جامع أقوال العلماء السلفيين في نازلة المتظاهرين الثوريين
بيان من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بتاريخ 1/4/1432هـ.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فلقد
أخذ الله - عز وجل - على العلماء العهد والميثاق بالبيان قال سبحانه في
كتابه الكريم : (( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتب لتبيننه للناس ولا
تكتمونه )) آل عمران : 187.
وقال جل وعلا : (( إن الذين يكتمون ما
أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتب أولئك يلعنهم
الله ويلعنهم اللاعنون )) البقرة 159.
ويتأكد البيان على العلماء في
أوقات الفتن والأزمات ؛ إذ لا يخفى ما يجري في هذه الأيام من أحداث
واضطرابات وفتن في أنحاء متفرقة من العالم ، وإن هيئة كبار العلماء إذ تسأل
الله - عز وجل - لعموم المسلمين العافية والاستقرار والاجتماع على الحق
حكاماًَ ومحكومين ، لتحمد الله سبحانه على ما من به على المملكة العربية
السعودية من اجتماع كلمتها وتوحد صفها على كتاب الله عز وجل ، وسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ظل قيادة حكيمة لها بيعتها الشرعية أدام الله
توفيقها وتسديدها ، وحفظ الله لنا هذه النعمة وأتمها .
وإن المحافظة على
الجماعة من أعظم أصول الإسلام ، وهو مما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه
العزيز ، وعظم ذم من تركه ، إذ يقول جل وعلا (( واعتصموا بحبل الله جميعاً
ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم
فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين
الله لكم اياته لعلكم تهتدون )) آل عمران :103.
وقال سبحانه : (( ولا
تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب
عظيم )) آل عمران :105 وقال جل ذكره :(( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا
لست منهم في شي إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ))
الأنعام:159.
وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظمت وصية
النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة ، مثل قوله عليه الصلاة
والسلام : " يد الله مع الجماعة " رواه الترمذي .
كما تحذر من
الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة ، إذ الأمة في هذه البلاد جماعة
واحدة متمسكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم ، وما عليه أئمة الإسلام
قديماً وحديثاً من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة ، وعدم اختلاف العيوب
وإشاعتها ، مع الاعتراف بعدم الكمال ، ووجود الخطأ وأهمية الإصلاح على كل
حال وفي كل وقت.
وإن الهيئة إذ تقرر ما للنصيحة من مقام عال في الدين
حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " قيل لمن يا رسول الله ؟
قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم.
ومع
أنه من أكد من يناصح ولي الأمر حيث قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله
يرضى لكم ثلاثاً ، أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل
الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " رواه الإمام
أحمد .
فإن الهيئة تؤكد أن للإصلاح والنصيحة أسلوبها الشرعي الذي يجلب
المصلحة ويدرأ المفسدة ، وليس بإصدار بيانات فيها تهويل وإثارة فتن وأخذ
التواقيع عليها ، لمخالفة ذلك ما أمر الله عز وجل به في قوله جل وعلا ((
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا
تبعتم الشيطان إلا قليلاً )) النساء83.
وبما أن المملكة العربية
السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة فإن
الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير
الفتن وتفرق الجماعة ، وهذا ما قرره علماء هذه البلاد قديماً وحديثاً من
تحريمها ، والتحذير منها .
والهيئة إذ تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه
البلاد ، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة ، ولا يكون معه مفسدة ، هو
المناصحة وهي التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وسار عليها صحابته
الكرام وأتباعهم بإحسان .
وتؤكد الهيئة على أهمية اضطلاع الجهات الشرعية
والرقابية والتنفيذية بواجبها كما قضت بذلك أنظمة الدولة وتوجيهات ولاة
أمرها ومحاسبة كل مقصر.
والله تعالى نسأل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين
من كل سوء ومكروه ، وأن يجمع كلمتنا على الحق ، وأن يصلح ذات بيننا ،
ويهدينا سبل السلام ، وأن يرينا الحق حقاً ، ويرزقنا إتباعه ، ويرينا
الباطل باطلاً ، ويرزقنا اجتنابه ، وأن يهدي ضال المسلمين ، وهو المسؤول
سبحانه أن يوفق ولاة الأمر لما فيه صلاح العباد والبلاد ، إنه ولي ذلك
القادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
هيئة كبار العلماء
رئيس هيئة كبار العلماء
عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
عبدالله بن سليمان المنيع صالح بن محمد اللحيدان
الدكتور صالح بن فوزان الفوزان الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان
الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ
الدكتور أحمد بن علي سير المباركي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد
الدكتور عبدلله بن محمد المطلق الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى
صالح بن عبدالرحمن الحصين عبدالله بن محمد بن خنين
الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير محمد بن حسن آل الشيخ
الدكتور يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين الدكتور علي بن عباس حكمي
الدكتور محمد بن محمد المختار محمد الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
*******************************************
موقف اللجنة الدائمة
.
أصدرت اللجنة الدائمة الفتوى المرقمة (19936) والمنشورة في مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (15\367-368) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال:
مر بعض من الأعوام في مدينتنا مظاهرات، وكانت تلك المظاهرات مصحوبة بتخريب
المؤسسات والشركات، فكانوا يأخذون كل شيء في المؤسسات وأنا أيضا شاركت في
تلك المظاهرات، وأخذت من بعض المؤسسات كتبا ومصحفا، وحينما التزمت عرفت أن
ذلك لا يجوز، وأريد من سماحتك أن تفيدني بماذا أفعل بهذه الكتب وخاصة
المصحف؟ وشكرا، وجزاكم الله خيرا.
الجواب: يجب عليك أن ترد ما أخذته من
أشياء بغير حق، ولا يجوز لك تملكه أو الانتفاع به، فإن عرفت أصحابه وجب رده
إليهم، وإن لم تعرف أصحابه ولم تستطع التوصل إليهم فإنك تتخلص منه بجعل
هذه الكتب والمصاحف في مكان يستفاد منه؛
كمكتبات المساجد أو المسجد أو
المكتبات العامة ونحو ذلك، ويجب عليك التوبة النصوح، وعدم العودة لمثل هذا
العمل السيء، مع التوجه لله سبحانه وحده، والاشتغال بطاعته، والتزود من
نوافل العبادة، وكثرة الاستغفار؛ لعل الله أن يعفو عنك، ويقبل توبتك، ويختم
لك بصالح أعمالك .
كما ننصحك وكل مسلم ومسلمة بالابتعاد عن هذه
المظاهرات الغوغائية التي لا تحترم مالا ولا نفسا ولا عرضا، ولا تمت إلى
الإسلام بصلة، ليسلم للمسلم دينه ودنياه، ويأمن على نفسه وعرضه وماله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... بكر أبو زيد ...
عضو ...صالح الفوزان ..
عضو ... عبد الله بن غديان ...
نائب الرئيس ... عبد العزيز آل الشيخ ...
الرئيس.... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
*******************************************
موقف الشيخ ابن باز –رحمه الله-
1-
قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات
(6\417-419) : "فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل ، وأن يستعمل الأسلوب
الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعا , لا بد من الرفق مع
المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره ولا سيما الأمراء والرؤساء والأعيان ،
فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق
ويؤثرونه على ما سواه , وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى
عليه فيها السنون يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة , وحتى
يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة ، فيقبل منك الحق ويدع المعصية .
فالأسلوب
الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق , والأسلوب السيئ العنيف من أخطر
الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات .
ويلحق
بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرا عظيما
على الدعاة ، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق
للإصلاح والدعوة , فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن , فتنصح
الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة , فالنبي
صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا
المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم .
ولا شك أن هذا
الأسلوب يضر الدعوة والدعاة ، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على
معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به
ضده.
فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة
أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها ، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا
بالله .
فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه ، وفي
خطبته ، وفي مكاتباته ، وفي جميع تصرفاته حول الدعوة , يحرص على الرفق مع
كل أحد إلا من ظلم , وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة ،
وهم الأئمة ، وقد صبروا , صبر نوح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما , وصبر
هود , وصبر صالح , وصبر شعيب , وصبر إبراهيم , وصبر لوط , وهكذا غيرهم من
الرسل ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم .
فلك
أيها الداعية أسوة في هؤلاء الأنبياء والأخيار , ولك أسوة بالنبي محمد صلى
الله عليه وسلم الذي صبر في مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده
والمنافقين ومن لم يسلم من الأوس والخزرج حتى هداهم الله ، وحتى يسر الله
إخراج اليهود ، وحتى مات المنافقون بغيظهم , فأنت لك أسوة بهؤلاء الأخيار
فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف ، ودع كل سبب يضيق على الدعوة
ويضرها ويضر أهلها . واذكر قوله تعالى يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا
تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } الآية".
2- وقال رحمه الله- في مجموع الفتاوى
والمقالات (7\343-344) : "وقد وقع بعض الإعلاميين المسلمين في مصيدة
الأعداء , وأخذوا ينقلون تلك الأخبار المعادية للإسلام , وأصبحوا
يتداولونها عن جهل بمقاصد أصحابها , أو غرض في نفوس بعضهم , فكانوا بفعلهم
هذا أعوانا للأعداء على الإسلام والمسلمين بدلا من قيامهم بواجب التصدي
لأعداء الإسلام , وإبطال كيدهم ببيان أهمية الرابطة الدينية والأخوة
الإسلامية بين الشعوب الإسلامية , وإن الأخطاء الفردية التي لا يسلم منها
أحد لا ينبغي أن تكون مبررا للتشنيع على الإسلام والمسلمين والتفريق بينهم .
ولهذا
رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة نصيحة للمسلمين جميعا من الإعلاميين وغيرهم
في الدول الإسلامية وغيرها , وتحذيرا للجميع من مكائد الأعداء من الكافرين
والمنافقين والسائرين على نهجهم . وأن يصونوا الإعلام الإسلامي المقروء
والمسموع والمرئي من أن يكون وسيلة للتشكيك في الإسلام والدعاة إليه , أو
أن يستخدم للتفريق بين علماء الأمة وشعوبها والناصحين لها , وغرس أسباب
الشحناء والتباغض بين حكامها ومحكوميها وعلمائها وعامتها . وأن يبذلوا كل
ما يستطيعون في التقريب بين المسلمين وجمع كلمتهم , ودعوتهم حكاما ومحكومين
للتمسك بدينهم والاستقامة عليه وتحكيم شريعة الله في عباده والتواصي بذلك ,
والتعاون عليه بالأساليب الحسنة والنصيحة الخالصة والعمل الصالح الدائب ,
والسيرة الحميدة عملا بقول الله عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
وقوله سبحانه : {
وَالْعَصْرِ , إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ } .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : [الدين النصيحة قيل :
لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ]
رواه مسلم في صحيحه .
ولما روى جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -
قال : [بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة
والنصح لكل مسلم ] متفق على صحته .
كما أوصى العلماء وجميع الدعاة
وأنصار الحق أن يتجنبوا المسيرات والمظاهرات التي تضر الدعوة ولا تنفعها
وتسبب الفرقة بين المسلمين والفتنة بين الحكام والمحكومين .
