أدق عليها أن تتعلم
المهارات المنزلية، وتزن الأمور بالعقل قبل العاطفة و ألا تغالي في الصفات
المطلوبة والصورة الخيالية لفارس الأحلام، فالكمال لله وحده، ولا يوجد
إنسان تتوافر فيه كل الصفات الشكلية والجوهرية من دين وخلق والتزام، وألا
تجعل هذه الرغبات الخيالية وغير المنطقية عقبة أمامها تحولها مع مرور
الأيام إلى عانس برفضها كل خاطب لا تنطبق عليه هذه الأوهام وتكابر حتى
يلحقها قطار العنوسة والذبول والندم.
كما أن الفتاة قد تجعل الدراسة
عقبة أمام الزواج ويوافقها أبوها على ذلك، وفي ذلك ضرر على الفتاة وعلى
المجتمع من عدة أمور منها: أن التعليم الطويل بالنسبة للفتاة في الغالب لا
تستفيد منه عندما تتزوج فتنشغل بالزوج والأولاد، كما أن الفتاة إذا ردت
نصيبها من الزواج بحجة الدراسة فإن الخطاب ينصرفون عنها- كما يقول الأستاذ
عبد الله الجار الله في كتاب الزواج وفوائده وآثاره النافعة- لأن كثيرا من
الشباب يفضلون زوجات أقل منهم في المستوى العلمي، وبعض الشباب لا يفضلون
زوجة تخرجت من الجامعة، وانشغلت بالعمل وجمع المادة مع أن السن قد تقدمت
بها، وبدأت تذبل، فحري بالمرأة وولي أمرها ألا يردا الخاطب في أي لحظة من
اللحظات التي يتقدم لهم فيها إذا رضوا دينه سواء قبل أن تواصل دراستها
وعملها أم لم يقبل أن تواصل الدراسة والعمل، مع أن بعض الشباب لا يمانعون
من مواصلة زوجاتهم للدراسة، لأنهم يحسون أن المجتمع بحاجة إلى مثل زوجاتهم
للتدريس، أو للتطبيب ونحو ذلك هما يحتاجه المجتمع الإسلامي المحافظ.
أن
الإسلام لا يقف أمام تعليم الرجل والمرأة، وإنما يقف أمام تلك المظاهر
الكاذبة التي انتشرت والتي كان لها الأثر السيئ في المجتمع الإسلامي، فلو
فرضنا أن الفتاة قد أكملت دراستها بدون زواج، وأخذت الشهادات العليا فكم
يصبح عمرها؟ ومن سيتزوجها؟ بعد أن عدت سن الزواج؟ فأغلب الرجال يفضلون
الفتاة صغيرة السن وتمتلئ البيوت بفتيات نادمات على رفضهن الزواج بحجة
إكمال الدراسة، وآباءهن الديمقراطيون لا يحركون ساكنا، ولا يقدمون النصيحة
لهن، وتود الواحدة من هؤلاء الفتيات اللاتي حصلن على شهادة الماجستير أن
تحرق لأنها أضاعت عمرها، وأوصت شبابها ولحقت بقطار العنوسة، حيث الرجل لا
يريد زوجة، لم يتبق من عمرها إلا القليل حتى تصل لسن اليأس.
إن الفتاة
أو الشاب إذا تزوجا خلال فترة الدراسة فإنهما سيعيشان أحلى لحظات العمر مع
الاستقرار النفسي والعائلي. وقد تناولت جريدة الندوة قضية الفتاة الجامعية
التي تقف على عتبة العنوسة في العدد 10582 في (13 ربيع الثاني 1414 هـ)
بالمناقشة بين طرفي القضية الفتاة والشاب، ونستعرض بعضا من الآراء المختلفة
لكل طرف لنتعرف على ملابسات هذه القضية الحساسة.
إحدى الفتيات اتهمت
الشباب بأنهم يبحثون عن الفتاة صغيرة السن أو قليلة التعليم لسهولة
قيادتها، أو لإضفاء المرح والسرور على الحياة الزوجية، كما اتهمت الشباب
الذين يعزفون عن الزواج من الجامعية بقصور تفكيرهم، وضعف شخصياتهم، لأنهم
يتابعون الأفلام التي تكون محشوة بأفكار ومعتقدات خاطئة عن الفتاة الجامعية
وأن قوامة الرجل صورية، وليس كما جاء في قول- الله عز وجل-: {الرجال
قوامون على النساء}.
ورأي آخر لفتاة يقول: إن الشباب يلصقون أبشع الصفات بالفتاة الجامعية بأنها "مغرورة ومتعجرفة ومتكبرة".
واتفقت
معظم الفتيات على أن العلم ضروري ولن يؤثر ذلك على مستقبلهن الأسري حتى
حملن هذا السلاح الذي يحميهن من غوائل الدهر، وظروف الحياة، بل إن الشهادة
تمنحهن المزيد من النضوج والوعي والثقافة، ويوجهن اللوم إلى بعض الشباب
الذين يتذرعون بالحجج الواهية حول غرور الفتاة الجامعية، أو البعض الآخر
الذي يفضلها صغيرة، وأكدن أن بعض الشباب يتهربون من المسئولية ومن الارتباط
بالفتاة الجامعية، لأنها أعلى مستوى منهم، وأرقى ثقافة، ونفين مقولة: "إن
الفتاة الجامعية تشرف على العنوسة".
ويرى شاب جامعي أنه من الأفضل
الزواج من جامعية ليكون هناك تقارب في المستوى الفكري والثقافي بينهما،
ولكي يعيش الأبناء في ظل أسرة متفهمة واعية قادرة على حل مشاكلها بكل سهولة
ويسر، وحصول الفتاة على شهادة جامعية أمر ضروري لتؤمن نفسها من غدر الزمن
لأنها لو توفي زوجها أو طلقها تستطيع أن تخوض غمار الحياة وتربي أطفالها
بالبحث عن وظيفة، كما أن الفتاة الجامعية تصل إلى درجة من العقلانية والوعي
الثقافي تؤهلها لأن تكون زوجة صالحة وأما فاضلة وعضوا فعالا لبناء
المجتمع.
ويمكن الجمع بين الزواج في سن صغيرة وإكمال دراستها بعد
الزواج، والموازنة بين بيتها وأطفالها ودراستها، لأن معظم الشباب يفضل
الزوجة صغيرة السن التي لا يزيد عمرها عن العشرين، أما زواج الجامعية من
شاب غير جامعي فهو زواج غير مستقر، لعدم وجود تقارب وتكافؤ بين الزوجين
فكريا وعلميا وثقافيا، ولشبه انعدام لغة الحوار المشترك بينهما، وقد تتعالى
الزوجة على الزوج بمستواها التعليمي، ولا يعني هذا أن الشاب الذي يريد
فتاة صغيرة السن أو غير جامعية يعاني من نقص داخله، فهذا اتهام باطل
ومرفوض، لأن هذه الرغبة قد تكون هروبا من تعالي وغطرسة وغرور الجامعية،
وعندما يتزوج الصغير قد يدعها لإكمال دراستها أثناء الزواج، وبذلك يكون قضى
على غرور الجامعية وتعاليها على الشباب.
إن الجامعية- بلا شك- تكون على قدر كبير من المسئولية والفهم والوعي والإدراك.
ويجب
على الفتيات ألا يرفضن الزواج وهن في المرحلة الثانوية أو بداية المرحلة
الجامعية بسبب رغبتهن في مواصلة التعليم، ثم يلقين باللوم على الشباب فكم
من الفتيات والشباب أكملوا دراستهم بعد الزواج، فالمرأة إن لم تكن مؤدية
لواجباتها الأسرية على أكمل وجه فهي غير ناجحة ولو كانت تحمل أعلى
الشهادات.
