مشروع تبادل الأراضي: خطيئة قانونية وجغرافية وسياسية
تشغل أعمدة الصحف هذه الأيام تحركات ديبلوماسية عربية و"إسرائيلية" وأميركية توحي بتحرك جديد في مسيرة السلام المتوفاة منذ مدة، مـن دون إعلان وفاتها، ولن تعيد هذه المسيرة إلى الحياة محاولات للتنفس الصناعي. لأن أسباب الوفاة قاطعة مانعة، وهي ذاتها الأسباب التي عرفت منذ عقود، وبقيت على حالها.
التحرك الجديد ما هو إلا صب خل قديم في زجاجات حديثة. لكن الإعلان الملصق على الزجاجات يبدو أنه يرضي جميع الأطراف. فهو يطالب بالعودة إلى خط الهدنة لعام 1949 (المعروف باسم حدود 1967 خطأ وهي ليست حدوداً)، وفي الوقت نفسه يسمح للمستوطنات التي تعدت هذا الخط أن تضم إلى "إسرائيل"، من طريق ما يسمى بتبادل الأراضي، ولكن هذا التحرك لا يصر على تطبيق خط العودة، وهو يدعو إلى تنفيذ القانون الدولي، لكنه في الواقع يخضع لإملاءات "إسرائيل" وأميركا.
محور الصيغة الجديدة هو تبادل الأراضي الذي تطلبه "إسرائيل"، وهو ليس طلباً تفاوضياً بريئاً كما يبدو. إذ أن "إسرائيل" تريد أساساً نقض القانون الدولي بأن الضفة وغزة أرض فلسطينية محتلة، وتريد أن تنقض القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بأن هذه الأرض الفلسطينية محتلة قطعاً ويجب الانسحاب منها، وأن جدار الفصل العنصري مخالف للقانون، ويجب إزالته وتعويض الأضرار عنه.
بضربة واحدة تريد "إسرائيل" نسف هذه القواعد القانونية الثابتة، وتحويل الجدار إلى حد أقصى لدولة فلسطينية ناقصة السيادة. وهو الأمر الذي نجحت فيه جزئياً مع مصر في معاهدة السلام لعام 1979 بأن انسحبت عسكرياً بالكامل من سيناء، لكنها أبقت السيادة المصرية على سيناء منقوصة بدرجات متفاوتة في 3 قطاعات من سيناء بحسب قربها من إسرائيل.
وإذا ما استقر الأمر لـ "إسرائيل" على هذا الأساس وقبل به الجانب الفلسطيني، أصبح من السهل تفتيت قضية فلسطين إلى قضايا منفصلة مثل الحدود والمياه والاستيطان واللاجئين وغيرها، اعتماداً على مبدأ تساوي حقوق فلسطين وإسرائيل في الضفة. ولم يبق إلا المساومة على توزيع هذه الحقوق على الطرفين حسب ميزان القوى.
وهذا يبرر الضجة التي أثارها موضوع تبادل الأراضي. فقد امتلأت الصحف بالتعليق على «السبق الصحافي» الذي كسبته هارتز (الوف بن: خطة أولمرت للسلام في 17/12/2009)، ونشرت معه خريطة تبادل الأراضي التي عُرضت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسمح له برؤيتها لكي يتمتع بذلك، لكنه حرم من الحصول على نسخة منها ما لم يوقع عليها بالموافقة.
الخداع "الإسرائيلي" ليس له حدود، ولكن، لا يقع في فخه الآن إلا يائس أو جاهل بالحقائق. إسرائيل تريد تبادل أراض احتلتها عام 1948 بأراض احتلتها عام 1967، وهي لا تملك هذه أو تلك. "إسرائيل" تعتقد بهذه الصيغة أنها تعطي شرعية لأراضٍ احتلتها في تلك السنة أو الأخرى بموجب إسقاط مالك الأرض لحقه فيها لمصلحة إسرائيل. وقد تقول جهة إن "إسرائيل" «تملك» الأرض التي تقايضها بدل المستوطنات. وهذا غير صحيح، حتى لو اعترفت هذه الجهة بـ "إسرائيل" كدولة. لأن الحيازة أو السيادة على الأرض لا تعني ملكيتها، إذ تبقى الملكية حق صاحبها مهما طال الزمن أو تغيرت السيادة. لذلك فإن "إسرائيل" لا تملك الحق القانوني في عملية تبادل الأراضي، إلا إذا أعترف صاحب الأرض بأنه حول ملكيتها إلى إسرائيل، وهذا بالطبع لن يحدث.