وإنما
الواجب سلوك السبيل الموصلة إلى الحق واستعمال الوسائل التي تنفع ولا تضر
وتجمع ولا تفرق وتنشر الدعوة بين المسلمين , وتبين لهم ما يجب عليهم
بالكتابات والأشرطة المفيدة والمحاضرات النافعة , وخطب الجمع الهادفة التي
توضح الحق وتدعو إليه , وتبين الباطل وتحذر منه , مع الزيارات المفيدة
للحكام والمسئولين , والمناصحة كتابة أو مشافهة بالرفق والحكمة والأسلوب
الحسن , عملا بقول الله عز وجل في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ".
3- وقال –رحمه الله- ردا
على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق كما في مجموع الفتاوى والمقالات (8\245) :
"سادسا : ذكرتم في كتابكم : (فصول من السياسة الشرعية) ص 31 , 32 : أن من
أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة التظاهرات (المظاهرة).
ولا أعلم نصا في هذا المعنى , فأرجو الإفادة عمن ذكر ذلك؟ وبأي كتاب وجدتم ذلك؟
فإن
لم يكن لكم في ذلك مستند , فالواجب الرجوع عن ذلك; لأني لا أعلم في شيء من
النصوص ما يدل على ذلك , ولما قد علم من المفاسد الكثيرة في استعمال
المظاهرات , فإن صح فيها نص فلا بد من إيضاح ما جاء به النص إيضاحا كاملا
حتى لا يتعلق به المفسدون بمظاهراتهم الباطلة" .
4- وقال –أيضا- في
نفس المصدر (8\246) : "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الابن
المكرم صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق .
وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به دينه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته , أما بعد :
فقد
وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 14 \ 4 \ 1415 هـ وسرني كثيرا ما تضمنه من
الموافقة على ما أوصيتكم به , فأسأل الله أن يزيدكم من التوفيق , ويجعلنا
وإياكم من الهداة المهتدين , إنه جواد كريم .
وما ذكرتم حول المظاهرة
فقد فهمته وعلمت ضعف سند الرواية بذلك كما ذكرتم; لأن مدارها على إسحاق بن
أبي فروة وهو لا يحتج به , ولو صحت الرواية فإن هذا في أول الإسلام قبل
الهجرة وقبل كمال الشريعة .
ولا يخفى أن العمدة في الأمر والنهي وسائر
أمور الدين على ما استقرت به الشريعة بعد الهجرة , أما ما يتعلق بالجمعة
والأعياد ونحو ذلك من الاجتماعات التي قد يدعو إليها النبي صلى الله عليه
وسلم كصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء , فكل ذلك من باب إظهار شعائر الإسلام
وليس له تعلق بالمظاهرات كما لا يخفى .
وأسأل الله أن يمنحني وإياكم
وسائر إخواننا المزيد من العلم النافع والعمل به , وأن يصلح قلوبنا
وأعمالنا جميعا , وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات
الشيطان , إنه خير مسئول . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
5-
وقال -رحمه الله- جوابا على سؤال وجه إليه في شهر شعبان (1412هـ) بمدينة
جدة من شريط سمعي منقول بواسطة كتاب (فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من
دماء المسلمين في الجزائر) :
"السؤال : هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضدَّ الحُكَّام والولاة تُعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟
وهل مَن يموت فيها يُعتبر شهيداً أو في سبيل الله؟
الجواب
: لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج، ولكن أنا أرى أنَّها من
أسباب الفتن ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس، والتعدِّي على
بعض الناس بغير حقٍّ، ولكن الأسباب الشرعية: المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى
الخير بالطرق الشرعية، شرحها أهل العلم، وشرحها أصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وأتباعه بإحسانٍ: بالمكاتبة والمشافهة مع ... ، ومع
الأمير ومع السلطان، والاتصال به، ومناصحته والمكاتبة له، دون التشهير على
المنابر بأنَّه فعل كذا، وصار منه كذا، والله المستعان ".
6- وقال -رحمه الله- -كما في مجلة الفرقان (82\12) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال: ظهرت ظاهرة عند كثير من الناس أنهم يقولون ننكر المنكر بجمع الناس وتظاهرهم والخروج في المسيرات والمظاهرات؟
الجواب : هذه ليست طيبة، المسيرات والمظاهرات ليست طيبة، ليست من عادة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه بإحسان.
إنما
النصيحة والتوجية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر
والتقوى. هذه هي الطريقة المتبعة كما قال جل وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ، وقال جل وعلا {ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعرف وينهون عن المنكر} ] ، وقال
سبحانه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} ،
وقال رسول الله صلى الله علية وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،
فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبة وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم
فالإنكار
بالفعل يكون من الإمام، ومن الأمير، ومن الهيئة التي لها تعليمات تنكر
باليد، ومن صاحب البيت على أولاده وأهل بيته. أما أفراد الناس لا، إذا
أنكروا باليد فتكون الفتنة، وصار النزاع وصار القتال والفرقة والابتلاء،
وتضيع الفائدة ويعظم الشر.
فينصح بالقول والتوجية وبالترغيب والترهيب.
أما صاحب البيت علىأولاده، والهيئة في نظامها حسب تعليماتها وطاقتها،
والأمير حسب طاقته، والسلطان حسب طاقته، فهذا لابأس ينكر باليد. أما أفراد
الناس لا، فالإنكار بالقول لأنه لا يستطيع الإنكار بالفعل، لأنه لو أنكر
بالفعل تعظِم المصيبة ويعظم الشر .
السؤال : بعضهم يقول: إن الحاكم يرضى بهذه الاعتصامات والمظاهرات ويستدلون بذلك على جوازها؟
الجواب :النصيحة تكون بالتوجية والإرشادات، إذا زاروه ونصحوه ووجهوه هذا طيب، فالمظاهرات ما لها أصل، شرها أكثر".
*******************************************
موقف الشيخ الألباني -رحمه الله- .
1- قال الشيخ –رحمه الله- في سلسلة الهدى والنور (ش\210) جوابا على السؤال التالي :
السؤال:
هل يجوز القيام بالمظاهرات ومسيرات سلمية للتعبير عن متطلبات الشعوب
الإسلامية، فإن كان الجواب بلا فالمرجو منك الدليل، لأن القيام بهذه
المسيرات من قبيل المصالح المرسلة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
والأصل في الوسائل انها على الإباحة حتى يأتي النص بتحريمها، فكذلك فإن
القيام بهذه المظاهرات أو المسيرات هي الموافقة للضوابط التي ذكرها الشيخ
عبد الرحمان عبد الخالق في رسالته المسلمون العمل السياسي؟.
الجواب:
صحيح أن الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة فهي الأصل فيها الإباحة، هذا لا
إشكال فيه، لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية فمن
هنا تصبح هذه الوسائل غير شرعية، فالخروج للتظاهرات او المظاهرات وإعلان
عدم الرضا او الرضا وإعلان التاييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض
القوانين، هذا نظام يلتقي مع الحكم الذي يقول الحكم للشعب، من الشعب وإلى
الشعب، أما حينما يكون المجتمع إسلاميا فلا يحتاج الأمر إلى مظاهرات وإنما
يحتاج إلى إقامة الحجة على الحاكم الذي يخالف شريعة الله.
كما يروى وأنا
أقول هذا كما يروى، إشارة إلى بعض ما يروى ولكنها على كل حال يعني لتبين
حقيقة معروفة من الناحية التاريخية أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لما قام
خطيبا يحض الناس على ترك المغالاة في المهور، وإلى هنا الرواية صحيحة، فمن
الشاهد من الرواية الأخرى والتي في سندها ضعف ، فهي ان امراة قالت : (يا
عمر الأمر ليس بيدك، لأن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم {وآتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا}، فكيف انت تقول لا يجوز إلا 400 درهم مهرا
لبناتكم؟ فكان جواب عمر -إن صحت الرواية-: أخطأ عمر وأصابت الامرأة).
فكون
المجتمع الإسلامي ليس بمثل هذه النظم وما يترتب من ورائها من وسائل، حينما
يتحقق المجتمع الإسلامي يستطيع الانسان ان يدخل ويبلغ رأيه وحجته إلى الذي
بيده الأمر، أو على الأقل إلى نائبه، وليس بحاجة إلى الظهور بمثل هذه
التظاهرات التي تلقيناها من جملة ما تلقيناها من عادات الغربيين ومن نظمهم.
وكما
هو الشأن الان نحن نقلد الغربيين في كثير من عاداتهم وتقاليدهم ، فلا بد
من التفصيل بين ما يجوز الأخذ عنهم ومالا يجوز ، وخذ مثلا نأخذ عنهم بعض
الوسائل ، هذه الوسائل إذا كانت تؤدي إلى غرض مشروع أو على الأقل جائز وليس
فيه إحياء لمعنى التشبه بالكفار فهذا هو أمر جائز، والمثال في ذلك ممكن ان
نستحضر مثالين ، أحدها ثابت من حيث الرواية والآخر فيه ضعف .
أما
الثابت : ما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- في
قصة خروجه عليه السلام مسافرا ونزوله في مكان فلما أصبح به الصباح فخرج
لقضاء الحاجة ، فأراد المغيرة بن شعبة أن يصب الوضوء على النبي صلى الله
عليه وسلم، فصب عليه حتى جاء الرسول عليه السلام إلى تشبيك كميه، الشاهد
قال المغيرة : وعليه جبة رومية ضيقة الكمين فلم يستطع من ضيقها أن يشمر عن
(...)، فأخرجها وألقى الجبة على كتفيه حتى توضأ عليه السلام ووصل ذراعيه،
الشاهد انه عليه السلام لبس جبة رومية ، فهذا يعني انه إذا كان هناك لباس
من ألبسة الكفار تنسب إليهم ولم يكن فيه ظاهر التشبه للتقليد لهم ، فيجوز
على ما يترتب من ذلك من مصلحة الدفء ونحو ذلك.
وكذلك المثال الثاني
أذكره لشهرته في السيرة وإن كان غير ثابت على الطريقة الحديثية ، وهو ان
الرسول عليه السلام أمرهم ان ينزلوا في مكان في غزوة الخندق، مثل ما قال
سلمان(...) هل هذا وحي؟ أم الراي والحرب والمكيدة؟ فقال:بل هو الرأي، فإذن
نلجأ إلى مكان آخر، (....)لكن هذا مروي في السيرة وغير صحيح ولكنه ليس صلة
بمثالنا إنما المثال هو حفر الخندق، حيث قال سلمان كما يرويه عنه أنه إذا
كانوا حوصروا في بلد ما ، احاطوا البلدة الخندق، فالرسول عليه السلام وافق
على ذلك لمصلحة جلية المجردة عن أي مفسدة ؛ فبهذا الدليل نهينا أن نتلقى
عادات الغربيين.
الآن نأتي بمثال آخر فيه ناس بتلبس جاكيتات مختلفة ، ما
في مانع، لكن ما معنى لبس البنطلون؟! ما معنى الكرافيت؟ لا فائدة من ذلك
سوى يتمثل عادات الغربيين، والتأثر بتقاليدهم ، فإذن يجب أن نفرق بين ما
ينسجم مع الإسلام ومبادئه وقواعده وما بين (...)وينفر عنه.
