إسرائيل وإيران
بقلم: علي الخليلي
شُغل إسرائيل الشاغل في هذه الأيام، وعلى مدار الساعة، إيران. وهي في آن، لا
تكتفي بهذه 'المشغلة' الطامة العامة من جانبها، ولكنها تريد أن تُشغل
العالم كله بها، أيضاً. وطالما أن أميركا هي الاسم الثاني لإسرائيل، ولعله
اسمها الأول، فإن أميركا بالأول أو الثاني سيان، منخرطة حتى النخاع، وبكامل
قوتها الكونية العسكرية والاقتصادية والسياسية، بهذا الشغل الشاغل ذاته،
مع دفع العالم على امتداد القارات، نحو اقتفاء أثرها.
إسرائيل تقفز ببساطة، في هذا 'التشغيل الأممي'، عن كونها قوة احتلالية استيطانية عنصرية،
منبوذة ومدانة من قبل الشرعية الدولية عبر عشرات ومئات القرارات، منذ أكثر
من ستة عقود، وهي تحتل الأراضي الفلسطينية، وتمارس فيها أبشع أشكال القتل
والقهر والنهب والسرقة. وإسرائيل التي لا تكترث بهذه الشرعية الدولية
أصلاً، إلى الحد الذي تراها فيه مجرد 'خرقة مهترئة وعفنة' حسب تعبير أحد
قادتها، تحاول بهذه القفزة أو القفزات المتتالية أن تُقنع العالم أنها، وهي
ذات المائتي قنبلة نووية، ضحية مغلوبة على أمرها تقع مباشرة، تحت ثقل
القنبلة النووية التي يُقال إن إيران ستمتلكها في العام القادم، أو العام
الذي يليه، وليست جلاداً رهيباً يقصف الشعب الفلسطيني فعلاً، وليس قولاً،
بما هو أخطر من القنبلة النووية، حين تعمل جهاراً نهاراً، على مصادرة
أراضيه، وزرعها بالمستوطنات اليهودية، دون أن تتوانى لحظة واحدة، عن
الاستمرار في قتله والتنكيل به، وتخريب مزروعاته وتهديم منازله وبيوته
ومصانعه ومؤسساته.
على أية حال، لا شأن للشعب الفلسطيني بالصراع
الإسرائيلي - الإيراني، وبالقنابل النووية بينهما. يكفي هذا الشعب المنكوب
تحديات وصعوبات التفافه الوطني حول قضيته وتضحياته المتواصلة للحفاظ على ما
بقي من أراضيه، وصولا إلى كامل حقوقه. غير أن إسرائيل لا يرضيها هذا
الحال. وهي لا تفوت فرصة في أي وقت، لخلط الأوراق في هذه المسألة، ضمن ما
تراه مناسباً لها، بالتلويح المدوي بضرب إيران، وبالضرب الفعلي للبقية
الباقية من القضية الفلسطينية.
لقد كان الرئيس الراحل ياسر عرفات حريصاً
دائماً، على إفشال هذا الخلط الخطير، من خلال إصراره المنهجي على
استقلالية الموقف الفلسطيني عن موقف إيران، وعن مواقف غيرها من الدول،
عربية وإسلامية، وغير عربية أو إسلامية على حد سواء. وعلى النهج ذاته،
يواصل الرئيس محمود عباس طريق هذه الاستقلالية الفلسطينية، ولو في غمار غير
مسبوق من اضطراب وتفاقم التشابك للمواقف الإقليمية والدولية.
غير أن حماس مع الأسف، هي التي حادت عن هذا الطريق، واختارت التحالف في مرحلة
معينة، مع إيران، عبر تحالفها القوي مع النظام السوري، ما جعل منها ومن هذا
النظام، إضافة إلى حزب الله في لبنان، محطة بارزة لصالح المخطط الإسرائيلي
في خلط الأوراق.
ومع أن حماس نفسها تحاول الآن، التخلص تدريجياً، من
بقائها الصعب في هذه المحطة، عبر انسحابها من دمشق، تحت سقف التغيرات
الزلزالية التي تفرضها ثورات وتقلبات الربيع العربي في المنطقة وفي العالم،
ثم تواتر أحاديث وتصريحات بعض قادتها عن أنه لا شأن للقضية الفلسطينية في
صراع إيران مع إسرائيل، سواء انفجر هذا الصراع على شكل حرب ساخنة ومدمرة
بينهما، أم بقي في حاله الراهن من حربه الباردة، مع ذلك، فإن إشكالية حماس
الإيرانية ما زالت موجودة، وهي توفر حتى بوضعها الحالي الغامض، مادة خصبة
لإسرائيل كي تعزز بها المزيد من نتاج خلط الورقة الإيرانية بالورقة
الفلسطينية.
وللخروج فلسطينياً، من هذا المأزق، لا يكفي التوقف عند تخلص
حماس من النظام السوري ومن النظام الإيراني معاً، بل لا بد من تحقيق
المصالحة الفلسطينية الكاملة التي تعيد الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة
الغربية مع قطاع غزة، والتي ترفع مجدداً، من قوة القرار الفلسطيني المستقل
والملتف بكل مكوناته، حول قضيته الوطنية الواحدة، دون أدنى خلط.
بهذه المصالحة وحدها، وبما تحققه على الأرض فوراً، من وحدة الشعب الفلسطيني،
بقراره الواحد، وبرنامجه الواحد، وإرادته الواحدة، تفقد إسرائيل أبرز عناصر
تشويه القضية الفلسطينية، كما يفقد النظام الإيراني مداخل استغلاله لهذه
القضية.