ولو أخذنا مشروع أولمرت على علاته، لوجدنا أنه في الواقع يصادر الأملاك الفلسطينية المحصورة بين جدار الفصل العنصري وخط الهدنة لعام 1949 بما فيها القدس الشرقية، أي أنه يعتبر حدود "إسرائيل" الجديدة هي مسار جدار الفصل العنصري. (انظر الخريطة). وهذا يعني ضم 369830 دنماً من الضفة إلى "إسرائيل" بجانب ضم 68720 دنماً إلى القدس العربية الذي صدر به قانون "إسرائيلي" في حزيران (يونيو) 1967، بما مجموعه 438550 دنماً.
ومن المفارقات التاريخية أن "إسرائيل" بهذا تريد توسيع المنطقة التي تنازل عنها الملك عبد الله في المثلث في آذار (مارس) 1949 لليهود تحت التهديد باحتلال كامل الضفة الغربية، وبموجب هذا التنازل أصبحت مساحة 375000 دنماً و70 قرية، وعدد سكانها 100000 نسمة عام 1949 تحت حكم إسرائيل. هذه المنطقة التي ضمتها "إسرائيل" عام 1949، تحولت إلى كابوس، بعد تنامي الروح الوطنية للفلسطينيين في "إسرائيل"، ومن بين هؤلاء الشيخ رائد صلاح من أم الفحم.
والخدع التي يعرضها أولمرت اليوم لها سوابق عدة. فتنص اتفاقية الهدنة مع الأردن في آذار وأوائل نيسان (ابريل) 1949 على حق الأردن في استبدال الأراضي المتنازل عنها لـ "إسرائيل" بأراضٍ أخرى في الفاطور (قضاء بيسان) وفي قضاء الخليل، مع تكفل "إسرائيل" بدفع تكاليف طريق جديدة بين قلقيلية وطولكرم لكي تعيد الاتصال بينها بسبب التنازل عن أراضي المثلث.
ولم يحدث بالطبع أي شيء من هذا، فلم تدفع تكاليف الطريق ولا استعيدت أراضي الفاطور، ولا اكُتسبت أراضٍ في قضاء الخليل. كانت كلها مسرحية وهمية. والممثلون يعلمون ذلك. والمدهش أن أراضي الفاطور كانت ارضاً عربية عام 1949، وليس هناك معنى لاستعادتها. ولان الامر كان مسرحية، فقد ضمتها "إسرائيل".
ومشروع أولمرت هذا إذا ووفق عليه يؤكد شرعية احتلال القدس وجوارها، واحتلال منطقة اللطرون التابعة للضفة الغربية، وكذلك يؤكد شرعية استمرار سحب المياه من الخزان الجوفي الغربي، أكبر خزانات المياه الأرضية في الضفة الغربية.
ماذا تقدم "إسرائيل" مقابل السخاء العربي؟
تعرض توسيعاً لمساحة الضفة في قضاء الخليل بمساحة 190000 دنم (رقم 28 في الخريطة) في أرض كانت ولا تزال وستبقى جرداء. ولا توجد فيها إلا قرية عربية غير معترف بها "إسرائيلياً" وهي عتير/ أم الحيران. وليس فيها ماء ولا تشاطئ البحر الميت. فـ "إسرائيل" لم تخسر شيئاً وكسبت التخلص من قرية عربية. أما في الجهة الغربية من قضاء الخليل، فتعرض "إسرائيل" توسعاً في القضاء بمساحة 12000 دنم، في أرض جرداء أيضاً، بحيث لا يتأثر أي من المستعمرات اليهودية في المنطقة هناك، وهي شكيت والشومارية. أما أمازيا، وهي المستعمرة التي أنشئت على أرض قرية الدوايمة التي تعرضت لأكبر مذبحة في نكبة 1948، فلا تتأثر على الإطلاق. وعليه لا يشعر المستعمرون اليهود في تلك المنطقة بأي تغيير.