أقول عن هذه
المظاهرات : ليست وسيلة إسلامية تنبئ عن الرضا أو عدم الرضا من الشعوب
المسلمة لأنه هناك وسائل اخرى باستطاعتهم ان يسلكوها ، يخطر في بالي أننا
في الواقع لو (...) هذه المظاهرات كأنه اتصور ان المجتمع الإسلامي بعد ان
يصبح فعلا مجتمعا إسلاميا سيظل في نظامه وفي عاداته على عادات الغربيين،
سيتغير كل شيء،سوف يكون الوضع الاجتماعي كمجتمع إسلامي في غنى عن مثل هذه
المظاهرات .
وأخيرا : هل صحيح أن هذه المظاهرات تغير من نظام الحكم إذا
كان القائمون مصرين على ذلك؟ لا ندري كم وكم من مظاهرات قامت وقتل فيها
قتلى كثيرين جدا، ثم بقي الأمر على ما بقي عليه قبل المظاهرات .
فلا نرى أن هذه الوسيلة تدخل في قاعدة ان الأصل في الأشياء الإباحة لأنها من تقاليد الغربيين".
2- وقال –رحمه الله- في فتاوى جدة (ش\12) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال:
فضيلة الشيخ عندي أسئلة مهمة جدا وهي تخص بعض الشباب، فهذه المسألة،
وأستسمح من إخوتي الكرام لأنها مهمة جدا للأمة أن ألقيها على فضيلتكم وهي
أولا: ماحكم هذه المظاهرات؟ مثلا يجتمع كثير من الشباب أو الشابات ثم
يخرجون إلى الشارع .
الشيخ: والشابات أيضا؟
السائل: نعم.
الشيخ : ما شاء الله!
السائل:
قد حدث هنا، يخرجون إلى الشوارع مستنكرين لبعض الأفعال التي يفعلها
الطواغيت أو لبعض ما يأمر به هؤلاء الطواغيت أو ما يطالب به غيرهم من
الأحزاب الأخرى السياسية المعارضة، ماحكم هذا العمل في شرع الله؟
الشيخ:
أقول -وبالله التوفيق- الجواب عن هذا السؤال يدخل في قاعدة ألا وهي قوله
عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه من حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أو من حديث عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما، الشك مني الآن، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [بعثت
يبن يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل
رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم].
الشاهد
من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام [ومن تشبه بقوم فهو منهم]، فتشبه
المسلم بالكافر لا يجوز في الإسلام، وهذا التشبه له مراتب من حيث الحكم
ابتداء من التحريم وأنت نازل إلى الكراهة، وقد فصل في ذلك شيخ الإسلام ابن
تيمية -رحمه الله- في كتابه العظيم المسمى (اقتضاء الصراط المستقيم في
مخالفة أصحاب الجحيم) تفصيلا لا نجده عند غيره -رحمه الله-، وأريد أن أنبه
إلى شيء آخر ، ينبغي على طلاب العلم أن ينتبهوا له وأن لا يظنوا أن التشبيه
هو فقط المنهي عنه في الشرع،،فهناك شيء آخر أدق منه ألا وهو مخالفة
الكفار، فالتشبه بالكفار أن تفعل فعلهم، أما مخالفة الكفار فأن تتقصد
مخالفتهم في ما يفعلونه حتى لو كان هذا الفعل الصادر منهم فعلا لا يملكون
التصرف فيه بخلاف ما فرض عليهم فرضا كونيا، كمثل الشيب الذي هو سنة كونية،
لا يختلف فيه المسلم عن الكافر لأنه ليس في طوعهم ولافي إرادتهم وإنما هي
سنة الله تبارك وتعالى في البشر ولن تجد لسنة الله تبديلا، ومع ذلك فقد صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون
شعورهم فخالفوهم)، فقد يشترك المسلم مع الكافر في شيبه وهو مفروض عليهما لا
فرق، فلا تجد مسلما لا يشيب إلا مان در جدا كما أنك لا تجد كذلك كافرا من
باب أولى، فيصبح هنا اشتراك في المظهر بين المسلم وبين الكافر في أمر لا
يملكانه كما قلنا آنفا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتقصد
مخالفة المشركين في أن نصبغ شعورنا سواء كان هذا الشعر لحية أوشعر رأس،
لماذا؟ ليظهر الفرق بين المسلم والكافر، فما بالكم إذا كان الكافر يتكلف
عمل شيء ثم يأتي بعض المسلمين فيفعلون فعلهم ويتأثرون بأعمالهم، فهذا أشد
وأنكى من المخالفة، لذلك أردت التنبيه قبل أن أمضي فيما أنا بصدده من بيان
الجواب الذي وجه السؤال عنه، فإذا عرفتم الفرق بين التشبه وبين المخالفة،
حينئذ فالمسلم الصادق في إسلامه يحاول دائما وأبدا ،ليس أن يتشبه بالكافر
وإنما يتقصد مخالفة الكافر، ومن هنا نحن سننا وضع الساعة في اليد اليمنى،
لأن العادة الكافرة وهم الذين اخترعوا هذه الساعة فإنما يضعونها في يسراهم،
وهذا مما استنبطناه من قوله عليه السلام: [فخالفوهم] , عرفتم هذا الحديث:
[إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم]، فكما يقول شيخ الإسلام في
ذاك الكتاب ، فقوله عليه السلام : (فخالفوهم) ؛ جملة تعليلية تشير إلى أن
مخالفة الكفار مقصود للشارع الحكيم حيثما تحققت هذه المخالفة، ولذلك نجد
لها تطبيقا في بعض الأحكام الأخرى ولو أنها ليست في حكم الوجوب، كمثل قوله
عليه الصلاة والسلام: [صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود] علما بأن الصلاة في
النعال ليس فرضا بخلاف إعفاء اللحية فهو فرض يأثم حالقها، أما الصلاة
منتعلا فهو أمر مستحب، إذا ثابر المسلم وواظب على إقامة الصلاة دائما وأبدا
حافيا غير منتعل فقد خالف السنة ولم يخالف اليهود المتنطعين في دينهم، وقد
جاء في بعض المعاجم من كتب السنة أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان
في جمع فأقيمت الصلاة، وكان فيهم صاحبه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنهما-
فقدمه ليصلي بالناس إماما لعلم ابن مسعود أولا بان النبي صلى الله عليه
وسلم كان معجبا بقراءة أبي موسى هذا-رضي الله عنه- حيث قال له ذات يوم:
[لقد مررت بك البارحة يأبا موسى ، فاستمعت لقراءتك]، فقال عليه الصلاة
والسلام: [لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير داود عليه السلام)، فلما سمع هذا
الثناء أبو موسى من النبي صلى الله عليه وسلم ،قال: (يا رسول الله لو علمت
ذلك لحبرته لك تحبيرا]، بما يعلم ابن مسعود من رضا النبي صلى الله عليه
وسلم عن قراءة أبي موسى الأشعري، قدمه إماما، مع أن ابن مسعود ليس دون أبي
موسى فضلا في القراءة، بل لعله أعلى وأسمى منه في ذلك، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم: [من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل ، فليقرأه على
قراءة ابن أم عبد]، مع ذلك فهذا في الواقع يعطينا درسا عمليا نحن المسلمين
في آخر الزمان ، حيث قد نجد صحوة علمية ولكننا مع الأسف لا نجد معها صحوة
سلوكية أخلاقية ، فلا تؤاخذوني إذا قلت لكم إنني أشعر أنكم حينما تدخلون في
هذا المكان تتزاحمون وتتنافرون، وهذا ليس من الأخلاق الإسلامية في شيء،
فيجب أن نمثل الصحوة في جانبيها ؛في العلم وفي السلوك والأخلاق.
الشاهد
أن بن مسعود فيما نرى نحن هو أقرأ من أبي موسى ومع ذلك تواضع مع صاحبه
وآثره وقدمه ليصلي به وبالناس الحاضرين إماما، فتقدم أبو موسى -رضي الله
عنه- وكان -الشاهد- منتعلا، فخلع نعليه، فقال له بن مسعود مستنكرا عليه أشد
الاستنكار; أهذه اليهودية؟ أفي الواد المقدس أنت؟،يشير إلى قوله عليه
السلام : (صلوا في نعالكم، خالفوا اليهود)، إذا عرفتم هاتين الحقيقتين
النهي عن التشبه من جهة والحض على مخالفة المشركين من جهة أخرى، حينذاك وجب
علينا ان نجتنب كل مظاهر الشرك والكفر مهما كان نوعها مادام أنها تمثل
تقليدا لهم ، ولكي نتحاشى أن يصدق علينا نحن معشر المنتمين إلى العمل
بالكتاب والسنة قوله عليه الصلاة والسلام: [لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر و
ذراعا بذراع ،حتى لو سلكوا أو دخلوا جحر ضب لدخلتموه] ، هذا خبر من النبي
صلى الله عليه وسلم يتضمن تحذيرا وذلك لأن هذه الأمة كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بل الحديث المتواتر: [لا تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة]، وفي رواية:
[حتى يأتي أمر الله] ، إذن قد بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا
الحديث الصحيح بأن الأمة لا تزال في خير، فعندما يأتي ذلك الإخبار الخطير
[لتتبعن سنن من قبلكم] ، فلا يعني أن كل فرد من أفراد الأمة سيتبع سنن
الكفار وإنما سيكون ذلك في هذه الأمة ، فحينما يقول (لتتبعن) فهو بمعنى
التحذير أي إياكم أن تتبعوا سنن من قبلكم فإنه سيكون منكم من يفعل ذلك، وقد
جاء في رواية أخرى خارج الصحيحين وهي ثابتة عندي ، يمثل فيها الرسول تقليد
الكفار إلى درجة خطيرة لا يكاد الانسان لا يصدق بها إلا إذا كان مؤمنا
خالصا، ثم الواقع يؤكد ذلك، قال عليه السلام في تلك الرواية: [حتى لو كان
فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك] ، حتى لو كان
فيهم من يأتي أمه، يزني بأمه وليس ساترا على نفسه وعلى أمه بل على مرئ من
الناس وعلى قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك، التاريخ العصري اليوم
يؤكد أن ما نبأنا النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع بعض هذه الأمة لسنن من
قبلنا قد تحقق إلى مدى بعيد وبعيد جدا، وإن كنت أعتقد ان لهذا التتبع
بقية، فقد جاء في بعض الأحاديث الثابتة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس على الطرقات تسافد الحمير] ، وهو
الفاحشة، على الطرقات كما تتسافد الحمير، هذا هو منتهى التشبه بالكفار، إذا
علمتم النهي عن التشبه والأمر بالمخالفة، نعود الآن.
هذه التظاهرات
التي كنا نراها بأعيننا في زمن فرنسا وهي محتلة لسوريا ونسمع عنها في بلاد
أخرى وهذا ما سمعناه الآن في الجزائر، لكن الجزائر فاقت البلاد الأخرى في
هذه الضلالة وفي هذا التشبه ، لأننا ما كنا نرى أيضا الشابات يشتركن في
التظاهرات، فهذا منتهى التشبه بالكفار والكافرات، لأننا نرى في الصور
أحيانا وفي الأخبار التي تذاع في التلفاز والراديو ونحو ذلك خروج الألوف
المؤلفة من الكفار سواء كانوا أوربيين أو صينيين أو نحو ذلك......يقولوا في
التعبير الشامي وسيعجبكم هذا التعبير ، يخرجون رجالا ونساء (خليط مليط)،
يتزاحمون الكتف بالكتف وربما العجيزة بالقبل، ونحو ذلك، هذا هو تمام التشبه
بالكفار، أن تخرج الفتيات مع الفتيان يتظاهرون.
