الاقتصاد التونسي كما رأيته
د.جاسم حسين
زرت
تونس في تموز (يوليو) بقصد المشاركة في منتدى حول الإصلاحات عبر الأساليب
السلمية. وقد وفرت لي الزيارة فرصة لدراسة التطورات الاقتصادية في تونس بعد
أشهر من سقوط نظام زين العابدين بن علي.
ومنذ
أن حطت قدماي أرض مطار قرطاج في العاصمة تبين لي حجم العمل المطلوب لتطوير
الاقتصاد التونسي. والإشارة هنا إلى طول فترة الانتظار بغية الوصول إلى
شباك ختم الجوازات، حيث يصطف التونسيون مع غيرهم مع أن المشهور عمل
كاونترات خاصة للمواطنين. ورأيت بنفسي مستوى التذمر لدى عدد غير محدود من
الزوار الأوروبيين من طول مدة الانتظار، هؤلاء الذين جاءوا للبلاد بقصد
السياحة، وينفقون الأموال وبالتالي المساهمة في تنشيط الحركة التجارية في
البلاد.
وقد
تكرر المشهد نفسه أثناء المغادرة، حيث الطابور الطويل للحصول على ختم
الخروج. كما يعاني المطار تدني مستوى الخدمات المتوافرة فيه، حيث يلاحظ
وجود عدد محدود جدا من المقاهي في منطقة المغادرة على الرغم من إمكانية
استقطاب المقاهي لهذه المنشأة الحيوية كما هو الحال في كثير من المطارات
العالمية.
بطالة مرتفعة
المطلوب
من الحكومة الجديدة صرف أموال لتطوير البنية التحتية بما في ذلك تطوير بعض
المرافق الحيوية مثل المطار وشبكة الطرق. وربما يأتي الاهتمام بالشأن
الاقتصادي بعد الانتهاء من انتخابات نهاية تشرين الأول (أكتوبر) لاختيار
مجلس تأسيسي لمعالجة مختلف القضايا العالقة بينها كتابة دستور جديد وشكل
الحكومة وتركيبة المجلس النيابي. لكن يلاحظ تباطؤ الناخبين في تسجيل
أسمائهم أو التأكد من وجود الأسماء في سجلات الناخبين، والحال نفسه بالنسبة
للمرشحين. بسؤالنا عن ذلك، تبين أن الأمر مرتبط بعدم وجود خبرة في تنفيذ
انتخابات حرة من جهة وانشغال الناس بتأمين لقمة العيش من جهة أخرى.
يبلغ
عدد التونسيين قرابة 11 مليون نسمة بينهم نحو مليون مواطن يعيشون في
الخارج، وخصوصا في دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وإيطاليا. تاريخيا،
تعرضت تونس لمنافسة من قبل فرنسا وإيطاليا قبل أن يستقر المقام للأولى
الأمر الذي يفسر انتشار اللغة الفرنسية في البلاد. قرار البعض للعيش في
الخارج يعود لأسباب تشمل البحث عن فرص عمل مناسبة وبالتالي توفير سبل العيش
الكريم لهم ولأحبتهم.
حقيقة
القول، يعاني الاقتصاد التونسي بطالة مرتفعة نسبيا تبلغ 14 في المائة على
أقل تقدير. طبعا يضاف إلى ذلك البطالة المقنعة، حيث يعمل عدد غير قليل من
أصحاب الكفاءات في وظائف تقل عن مستوياتهم العلمية. في المقابل، توفر
الإحصاءات الديمغرافية نوعا من الاطمئنان، إذ يشكل السكان دون سن الـ 15
نحو 23 في المائة من المجموع وليس 33 في المائة، كما هو الحال مع مصر على
سبيل المثال. من شأن هكذا إحصاءات الحد من دخول أعداد كبيرة من المواطنين
إلى سوق العمل بحثا عن وظائف جديدة وبالتالي عدم التسبب في ارتفاع معدلات
البطالة.
تراجع الاستثمارات الأجنبية
إضافة
إلى ذلك، يواجه الاقتصاد التونسي صعوبات في استقطاب الاستثمارات الأجنبية
المباشرة بدليل تراجع قيمتها من 2.8 مليار دولار في 2008 إلى 1.7 مليار
دولار في 2009 و1.5 مليار دولار في 2008. هذا ما تجلى في تقرير الاستثمار
العالمي لعام 2011 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو
(الأونكتاد).