والمتابع لتاريخ النكبة يعلم أن خط الهدنة في قضاء الخليل، ابتداء من القدس حتى البحر الميت، كان اعتباطياً إلى حد كبير، ولم تحدث حوله معركة ولا قتال ولا جدال سواء مع الأردن أو مصر، وكلاهما كانت لديه قوات (للدفاع) عن هذه المنطقة. وكان من الممكن أن يحدد خط الهدنة إلى الغرب من موقعه الحالي، بحيث تكون الفالوجة وبئر السبع في الضفة الغربية وتكتسب بذلك آلاف الكيلومترات، لكن العجز والإهمال حالا دون ذلك.
أما الخط المقترح حول القدس واللطرون، فهو ثاني محاولة لاقتناص أرض عربية. الاولى تمت أيضاً بنجاح عام 1949 عندما حّرك موشى دايان خط الهدنة ليشمل غرب القدس وبيت صفافا وأراضي الولجة وخط سكة حديد يافا – القدس. والثانية المقترحة الآن لخلق القدس اليهودية الكبرى.
أما غزة فلها قصة لا تقل نكبة عن الضفة الغربية. خط الهدنة الحقيقي الذي وقعت عليه مصر في 24 شباط (فبراير) 1949 (المبين على الخريطة) يعطي قطاع غزة مساحة 555 كيلومتراً مربعاً أي بزيادة 200 كيلومتر مربع عن المساحة الحالية.
كيف حدث هذا؟
تم التفاوض على اتفاق سرّي مع الحكومة المصرية باسم «اتفاقية التعايش» ووقعت في شباط 1950، وذلك بادعاء المحافظة على الأمن، والواقع هو منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم عبر خط الهدنة، وهم من تسميهم إسرائيل بالمتسللين. وبموجبها تزحزح خط الهدنة إلى الداخل في مكانه الحالي. والغريب أن اتفاقية «التعايش» تنص على أن اتفاقية الهدنة الأصلية لا تتأثر بهذه الاتفاقية الموقتة ولكن، لم تتم المطالبة على الإطلاق بإعادة الخط إلى أصله في الفترة من 1950 إلى 1967.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
تشغل أعمدة الصحف هذه الأيام تحركات ديبلوماسية عربية و"إسرائيلية" وأميركية توحي بتحرك جديد في مسيرة السلام المتوفاة منذ مدة، مـن دون إعلان وفاتها، ولن تعيد هذه المسيرة إلى الحياة محاولات للتنفس الصناعي. لأن أسباب الوفاة قاطعة مانعة، وهي ذاتها الأسباب التي عرفت منذ عقود، وبقيت على حالها.
التحرك الجديد ما هو إلا صب خل قديم في زجاجات حديثة. لكن الإعلان الملصق على الزجاجات يبدو أنه يرضي جميع الأطراف. فهو يطالب بالعودة إلى خط الهدنة لعام 1949 (المعروف باسم حدود 1967 خطأ وهي ليست حدوداً)، وفي الوقت نفسه يسمح للمستوطنات التي تعدت هذا الخط أن تضم إلى "إسرائيل"، من طريق ما يسمى بتبادل الأراضي، ولكن هذا التحرك لا يصر على تطبيق خط العودة، وهو يدعو إلى تنفيذ القانون الدولي، لكنه في الواقع يخضع لإملاءات "إسرائيل" وأميركا.
محور الصيغة الجديدة هو تبادل الأراضي الذي تطلبه "إسرائيل"، وهو ليس طلباً تفاوضياً بريئاً كما يبدو. إذ أن "إسرائيل" تريد أساساً نقض القانون الدولي بأن الضفة وغزة أرض فلسطينية محتلة، وتريد أن تنقض القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بأن هذه الأرض الفلسطينية محتلة قطعاً ويجب الانسحاب منها، وأن جدار الفصل العنصري مخالف للقانون، ويجب إزالته وتعويض الأضرار عنه.
بضربة واحدة تريد "إسرائيل" نسف هذه القواعد القانونية الثابتة، وتحويل الجدار إلى حد أقصى لدولة فلسطينية ناقصة السيادة. وهو الأمر الذي نجحت فيه جزئياً مع مصر في معاهدة السلام لعام 1979 بأن انسحبت عسكرياً بالكامل من سيناء، لكنها أبقت السيادة المصرية على سيناء منقوصة بدرجات متفاوتة في 3 قطاعات من سيناء بحسب قربها من إسرائيل.