ويؤيد شاب جامعي الزواج من جامعية؛ لوصولها لمرحلة نضج فكري
وعلمي وجسدي متكامل تستطيع أن تتخطى به العقبات وتكون أما صالحة مثقفة
واعية، إلا أنه يلزم بعض الفتيات التخلص من الكبرياء نتيجة حصولهن على
المؤهل الجامعي.
رأي لباحث اجتماعي يقول: إن الارتباط بالجامعية أمر
محبذ بشرط أن يسود التفاهم والوئام فيما بين الزوجين، وأن تعمل وتشارك
الزوج في أعباء الحياة على ألا يكون هناك استغلال ولا شروط بخصوص الدخل
ونحوه. فطلب العلم فريضة، ويا حبذا لو كان إلى آخر رمق، ولا يقتصر على
المرحلة الجامعية فقط، فقد قال- تعالى-: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون} (سورة الزمر، الآية:9) وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "إن
الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما فعل ".
ووجهة نظر أخرى
تقول: إن الزواج بالجامعية المثقفة يكون عونا على بناء مستقبل مشرق، وعلى
الذين يرفضون الزواج من الجامعية أن يعيدوا تفكيرهم الخاطئ وهذا التفكير
العقيم وبخاصة إذا كان ممن وصل إلى المرحلة الجامعية بشرط أن تعي الفتاة
الجامعية دورها بشكل جيد، وألا تتعالى على زوجها بشهادتها العالية.
ولعل
الطبيبة من أكثر الفتيات تعرضا لعزوف الشباب عن الزواج منها لإصرارها على
إنهاء دراستها قبل الزواج، واتهام البعض لها بالتعالي، والغرور، لأنها قد
أصبحت طبيبة، ولهذا يعتقد البعض أنها لا تصلح كزوجة، وبعضهم يحاولون الحد
من تقدم الفتاة الطبي عند إصرارهم على أن يكون عملها داخل إحدى الوحدات أو
المراكز الصحية، إلا أننا نجد قلة هي التي تقدم على الزواج من الطبيبة، بل
وتساهم أيضا في تحقيق أحلامها بالتميز والتفوق، ونعرض خلال السطور القادمة
بعض الآراء ووجهات النظر المتنوعة والمختلفة للشباب والأطباء والطبيبات من
خلال الاستطلاع الذي أجرته إحدى الصحف المحلية:
إن طول مدة الدراسة في
كليات الطب السبب الأول، بل الأساس في تأخير سن الزواج للطبيبة كما يرى د.
أسامة ظفر مدير مستشفى الملك فيصل بالطائف لأن 95% منهن يرفض الزواج لحين
الانتهاء من الدراسة نتيجة الخوف الشديد من عدم الاستمرار، بل عدم
الاستقرار في الدراسة التي تتطلب تفرغا كاملا، وتركيزا شديدا من أجل
التفوق، للشباب عدة أسباب في عزوفهم عن الزواج من الطبيبة أولها طول مدة
الدراسة، وثانيها رفض الفتيات الارتباط حتى الانتهاء من الكلية. كما أن
اشتراط بعض الأزواج أن تتجه المرأة الطبيبة إلى العمل بالوحدات الصحية دون
المستشفيات من أجل تقصير فترة الدوام حيث تتراوح مابين 8 إلى 9 ساعات عكس
المستشفيات التي تصل فيها إلى ما بين 24 إلى 48 ساعة، وهذا أمر يرفضه أكثر
الأزواج.
ورأي ثان للدكتور أحمد الشاذلي أستاذ طب الأطفال بالطائف يرى
أن تأخر الطبيبة في الزواج، لأنها تفضل الزواج من دكتور يتفهم طبيعة عملها
فمن يقبل أن تنزل زوجته في منتصف الليل إذا كان هناك حالات طارئة غير الزوج
الطبيب الذي يقدر متاعب المهنة، ولذلك فقد تنتظر كثيرا حتى يتقدم لها
الطبيب.
وجهة نظر لطالب جامعي تؤيد عدم الزواج من الطبيبة وترى أنه من
الأفضل أن تتزوج من طبيب مثلها يساويها في جميع القدرات الثقافية
والاجتماعية، ويكون متفهما لطبيعة عملها.
ورأي مخالف لموظف يقول: إنا
ظروف الحياة اليوم أصبحت صعبة، وأصبحت المادة تشكل عنصرا أساسيا فيها،
والارتباط بالموظفة بصفة عامة، والطبيبة بصفة خاصة أمر مساعد، وله دور كبير
في تلبية متطلبات الأسرة، وله أثر إيجابي قد يطغى على الناحية السلبية في
الحياة الزوجية.
قول لموظف يوضح أن الارتباط بالطبيبة يحتاج إلى نوع من
التضحية من الزوج، وتقديم يد العون والمساعدة لمن نذرت نفسها لخدمة مجتمعها
ولمن ترسم الأمل والابتسامة على شفاه مرضاها.
ونتعرف على وجهة نظر الطبيبات والفتيات إزاء عزوف الشباب عن الارتباط بالطبيبة:
توضح
د. أسماء فتح الباب عبد الحليم استشارية أمراض النساء والتوليد أن تأخر
الطبيبة في الزواج يرجع إلى طول مدة الدراسة، فتتخرج وهي في السنة الخامسة
أو السادسة والعشرين وكثير منهن عندهن الطموح لاستكمال الدراسات العليا
وكثير منهن يفضلن الانتهاء من الدراسة دون زواج وأولاد قد يعطلونهن عن
المذاكرة والتفوق وهذا يؤدي إلى تأخر زواجها إلى ما بعد الثلاثين كما أن
بعض الطبيبات يفضلن العريس الطبيب، وخصوصا إذا كانت حاصلة على دكتوراه، فهي
تنتظر أستاذ جامعة، وبهذا تنتظر إلى ما بعد الأربعين.
ويمكن للطبيبة
العاملة أن تأخذ إجازة مؤقتة من عملها إذا كان المنزل بحاجة إليها أكثر من
العمل لرعاية أطفالها، ثم يمكنها العودة إلى عملها بعد ذلك.
وتعتقد
طالبة طب أننا وصلنا إلى مرحلة تجعل الشباب يفكر بطريقة أكثر عقلانية
وواقعية، وأن الارتباط بمثل هذا الشاب الذي يعتقد أن الزواج من الطبيبة لا
يحقق الاستقرار الأسري يعد مجازفة، فليس هناك فرق بين الطبيبة والمعلمة
وغيرهما ممن يخدمن المجتمع، ويسعين لمستقبل أفضل لهن وللمجتمع.
وبعد
استعراض الآراء المتنوعة المختلفة من الطرفين: الشباب، والطبيبات يتضح لنا
أن التفاهم والتكافؤ الثقافي والعلمي والاقتناع بدور كل منهما في الحياة
الأسرية والمجتمع وبتعاون كلا الطرفين وتقدير ظروف عمله كل ذلك هو الأساس
للاستقرار الأسري، فمهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، إلا أنه يلزم قليل من
التضحية والتنظيم وتنسيق الوقت واستغلاله وتحديد الأولويات، ومع هذا
تستطيع طالبة الطب الزواج في سن مناسبة مع استكمال دراستها بعد الزواج
والمحاولة الدائمة في تحقيق النجاح على المستوى العلمي والمهني والمستوى
الأسري والعائلي.