أنا أقول شيئا آخر :
بالإضافة إلى أن التظاهر ظاهرة فيها تقليد للكفار في أساليب استنكارهم لبعض
القوانين التي تفرض عليهم من حكامهم أو إظهار منهم لرضا بعض تلك الأحكام
أو القرارات ،أضيف إلى ذلك شيئا آخر ألا وهو: هذه التظاهرات الأوربية ثم
التقليدية من المسلمين، ليست وسيلة شرعية لإصلاح الحكم وبالتالي إصلاح
المجتمع، ومن هنا يخطئ كل الجماعات وكل الأحزاب الإسلامية الذين لا يسلكون
مسلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في تغيير المجتمع، لا يكون تغيير المجتمع
في النظام الإسلامي بالهتافات وبالصيحات وبالتظاهرات، وإنما يكون ذلك على
الصمت وعلى بث العلم بين المسلمين وتربيتهم على هذا الإسلام حتى تؤتي هذه
التربية أكلها ولو بعد زمن بعيد، فالوسائل التربوية في الشريعة الإسلامية
تختلف كل الاختلاف عن الوسائل التربوية في الدول الكافرة.
لهذا أقول
باختصار : إن التظاهرات التي تقع في بعض البلاد الإسلامية أصلا هذا خروج عن
طريق المسلمين وتشبه بالكافرين وقد قال رب العالمين: {ومن يشاقق الرسول من
بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيرا}"
3- وقال –رحمه الله- في السلسلة الضعيفة (14\74-75) :
"ولعل ذلك كان السبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدعاة على شرعية
(المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبي صلى الله عليه
وسلم في الدعوة! ولا تزال بعض الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن
كونها من عادات الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب،
وتتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم : [خير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه
وسلم-]".
*******************************************
موقف الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-
:
1- قال الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح (204) , جوابا على السؤال التالي :
"السؤال: يكتب بعض الكتاب في مقالاتهم عبارات مثل: (الثورة المحمدية، الثورة الإسلامية)، فهل هذا يا شيخ تعبير صحيح؟
الجواب: لا. ليس صحيح.
السائل: وبماذا نرد عليهم؟ أحسن الله إليكم.
الشيخ:
هل سماها الله ثورة أم سماها هداية، هداية وحقاً؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ [النساء:170] ما قال: قد ثار الرسول
على الأصنام، نرد عليهم بهذا، ولا يمكن أن نحول الهداية والنور والحق إلى
ثورة، يأتي شخص يقول ثورة نابليون وغيرها من الثورات، بلغوا الناس في
بلادكم هذا، قولوا: يا جماعة! هذا حق، هذا نور، هذا هدى، هذا شفاء.
السائل: يوجد الثورة الإٍسلامية؟
الشيخ: ولا ثورة إسلامية، لا يوجد ثورة إسلامية، هداية إسلامية لا بأس"
2- وقال –رحمه الله- في لقاء الباب المفتوح (ش\179) جوابا على السؤال :
"السؤال:
بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا
مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا
الفعل، وإذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي
الحاكم، هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟
الجواب: عليك باتباع
السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر،
ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين،
وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على
الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري
ما يقول ولا ما يفعل.
فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم
يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه
لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح
باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف" .
3- وقال الشيخ أيضا جوابا عن السؤال التالي كما في لقاء الباب المفتوح (ش\201) :
"السؤال:
ابتلينا في بلادنا بمن يرى بجواز المظاهرات في إنكار المنكر، فإذا رأوا
منكراً معيناً تجمعوا وعملوا مظاهرة ويحتجون أن ولي الأمر يسمح لهم بمثل
هذه الأمور؟ .
الشيخ:
أولاً: إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح
باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي
تُسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما
يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض
البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات،
والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا فإذا كان
مستعملاً وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأساً ولا يصل المسلم إلى حقه أو
المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد
الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز.
وأتعجب من بعض الحكام -إن كان كما
قلت- حقاً- أنه يأذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها، نعم ربما
يكون بعض الحكام يريد أمراً إذا فعله انتقده الغرب مثلاً وهو يداهن الغرب
ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب
تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة
لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟
السائل: كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع.
الشيخ: لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية" .
4- وقال -رحمه الله- كما في الجواب الأبهر (ص\75) جوابا على السؤال :
"السؤال : هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة المشروعة؟
الجواب
: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : فإن المظاهرات أمر حادث ، لم
يكن معروفاً في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم - ، ولا في عهد الخلفاء
الراشدين ، ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم .
ثم إن فيه من الفوضى والشغب
ما يجعله أمراً ممنوعاً ، حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها ..
ويحصل فيه أيضاً اختلاط الرجال بالنساء ، والشباب بالشيوخ ، وما أشبه من
المفاسد والمنكرات .
وأما مسألة الضغط على الحكومة : فهي إن كانت مسلمة
فيكفيها واعظاً كتاب الله تعالى وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا
خير ما يعرض على المسلم .
وإن كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء
المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهراً ، وهي ما هي عليه من الشر في الباطن ، لذلك
نرى أن المظاهرات أمر منكر .
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية ، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية .
وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله سبحانه وتعالى أثنى على المهاجرين والأنصار ، وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان".
5- وفي كتاب (فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء المسلمين في الجزائر) : "سُئل أيضاً في محرّم (1416هـ) عمَّا يأتي:
[السؤال]
: ما مدى شرعية ما يسمّونه بالاعتصام في المساجد وهم ـ كما يزعمون ـ
يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقاً أنَّها تجوز إن لم يكن فيها
شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا؟
فأجاب: أمَّا أنا، فما أكثر ما يُكْذَب عليَّ! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاّ يعود لمثلها.
والعجبُ من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئاً؟
بالأمس
تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا
أربعين ألفاً! أربعون ألفاً!! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل
هذه الفوضى!
والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلها شرارة ثم تكون جحيماً؛ لأن
الناس إذا كره بعضُهم بعضاً وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح ـ ما الذي
يمنعهم؟ـ فيحصل الشرّ والفوضى ...
وقد أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصبر ، وقال: [من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية].
الواجب
علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نُظْهر المبارزة والاحتجاجات عَلَناً
فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى
الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ما هي إلا مضرّة .
الخليفة المأمون
قَتل مِن العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن، قتل جمعاً من
العلماء وأجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام
أحمد وغيره من الأئمة أن أحداً منهم اعتصم في أي مسجد أبداً، ولا سمعنا
أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء
والكراهية ...
ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا
نؤيِّدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة
داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور".
6- وقال -رحمه الله- كما في كتاب (فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة ص 175) جوابا على السؤال التالي :
السؤال
: ما حكم الإضراب عن العمل في بلد مسلم للمطالبة بإسقاط النظام العلماني
... وبعد الإضراب يُقدّم الذين أضربوا مطالبَهُم، وفي حالة عدم الاستجابة
لهذه المطالب، هل يجوز مواجهة النظام بتفجير ثورة شعبية ؟.
الجواب:
1-
هذا السؤال لا شك أن له خطورته بالنسبة لتوجيه الشباب المسلم وذلك أن قضية
الإضراب عن العمل سواء كان هذا العمل خاصا، أو بالمجال الحكومي، لا أعلم
له أصلا من الشريعة يُبنى عليه.
ولا شك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة، حسب
حجم هذا الإضراب شمولا، وحسب حجم هذا الإضراب ضرورة، ولا شك أنه من أساليب
الضغط على الحكومات والذي جاء في السؤال أن المقصود به إسقاط النظام
العلماني.
وهنا يجب علينا إثبات أن النظام علماني أولا.
ثم إذا كان الأمر كذلك فليعلم أن الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط .....
2-
لا أرى أن تقام ثورة شعبية في هذه الحال لأن القوة المادية بيد الحكومة
كما هو معروف، والثورة الشعبية ليس بيدها إلا سكين المطبخ وعصا الراعي،
وهذا لا يقاوم الدبابات والأسلحة، لكن يمكن أن يتوصل إلى هذا من طريق آخر
إذا تمت الشروط السابقة .
ولا ينبغي أن نستعجل الأمر لأن أي بلد عاش
سنين طويلة مع الاستعمار لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها إلى بلد إسلامي،
بل لا بد أن نتخذ طول النفس لنيل المآرب.
والإنسان إذا بنى قصراً فقد
أسّس، سواءً سَكَنَهُ أو فارقَ الدنيا قبل أن يسكنه، فالمُهمّ أن يبني
الصّرْحَ الإسلامي وإن لم يتحقق المراد إلا بعد سنوات.
فالذي أرى ألا
نتعجل في مثل هذه الأمور، ولا أن نثيرَ أو نفجر ثورة شعبية، لأن المسألة
خطيرة وتعرفون أن الثورة الشعبية غالبها غوغائية لا تثبت على شئ، لو تأتي
القوات إلى حيٍّ من الأحياء وتقضي على بعضه لكان كل الآخرين يتراجعون عما
هم عليه" .
*******************************************
موقف الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-
1- قال الشيخ في شرحه على سنن أبي داود (ش\585) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال:
حديث أبي هريرة في الرجل الذي جاء يشكو جاره، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم: (اطرح متاعك في الطريق) استدل به بعض الناس على جواز المظاهرات، فهل
هذا صحيح؟
الجواب: هؤلاء يتشبثون بخيوط العنكبوت كما يقال، ويبحثون عن شيء يبنون عليه باطلهم.
المظاهرات
من قبيل الفوضى، وهذا الرجل أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يفعل ذلك
حتى إن جاره يتأثر بسبب ذلك. ثم أيضاً في هذا الزمان لا يقال: إن كل من
يشتكي جاره يكون مصيباً، قد يكون هذا الذي يشتكي جاره هو الأظلم، بخلاف هذا
الذي أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه مظلوم. في هذا الزمان بعض
الجيران يحصل بينه وبين جاره شيء، وكل واحد يقول إنه يؤذيني، وقد يكون هذا
الذي خرج وأظهر متاعه أسوأ من ذلك الذي لم يخرج متاعه، فلا يقال إن الحديث
على إطلاقه في كل جار؛ لأن أحوال الناس تتفاوت وتتغير، مثل ما مر بنا في
حديث ابن عمر في البر من كون أبيه عمر رضي الله عنه قال له: طلق امرأتك!
فالناس يتفاوتون، فبعض الآباء قد يكون هو نفسه السيئ، وقد يكون نفسه هو
الذي عنده انحراف وعنده فسق، والزوجة تكون صالحة، فلا يقال: إن كل أب يكون
مثل عمر ، ولا يقال أيضاً: كل جار يكون مثل هذا الذي أرشده الرسول صلى الله
عليه وسلم إلى أن يخرج
بيان من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بتاريخ 1/4/1432هـ.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فلقد
أخذ الله - عز وجل - على العلماء العهد والميثاق بالبيان قال سبحانه في
كتابه الكريم : (( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتب لتبيننه للناس ولا
تكتمونه )) آل عمران : 187.