وإذا ما استقر الأمر لـ "إسرائيل" على هذا الأساس وقبل به الجانب الفلسطيني، أصبح من السهل تفتيت قضية فلسطين إلى قضايا منفصلة مثل الحدود والمياه والاستيطان واللاجئين وغيرها، اعتماداً على مبدأ تساوي حقوق فلسطين وإسرائيل في الضفة. ولم يبق إلا المساومة على توزيع هذه الحقوق على الطرفين حسب ميزان القوى.
وهذا يبرر الضجة التي أثارها موضوع تبادل الأراضي. فقد امتلأت الصحف بالتعليق على «السبق الصحافي» الذي كسبته هارتز (الوف بن: خطة أولمرت للسلام في 17/12/2009)، ونشرت معه خريطة تبادل الأراضي التي عُرضت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسمح له برؤيتها لكي يتمتع بذلك، لكنه حرم من الحصول على نسخة منها ما لم يوقع عليها بالموافقة.
الخداع "الإسرائيلي" ليس له حدود، ولكن، لا يقع في فخه الآن إلا يائس أو جاهل بالحقائق. إسرائيل تريد تبادل أراض احتلتها عام 1948 بأراض احتلتها عام 1967، وهي لا تملك هذه أو تلك. "إسرائيل" تعتقد بهذه الصيغة أنها تعطي شرعية لأراضٍ احتلتها في تلك السنة أو الأخرى بموجب إسقاط مالك الأرض لحقه فيها لمصلحة إسرائيل. وقد تقول جهة إن "إسرائيل" «تملك» الأرض التي تقايضها بدل المستوطنات. وهذا غير صحيح، حتى لو اعترفت هذه الجهة بـ "إسرائيل" كدولة. لأن الحيازة أو السيادة على الأرض لا تعني ملكيتها، إذ تبقى الملكية حق صاحبها مهما طال الزمن أو تغيرت السيادة. لذلك فإن "إسرائيل" لا تملك الحق القانوني في عملية تبادل الأراضي، إلا إذا أعترف صاحب الأرض بأنه حول ملكيتها إلى إسرائيل، وهذا بالطبع لن يحدث.
ولو أخذنا مشروع أولمرت على علاته، لوجدنا أنه في الواقع يصادر الأملاك الفلسطينية المحصورة بين جدار الفصل العنصري وخط الهدنة لعام 1949 بما فيها القدس الشرقية، أي أنه يعتبر حدود "إسرائيل" الجديدة هي مسار جدار الفصل العنصري. (انظر الخريطة). وهذا يعني ضم 369830 دنماً من الضفة إلى "إسرائيل" بجانب ضم 68720 دنماً إلى القدس العربية الذي صدر به قانون "إسرائيلي" في حزيران (يونيو) 1967، بما مجموعه 438550 دنماً.
ومن المفارقات التاريخية أن "إسرائيل" بهذا تريد توسيع المنطقة التي تنازل عنها الملك عبد الله في المثلث في آذار (مارس) 1949 لليهود تحت التهديد باحتلال كامل الضفة الغربية، وبموجب هذا التنازل أصبحت مساحة 375000 دنماً و70 قرية، وعدد سكانها 100000 نسمة عام 1949 تحت حكم إسرائيل. هذه المنطقة التي ضمتها "إسرائيل" عام 1949، تحولت إلى كابوس، بعد تنامي الروح الوطنية للفلسطينيين في "إسرائيل"، ومن بين هؤلاء الشيخ رائد صلاح من أم الفحم.
والخدع التي يعرضها أولمرت اليوم لها سوابق عدة. فتنص اتفاقية الهدنة مع الأردن في آذار وأوائل نيسان (ابريل) 1949 على حق الأردن في استبدال الأراضي المتنازل عنها لـ "إسرائيل" بأراضٍ أخرى في الفاطور (قضاء بيسان) وفي قضاء الخليل، مع تكفل "إسرائيل" بدفع تكاليف طريق جديدة بين قلقيلية وطولكرم لكي تعيد الاتصال بينها بسبب التنازل عن أراضي المثلث.