أما الطرف الرابع من أطراف القضية فهو الشاب، ولا شك
أن عدم تحمل المسئولية والهروب منها هما وراء عزوف الشباب عن الزواج
المبكر، فالبعض يتحجج بأشياء واهية كاستكمال الدراسة، والبعض يريد أن يؤمن
مستقبله ويكون نفسه على حد تعبيره، كما أن البعض يضع شروطا خيالية في
الفتاة التي يريد الزواج منها يجمع فيها كل المحاسن: من الجمال، والمال،
والحسب، والنسب، والثقافة، والوظيفة، وأن تكون سيدة منزل من الدرجة الأولى
متناسيا أو متجاهلا أنه هو ليس مكتمل الصفات والمزايا، فالكمال لله وحده،
فكما أن هناك مزايا متوافرة هناك أيضا قصور في جوانب أخرى في كل إنسان.،
فالمهم وجود درجة من التكافؤ الاجتماعي والتعليمي والثقافي والبيئي،
وبالتفاهم والود وحرص كل من الشاب والفتاة على أن يؤدي دوره تجاه الآخر
تضيق المسافات، وتختفي الفوارق والنواقص، وتلك كلها أمور غير مقنعة للعزوف
عن الزواج ولكن نجد أن التنشئة الاجتماعية للشاب تلعب دورها في تكوين
شخصيته واستقلاليتها ونضجها ووضع الأمور في نصابها السليم، كما تلعب
التنشئة الاجتماعية دورها البارز والهام في تحمل المسئولية والاستقرار
النفسي والنضج الفكري وعدم الخضوع لمزاجية أحد في تحديد مستقبله، واختيار
شريكة حياته على أساس موضوعي سليم، فيكفي من الأهل النصح والمشورة فقط،
والابتعاد عن فرض فتاة بعينها أو الحث على الابتعاد عن فتاة ما بحجة أنهم
لا يستريحون لها أو ليست على هواهم، فيجب على الشاب أن يكون صاحب القرار
الأول والأخير في تحديد مستقبله وحياته القادمة بعد سماع نصيحة الأهل
ووضعها في الاعتبار.
فكم من شاب تزوج وهو لم يستكمل دراسته واستطاع في
ظل الاستقرار الأسري بمساعدة زوجته وتهيئتها الجو المناسب- إكمال الدراسة،
بل والتفوق فيها، كما أنه إذا تزوج في سن مناسبة فهو بذلك يتحمل المسئولية
الكاملة عن البيت والأسرة مما يدفعه إلى مضاعفة الجهد، والعمل لتوفير
احتياجاتهم، ويكون ذلك دافعا إلى البحث والمحاولة لتحقيق دخل أكبر، وبذلك
يستطيع أن يؤمن مستقبله المادي والنفسي والأسري في الوقت نفسه، فكم من قصة
نجاح وتكوين ثروة لا بأس بها من خلال هذا الاستقرار الأسري، ومن خلال
الزوجة التي تقف وراء زوجها، وتدفعه للنجاح والتفوق والتميز، وصدق المصطفى
صلى الله عليه وسلم حين قال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد
الأداء، والناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله " رواه الترمذي
والنسائي.
كما أن مقولة الشباب إن الزواج يتطلب مبالغ طائلة لا قدرة لهم
عليها، وتكاليف تكبل حياتهم لمدة طويلة مقولة مبالغ فيها، لأنه يوجد
العديد من الأسر التي لا تبالغ في المهور والتكاليف الباهظة، كما أنه تنتشر
العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تساعد وتسهل في تكاليف الأزواج، بل
وتستطيع التوفيق بين كل من الشاب والفتاة المناسبة له.
فعلى الشباب أن
ينهضوا من سباتهم العميق، وحججهم الواهية، ويزيحوا عن كاهلهم شعار العزوف
عن الزواج قبل أن تضيع أحلى سنوات العمر هباء، فقد قال- تعالى-: {إن يكونوا
فقراء يغنيهم الله من فضله} (سورة النور، الآية: 32).
كما أن بعض
الشباب يعزفون عن الزواج بسبب البحث عن أسرة تسمح بالرؤية الشرعية للفتاة
قبل العقد، ويستمر البحث طويلا طاويا معه سنوات وسنوات، وربما لا يجد فيضطر
للزواج بزوجة لم يقتنع بها، فإما أن يضمها على كره ومجاملة، وإما أن
يطلقها مع أن الله أباح الرؤية الشرعية بشرط عدم الخلوة.
كما أن الشباب
قد يشترطون الأبكار، وصغيرات السن، ولربما كانت العانس أو المطلقة أفضل
بكثير من الصغيرات، سواء في العلم أو تجارب الحياة، فالرسول صلى الله عليه
وسلم تزوج خديجة بنت خويلد وعمرها أربعون عاما، وعمره صلى الله عليه وسلم
خمسة وعشرون عاما.
4- ومما يساعد على انتشار العنوسة في المجتمع رفض
البعض لفكرة التعدد في الزواج مع أن الله- سبحانه وتعالى- قد أباح التعدد
وحث عليه بشروط وقيود معينة، يلزم تطبيقها حتى تتحقق الغايات الساهية من
وراء التعدد، إلا أن البعض يرفض الرجل صاحب الدين والخلق الفاضل لكونه
متزوجا مع توافر القدرة الدينية والمالية والصحية.
فربما يكتب الله
الذرية الصالحة من هذا المعدد وهذا أفضل لها من جلوس الفتاة سنوات وسنوات
بدون زواج. فالتعدد نظام إلهي محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من
خلفه، وهو موضوع كامل لا يعتريه النقص، حيث توضح أغلب التقديرات أن نسبة
النساء الصالحات للزواج تزداد على عدد الرجال الصالحين بنسبة 4 إلى 1،
نتيجة لكثرة ولادة البنات، كما أن الرجال هم وقود المعارك العسكرية، وضحايا
الحوادث بنسبة أكبر من النساء، كما أنهم أكثر جهدا وسعيا للحصول على لقمة
العيش مما يجعلهم أكثر قابلية للمرض. وتعدد الزوجات هو العلاج الأمثل
لمعالجة هذا الاختلال بين النساء والرجال.
فخير للمرأة أن تكون نصف زوجة أو ثلث زوجة على أن تعيش حبيسة الوحدة و العنوسة والهموم.
5-
فتور العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والأسر نتيجة للتطورات السريعة التي
نعيشها اليوم والحياة المعاصرة التي ضعفت بسببها الصلات الاجتماعية بين
الناس عن الماضي، بل واتسعت الهوة حتى بين أفراد العائلة الواحدة فيما عدا
المناسبات، وخفتت الروابط التي كانت تربط بين الجيران، بل وأهل المنطقة
بأكملها، وندرت الزيارات للأهل والمعارف والجيران، ونتج عن ذلك أن الجار لا
يعرف شيئا عن جاره خيرا أو شرا، وبالتالي لا يعرف إن كان عنده من هو في سن
الزواج أم لا وهذا نتيجة البعد عن ديننا الحنيف الذي يدعونا إلى التآلف
والوحدة والتعاون كما قال- تعالى-: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان} (سورة المائدة، الآية: 2).
ومن هنا يأتي دور أهل
الخير والصلاح في تعريف الناس بعضهم على بعض لمن يريد الزواج، أو لمن يوجد
عنده بنات وبما تقدم بهن السن، أو كن أرامل أو مطلقات، ومحاولة التوفيق بين
الناس ومساعدتهم على قضاء حوائجهم وينبغي ألا يتردد أهل الخير والصالحون
من أهل المعروف في ذلك عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: "الدال على الخير
كفاعله " رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن أحدكم حتى
يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم.
فعلى أهل الصلاح والتقوى
القيام بدورهم آخذين بالأسباب فقط، والنتائج بيد الله كما قال- سبحانه
وتعالى-: {ما على المحسنين من سبيل} (سورة التوبة، الآية: 91).
ويرجع د.