وقال جل وعلا : (( إن الذين يكتمون ما
أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتب أولئك يلعنهم
الله ويلعنهم اللاعنون )) البقرة 159.
ويتأكد البيان على العلماء في
أوقات الفتن والأزمات ؛ إذ لا يخفى ما يجري في هذه الأيام من أحداث
واضطرابات وفتن في أنحاء متفرقة من العالم ، وإن هيئة كبار العلماء إذ تسأل
الله - عز وجل - لعموم المسلمين العافية والاستقرار والاجتماع على الحق
حكاماًَ ومحكومين ، لتحمد الله سبحانه على ما من به على المملكة العربية
السعودية من اجتماع كلمتها وتوحد صفها على كتاب الله عز وجل ، وسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ظل قيادة حكيمة لها بيعتها الشرعية أدام الله
توفيقها وتسديدها ، وحفظ الله لنا هذه النعمة وأتمها .
وإن المحافظة على
الجماعة من أعظم أصول الإسلام ، وهو مما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه
العزيز ، وعظم ذم من تركه ، إذ يقول جل وعلا (( واعتصموا بحبل الله جميعاً
ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم
فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين
الله لكم اياته لعلكم تهتدون )) آل عمران :103.
وقال سبحانه : (( ولا
تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب
عظيم )) آل عمران :105 وقال جل ذكره :(( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا
لست منهم في شي إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ))
الأنعام:159.
وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظمت وصية
النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة ، مثل قوله عليه الصلاة
والسلام : " يد الله مع الجماعة " رواه الترمذي .
كما تحذر من
الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة ، إذ الأمة في هذه البلاد جماعة
واحدة متمسكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم ، وما عليه أئمة الإسلام
قديماً وحديثاً من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة ، وعدم اختلاف العيوب
وإشاعتها ، مع الاعتراف بعدم الكمال ، ووجود الخطأ وأهمية الإصلاح على كل
حال وفي كل وقت.
وإن الهيئة إذ تقرر ما للنصيحة من مقام عال في الدين
حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " قيل لمن يا رسول الله ؟
قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم.
ومع
أنه من أكد من يناصح ولي الأمر حيث قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله
يرضى لكم ثلاثاً ، أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل
الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " رواه الإمام
أحمد .
فإن الهيئة تؤكد أن للإصلاح والنصيحة أسلوبها الشرعي الذي يجلب
المصلحة ويدرأ المفسدة ، وليس بإصدار بيانات فيها تهويل وإثارة فتن وأخذ
التواقيع عليها ، لمخالفة ذلك ما أمر الله عز وجل به في قوله جل وعلا ((
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا
تبعتم الشيطان إلا قليلاً )) النساء83.
وبما أن المملكة العربية
السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة فإن
الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير
الفتن وتفرق الجماعة ، وهذا ما قرره علماء هذه البلاد قديماً وحديثاً من
تحريمها ، والتحذير منها .
والهيئة إذ تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه
البلاد ، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة ، ولا يكون معه مفسدة ، هو
المناصحة وهي التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وسار عليها صحابته
الكرام وأتباعهم بإحسان .
وتؤكد الهيئة على أهمية اضطلاع الجهات الشرعية
والرقابية والتنفيذية بواجبها كما قضت بذلك أنظمة الدولة وتوجيهات ولاة
أمرها ومحاسبة كل مقصر.
والله تعالى نسأل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين
من كل سوء ومكروه ، وأن يجمع كلمتنا على الحق ، وأن يصلح ذات بيننا ،
ويهدينا سبل السلام ، وأن يرينا الحق حقاً ، ويرزقنا إتباعه ، ويرينا
الباطل باطلاً ، ويرزقنا اجتنابه ، وأن يهدي ضال المسلمين ، وهو المسؤول
سبحانه أن يوفق ولاة الأمر لما فيه صلاح العباد والبلاد ، إنه ولي ذلك
القادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
هيئة كبار العلماء
رئيس هيئة كبار العلماء
عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
عبدالله بن سليمان المنيع صالح بن محمد اللحيدان
الدكتور صالح بن فوزان الفوزان الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان
الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ
الدكتور أحمد بن علي سير المباركي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد
الدكتور عبدلله بن محمد المطلق الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى
صالح بن عبدالرحمن الحصين عبدالله بن محمد بن خنين
الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير محمد بن حسن آل الشيخ
الدكتور يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين الدكتور علي بن عباس حكمي
الدكتور محمد بن محمد المختار محمد الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك
*******************************************
موقف اللجنة الدائمة
.
أصدرت اللجنة الدائمة الفتوى المرقمة (19936) والمنشورة في مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (15\367-368) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال:
مر بعض من الأعوام في مدينتنا مظاهرات، وكانت تلك المظاهرات مصحوبة بتخريب
المؤسسات والشركات، فكانوا يأخذون كل شيء في المؤسسات وأنا أيضا شاركت في
تلك المظاهرات، وأخذت من بعض المؤسسات كتبا ومصحفا، وحينما التزمت عرفت أن
ذلك لا يجوز، وأريد من سماحتك أن تفيدني بماذا أفعل بهذه الكتب وخاصة
المصحف؟ وشكرا، وجزاكم الله خيرا.
الجواب: يجب عليك أن ترد ما أخذته من
أشياء بغير حق، ولا يجوز لك تملكه أو الانتفاع به، فإن عرفت أصحابه وجب رده
إليهم، وإن لم تعرف أصحابه ولم تستطع التوصل إليهم فإنك تتخلص منه بجعل
هذه الكتب والمصاحف في مكان يستفاد منه؛
كمكتبات المساجد أو المسجد أو
المكتبات العامة ونحو ذلك، ويجب عليك التوبة النصوح، وعدم العودة لمثل هذا
العمل السيء، مع التوجه لله سبحانه وحده، والاشتغال بطاعته، والتزود من
نوافل العبادة، وكثرة الاستغفار؛ لعل الله أن يعفو عنك، ويقبل توبتك، ويختم
لك بصالح أعمالك .
كما ننصحك وكل مسلم ومسلمة بالابتعاد عن هذه
المظاهرات الغوغائية التي لا تحترم مالا ولا نفسا ولا عرضا، ولا تمت إلى
الإسلام بصلة، ليسلم للمسلم دينه ودنياه، ويأمن على نفسه وعرضه وماله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... بكر أبو زيد ...
عضو ...صالح الفوزان ..
عضو ... عبد الله بن غديان ...
نائب الرئيس ... عبد العزيز آل الشيخ ...
الرئيس.... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
*******************************************
موقف الشيخ ابن باز –رحمه الله-
1-
قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في مجموع الفتاوى والمقالات
(6\417-419) : "فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل ، وأن يستعمل الأسلوب
الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعا , لا بد من الرفق مع
المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره ولا سيما الأمراء والرؤساء والأعيان ،
فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق
ويؤثرونه على ما سواه , وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى
عليه فيها السنون يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة , وحتى
يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة ، فيقبل منك الحق ويدع المعصية .
فالأسلوب
الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق , والأسلوب السيئ العنيف من أخطر
الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات .
ويلحق
بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرا عظيما
على الدعاة ، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق
للإصلاح والدعوة , فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن , فتنصح
الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة , فالنبي
صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا
المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم .
ولا شك أن هذا
الأسلوب يضر الدعوة والدعاة ، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على
معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به
ضده.
فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة
أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها ، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا
بالله .
فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه ، وفي
خطبته ، وفي مكاتباته ، وفي جميع تصرفاته حول الدعوة , يحرص على الرفق مع
كل أحد إلا من ظلم , وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة ،
وهم الأئمة ، وقد صبروا , صبر نوح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما , وصبر
هود , وصبر صالح , وصبر شعيب , وصبر إبراهيم , وصبر لوط , وهكذا غيرهم من
الرسل ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم .
فلك
أيها الداعية أسوة في هؤلاء الأنبياء والأخيار , ولك أسوة بالنبي محمد صلى
الله عليه وسلم الذي صبر في مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده
والمنافقين ومن لم يسلم من الأوس والخزرج حتى هداهم الله ، وحتى يسر الله
إخراج اليهود ، وحتى مات المنافقون بغيظهم , فأنت لك أسوة بهؤلاء الأخيار
فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف ، ودع كل سبب يضيق على الدعوة
ويضرها ويضر أهلها . واذكر قوله تعالى يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا
تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } الآية".
2- وقال رحمه الله- في مجموع الفتاوى
والمقالات (7\343-344) : "وقد وقع بعض الإعلاميين المسلمين في مصيدة
الأعداء , وأخذوا ينقلون تلك الأخبار المعادية للإسلام , وأصبحوا
يتداولونها عن جهل بمقاصد أصحابها , أو غرض في نفوس بعضهم , فكانوا بفعلهم
هذا أعوانا للأعداء على الإسلام والمسلمين بدلا من قيامهم بواجب التصدي
لأعداء الإسلام , وإبطال كيدهم ببيان أهمية الرابطة الدينية والأخوة
الإسلامية بين الشعوب الإسلامية , وإن الأخطاء الفردية التي لا يسلم منها
أحد لا ينبغي أن تكون مبررا للتشنيع على الإسلام والمسلمين والتفريق بينهم .
ولهذا
رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة نصيحة للمسلمين جميعا من الإعلاميين وغيرهم
في الدول الإسلامية وغيرها , وتحذيرا للجميع من مكائد الأعداء من الكافرين
والمنافقين والسائرين على نهجهم . وأن يصونوا الإعلام الإسلامي المقروء
والمسموع والمرئي من أن يكون وسيلة للتشكيك في الإسلام والدعاة إليه , أو
أن يستخدم للتفريق بين علماء الأمة وشعوبها والناصحين لها , وغرس أسباب
الشحناء والتباغض بين حكامها ومحكوميها وعلمائها وعامتها . وأن يبذلوا كل
ما يستطيعون في التقريب بين المسلمين وجمع كلمتهم , ودعوتهم حكاما ومحكومين
للتمسك بدينهم والاستقامة عليه وتحكيم شريعة الله في عباده والتواصي بذلك ,
والتعاون عليه بالأساليب الحسنة والنصيحة الخالصة والعمل الصالح الدائب ,
والسيرة الحميدة عملا بقول الله عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
وقوله سبحانه : {
وَالْعَصْرِ , إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ } .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : [الدين النصيحة قيل :
لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ]
رواه مسلم في صحيحه .
ولما روى جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -
قال : [بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة
والنصح لكل مسلم ] متفق على صحته .
كما أوصى العلماء وجميع الدعاة
وأنصار الحق أن يتجنبوا المسيرات والمظاهرات التي تضر الدعوة ولا تنفعها
وتسبب الفرقة بين المسلمين والفتنة بين الحكام والمحكومين .