ولم يحدث بالطبع أي شيء من هذا، فلم تدفع تكاليف الطريق ولا استعيدت أراضي الفاطور، ولا اكُتسبت أراضٍ في قضاء الخليل. كانت كلها مسرحية وهمية. والممثلون يعلمون ذلك. والمدهش أن أراضي الفاطور كانت ارضاً عربية عام 1949، وليس هناك معنى لاستعادتها. ولان الامر كان مسرحية، فقد ضمتها "إسرائيل".
ومشروع أولمرت هذا إذا ووفق عليه يؤكد شرعية احتلال القدس وجوارها، واحتلال منطقة اللطرون التابعة للضفة الغربية، وكذلك يؤكد شرعية استمرار سحب المياه من الخزان الجوفي الغربي، أكبر خزانات المياه الأرضية في الضفة الغربية.
ماذا تقدم "إسرائيل" مقابل السخاء العربي؟
تعرض توسيعاً لمساحة الضفة في قضاء الخليل بمساحة 190000 دنم (رقم 28 في الخريطة) في أرض كانت ولا تزال وستبقى جرداء. ولا توجد فيها إلا قرية عربية غير معترف بها "إسرائيلياً" وهي عتير/ أم الحيران. وليس فيها ماء ولا تشاطئ البحر الميت. فـ "إسرائيل" لم تخسر شيئاً وكسبت التخلص من قرية عربية. أما في الجهة الغربية من قضاء الخليل، فتعرض "إسرائيل" توسعاً في القضاء بمساحة 12000 دنم، في أرض جرداء أيضاً، بحيث لا يتأثر أي من المستعمرات اليهودية في المنطقة هناك، وهي شكيت والشومارية. أما أمازيا، وهي المستعمرة التي أنشئت على أرض قرية الدوايمة التي تعرضت لأكبر مذبحة في نكبة 1948، فلا تتأثر على الإطلاق. وعليه لا يشعر المستعمرون اليهود في تلك المنطقة بأي تغيير.
والمتابع لتاريخ النكبة يعلم أن خط الهدنة في قضاء الخليل، ابتداء من القدس حتى البحر الميت، كان اعتباطياً إلى حد كبير، ولم تحدث حوله معركة ولا قتال ولا جدال سواء مع الأردن أو مصر، وكلاهما كانت لديه قوات (للدفاع) عن هذه المنطقة. وكان من الممكن أن يحدد خط الهدنة إلى الغرب من موقعه الحالي، بحيث تكون الفالوجة وبئر السبع في الضفة الغربية وتكتسب بذلك آلاف الكيلومترات، لكن العجز والإهمال حالا دون ذلك.
أما الخط المقترح حول القدس واللطرون، فهو ثاني محاولة لاقتناص أرض عربية. الاولى تمت أيضاً بنجاح عام 1949 عندما حّرك موشى دايان خط الهدنة ليشمل غرب القدس وبيت صفافا وأراضي الولجة وخط سكة حديد يافا – القدس. والثانية المقترحة الآن لخلق القدس اليهودية الكبرى.
أما غزة فلها قصة لا تقل نكبة عن الضفة الغربية. خط الهدنة الحقيقي الذي وقعت عليه مصر في 24 شباط (فبراير) 1949 (المبين على الخريطة) يعطي قطاع غزة مساحة 555 كيلومتراً مربعاً أي بزيادة 200 كيلومتر مربع عن المساحة الحالية.
كيف حدث هذا؟
تم التفاوض على اتفاق سرّي مع الحكومة المصرية باسم «اتفاقية التعايش» ووقعت في شباط 1950، وذلك بادعاء المحافظة على الأمن، والواقع هو منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم عبر خط الهدنة، وهم من تسميهم إسرائيل بالمتسللين. وبموجبها تزحزح خط الهدنة إلى الداخل في مكانه الحالي. والغريب أن اتفاقية «التعايش» تنص على أن اتفاقية الهدنة الأصلية لا تتأثر بهذه الاتفاقية الموقتة ولكن، لم تتم المطالبة على الإطلاق بإعادة الخط إلى أصله في الفترة من 1950 إلى 1967.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.