عبده الرب نواب الدين "بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة" أسباب
العنوسة إلى ثلاثة عوامل هي: أولا: انشغال المرأة المسلمة المعاصرة
بالدراسة التي تستقطع سنوات طويلة من شبابها، ثم بعد ذلك الانشغال بالعمل
والوظيفة، وكثيرا ما يكون العمل مختلطا بين الجنسين، ولذلك آثاره النفسية
والسلوكية على كيان المرأة المسلمة العاملة، وفي نظرة الرجل إليها وتقديره
لمكانتها في المجتمع، ومركزها في البيت، وهذا الاشتغال الأنثوي لم يكن
معروفا بهذه الصورة العميقة في الأجيال السابقة حتى عصر قريب، ففي الماضي
كانت النساء تحترف حرفا كالخياطة والتطبيب والحياكة والخدمة، ولكن هذه
الحرف لم تكن تشغل أوقات كبيرة من أعمارهن ولا كانت تترك لديهن أثرا نفسياً
أو سلوكياً يشغلهن أو يلهيهن عن أمنية الأنوثة في الزواج والأمومة، وهي
المهمة الأولى في الحياة بالنسبة للمرأة.
ثانيا: قلة الاكتراث بتزويج
البنات والأخوات، وضعف الوازع الديني، وطغيان حب المادة، ولهذا السبب صور
عديدة منها المغالاة في المهور، والاشتراطات المجحفة، والإسراف والبذخ في
الولائم والأفراح، والحرص على المظاهر الخادعة، ورد الخاطب تلو الآخر طمعا
في الأكثر ثراء، والأعلى وجاهة، وحرص ولي الأمر على مرتبها الشهري ومنعها
من الزواج لهذا الغرض الخسيس إلى آخر هذه الصور الشائنة التي تصرف المرأة
عن دورها الحيوي في المجتمع المتمثل في تكامل الزوجين وبقاء النوع.
ثالثا:
تأثر الشباب بحضارة الغرب، وافتتانهم بعاداته، وله صور عديدة منها: إيثار
حياة الوحدة والعزوبية و العنوسة، والانفلات من ربقة الدين والأخلاق إلى
حمأة الفسق والرذيلة. والحرية المهلكة، وتقليد نجوم الانحراف والميوعة
والتخنث والشذوذ، ووصل التأثر بالحضارة الغربية المادية في بعض الدول إلى
حد التنفير من تعدد الزوجات الذي أباحه الشرع المطهر حين الحاجة إليه، وهذا
الافتتان بالغرب ناتج- كما يقول علماء الاجتماع- من تقليد المغلوب للغالب
في زيه ورسمه وعاداته توهما من المغلوب أنه بهذا التقليد يستمد من الغالب
أسباب الغلبة والقوة والمنعة، ومن أوخم نتائج هذا التقليد المزري فقد الثقة
في الدين الحق، والارتماء في أحضان الأعداء، وتضييع كل مكتسبات الحياة إثر
ذلك، وفقد مقومات الاستقلال والكيان المتميز.
إن العبء الأكبر يقع على
العلماء والدعاة وأئمة المساجد في التصدي لهذا الشبح الخطير، شبح العنوسة
الذي يهدد الكثير من بيوت المسلمين.
إن مجتمعنا محافظ في دينه وقيمه،
ولا تستطيع الفتاة مفاتحة والديها عن الزواج، وهذا أمر طبيعي ، ولا مانع
إذا علمت الفتاة بتقدم أحد الخطاب لها وهو على دين وخلق أن تشعر والديها
برغبتها فيه، أما إذا كان الوالد أو الولي من طبعه الرفض، ورد الخطاب فعند
ذلك تستشير الفتاة من تثق بعلمه وتقواه من المشايخ لأخذ التوجيه المناسب،
وربما يتاح التوسط بطريقة سليمة وشرعية، وليس بعيب أن تخطب الفتاة لنفسها
لاسيما إذا كانت كبيرة ومميزة، ولها القدرة على التمييز، ولها في أم
المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- أسوة حسنة حينما عرضت نفسها على خير خلق
الله محمد صلى الله عليه وسلم لما أيقنت من نزاهته وخلقه وأمانته
منقول للافاده
الأسباب، وتتعدد العوامل التي تؤدى وتساعد على انتشار ظاهرة العنوسة، وتصب
كلها في بوتقة البعد عن ديننا الحنيف، أو جهلنا ببعض أحكامه، أو سوء فهمنا
للحكم- الساهية وراء الأوامر والنواهي التي يأمرنا بها الله- عز وجل-
وتوضحها لنا السنة الكريمة، فكلما زاد اقترابنا وتمسكنا بتعاليم ديننا
الحنيف إيمانا قولا وفعلا كان في ذلك النجاة من الوقوع في أزمات ومشكلات
الحياة المعاصرة بتطوراتها السريعة المتلاحقة.
ومن الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنوسة:
1-
عضل النساء. أي منع المرأة من الزواج بكفئها فإذا تقدم لها خاطب كفء منعت
منه إما من قبل وليها أو لتدخل قصار النظر من النساء والسفهاء بحجج فاسدة
كالقول بأن الخاطب كبير السن أو فقير أو متدين متشدد. وبهذا تهدر المصالح،
وتضيع المسئولية، وتحرم المرأة من حقها الشرعي في الزواج في الوقت المناسب،
وتفقد دورها الفعال في المجتمع بتكوين تشارك في مسئوليته، وتنشئ جيلا
يعتمد عليه.. ومما يزيد المشكلة رفض ولي الأمر لزواج الفتاة بوضعه شروطا
تعجيزية من المهر والمتطلبات التي ينوء بحملها أي شاب في العمر، أو طمعه في
راتب الفتاة فيختلق الأسباب لرفض الزواج متناسيا بذلك قول المصطفى عليه
الصلاة والسلام: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن
فتنة
وفي منع المرأة من التزويج بكفئها ثلاث جنايات: جناية الولي على
نفسه بمعصيته الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من كفئها وفوت
عليها فرصة الزواج الذي هو عين مصلحتها، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق
أمر الشارع بإعطائه إياه، ومثل هذا الولي تسقط ولايته على المرأة وتنتقل
إلى من هو أصلح منه ولاية عليها، بل إذا تكرر هذا العضل منه صار فاسقا ناقص
الإيمان والدين لا تقبل شهادته جمع من العلماء، كما أن الولي قد يمنح
تزويج الفتاة بحجة أن لها أختا أكبر منها، والنتيجة أن تعنس الاثنتان أو
يرفض تزويجها بجعلها خادمة لإخوانها الذكور، ولا يسمح لها بالزواج إلا بعد
أن يتزوج الأبناء، ولا يوجد دليل شرعي على ذلك أو على مراعاة الترتيب في
الزواج.
2- ومن معوقات الزواج وسبب تأخيره رفع المهور وجعلها محلا
للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر
دون تفكير في عواقب ذلك، ولا يعلمون أنهم قد سنوا في الإسلام سنة سيئة
عليهم وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وأنهم حملوا
الناس عنتا ومشقة يوجبان سخطهم عليهم وسخريتهم منهم، وإن ضخامة المهر تسبب
كراهة الزوج لزوجته، وتبرمه منها عند أدنى سبب وإن سهولة المهر تسبب الوفاق
والمحبة بين الزوجين هما يوجد البركة في الزواج.
3- ومن الأمور التي
نفرت من الزواج تلك المعوقات التي ابتدعها الناس وتمادوا فيها حتى أثقلت
كاهل الزوج من تكاليف باهظة لشراء مصاغات وأقمشة، والمبالغة في تأثيث
المنزل، والإسراف في إقامة الولائم، وضياع الأموال هدرا، ومنها أيضا إقامة
الحفلات في الفنادق وقصور الأفراح وما يتبع ذلك من ارتكاب المحرمات من
الغناء والرقص والتصوير، بل وشرب المحرمات وتصبح هذه الحفلات مجالا خصبا
لارتكاب المعاصي، وما يتبع ذلك من قضاء ما يسمونها "شهر العسل " في بلاد
خليعة من البلاد الأجنبية وتكون النتيجة مخالفة شرع الله، ويصبح الزوج
مكبلا بقيد من الديون الثقيلة التي تمتد سنوات وسنوات.