وإنما
الواجب سلوك السبيل الموصلة إلى الحق واستعمال الوسائل التي تنفع ولا تضر
وتجمع ولا تفرق وتنشر الدعوة بين المسلمين , وتبين لهم ما يجب عليهم
بالكتابات والأشرطة المفيدة والمحاضرات النافعة , وخطب الجمع الهادفة التي
توضح الحق وتدعو إليه , وتبين الباطل وتحذر منه , مع الزيارات المفيدة
للحكام والمسئولين , والمناصحة كتابة أو مشافهة بالرفق والحكمة والأسلوب
الحسن , عملا بقول الله عز وجل في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ".
3- وقال –رحمه الله- ردا
على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق كما في مجموع الفتاوى والمقالات (8\245) :
"سادسا : ذكرتم في كتابكم : (فصول من السياسة الشرعية) ص 31 , 32 : أن من
أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة التظاهرات (المظاهرة).
ولا أعلم نصا في هذا المعنى , فأرجو الإفادة عمن ذكر ذلك؟ وبأي كتاب وجدتم ذلك؟
فإن
لم يكن لكم في ذلك مستند , فالواجب الرجوع عن ذلك; لأني لا أعلم في شيء من
النصوص ما يدل على ذلك , ولما قد علم من المفاسد الكثيرة في استعمال
المظاهرات , فإن صح فيها نص فلا بد من إيضاح ما جاء به النص إيضاحا كاملا
حتى لا يتعلق به المفسدون بمظاهراتهم الباطلة" .
4- وقال –أيضا- في
نفس المصدر (8\246) : "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الابن
المكرم صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق .
وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به دينه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته , أما بعد :
فقد
وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 14 \ 4 \ 1415 هـ وسرني كثيرا ما تضمنه من
الموافقة على ما أوصيتكم به , فأسأل الله أن يزيدكم من التوفيق , ويجعلنا
وإياكم من الهداة المهتدين , إنه جواد كريم .
وما ذكرتم حول المظاهرة
فقد فهمته وعلمت ضعف سند الرواية بذلك كما ذكرتم; لأن مدارها على إسحاق بن
أبي فروة وهو لا يحتج به , ولو صحت الرواية فإن هذا في أول الإسلام قبل
الهجرة وقبل كمال الشريعة .
ولا يخفى أن العمدة في الأمر والنهي وسائر
أمور الدين على ما استقرت به الشريعة بعد الهجرة , أما ما يتعلق بالجمعة
والأعياد ونحو ذلك من الاجتماعات التي قد يدعو إليها النبي صلى الله عليه
وسلم كصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء , فكل ذلك من باب إظهار شعائر الإسلام
وليس له تعلق بالمظاهرات كما لا يخفى .
وأسأل الله أن يمنحني وإياكم
وسائر إخواننا المزيد من العلم النافع والعمل به , وأن يصلح قلوبنا
وأعمالنا جميعا , وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات
الشيطان , إنه خير مسئول . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
5-
وقال -رحمه الله- جوابا على سؤال وجه إليه في شهر شعبان (1412هـ) بمدينة
جدة من شريط سمعي منقول بواسطة كتاب (فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من
دماء المسلمين في الجزائر) :
"السؤال : هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضدَّ الحُكَّام والولاة تُعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟
وهل مَن يموت فيها يُعتبر شهيداً أو في سبيل الله؟
الجواب
: لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج، ولكن أنا أرى أنَّها من
أسباب الفتن ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس، والتعدِّي على
بعض الناس بغير حقٍّ، ولكن الأسباب الشرعية: المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى
الخير بالطرق الشرعية، شرحها أهل العلم، وشرحها أصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وأتباعه بإحسانٍ: بالمكاتبة والمشافهة مع ... ، ومع
الأمير ومع السلطان، والاتصال به، ومناصحته والمكاتبة له، دون التشهير على
المنابر بأنَّه فعل كذا، وصار منه كذا، والله المستعان ".
6- وقال -رحمه الله- -كما في مجلة الفرقان (82\12) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال: ظهرت ظاهرة عند كثير من الناس أنهم يقولون ننكر المنكر بجمع الناس وتظاهرهم والخروج في المسيرات والمظاهرات؟
الجواب : هذه ليست طيبة، المسيرات والمظاهرات ليست طيبة، ليست من عادة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه بإحسان.
إنما
النصيحة والتوجية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر
والتقوى. هذه هي الطريقة المتبعة كما قال جل وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ، وقال جل وعلا {ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعرف وينهون عن المنكر} ] ، وقال
سبحانه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} ،
وقال رسول الله صلى الله علية وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،
فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبة وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم
فالإنكار
بالفعل يكون من الإمام، ومن الأمير، ومن الهيئة التي لها تعليمات تنكر
باليد، ومن صاحب البيت على أولاده وأهل بيته. أما أفراد الناس لا، إذا
أنكروا باليد فتكون الفتنة، وصار النزاع وصار القتال والفرقة والابتلاء،
وتضيع الفائدة ويعظم الشر.
فينصح بالقول والتوجية وبالترغيب والترهيب.
أما صاحب البيت علىأولاده، والهيئة في نظامها حسب تعليماتها وطاقتها،
والأمير حسب طاقته، والسلطان حسب طاقته، فهذا لابأس ينكر باليد. أما أفراد
الناس لا، فالإنكار بالقول لأنه لا يستطيع الإنكار بالفعل، لأنه لو أنكر
بالفعل تعظِم المصيبة ويعظم الشر .
السؤال : بعضهم يقول: إن الحاكم يرضى بهذه الاعتصامات والمظاهرات ويستدلون بذلك على جوازها؟
الجواب :النصيحة تكون بالتوجية والإرشادات، إذا زاروه ونصحوه ووجهوه هذا طيب، فالمظاهرات ما لها أصل، شرها أكثر".
*******************************************
موقف الشيخ الألباني -رحمه الله- .
1- قال الشيخ –رحمه الله- في سلسلة الهدى والنور (ش\210) جوابا على السؤال التالي :
السؤال:
هل يجوز القيام بالمظاهرات ومسيرات سلمية للتعبير عن متطلبات الشعوب
الإسلامية، فإن كان الجواب بلا فالمرجو منك الدليل، لأن القيام بهذه
المسيرات من قبيل المصالح المرسلة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
والأصل في الوسائل انها على الإباحة حتى يأتي النص بتحريمها، فكذلك فإن
القيام بهذه المظاهرات أو المسيرات هي الموافقة للضوابط التي ذكرها الشيخ
عبد الرحمان عبد الخالق في رسالته المسلمون العمل السياسي؟.
الجواب:
صحيح أن الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة فهي الأصل فيها الإباحة، هذا لا
إشكال فيه، لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية فمن
هنا تصبح هذه الوسائل غير شرعية، فالخروج للتظاهرات او المظاهرات وإعلان
عدم الرضا او الرضا وإعلان التاييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض
القوانين، هذا نظام يلتقي مع الحكم الذي يقول الحكم للشعب، من الشعب وإلى
الشعب، أما حينما يكون المجتمع إسلاميا فلا يحتاج الأمر إلى مظاهرات وإنما
يحتاج إلى إقامة الحجة على الحاكم الذي يخالف شريعة الله.
كما يروى وأنا
أقول هذا كما يروى، إشارة إلى بعض ما يروى ولكنها على كل حال يعني لتبين
حقيقة معروفة من الناحية التاريخية أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لما قام
خطيبا يحض الناس على ترك المغالاة في المهور، وإلى هنا الرواية صحيحة، فمن
الشاهد من الرواية الأخرى والتي في سندها ضعف ، فهي ان امراة قالت : (يا
عمر الأمر ليس بيدك، لأن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم {وآتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا}، فكيف انت تقول لا يجوز إلا 400 درهم مهرا
لبناتكم؟ فكان جواب عمر -إن صحت الرواية-: أخطأ عمر وأصابت الامرأة).
فكون
المجتمع الإسلامي ليس بمثل هذه النظم وما يترتب من ورائها من وسائل، حينما
يتحقق المجتمع الإسلامي يستطيع الانسان ان يدخل ويبلغ رأيه وحجته إلى الذي
بيده الأمر، أو على الأقل إلى نائبه، وليس بحاجة إلى الظهور بمثل هذه
التظاهرات التي تلقيناها من جملة ما تلقيناها من عادات الغربيين ومن نظمهم.
وكما
هو الشأن الان نحن نقلد الغربيين في كثير من عاداتهم وتقاليدهم ، فلا بد
من التفصيل بين ما يجوز الأخذ عنهم ومالا يجوز ، وخذ مثلا نأخذ عنهم بعض
الوسائل ، هذه الوسائل إذا كانت تؤدي إلى غرض مشروع أو على الأقل جائز وليس
فيه إحياء لمعنى التشبه بالكفار فهذا هو أمر جائز، والمثال في ذلك ممكن ان
نستحضر مثالين ، أحدها ثابت من حيث الرواية والآخر فيه ضعف .
أما
الثابت : ما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- في
قصة خروجه عليه السلام مسافرا ونزوله في مكان فلما أصبح به الصباح فخرج
لقضاء الحاجة ، فأراد المغيرة بن شعبة أن يصب الوضوء على النبي صلى الله
عليه وسلم، فصب عليه حتى جاء الرسول عليه السلام إلى تشبيك كميه، الشاهد
قال المغيرة : وعليه جبة رومية ضيقة الكمين فلم يستطع من ضيقها أن يشمر عن
(...)، فأخرجها وألقى الجبة على كتفيه حتى توضأ عليه السلام ووصل ذراعيه،
الشاهد انه عليه السلام لبس جبة رومية ، فهذا يعني انه إذا كان هناك لباس
من ألبسة الكفار تنسب إليهم ولم يكن فيه ظاهر التشبه للتقليد لهم ، فيجوز
على ما يترتب من ذلك من مصلحة الدفء ونحو ذلك.
وكذلك المثال الثاني
أذكره لشهرته في السيرة وإن كان غير ثابت على الطريقة الحديثية ، وهو ان
الرسول عليه السلام أمرهم ان ينزلوا في مكان في غزوة الخندق، مثل ما قال
سلمان(...) هل هذا وحي؟ أم الراي والحرب والمكيدة؟ فقال:بل هو الرأي، فإذن
نلجأ إلى مكان آخر، (....)لكن هذا مروي في السيرة وغير صحيح ولكنه ليس صلة
بمثالنا إنما المثال هو حفر الخندق، حيث قال سلمان كما يرويه عنه أنه إذا
كانوا حوصروا في بلد ما ، احاطوا البلدة الخندق، فالرسول عليه السلام وافق
على ذلك لمصلحة جلية المجردة عن أي مفسدة ؛ فبهذا الدليل نهينا أن نتلقى
عادات الغربيين.
الآن نأتي بمثال آخر فيه ناس بتلبس جاكيتات مختلفة ، ما
في مانع، لكن ما معنى لبس البنطلون؟! ما معنى الكرافيت؟ لا فائدة من ذلك
سوى يتمثل عادات الغربيين، والتأثر بتقاليدهم ، فإذن يجب أن نفرق بين ما
ينسجم مع الإسلام ومبادئه وقواعده وما بين (...)وينفر عنه.