بقلم: علي الخليلي
شُغل إسرائيل الشاغل في هذه الأيام، وعلى مدار الساعة، إيران. وهي في آن، لا
تكتفي بهذه 'المشغلة' الطامة العامة من جانبها، ولكنها تريد أن تُشغل
العالم كله بها، أيضاً. وطالما أن أميركا هي الاسم الثاني لإسرائيل، ولعله
اسمها الأول، فإن أميركا بالأول أو الثاني سيان، منخرطة حتى النخاع، وبكامل
قوتها الكونية العسكرية والاقتصادية والسياسية، بهذا الشغل الشاغل ذاته،
مع دفع العالم على امتداد القارات، نحو اقتفاء أثرها.
إسرائيل تقفز ببساطة، في هذا 'التشغيل الأممي'، عن كونها قوة احتلالية استيطانية عنصرية،
منبوذة ومدانة من قبل الشرعية الدولية عبر عشرات ومئات القرارات، منذ أكثر
من ستة عقود، وهي تحتل الأراضي الفلسطينية، وتمارس فيها أبشع أشكال القتل
والقهر والنهب والسرقة. وإسرائيل التي لا تكترث بهذه الشرعية الدولية
أصلاً، إلى الحد الذي تراها فيه مجرد 'خرقة مهترئة وعفنة' حسب تعبير أحد
قادتها، تحاول بهذه القفزة أو القفزات المتتالية أن تُقنع العالم أنها، وهي
ذات المائتي قنبلة نووية، ضحية مغلوبة على أمرها تقع مباشرة، تحت ثقل
القنبلة النووية التي يُقال إن إيران ستمتلكها في العام القادم، أو العام
الذي يليه، وليست جلاداً رهيباً يقصف الشعب الفلسطيني فعلاً، وليس قولاً،
بما هو أخطر من القنبلة النووية، حين تعمل جهاراً نهاراً، على مصادرة
أراضيه، وزرعها بالمستوطنات اليهودية، دون أن تتوانى لحظة واحدة، عن
الاستمرار في قتله والتنكيل به، وتخريب مزروعاته وتهديم منازله وبيوته
ومصانعه ومؤسساته.
على أية حال، لا شأن للشعب الفلسطيني بالصراع
الإسرائيلي - الإيراني، وبالقنابل النووية بينهما. يكفي هذا الشعب المنكوب
تحديات وصعوبات التفافه الوطني حول قضيته وتضحياته المتواصلة للحفاظ على ما
بقي من أراضيه، وصولا إلى كامل حقوقه. غير أن إسرائيل لا يرضيها هذا
الحال. وهي لا تفوت فرصة في أي وقت، لخلط الأوراق في هذه المسألة، ضمن ما
تراه مناسباً لها، بالتلويح المدوي بضرب إيران، وبالضرب الفعلي للبقية
الباقية من القضية الفلسطينية.
لقد كان الرئيس الراحل ياسر عرفات حريصاً
دائماً، على إفشال هذا الخلط الخطير، من خلال إصراره المنهجي على
استقلالية الموقف الفلسطيني عن موقف إيران، وعن مواقف غيرها من الدول،
عربية وإسلامية، وغير عربية أو إسلامية على حد سواء. وعلى النهج ذاته،
يواصل الرئيس محمود عباس طريق هذه الاستقلالية الفلسطينية، ولو في غمار غير
مسبوق من اضطراب وتفاقم التشابك للمواقف الإقليمية والدولية.
غير أن حماس مع الأسف، هي التي حادت عن هذا الطريق، واختارت التحالف في مرحلة
معينة، مع إيران، عبر تحالفها القوي مع النظام السوري، ما جعل منها ومن هذا
النظام، إضافة إلى حزب الله في لبنان، محطة بارزة لصالح المخطط الإسرائيلي
في خلط الأوراق.
ومع أن حماس نفسها تحاول الآن، التخلص تدريجياً، من
بقائها الصعب في هذه المحطة، عبر انسحابها من دمشق، تحت سقف التغيرات
الزلزالية التي تفرضها ثورات وتقلبات الربيع العربي في المنطقة وفي العالم،
ثم تواتر أحاديث وتصريحات بعض قادتها عن أنه لا شأن للقضية الفلسطينية في
صراع إيران مع إسرائيل، سواء انفجر هذا الصراع على شكل حرب ساخنة ومدمرة
بينهما، أم بقي في حاله الراهن من حربه الباردة، مع ذلك، فإن إشكالية حماس
الإيرانية ما زالت موجودة، وهي توفر حتى بوضعها الحالي الغامض، مادة خصبة
لإسرائيل كي تعزز بها المزيد من نتاج خلط الورقة الإيرانية بالورقة
الفلسطينية.
وللخروج فلسطينياً، من هذا المأزق، لا يكفي التوقف عند تخلص
حماس من النظام السوري ومن النظام الإيراني معاً، بل لا بد من تحقيق
المصالحة الفلسطينية الكاملة التي تعيد الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة
الغربية مع قطاع غزة، والتي ترفع مجدداً، من قوة القرار الفلسطيني المستقل
والملتف بكل مكوناته، حول قضيته الوطنية الواحدة، دون أدنى خلط.
بهذه المصالحة وحدها، وبما تحققه على الأرض فوراً، من وحدة الشعب الفلسطيني،
بقراره الواحد، وبرنامجه الواحد، وإرادته الواحدة، تفقد إسرائيل أبرز عناصر
تشويه القضية الفلسطينية، كما يفقد النظام الإيراني مداخل استغلاله لهذه
القضية.