وتعد هذه
المعوقات التي تقف حائلا أمام الزواج من سباب عزوف الشباب عن الزواج،
وتأخير سن الزواج، وتأيم كثير من الفتيات، وتفشي ظاهرة العنوسة وما يتبعها
من آثار سلبية على الأسرة والمجتمع ككل، وتلك العوائق من جانب لي أمر
الفتاة وهو أحد أطراف القضية التي تشمل ولي الأمر، الأم، الفتاة، الشاب،
وهم أطراف عملية الزواج أو العزوف عنه. فولي الأمر يجب أن يحافظ على
الأمانة التي حملها من فوق سبع سماوات، وأن يتقي الله في أولاده جميعا ولا
يفرق لي المعاملة بين الذكور والإناث كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام:
"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ". رواه البخاري ومسلم. والأنثى أحق
بالشفقة والرحمة حيث إن عصمتها بيد ولي أمرها.
وبعض الآباء يكونون سببا
في عنوسة الفتاة بأن يقول: بنتي لولد عمها، والبنت لا تريد ولد عمها،
ويفرضه عليها، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "لا تنكح الأيم حتى
تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن
تسكت ". رواه مسلم.
وهو ما يسمى عند بعض القبائل "بالتحجير" ويعد هضما لكرامة المرأة التي عززها الإسلام ورفع مكانتها.
كما
أن بعض الآباء يشترط نسبا معينا "أو بلدا معينة" ويرد كثيرا من الخطاب
بحجة أنهم أقل منهم نسبا أو ليس من قبيلته، أو من بلده على الرغم من أن
المعيار هو التقوى والدين كما قال تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات، الآية:13).
ولقد تزوج عليه
الصلاة والسلام من زينب بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، كما زوج محمد
عليه الصلاة والسلام فاطمة بنت قيس لأسامة، وتزوج المصطفى الكريم من صفية
بنت حيي بن أخطب وكانت ابنة يهودي. كما أن بعض الآباء يشترطون شروطا شكلية
ربما لا يستطيع الشاب تحقيقها مثل أن يكون لديه سيارة، أو تكون معه شهادة
مثل شهادة البنت أو أعلى، أو عنده سائق أو خادمة، أو يكون له منزل بمفرده
بمواصفات معينة وغيرها من الأمور التافهة التي تؤدي إلى العنوسة.
أما
الطرف الثاني فهو الأم ودورها العظيم حيث تقع عليها مسئولية تربية بناتها
وفق التعاليم الدينية السمحة مستنيرة في ذلك بالأحاديث النبوية الشريفة،
وعليها أن تغرس في نفوسهم أثناء التربية الحب والدين، أما المال فليس شرطا
فهو يأتي ويذهب بالإضافة إلى التحلي بالصبر والآداب العامة، والاهتمام
بالثقافة والعلم، والاعتماد على النفس في شئون المنزل والحياة العامة
ومواجهة المشاكل والعمل على حلها بالصبر والأناة وعدم الاعتماد على الخدم
كلية وأن تقنع بالقليل، فالسعادة وراحة البال لا تتحققان بالمال والمظاهر
الشكلية، ولكن بالخلق والدين والإيثار والقناعة والود والرحمة.
وعلى
الأم ألا تختلق العوائق والشروط التعجيزية أمام زواج الفتاة أو الشاب،
فالاعتدال مطلوب في كل شيء من الناحية الجمالية والمادية، والمظاهر
الشكلية، بما في ذلك مظاهر التفاخر والتباهي بأشياء لا تغني ولا تسمن من
جوع، فالعبرة بالدين والأخلاق والسلوك السوي والاستقامة، فالتيسير مطلوب،
قال عليه الصلاة والسلام: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".
أما
الطرف الثالث فهو الفتاة، وعلى هذا الطرف تقع المسئولية للنهوض بمستواها
الثقافي والجمالي، جمال الأخلاق، وجمال الخلق، فالأخلاق تتمثل في الاحتشام،
والمحافظة، والنظر للبعيد والقادم من الأيام كما أدق عليها أن تتعلم
المهارات المنزلية، وتزن الأمور بالعقل قبل العاطفة و ألا تغالي في الصفات
المطلوبة والصورة الخيالية لفارس الأحلام، فالكمال لله وحده، ولا يوجد
إنسان تتوافر فيه كل الصفات الشكلية والجوهرية من دين وخلق والتزام، وألا
تجعل هذه الرغبات الخيالية وغير المنطقية عقبة أمامها تحولها مع مرور
الأيام إلى عانس برفضها كل خاطب لا تنطبق عليه هذه الأوهام وتكابر حتى
يلحقها قطار العنوسة والذبول والندم.
كما أن الفتاة قد تجعل الدراسة
عقبة أمام الزواج ويوافقها أبوها على ذلك، وفي ذلك ضرر على الفتاة وعلى
المجتمع من عدة أمور منها: أن التعليم الطويل بالنسبة للفتاة في الغالب لا
تستفيد منه عندما تتزوج فتنشغل بالزوج والأولاد، كما أن الفتاة إذا ردت
نصيبها من الزواج بحجة الدراسة فإن الخطاب ينصرفون عنها- كما يقول الأستاذ
عبد الله الجار الله في كتاب الزواج وفوائده وآثاره النافعة- لأن كثيرا من
الشباب يفضلون زوجات أقل منهم في المستوى العلمي، وبعض الشباب لا يفضلون
زوجة تخرجت من الجامعة، وانشغلت بالعمل وجمع المادة مع أن السن قد تقدمت
بها، وبدأت تذبل، فحري بالمرأة وولي أمرها ألا يردا الخاطب في أي لحظة من
اللحظات التي يتقدم لهم فيها إذا رضوا دينه سواء قبل أن تواصل دراستها
وعملها أم لم يقبل أن تواصل الدراسة والعمل، مع أن بعض الشباب لا يمانعون
من مواصلة زوجاتهم للدراسة، لأنهم يحسون أن المجتمع بحاجة إلى مثل زوجاتهم
للتدريس، أو للتطبيب ونحو ذلك هما يحتاجه المجتمع الإسلامي المحافظ.
أن
الإسلام لا يقف أمام تعليم الرجل والمرأة، وإنما يقف أمام تلك المظاهر
الكاذبة التي انتشرت والتي كان لها الأثر السيئ في المجتمع الإسلامي، فلو
فرضنا أن الفتاة قد أكملت دراستها بدون زواج، وأخذت الشهادات العليا فكم
يصبح عمرها؟ ومن سيتزوجها؟ بعد أن عدت سن الزواج؟ فأغلب الرجال يفضلون
الفتاة صغيرة السن وتمتلئ البيوت بفتيات نادمات على رفضهن الزواج بحجة
إكمال الدراسة، وآباءهن الديمقراطيون لا يحركون ساكنا، ولا يقدمون النصيحة
لهن، وتود الواحدة من هؤلاء الفتيات اللاتي حصلن على شهادة الماجستير أن
تحرق لأنها أضاعت عمرها، وأوصت شبابها ولحقت بقطار العنوسة، حيث الرجل لا
يريد زوجة، لم يتبق من عمرها إلا القليل حتى تصل لسن اليأس.
إن الفتاة
أو الشاب إذا تزوجا خلال فترة الدراسة فإنهما سيعيشان أحلى لحظات العمر مع
الاستقرار النفسي والعائلي. وقد تناولت جريدة الندوة قضية الفتاة الجامعية
التي تقف على عتبة العنوسة في العدد 10582 في (13 ربيع الثاني 1414 هـ)
بالمناقشة بين طرفي القضية الفتاة والشاب، ونستعرض بعضا من الآراء المختلفة
لكل طرف لنتعرف على ملابسات هذه القضية الحساسة.