أقول عن هذه
المظاهرات : ليست وسيلة إسلامية تنبئ عن الرضا أو عدم الرضا من الشعوب
المسلمة لأنه هناك وسائل اخرى باستطاعتهم ان يسلكوها ، يخطر في بالي أننا
في الواقع لو (...) هذه المظاهرات كأنه اتصور ان المجتمع الإسلامي بعد ان
يصبح فعلا مجتمعا إسلاميا سيظل في نظامه وفي عاداته على عادات الغربيين،
سيتغير كل شيء،سوف يكون الوضع الاجتماعي كمجتمع إسلامي في غنى عن مثل هذه
المظاهرات .
وأخيرا : هل صحيح أن هذه المظاهرات تغير من نظام الحكم إذا
كان القائمون مصرين على ذلك؟ لا ندري كم وكم من مظاهرات قامت وقتل فيها
قتلى كثيرين جدا، ثم بقي الأمر على ما بقي عليه قبل المظاهرات .
فلا نرى أن هذه الوسيلة تدخل في قاعدة ان الأصل في الأشياء الإباحة لأنها من تقاليد الغربيين".
2- وقال –رحمه الله- في فتاوى جدة (ش\12) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال:
فضيلة الشيخ عندي أسئلة مهمة جدا وهي تخص بعض الشباب، فهذه المسألة،
وأستسمح من إخوتي الكرام لأنها مهمة جدا للأمة أن ألقيها على فضيلتكم وهي
أولا: ماحكم هذه المظاهرات؟ مثلا يجتمع كثير من الشباب أو الشابات ثم
يخرجون إلى الشارع .
الشيخ: والشابات أيضا؟
السائل: نعم.
الشيخ : ما شاء الله!
السائل:
قد حدث هنا، يخرجون إلى الشوارع مستنكرين لبعض الأفعال التي يفعلها
الطواغيت أو لبعض ما يأمر به هؤلاء الطواغيت أو ما يطالب به غيرهم من
الأحزاب الأخرى السياسية المعارضة، ماحكم هذا العمل في شرع الله؟
الشيخ:
أقول -وبالله التوفيق- الجواب عن هذا السؤال يدخل في قاعدة ألا وهي قوله
عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه من حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أو من حديث عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما، الشك مني الآن، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [بعثت
يبن يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل
رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم].
الشاهد
من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام [ومن تشبه بقوم فهو منهم]، فتشبه
المسلم بالكافر لا يجوز في الإسلام، وهذا التشبه له مراتب من حيث الحكم
ابتداء من التحريم وأنت نازل إلى الكراهة، وقد فصل في ذلك شيخ الإسلام ابن
تيمية -رحمه الله- في كتابه العظيم المسمى (اقتضاء الصراط المستقيم في
مخالفة أصحاب الجحيم) تفصيلا لا نجده عند غيره -رحمه الله-، وأريد أن أنبه
إلى شيء آخر ، ينبغي على طلاب العلم أن ينتبهوا له وأن لا يظنوا أن التشبيه
هو فقط المنهي عنه في الشرع،،فهناك شيء آخر أدق منه ألا وهو مخالفة
الكفار، فالتشبه بالكفار أن تفعل فعلهم، أما مخالفة الكفار فأن تتقصد
مخالفتهم في ما يفعلونه حتى لو كان هذا الفعل الصادر منهم فعلا لا يملكون
التصرف فيه بخلاف ما فرض عليهم فرضا كونيا، كمثل الشيب الذي هو سنة كونية،
لا يختلف فيه المسلم عن الكافر لأنه ليس في طوعهم ولافي إرادتهم وإنما هي
سنة الله تبارك وتعالى في البشر ولن تجد لسنة الله تبديلا، ومع ذلك فقد صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون
شعورهم فخالفوهم)، فقد يشترك المسلم مع الكافر في شيبه وهو مفروض عليهما لا
فرق، فلا تجد مسلما لا يشيب إلا مان در جدا كما أنك لا تجد كذلك كافرا من
باب أولى، فيصبح هنا اشتراك في المظهر بين المسلم وبين الكافر في أمر لا
يملكانه كما قلنا آنفا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتقصد
مخالفة المشركين في أن نصبغ شعورنا سواء كان هذا الشعر لحية أوشعر رأس،
لماذا؟ ليظهر الفرق بين المسلم والكافر، فما بالكم إذا كان الكافر يتكلف
عمل شيء ثم يأتي بعض المسلمين فيفعلون فعلهم ويتأثرون بأعمالهم، فهذا أشد
وأنكى من المخالفة، لذلك أردت التنبيه قبل أن أمضي فيما أنا بصدده من بيان
الجواب الذي وجه السؤال عنه، فإذا عرفتم الفرق بين التشبه وبين المخالفة،
حينئذ فالمسلم الصادق في إسلامه يحاول دائما وأبدا ،ليس أن يتشبه بالكافر
وإنما يتقصد مخالفة الكافر، ومن هنا نحن سننا وضع الساعة في اليد اليمنى،
لأن العادة الكافرة وهم الذين اخترعوا هذه الساعة فإنما يضعونها في يسراهم،
وهذا مما استنبطناه من قوله عليه السلام: [فخالفوهم] , عرفتم هذا الحديث:
[إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم]، فكما يقول شيخ الإسلام في
ذاك الكتاب ، فقوله عليه السلام : (فخالفوهم) ؛ جملة تعليلية تشير إلى أن
مخالفة الكفار مقصود للشارع الحكيم حيثما تحققت هذه المخالفة، ولذلك نجد
لها تطبيقا في بعض الأحكام الأخرى ولو أنها ليست في حكم الوجوب، كمثل قوله
عليه الصلاة والسلام: [صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود] علما بأن الصلاة في
النعال ليس فرضا بخلاف إعفاء اللحية فهو فرض يأثم حالقها، أما الصلاة
منتعلا فهو أمر مستحب، إذا ثابر المسلم وواظب على إقامة الصلاة دائما وأبدا
حافيا غير منتعل فقد خالف السنة ولم يخالف اليهود المتنطعين في دينهم، وقد
جاء في بعض المعاجم من كتب السنة أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان
في جمع فأقيمت الصلاة، وكان فيهم صاحبه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنهما-
فقدمه ليصلي بالناس إماما لعلم ابن مسعود أولا بان النبي صلى الله عليه
وسلم كان معجبا بقراءة أبي موسى هذا-رضي الله عنه- حيث قال له ذات يوم:
[لقد مررت بك البارحة يأبا موسى ، فاستمعت لقراءتك]، فقال عليه الصلاة
والسلام: [لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير داود عليه السلام)، فلما سمع هذا
الثناء أبو موسى من النبي صلى الله عليه وسلم ،قال: (يا رسول الله لو علمت
ذلك لحبرته لك تحبيرا]، بما يعلم ابن مسعود من رضا النبي صلى الله عليه
وسلم عن قراءة أبي موسى الأشعري، قدمه إماما، مع أن ابن مسعود ليس دون أبي
موسى فضلا في القراءة، بل لعله أعلى وأسمى منه في ذلك، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم: [من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل ، فليقرأه على
قراءة ابن أم عبد]، مع ذلك فهذا في الواقع يعطينا درسا عمليا نحن المسلمين
في آخر الزمان ، حيث قد نجد صحوة علمية ولكننا مع الأسف لا نجد معها صحوة
سلوكية أخلاقية ، فلا تؤاخذوني إذا قلت لكم إنني أشعر أنكم حينما تدخلون في
هذا المكان تتزاحمون وتتنافرون، وهذا ليس من الأخلاق الإسلامية في شيء،
فيجب أن نمثل الصحوة في جانبيها ؛في العلم وفي السلوك والأخلاق.
الشاهد
أن بن مسعود فيما نرى نحن هو أقرأ من أبي موسى ومع ذلك تواضع مع صاحبه
وآثره وقدمه ليصلي به وبالناس الحاضرين إماما، فتقدم أبو موسى -رضي الله
عنه- وكان -الشاهد- منتعلا، فخلع نعليه، فقال له بن مسعود مستنكرا عليه أشد
الاستنكار; أهذه اليهودية؟ أفي الواد المقدس أنت؟،يشير إلى قوله عليه
السلام : (صلوا في نعالكم، خالفوا اليهود)، إذا عرفتم هاتين الحقيقتين
النهي عن التشبه من جهة والحض على مخالفة المشركين من جهة أخرى، حينذاك وجب
علينا ان نجتنب كل مظاهر الشرك والكفر مهما كان نوعها مادام أنها تمثل
تقليدا لهم ، ولكي نتحاشى أن يصدق علينا نحن معشر المنتمين إلى العمل
بالكتاب والسنة قوله عليه الصلاة والسلام: [لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر و
ذراعا بذراع ،حتى لو سلكوا أو دخلوا جحر ضب لدخلتموه] ، هذا خبر من النبي
صلى الله عليه وسلم يتضمن تحذيرا وذلك لأن هذه الأمة كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بل الحديث المتواتر: [لا تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة]، وفي رواية:
[حتى يأتي أمر الله] ، إذن قد بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا
الحديث الصحيح بأن الأمة لا تزال في خير، فعندما يأتي ذلك الإخبار الخطير
[لتتبعن سنن من قبلكم] ، فلا يعني أن كل فرد من أفراد الأمة سيتبع سنن
الكفار وإنما سيكون ذلك في هذه الأمة ، فحينما يقول (لتتبعن) فهو بمعنى
التحذير أي إياكم أن تتبعوا سنن من قبلكم فإنه سيكون منكم من يفعل ذلك، وقد
جاء في رواية أخرى خارج الصحيحين وهي ثابتة عندي ، يمثل فيها الرسول تقليد
الكفار إلى درجة خطيرة لا يكاد الانسان لا يصدق بها إلا إذا كان مؤمنا
خالصا، ثم الواقع يؤكد ذلك، قال عليه السلام في تلك الرواية: [حتى لو كان
فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك] ، حتى لو كان
فيهم من يأتي أمه، يزني بأمه وليس ساترا على نفسه وعلى أمه بل على مرئ من
الناس وعلى قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك، التاريخ العصري اليوم
يؤكد أن ما نبأنا النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع بعض هذه الأمة لسنن من
قبلنا قد تحقق إلى مدى بعيد وبعيد جدا، وإن كنت أعتقد ان لهذا التتبع
بقية، فقد جاء في بعض الأحاديث الثابتة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس على الطرقات تسافد الحمير] ، وهو
الفاحشة، على الطرقات كما تتسافد الحمير، هذا هو منتهى التشبه بالكفار، إذا
علمتم النهي عن التشبه والأمر بالمخالفة، نعود الآن.
هذه التظاهرات
التي كنا نراها بأعيننا في زمن فرنسا وهي محتلة لسوريا ونسمع عنها في بلاد
أخرى وهذا ما سمعناه الآن في الجزائر، لكن الجزائر فاقت البلاد الأخرى في
هذه الضلالة وفي هذا التشبه ، لأننا ما كنا نرى أيضا الشابات يشتركن في
التظاهرات، فهذا منتهى التشبه بالكفار والكافرات، لأننا نرى في الصور
أحيانا وفي الأخبار التي تذاع في التلفاز والراديو ونحو ذلك خروج الألوف
المؤلفة من الكفار سواء كانوا أوربيين أو صينيين أو نحو ذلك......يقولوا في
التعبير الشامي وسيعجبكم هذا التعبير ، يخرجون رجالا ونساء (خليط مليط)،
يتزاحمون الكتف بالكتف وربما العجيزة بالقبل، ونحو ذلك، هذا هو تمام التشبه
بالكفار، أن تخرج الفتيات مع الفتيان يتظاهرون.