وربما
جاءت أزمة منطقة اليورو في التوقيت غير المناسب، حيث تعد الأسواق
الأوروبية القريبة نسبيا الوجهات الرئيسية للصادرات التونسية. وربما هذا
يفسر تراجع مستويات النمو من 5 في المائة قبل عدة سنوات إلى ما دون 3.5 في
المائة في الوقت الحاضر بالنظر لتطورات غير إيجابية في اقتصاديات الدول
المستقبلة للواردات التونسية وذلك على خلفية أزمة منطقة اليورو من قبيل
مديونية اليونان.
نظرة مستقبلية
في
كل الأحوال، نتوقع أن تتأقلم تونس مع التجربة الانتقالية لأسباب تشمل عدم
وجود ثقافة العنف فضلا عن وجود مجتمع مدني نشط قادر على نشر قيم الإنسانية.
يعرف عن الشعب التونسي مستواه العلمي المتقدم والتسامح وهي من القيم التي
زرعها نظام الحبيب بورقيبة. ومن شأن نجاح الفترة الانتقالية الحفاظ على
المكتسبات الاقتصادية وبالتالي ديمومة الاقتصاد التونسي.
من
الأمور الإيجابية الأخرى التي عرفنا عنها وجود توجه قوي لمنح المرتبطين
بالنظام السابق فرصة المشاركة في العملية السياسية في فترة ما بعد المجلس
التأسيسي. ويبدو أن تونس تعلمت من تجربة العراق عبر عدم إنهاء خدمات
المرتبطين بالنظام، وخصوصا العاملين في الأجهزة الأمنية خوفا من حدوث فراغ
أمني من جهة وتحاشيا لحدوث أعمال انتقامية من جهة أخرى.
وعرفت
أن الأجهزة الأمنية اتخذت سلسلة إجراءات للتقرب من الناس بعد سقوط نظام بن
علي من قبيل تغيير ألوان سيارات الشرطة من الألوان القاتمة إلى اللون
الرمادي بغية إضفاء نوع من الطمأنينة في نفوس الناس. بكل تأكيد من شأن هكذا
تصرفات تعزيز الثقة بالاقتصاد المحلي، وهذا ما يحصل فعليا، حيث الحديث عن
استمرار تدفق الزوار من الدول الأوروبية دونما خشية.
د.جاسم حسين
زرت
تونس في تموز (يوليو) بقصد المشاركة في منتدى حول الإصلاحات عبر الأساليب
السلمية. وقد وفرت لي الزيارة فرصة لدراسة التطورات الاقتصادية في تونس بعد
أشهر من سقوط نظام زين العابدين بن علي.
ومنذ
أن حطت قدماي أرض مطار قرطاج في العاصمة تبين لي حجم العمل المطلوب لتطوير
الاقتصاد التونسي. والإشارة هنا إلى طول فترة الانتظار بغية الوصول إلى
شباك ختم الجوازات، حيث يصطف التونسيون مع غيرهم مع أن المشهور عمل
كاونترات خاصة للمواطنين. ورأيت بنفسي مستوى التذمر لدى عدد غير محدود من
الزوار الأوروبيين من طول مدة الانتظار، هؤلاء الذين جاءوا للبلاد بقصد
السياحة، وينفقون الأموال وبالتالي المساهمة في تنشيط الحركة التجارية في
البلاد.
وقد
تكرر المشهد نفسه أثناء المغادرة، حيث الطابور الطويل للحصول على ختم
الخروج. كما يعاني المطار تدني مستوى الخدمات المتوافرة فيه، حيث يلاحظ
وجود عدد محدود جدا من المقاهي في منطقة المغادرة على الرغم من إمكانية
استقطاب المقاهي لهذه المنشأة الحيوية كما هو الحال في كثير من المطارات
العالمية.
بطالة مرتفعة
المطلوب
من الحكومة الجديدة صرف أموال لتطوير البنية التحتية بما في ذلك تطوير بعض
المرافق الحيوية مثل المطار وشبكة الطرق. وربما يأتي الاهتمام بالشأن
الاقتصادي بعد الانتهاء من انتخابات نهاية تشرين الأول (أكتوبر) لاختيار
مجلس تأسيسي لمعالجة مختلف القضايا العالقة بينها كتابة دستور جديد وشكل
الحكومة وتركيبة المجلس النيابي. لكن يلاحظ تباطؤ الناخبين في تسجيل
أسمائهم أو التأكد من وجود الأسماء في سجلات الناخبين، والحال نفسه بالنسبة
للمرشحين. بسؤالنا عن ذلك، تبين أن الأمر مرتبط بعدم وجود خبرة في تنفيذ
انتخابات حرة من جهة وانشغال الناس بتأمين لقمة العيش من جهة أخرى.