إحدى الفتيات اتهمت
الشباب بأنهم يبحثون عن الفتاة صغيرة السن أو قليلة التعليم لسهولة
قيادتها، أو لإضفاء المرح والسرور على الحياة الزوجية، كما اتهمت الشباب
الذين يعزفون عن الزواج من الجامعية بقصور تفكيرهم، وضعف شخصياتهم، لأنهم
يتابعون الأفلام التي تكون محشوة بأفكار ومعتقدات خاطئة عن الفتاة الجامعية
وأن قوامة الرجل صورية، وليس كما جاء في قول- الله عز وجل-: {الرجال
قوامون على النساء}.
ورأي آخر لفتاة يقول: إن الشباب يلصقون أبشع الصفات بالفتاة الجامعية بأنها "مغرورة ومتعجرفة ومتكبرة".
واتفقت
معظم الفتيات على أن العلم ضروري ولن يؤثر ذلك على مستقبلهن الأسري حتى
حملن هذا السلاح الذي يحميهن من غوائل الدهر، وظروف الحياة، بل إن الشهادة
تمنحهن المزيد من النضوج والوعي والثقافة، ويوجهن اللوم إلى بعض الشباب
الذين يتذرعون بالحجج الواهية حول غرور الفتاة الجامعية، أو البعض الآخر
الذي يفضلها صغيرة، وأكدن أن بعض الشباب يتهربون من المسئولية ومن الارتباط
بالفتاة الجامعية، لأنها أعلى مستوى منهم، وأرقى ثقافة، ونفين مقولة: "إن
الفتاة الجامعية تشرف على العنوسة".
ويرى شاب جامعي أنه من الأفضل
الزواج من جامعية ليكون هناك تقارب في المستوى الفكري والثقافي بينهما،
ولكي يعيش الأبناء في ظل أسرة متفهمة واعية قادرة على حل مشاكلها بكل سهولة
ويسر، وحصول الفتاة على شهادة جامعية أمر ضروري لتؤمن نفسها من غدر الزمن
لأنها لو توفي زوجها أو طلقها تستطيع أن تخوض غمار الحياة وتربي أطفالها
بالبحث عن وظيفة، كما أن الفتاة الجامعية تصل إلى درجة من العقلانية والوعي
الثقافي تؤهلها لأن تكون زوجة صالحة وأما فاضلة وعضوا فعالا لبناء
المجتمع.
ويمكن الجمع بين الزواج في سن صغيرة وإكمال دراستها بعد
الزواج، والموازنة بين بيتها وأطفالها ودراستها، لأن معظم الشباب يفضل
الزوجة صغيرة السن التي لا يزيد عمرها عن العشرين، أما زواج الجامعية من
شاب غير جامعي فهو زواج غير مستقر، لعدم وجود تقارب وتكافؤ بين الزوجين
فكريا وعلميا وثقافيا، ولشبه انعدام لغة الحوار المشترك بينهما، وقد تتعالى
الزوجة على الزوج بمستواها التعليمي، ولا يعني هذا أن الشاب الذي يريد
فتاة صغيرة السن أو غير جامعية يعاني من نقص داخله، فهذا اتهام باطل
ومرفوض، لأن هذه الرغبة قد تكون هروبا من تعالي وغطرسة وغرور الجامعية،
وعندما يتزوج الصغير قد يدعها لإكمال دراستها أثناء الزواج، وبذلك يكون قضى
على غرور الجامعية وتعاليها على الشباب.
إن الجامعية- بلا شك- تكون على قدر كبير من المسئولية والفهم والوعي والإدراك.
ويجب
على الفتيات ألا يرفضن الزواج وهن في المرحلة الثانوية أو بداية المرحلة
الجامعية بسبب رغبتهن في مواصلة التعليم، ثم يلقين باللوم على الشباب فكم
من الفتيات والشباب أكملوا دراستهم بعد الزواج، فالمرأة إن لم تكن مؤدية
لواجباتها الأسرية على أكمل وجه فهي غير ناجحة ولو كانت تحمل أعلى
الشهادات.
ويؤيد شاب جامعي الزواج من جامعية؛ لوصولها لمرحلة نضج فكري
وعلمي وجسدي متكامل تستطيع أن تتخطى به العقبات وتكون أما صالحة مثقفة
واعية، إلا أنه يلزم بعض الفتيات التخلص من الكبرياء نتيجة حصولهن على
المؤهل الجامعي.
رأي لباحث اجتماعي يقول: إن الارتباط بالجامعية أمر
محبذ بشرط أن يسود التفاهم والوئام فيما بين الزوجين، وأن تعمل وتشارك
الزوج في أعباء الحياة على ألا يكون هناك استغلال ولا شروط بخصوص الدخل
ونحوه. فطلب العلم فريضة، ويا حبذا لو كان إلى آخر رمق، ولا يقتصر على
المرحلة الجامعية فقط، فقد قال- تعالى-: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون} (سورة الزمر، الآية:9) وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "إن
الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما فعل ".
ووجهة نظر أخرى
تقول: إن الزواج بالجامعية المثقفة يكون عونا على بناء مستقبل مشرق، وعلى
الذين يرفضون الزواج من الجامعية أن يعيدوا تفكيرهم الخاطئ وهذا التفكير
العقيم وبخاصة إذا كان ممن وصل إلى المرحلة الجامعية بشرط أن تعي الفتاة
الجامعية دورها بشكل جيد، وألا تتعالى على زوجها بشهادتها العالية.
ولعل
الطبيبة من أكثر الفتيات تعرضا لعزوف الشباب عن الزواج منها لإصرارها على
إنهاء دراستها قبل الزواج، واتهام البعض لها بالتعالي، والغرور، لأنها قد
أصبحت طبيبة، ولهذا يعتقد البعض أنها لا تصلح كزوجة، وبعضهم يحاولون الحد
من تقدم الفتاة الطبي عند إصرارهم على أن يكون عملها داخل إحدى الوحدات أو
المراكز الصحية، إلا أننا نجد قلة هي التي تقدم على الزواج من الطبيبة، بل
وتساهم أيضا في تحقيق أحلامها بالتميز والتفوق، ونعرض خلال السطور القادمة
بعض الآراء ووجهات النظر المتنوعة والمختلفة للشباب والأطباء والطبيبات من
خلال الاستطلاع الذي أجرته إحدى الصحف المحلية:
إن طول مدة الدراسة في
كليات الطب السبب الأول، بل الأساس في تأخير سن الزواج للطبيبة كما يرى د.
أسامة ظفر مدير مستشفى الملك فيصل بالطائف لأن 95% منهن يرفض الزواج لحين
الانتهاء من الدراسة نتيجة الخوف الشديد من عدم الاستمرار، بل عدم
الاستقرار في الدراسة التي تتطلب تفرغا كاملا، وتركيزا شديدا من أجل
التفوق، للشباب عدة أسباب في عزوفهم عن الزواج من الطبيبة أولها طول مدة
الدراسة، وثانيها رفض الفتيات الارتباط حتى الانتهاء من الكلية. كما أن
اشتراط بعض الأزواج أن تتجه المرأة الطبيبة إلى العمل بالوحدات الصحية دون
المستشفيات من أجل تقصير فترة الدوام حيث تتراوح مابين 8 إلى 9 ساعات عكس
المستشفيات التي تصل فيها إلى ما بين 24 إلى 48 ساعة، وهذا أمر يرفضه أكثر
الأزواج.
ورأي ثان للدكتور أحمد الشاذلي أستاذ طب الأطفال بالطائف يرى
أن تأخر الطبيبة في الزواج، لأنها تفضل الزواج من دكتور يتفهم طبيعة عملها
فمن يقبل أن تنزل زوجته في منتصف الليل إذا كان هناك حالات طارئة غير الزوج
الطبيب الذي يقدر متاعب المهنة، ولذلك فقد تنتظر كثيرا حتى يتقدم لها
الطبيب.