أنا أقول شيئا آخر :
بالإضافة إلى أن التظاهر ظاهرة فيها تقليد للكفار في أساليب استنكارهم لبعض
القوانين التي تفرض عليهم من حكامهم أو إظهار منهم لرضا بعض تلك الأحكام
أو القرارات ،أضيف إلى ذلك شيئا آخر ألا وهو: هذه التظاهرات الأوربية ثم
التقليدية من المسلمين، ليست وسيلة شرعية لإصلاح الحكم وبالتالي إصلاح
المجتمع، ومن هنا يخطئ كل الجماعات وكل الأحزاب الإسلامية الذين لا يسلكون
مسلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في تغيير المجتمع، لا يكون تغيير المجتمع
في النظام الإسلامي بالهتافات وبالصيحات وبالتظاهرات، وإنما يكون ذلك على
الصمت وعلى بث العلم بين المسلمين وتربيتهم على هذا الإسلام حتى تؤتي هذه
التربية أكلها ولو بعد زمن بعيد، فالوسائل التربوية في الشريعة الإسلامية
تختلف كل الاختلاف عن الوسائل التربوية في الدول الكافرة.
لهذا أقول
باختصار : إن التظاهرات التي تقع في بعض البلاد الإسلامية أصلا هذا خروج عن
طريق المسلمين وتشبه بالكافرين وقد قال رب العالمين: {ومن يشاقق الرسول من
بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيرا}"
3- وقال –رحمه الله- في السلسلة الضعيفة (14\74-75) :
"ولعل ذلك كان السبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدعاة على شرعية
(المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبي صلى الله عليه
وسلم في الدعوة! ولا تزال بعض الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن
كونها من عادات الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب،
وتتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم : [خير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه
وسلم-]".
*******************************************
موقف الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-
:
1- قال الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح (204) , جوابا على السؤال التالي :
"السؤال: يكتب بعض الكتاب في مقالاتهم عبارات مثل: (الثورة المحمدية، الثورة الإسلامية)، فهل هذا يا شيخ تعبير صحيح؟
الجواب: لا. ليس صحيح.
السائل: وبماذا نرد عليهم؟ أحسن الله إليكم.
الشيخ:
هل سماها الله ثورة أم سماها هداية، هداية وحقاً؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ [النساء:170] ما قال: قد ثار الرسول
على الأصنام، نرد عليهم بهذا، ولا يمكن أن نحول الهداية والنور والحق إلى
ثورة، يأتي شخص يقول ثورة نابليون وغيرها من الثورات، بلغوا الناس في
بلادكم هذا، قولوا: يا جماعة! هذا حق، هذا نور، هذا هدى، هذا شفاء.
السائل: يوجد الثورة الإٍسلامية؟
الشيخ: ولا ثورة إسلامية، لا يوجد ثورة إسلامية، هداية إسلامية لا بأس"
2- وقال –رحمه الله- في لقاء الباب المفتوح (ش\179) جوابا على السؤال :
"السؤال:
بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا
مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا
الفعل، وإذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي
الحاكم، هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟
الجواب: عليك باتباع
السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر،
ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين،
وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على
الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري
ما يقول ولا ما يفعل.
فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم
يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه
لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح
باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف" .
3- وقال الشيخ أيضا جوابا عن السؤال التالي كما في لقاء الباب المفتوح (ش\201) :
"السؤال:
ابتلينا في بلادنا بمن يرى بجواز المظاهرات في إنكار المنكر، فإذا رأوا
منكراً معيناً تجمعوا وعملوا مظاهرة ويحتجون أن ولي الأمر يسمح لهم بمثل
هذه الأمور؟ .
الشيخ:
أولاً: إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح
باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي
تُسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما
يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض
البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات،
والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا فإذا كان
مستعملاً وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأساً ولا يصل المسلم إلى حقه أو
المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد
الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز.
وأتعجب من بعض الحكام -إن كان كما
قلت- حقاً- أنه يأذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها، نعم ربما
يكون بعض الحكام يريد أمراً إذا فعله انتقده الغرب مثلاً وهو يداهن الغرب
ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب
تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة
لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟
السائل: كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع.
الشيخ: لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية" .
4- وقال -رحمه الله- كما في الجواب الأبهر (ص\75) جوابا على السؤال :
"السؤال : هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة المشروعة؟
الجواب
: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : فإن المظاهرات أمر حادث ، لم
يكن معروفاً في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم - ، ولا في عهد الخلفاء
الراشدين ، ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم .
ثم إن فيه من الفوضى والشغب
ما يجعله أمراً ممنوعاً ، حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها ..
ويحصل فيه أيضاً اختلاط الرجال بالنساء ، والشباب بالشيوخ ، وما أشبه من
المفاسد والمنكرات .
وأما مسألة الضغط على الحكومة : فهي إن كانت مسلمة
فيكفيها واعظاً كتاب الله تعالى وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا
خير ما يعرض على المسلم .
وإن كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء
المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهراً ، وهي ما هي عليه من الشر في الباطن ، لذلك
نرى أن المظاهرات أمر منكر .
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية ، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية .
وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله سبحانه وتعالى أثنى على المهاجرين والأنصار ، وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان".
5- وفي كتاب (فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء المسلمين في الجزائر) : "سُئل أيضاً في محرّم (1416هـ) عمَّا يأتي:
[السؤال]
: ما مدى شرعية ما يسمّونه بالاعتصام في المساجد وهم ـ كما يزعمون ـ
يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقاً أنَّها تجوز إن لم يكن فيها
شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا؟
فأجاب: أمَّا أنا، فما أكثر ما يُكْذَب عليَّ! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاّ يعود لمثلها.
والعجبُ من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئاً؟
بالأمس
تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا
أربعين ألفاً! أربعون ألفاً!! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل
هذه الفوضى!
والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلها شرارة ثم تكون جحيماً؛ لأن
الناس إذا كره بعضُهم بعضاً وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح ـ ما الذي
يمنعهم؟ـ فيحصل الشرّ والفوضى ...
وقد أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصبر ، وقال: [من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية].
الواجب
علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نُظْهر المبارزة والاحتجاجات عَلَناً
فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى
الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ما هي إلا مضرّة .
الخليفة المأمون
قَتل مِن العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن، قتل جمعاً من
العلماء وأجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام
أحمد وغيره من الأئمة أن أحداً منهم اعتصم في أي مسجد أبداً، ولا سمعنا
أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء
والكراهية ...
ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا
نؤيِّدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة
داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور".
6- وقال -رحمه الله- كما في كتاب (فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة ص 175) جوابا على السؤال التالي :
السؤال
: ما حكم الإضراب عن العمل في بلد مسلم للمطالبة بإسقاط النظام العلماني
... وبعد الإضراب يُقدّم الذين أضربوا مطالبَهُم، وفي حالة عدم الاستجابة
لهذه المطالب، هل يجوز مواجهة النظام بتفجير ثورة شعبية ؟.
الجواب:
1-
هذا السؤال لا شك أن له خطورته بالنسبة لتوجيه الشباب المسلم وذلك أن قضية
الإضراب عن العمل سواء كان هذا العمل خاصا، أو بالمجال الحكومي، لا أعلم
له أصلا من الشريعة يُبنى عليه.
ولا شك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة، حسب
حجم هذا الإضراب شمولا، وحسب حجم هذا الإضراب ضرورة، ولا شك أنه من أساليب
الضغط على الحكومات والذي جاء في السؤال أن المقصود به إسقاط النظام
العلماني.
وهنا يجب علينا إثبات أن النظام علماني أولا.
ثم إذا كان الأمر كذلك فليعلم أن الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط .....
2-
لا أرى أن تقام ثورة شعبية في هذه الحال لأن القوة المادية بيد الحكومة
كما هو معروف، والثورة الشعبية ليس بيدها إلا سكين المطبخ وعصا الراعي،
وهذا لا يقاوم الدبابات والأسلحة، لكن يمكن أن يتوصل إلى هذا من طريق آخر
إذا تمت الشروط السابقة .
ولا ينبغي أن نستعجل الأمر لأن أي بلد عاش
سنين طويلة مع الاستعمار لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها إلى بلد إسلامي،
بل لا بد أن نتخذ طول النفس لنيل المآرب.
والإنسان إذا بنى قصراً فقد
أسّس، سواءً سَكَنَهُ أو فارقَ الدنيا قبل أن يسكنه، فالمُهمّ أن يبني
الصّرْحَ الإسلامي وإن لم يتحقق المراد إلا بعد سنوات.
فالذي أرى ألا
نتعجل في مثل هذه الأمور، ولا أن نثيرَ أو نفجر ثورة شعبية، لأن المسألة
خطيرة وتعرفون أن الثورة الشعبية غالبها غوغائية لا تثبت على شئ، لو تأتي
القوات إلى حيٍّ من الأحياء وتقضي على بعضه لكان كل الآخرين يتراجعون عما
هم عليه" .
*******************************************
موقف الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-
1- قال الشيخ في شرحه على سنن أبي داود (ش\585) جوابا على السؤال التالي :
"السؤال:
حديث أبي هريرة في الرجل الذي جاء يشكو جاره، فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم: (اطرح متاعك في الطريق) استدل به بعض الناس على جواز المظاهرات، فهل
هذا صحيح؟
الجواب: هؤلاء يتشبثون بخيوط العنكبوت كما يقال، ويبحثون عن شيء يبنون عليه باطلهم.
المظاهرات
من قبيل الفوضى، وهذا الرجل أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يفعل ذلك
حتى إن جاره يتأثر بسبب ذلك. ثم أيضاً في هذا الزمان لا يقال: إن كل من
يشتكي جاره يكون مصيباً، قد يكون هذا الذي يشتكي جاره هو الأظلم، بخلاف هذا
الذي أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه مظلوم. في هذا الزمان بعض
الجيران يحصل بينه وبين جاره شيء، وكل واحد يقول إنه يؤذيني، وقد يكون هذا
الذي خرج وأظهر متاعه أسوأ من ذلك الذي لم يخرج متاعه، فلا يقال إن الحديث
على إطلاقه في كل جار؛ لأن أحوال الناس تتفاوت وتتغير، مثل ما مر بنا في
حديث ابن عمر في البر من كون أبيه عمر رضي الله عنه قال له: طلق امرأتك!
فالناس يتفاوتون، فبعض الآباء قد يكون هو نفسه السيئ، وقد يكون نفسه هو
الذي عنده انحراف وعنده فسق، والزوجة تكون صالحة، فلا يقال: إن كل أب يكون
مثل عمر ، ولا يقال أيضاً: كل جار يكون مثل هذا الذي أرشده الرسول صلى الله
عليه وسلم إلى أن يخرج