يبلغ
عدد التونسيين قرابة 11 مليون نسمة بينهم نحو مليون مواطن يعيشون في
الخارج، وخصوصا في دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وإيطاليا. تاريخيا،
تعرضت تونس لمنافسة من قبل فرنسا وإيطاليا قبل أن يستقر المقام للأولى
الأمر الذي يفسر انتشار اللغة الفرنسية في البلاد. قرار البعض للعيش في
الخارج يعود لأسباب تشمل البحث عن فرص عمل مناسبة وبالتالي توفير سبل العيش
الكريم لهم ولأحبتهم.
حقيقة
القول، يعاني الاقتصاد التونسي بطالة مرتفعة نسبيا تبلغ 14 في المائة على
أقل تقدير. طبعا يضاف إلى ذلك البطالة المقنعة، حيث يعمل عدد غير قليل من
أصحاب الكفاءات في وظائف تقل عن مستوياتهم العلمية. في المقابل، توفر
الإحصاءات الديمغرافية نوعا من الاطمئنان، إذ يشكل السكان دون سن الـ 15
نحو 23 في المائة من المجموع وليس 33 في المائة، كما هو الحال مع مصر على
سبيل المثال. من شأن هكذا إحصاءات الحد من دخول أعداد كبيرة من المواطنين
إلى سوق العمل بحثا عن وظائف جديدة وبالتالي عدم التسبب في ارتفاع معدلات
البطالة.
تراجع الاستثمارات الأجنبية
إضافة
إلى ذلك، يواجه الاقتصاد التونسي صعوبات في استقطاب الاستثمارات الأجنبية
المباشرة بدليل تراجع قيمتها من 2.8 مليار دولار في 2008 إلى 1.7 مليار
دولار في 2009 و1.5 مليار دولار في 2008. هذا ما تجلى في تقرير الاستثمار
العالمي لعام 2011 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو
(الأونكتاد).
وربما
جاءت أزمة منطقة اليورو في التوقيت غير المناسب، حيث تعد الأسواق
الأوروبية القريبة نسبيا الوجهات الرئيسية للصادرات التونسية. وربما هذا
يفسر تراجع مستويات النمو من 5 في المائة قبل عدة سنوات إلى ما دون 3.5 في
المائة في الوقت الحاضر بالنظر لتطورات غير إيجابية في اقتصاديات الدول
المستقبلة للواردات التونسية وذلك على خلفية أزمة منطقة اليورو من قبيل
مديونية اليونان.
نظرة مستقبلية
في
كل الأحوال، نتوقع أن تتأقلم تونس مع التجربة الانتقالية لأسباب تشمل عدم
وجود ثقافة العنف فضلا عن وجود مجتمع مدني نشط قادر على نشر قيم الإنسانية.
يعرف عن الشعب التونسي مستواه العلمي المتقدم والتسامح وهي من القيم التي
زرعها نظام الحبيب بورقيبة. ومن شأن نجاح الفترة الانتقالية الحفاظ على
المكتسبات الاقتصادية وبالتالي ديمومة الاقتصاد التونسي.
من
الأمور الإيجابية الأخرى التي عرفنا عنها وجود توجه قوي لمنح المرتبطين
بالنظام السابق فرصة المشاركة في العملية السياسية في فترة ما بعد المجلس
التأسيسي. ويبدو أن تونس تعلمت من تجربة العراق عبر عدم إنهاء خدمات
المرتبطين بالنظام، وخصوصا العاملين في الأجهزة الأمنية خوفا من حدوث فراغ
أمني من جهة وتحاشيا لحدوث أعمال انتقامية من جهة أخرى.
وعرفت
أن الأجهزة الأمنية اتخذت سلسلة إجراءات للتقرب من الناس بعد سقوط نظام بن
علي من قبيل تغيير ألوان سيارات الشرطة من الألوان القاتمة إلى اللون
الرمادي بغية إضفاء نوع من الطمأنينة في نفوس الناس. بكل تأكيد من شأن هكذا
تصرفات تعزيز الثقة بالاقتصاد المحلي، وهذا ما يحصل فعليا، حيث الحديث عن
استمرار تدفق الزوار من الدول الأوروبية دونما خشية.