وجهة نظر لطالب جامعي تؤيد عدم الزواج من الطبيبة وترى أنه من
الأفضل أن تتزوج من طبيب مثلها يساويها في جميع القدرات الثقافية
والاجتماعية، ويكون متفهما لطبيعة عملها.
ورأي مخالف لموظف يقول: إنا
ظروف الحياة اليوم أصبحت صعبة، وأصبحت المادة تشكل عنصرا أساسيا فيها،
والارتباط بالموظفة بصفة عامة، والطبيبة بصفة خاصة أمر مساعد، وله دور كبير
في تلبية متطلبات الأسرة، وله أثر إيجابي قد يطغى على الناحية السلبية في
الحياة الزوجية.
قول لموظف يوضح أن الارتباط بالطبيبة يحتاج إلى نوع من
التضحية من الزوج، وتقديم يد العون والمساعدة لمن نذرت نفسها لخدمة مجتمعها
ولمن ترسم الأمل والابتسامة على شفاه مرضاها.
ونتعرف على وجهة نظر الطبيبات والفتيات إزاء عزوف الشباب عن الارتباط بالطبيبة:
توضح
د. أسماء فتح الباب عبد الحليم استشارية أمراض النساء والتوليد أن تأخر
الطبيبة في الزواج يرجع إلى طول مدة الدراسة، فتتخرج وهي في السنة الخامسة
أو السادسة والعشرين وكثير منهن عندهن الطموح لاستكمال الدراسات العليا
وكثير منهن يفضلن الانتهاء من الدراسة دون زواج وأولاد قد يعطلونهن عن
المذاكرة والتفوق وهذا يؤدي إلى تأخر زواجها إلى ما بعد الثلاثين كما أن
بعض الطبيبات يفضلن العريس الطبيب، وخصوصا إذا كانت حاصلة على دكتوراه، فهي
تنتظر أستاذ جامعة، وبهذا تنتظر إلى ما بعد الأربعين.
ويمكن للطبيبة
العاملة أن تأخذ إجازة مؤقتة من عملها إذا كان المنزل بحاجة إليها أكثر من
العمل لرعاية أطفالها، ثم يمكنها العودة إلى عملها بعد ذلك.
وتعتقد
طالبة طب أننا وصلنا إلى مرحلة تجعل الشباب يفكر بطريقة أكثر عقلانية
وواقعية، وأن الارتباط بمثل هذا الشاب الذي يعتقد أن الزواج من الطبيبة لا
يحقق الاستقرار الأسري يعد مجازفة، فليس هناك فرق بين الطبيبة والمعلمة
وغيرهما ممن يخدمن المجتمع، ويسعين لمستقبل أفضل لهن وللمجتمع.
وبعد
استعراض الآراء المتنوعة المختلفة من الطرفين: الشباب، والطبيبات يتضح لنا
أن التفاهم والتكافؤ الثقافي والعلمي والاقتناع بدور كل منهما في الحياة
الأسرية والمجتمع وبتعاون كلا الطرفين وتقدير ظروف عمله كل ذلك هو الأساس
للاستقرار الأسري، فمهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، إلا أنه يلزم قليل من
التضحية والتنظيم وتنسيق الوقت واستغلاله وتحديد الأولويات، ومع هذا
تستطيع طالبة الطب الزواج في سن مناسبة مع استكمال دراستها بعد الزواج
والمحاولة الدائمة في تحقيق النجاح على المستوى العلمي والمهني والمستوى
الأسري والعائلي.
أما الطرف الرابع من أطراف القضية فهو الشاب، ولا شك
أن عدم تحمل المسئولية والهروب منها هما وراء عزوف الشباب عن الزواج
المبكر، فالبعض يتحجج بأشياء واهية كاستكمال الدراسة، والبعض يريد أن يؤمن
مستقبله ويكون نفسه على حد تعبيره، كما أن البعض يضع شروطا خيالية في
الفتاة التي يريد الزواج منها يجمع فيها كل المحاسن: من الجمال، والمال،
والحسب، والنسب، والثقافة، والوظيفة، وأن تكون سيدة منزل من الدرجة الأولى
متناسيا أو متجاهلا أنه هو ليس مكتمل الصفات والمزايا، فالكمال لله وحده،
فكما أن هناك مزايا متوافرة هناك أيضا قصور في جوانب أخرى في كل إنسان.،
فالمهم وجود درجة من التكافؤ الاجتماعي والتعليمي والثقافي والبيئي،
وبالتفاهم والود وحرص كل من الشاب والفتاة على أن يؤدي دوره تجاه الآخر
تضيق المسافات، وتختفي الفوارق والنواقص، وتلك كلها أمور غير مقنعة للعزوف
عن الزواج ولكن نجد أن التنشئة الاجتماعية للشاب تلعب دورها في تكوين
شخصيته واستقلاليتها ونضجها ووضع الأمور في نصابها السليم، كما تلعب
التنشئة الاجتماعية دورها البارز والهام في تحمل المسئولية والاستقرار
النفسي والنضج الفكري وعدم الخضوع لمزاجية أحد في تحديد مستقبله، واختيار
شريكة حياته على أساس موضوعي سليم، فيكفي من الأهل النصح والمشورة فقط،
والابتعاد عن فرض فتاة بعينها أو الحث على الابتعاد عن فتاة ما بحجة أنهم
لا يستريحون لها أو ليست على هواهم، فيجب على الشاب أن يكون صاحب القرار
الأول والأخير في تحديد مستقبله وحياته القادمة بعد سماع نصيحة الأهل
ووضعها في الاعتبار.
فكم من شاب تزوج وهو لم يستكمل دراسته واستطاع في
ظل الاستقرار الأسري بمساعدة زوجته وتهيئتها الجو المناسب- إكمال الدراسة،
بل والتفوق فيها، كما أنه إذا تزوج في سن مناسبة فهو بذلك يتحمل المسئولية
الكاملة عن البيت والأسرة مما يدفعه إلى مضاعفة الجهد، والعمل لتوفير
احتياجاتهم، ويكون ذلك دافعا إلى البحث والمحاولة لتحقيق دخل أكبر، وبذلك
يستطيع أن يؤمن مستقبله المادي والنفسي والأسري في الوقت نفسه، فكم من قصة
نجاح وتكوين ثروة لا بأس بها من خلال هذا الاستقرار الأسري، ومن خلال
الزوجة التي تقف وراء زوجها، وتدفعه للنجاح والتفوق والتميز، وصدق المصطفى
صلى الله عليه وسلم حين قال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد
الأداء، والناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله " رواه الترمذي
والنسائي.
كما أن مقولة الشباب إن الزواج يتطلب مبالغ طائلة لا قدرة لهم
عليها، وتكاليف تكبل حياتهم لمدة طويلة مقولة مبالغ فيها، لأنه يوجد
العديد من الأسر التي لا تبالغ في المهور والتكاليف الباهظة، كما أنه تنتشر
العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تساعد وتسهل في تكاليف الأزواج، بل
وتستطيع التوفيق بين كل من الشاب والفتاة المناسبة له.
فعلى الشباب أن
ينهضوا من سباتهم العميق، وحججهم الواهية، ويزيحوا عن كاهلهم شعار العزوف
عن الزواج قبل أن تضيع أحلى سنوات العمر هباء، فقد قال- تعالى-: {إن يكونوا
فقراء يغنيهم الله من فضله} (سورة النور، الآية: 32).
كما أن بعض
الشباب يعزفون عن الزواج بسبب البحث عن أسرة تسمح بالرؤية الشرعية للفتاة
قبل العقد، ويستمر البحث طويلا طاويا معه سنوات وسنوات، وربما لا يجد فيضطر
للزواج بزوجة لم يقتنع بها، فإما أن يضمها على كره ومجاملة، وإما أن
يطلقها مع أن الله أباح الرؤية الشرعية بشرط عدم الخلوة.
كما أن الشباب
قد يشترطون الأبكار، وصغيرات السن، ولربما كانت العانس أو المطلقة أفضل
بكثير من الصغيرات، سواء في العلم أو تجارب الحياة، فالرسول صلى الله عليه
وسلم تزوج خديجة بنت خويلد وعمرها أربعون عاما، وعمره صلى الله عليه وسلم
خمسة وعشرون عاما.
4- ومما يساعد على انتشار العنوسة في المجتمع رفض
البعض لفكرة التعدد في الزواج مع أن الله- سبحانه وتعالى- قد أباح التعدد
وحث عليه بشروط وقيود معينة، يلزم تطبيقها حتى تتحقق الغايات الساهية من
وراء التعدد، إلا أن البعض يرفض الرجل صاحب الدين والخلق الفاضل لكونه
متزوجا مع توافر القدرة الدينية والمالية والصحية.
فربما يكتب الله
الذرية الصالحة من هذا المعدد وهذا أفضل لها من جلوس الفتاة سنوات وسنوات
بدون زواج. فالتعدد نظام إلهي محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من
خلفه، وهو موضوع كامل لا يعتريه النقص، حيث توضح أغلب التقديرات أن نسبة
النساء الصالحات للزواج تزداد على عدد الرجال الصالحين بنسبة 4 إلى 1،
نتيجة لكثرة ولادة البنات، كما أن الرجال هم وقود المعارك العسكرية، وضحايا
الحوادث بنسبة أكبر من النساء، كما أنهم أكثر جهدا وسعيا للحصول على لقمة
العيش مما يجعلهم أكثر قابلية للمرض. وتعدد الزوجات هو العلاج الأمثل
لمعالجة هذا الاختلال بين النساء والرجال.
فخير للمرأة أن تكون نصف زوجة أو ثلث زوجة على أن تعيش حبيسة الوحدة و العنوسة والهموم.
5-
فتور العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والأسر نتيجة للتطورات السريعة التي
نعيشها اليوم والحياة المعاصرة التي ضعفت بسببها الصلات الاجتماعية بين
الناس عن الماضي، بل واتسعت الهوة حتى بين أفراد العائلة الواحدة فيما عدا
المناسبات، وخفتت الروابط التي كانت تربط بين الجيران، بل وأهل المنطقة
بأكملها، وندرت الزيارات للأهل والمعارف والجيران، ونتج عن ذلك أن الجار لا
يعرف شيئا عن جاره خيرا أو شرا، وبالتالي لا يعرف إن كان عنده من هو في سن
الزواج أم لا وهذا نتيجة البعد عن ديننا الحنيف الذي يدعونا إلى التآلف
والوحدة والتعاون كما قال- تعالى-: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان} (سورة المائدة، الآية: 2).
ومن هنا يأتي دور أهل
الخير والصلاح في تعريف الناس بعضهم على بعض لمن يريد الزواج، أو لمن يوجد
عنده بنات وبما تقدم بهن السن، أو كن أرامل أو مطلقات، ومحاولة التوفيق بين
الناس ومساعدتهم على قضاء حوائجهم وينبغي ألا يتردد أهل الخير والصالحون
من أهل المعروف في ذلك عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: "الدال على الخير
كفاعله " رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن أحدكم حتى
يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم.
فعلى أهل الصلاح والتقوى
القيام بدورهم آخذين بالأسباب فقط، والنتائج بيد الله كما قال- سبحانه
وتعالى-: {ما على المحسنين من سبيل} (سورة التوبة، الآية: 91).
ويرجع د.
عبده الرب نواب الدين "بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة" أسباب
العنوسة إلى ثلاثة عوامل هي: أولا: انشغال المرأة المسلمة المعاصرة
بالدراسة التي تستقطع سنوات طويلة من شبابها، ثم بعد ذلك الانشغال بالعمل
والوظيفة، وكثيرا ما يكون العمل مختلطا بين الجنسين، ولذلك آثاره النفسية
والسلوكية على كيان المرأة المسلمة العاملة، وفي نظرة الرجل إليها وتقديره
لمكانتها في المجتمع، ومركزها في البيت، وهذا الاشتغال الأنثوي لم يكن
معروفا بهذه الصورة العميقة في الأجيال السابقة حتى عصر قريب، ففي الماضي
كانت النساء تحترف حرفا كالخياطة والتطبيب والحياكة والخدمة، ولكن هذه
الحرف لم تكن تشغل أوقات كبيرة من أعمارهن ولا كانت تترك لديهن أثرا نفسياً
أو سلوكياً يشغلهن أو يلهيهن عن أمنية الأنوثة في الزواج والأمومة، وهي
المهمة الأولى في الحياة بالنسبة للمرأة.
ثانيا: قلة الاكتراث بتزويج
البنات والأخوات، وضعف الوازع الديني، وطغيان حب المادة، ولهذا السبب صور
عديدة منها المغالاة في المهور، والاشتراطات المجحفة، والإسراف والبذخ في
الولائم والأفراح، والحرص على المظاهر الخادعة، ورد الخاطب تلو الآخر طمعا
في الأكثر ثراء، والأعلى وجاهة، وحرص ولي الأمر على مرتبها الشهري ومنعها
من الزواج لهذا الغرض الخسيس إلى آخر هذه الصور الشائنة التي تصرف المرأة
عن دورها الحيوي في المجتمع المتمثل في تكامل الزوجين وبقاء النوع.
ثالثا:
تأثر الشباب بحضارة الغرب، وافتتانهم بعاداته، وله صور عديدة منها: إيثار
حياة الوحدة والعزوبية و العنوسة، والانفلات من ربقة الدين والأخلاق إلى
حمأة الفسق والرذيلة. والحرية المهلكة، وتقليد نجوم الانحراف والميوعة
والتخنث والشذوذ، ووصل التأثر بالحضارة الغربية المادية في بعض الدول إلى
حد التنفير من تعدد الزوجات الذي أباحه الشرع المطهر حين الحاجة إليه، وهذا
الافتتان بالغرب ناتج- كما يقول علماء الاجتماع- من تقليد المغلوب للغالب
في زيه ورسمه وعاداته توهما من المغلوب أنه بهذا التقليد يستمد من الغالب
أسباب الغلبة والقوة والمنعة، ومن أوخم نتائج هذا التقليد المزري فقد الثقة
في الدين الحق، والارتماء في أحضان الأعداء، وتضييع كل مكتسبات الحياة إثر
ذلك، وفقد مقومات الاستقلال والكيان المتميز.
إن العبء الأكبر يقع على
العلماء والدعاة وأئمة المساجد في التصدي لهذا الشبح الخطير، شبح العنوسة
الذي يهدد الكثير من بيوت المسلمين.
إن مجتمعنا محافظ في دينه وقيمه،
ولا تستطيع الفتاة مفاتحة والديها عن الزواج، وهذا أمر طبيعي ، ولا مانع
إذا علمت الفتاة بتقدم أحد الخطاب لها وهو على دين وخلق أن تشعر والديها
برغبتها فيه، أما إذا كان الوالد أو الولي من طبعه الرفض، ورد الخطاب فعند
ذلك تستشير الفتاة من تثق بعلمه وتقواه من المشايخ لأخذ التوجيه المناسب،
وربما يتاح التوسط بطريقة سليمة وشرعية، وليس بعيب أن تخطب الفتاة لنفسها
لاسيما إذا كانت كبيرة ومميزة، ولها القدرة على التمييز، ولها في أم
المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- أسوة حسنة حينما عرضت نفسها على خير خلق
الله محمد صلى الله عليه وسلم لما أيقنت من نزاهته وخلقه وأمانته
منقول للافاده